کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 37
عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ » (34: 42). « رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » (78: 37).
ثم هنا ليس من المُلك والمِلك الّا المجازى المستودّع لبعض مافى الزمان والمكان، دون الزمان اياً كان وأيان، ودون المكان الّا خصوص ما يملكه مِلكا او مُلكاً، فقد يملِك المَلِك وقد لا يَملِك، كما قد يكون المالك مَلِكاً وقد لا يكون، وفيما يجتمعان يختصان ببعض المكان، و بعض ما-/ او-/ مَن فى الزمان والمكان.
ولكن اللَّه مالك وملك لمثلث الزمان والمكان وما فى الزمان والمكان مِلْكاً ومُلكاً حقيقياً لا حِوَل عنه، فالكون اياً كان لزامه ذاتياً فى العمق أنه مملوكٌ لله وهو مالكه ومَلِكه، اذ « بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ . (36: 83) وهى حقيقة المِلك والمُلك، والمِلكُ اعمق تدليلًا على السلطة المطلقة من المُلك وان كانت الحقيقة منهما متلازمتان دون فكاك ولا احتكاك، حيث المالك يملك العبيد وليست لهم أية خيرة أمام المالك، وللمَلِك سلطة على الرعية ولهم حق المطالبة بما يرونه حقهم، فلكى تجتث خالجة أية خيرة للعبيد يوم الدين ياتى هنا « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » دون «ملك» وهما لله سيان حيث العبيد أدون حالًامن الرعايا.
ثم المالك ليوم الدين على وجه الاطلاق يملك كل مالك بملِكه مَلِكٍ بمُلكه حيث يملك مثلث الزمان والمكان بما فيهما، ولكن الملك قد يكون بجنبه مالكون، فالوجهة العامة فى التصور عنهما تصور المالك المطلق أملك من المَلِك المطلق، مهما كانا فى اللَّه على سواء، وهو ملك كما هو مالك ولكنما أم القرآن بسبعها الثانى تقتضى أم التعبير، و «مالك» ام «ملك» والى سائر التعبير، كما الدين حيث يشمل كل ما فى القيامة وهو أبرز سماته وحجر الأساس من كل خصوصياته.
اذاً فهو مالك لكل كائن ومَلِك على كل كائن، مِلكاً ومُلكاً للزمان والمكان وما فيهما، ومن الهُراء القول ان «مالك» لا يناسب «يوم الدين» حيث لا يُملك الزمان، فانه يخص كل زمانى دون خالق الزمان!.
و اذا كان هو مالك الزمان فلماذا خص هنا ب «يوم الدين» وهو مالك يوم الدنيا كما يملك
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 38
يوم الدين؟ كما وانه مالك المُلك يوم الدنيا ويوم الدين.
انه ليس فى الحق من الاختصاص، فانما ترجيح ذكراً ليوم الدين، فان آيته الانذار بيوم الدين، وفى عرض مالكيته بخصوصه تهّيىٌ اكثر وتهيّب للمصدقين بالدين، ولأن مالكيته يوم الدنيا كانت قرينة فى طولها بمالكية عَرَضية مستودعة لأهل الدنيا، وهذه منفية عن أهلها يوم الدين، « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ » فان قال «ملك الايام» لم يكن بذلك التحديد والتهديد، حيث الملوك والمُلّاك يوم الدنيا مخيرون بجنبه فيما يفعلون ويفتعلون، فعلَّهم كذلك يوم الدين، فلا يصل الى كل ذى حق حقه! وأما « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » فقد يحصر المالكية له يوم الدين دون سواه وانْ مستودعاً باختيار لاختبار، فانهما ليسا فى عقبى الدار.
كما وأن مالكيته الحقيقية تبرز لنا كريها يوم الدين، وتزداد ظهور وبهوراً لمصدقيها يوم الدين، وفى هذه الأربع كفايةٌ لظاهر اختصاص «مالك» هنا ب «يوم الدين».
والدين فى الأصل هو الطاعة والشريعة، شريعة الطاعة وطاعة الشريعة، عنيت منه فى (47) موضعاً فى القرآن، مهما عنى الجزاء بها يوم الجزاء فى (15) موضعاً آخر.
ولكنما الجزاء على طاعة الشرعة وعصيانها هى بروزٌ لحقيقة الطاعة أو عصيانها، فلها اذاً يومان، يوم التكليف بها وهو الاولى، ويوم ظهورها بحقيقتها وهو الأخرى ف « هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (27: 90) فالدين هو الطاعة للشرعة كما هو ظهورها جزاءً فى الآخرة، ف « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » تعنى الثانية مهما يملك يوم الأولى كما هيه.
فلأن بروز الطاعة بحقيقتها هو جزاءها فى الاخرى تسمى يوم الدين، كما المالكية الالهية بارزة يوم الدين اكثر مما هى يوم الدنيا، تختص هنا بيوم الدين.
كما وأن من أيام الله: « وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ » (14: 5) هى الأيام التى تبرز فيها شريعة الله وحكمه وطاعته، وهى على الترتيب يوم الرجعة والموت والقيامة، فيوم الدولة المهدويَّة عليه السلام من ايام اللَّه حيث تظهر فيه شرعة اللَّه كما فى قسيميه مهما اختلف ظهور عن ظهور، كما وقد تظهر قبل دولة المهدى عليه السلام موضعياً وعلى هامشها فله نصيب من أيامقدر ما له نصيب من تحقيق شرعة الله.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 39
و مالكية يوم الدين تمثِّل قاعدة ضخمة رزينة رصينة عميقة التأثير فى حياة التكليف، فكثيرون يدينون بألوهية اللَّه وخالقيته-/ أم-/ وتوحيده، ولا يدينون بيوم الدين، عائشين حياة اللّامبالاة والأريحية اذ لا يخافون يوماً آخر للدين، وآخرون يدينون بيوم الدين معتبِرين استمرارية المِلك والمُلك فيه لآخرين، فهم يملكون فيه اعفاءاً أو تخفيفاً أو افلاتاً عن حكم احكم الحاكمين.
و اذ كان اللَّه لا سواه « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » يملك يومه بمن فيه وما فيه من حساب وثواب و عقاب او توبة وشفاعة وعفو أو اعفاء، اذاً فلا مجال لأمنيات كاذبة كاسدة رخيصة فى فوضى الحساب والجزاء يوم الدين، ف « الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » (82: 19) و « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (الغاشية: 25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ » (88: 26) و « الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ ».
و قد تعم « يَوْمِ الدِّينِ » مثلث أيام الله، مهما كان الأصل هو القيامة الكبرى اماتة واحياءً، فالبرزخ برزخ فى الدين، ودولة المهدى عليه السلام ساعة من ساعات الدين كما هى فى أشراط الساعة الدين.
و «يوم» هنا مطلق الزمان، محدوداً كما لأهل النار وغير محدود كما لأهل الجنة، ف « يَوْمِ الدِّينِ » كمطلقه غير محدود فان لأهل الجنة « عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ».
و لان «الدين» هو أبرز سمات ذلك اليوم وأجمعها يختص السبع الثانى بذكره اشارة الى كل سماته فى القرآن العظيم، اجمالًا يشير الى تفصيل، وكما هو سائر فى آياتها السبع.
فالقيامة بتدميرها وتعميرها وحسابها وسائر ما لها من أسماء بِسِماتها، مطوية فى «الدين» فانه ظهور الطاعة وخلافها، فهو الأصل الأصيل وهى كلها من فروعها وآثارها، وقد دلت عشرات من الآيات على انعكاس الاعمال كلها يوم الدين وانها هى بنفسها الجزاء، وان الدين الحق هو الميزان لثقل الميزان وخفته « وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ » فالقيامة هى يوم الدين الشرعة والكتاب ميزاناً، والدين الطاعة والمعصية ظهوراً، والدين بحقيقته جزاءً وفاقاً.
و هكذا يكون آيات السبع الثانى بكلماتها، نماذج رئيسية محكمة عن تفصيل الكتاب لا
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 40
ريب فيه من رب العالمين.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
العبادة هى الانتصاب للمعبود فى منصب المعبودية، استجاشة لكل الطاقات والامكانيات فى جانحة او جارحة لخدمته بكل ذل وانكسار، بعيداً عن كل عزّة واستكبار، و هى درجات كما الاستكبار دركات، ولأن العبد «المملوك» قد يُملك بعضُهُ ويُملك فى بعض لمالك او مالكين وهو مطلق العبد، وآخر يُملك كله لشركاء متشاكسين وهو العبد المطلق ولكن ليس فى اطلاق العبودية واخلاصه لمالك واحد، وقد يملكه مالكٌ واحدٌ ولكنه يستسلم له مع أهواء آخرين، وذلك الثالوث خارج عن مغزى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » فانها عبادة خاصة خالصة لله رب العالمين بملكية حقيقة لا تشذ من ذاته ولا من عبادته شيئاً لغيروفى غير الله.
و هى جوهرياً تنافى الاستكبار: « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » (40: 60) كما الإخلاص فيها ينافى الإشراك لها: « فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ى فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » (18: 110) كما وبأحرى ينافى الإشراك فيها « وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » (17: 23).
ان المعبود الحق وهو اللَّه يملك عباداً سواك ف « إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا » (19: 94) ولكنك لا تجد معبوداً بحق سواه، وهو يربيك كأن ليس له عبد سواك، ثم أنت تعبده-/ ان كنت عابدَه-/ كأنَّ لك أرباباً سواه!
انه لا بد لك من معبود حقاً أو باطلًا، وقولة القائل: ان العبودية ذلٌ أياً كان المعبود، والانسان عزيزٌ اياً كان، فليرفض العبودية لاىِّ كان، إنه هرطقة هُّراء، والله منها براءٌ.
اجل ان العبودية الذل أمام الذليل والأذل كما يفعلها الذين يعبدون من دون الله، انها ذلّ و ظلم ومسٌ من كرامة الانسان، ولكنها أمام اللَّه عزٌ وعدل وفضل يرجع الى الانسان، ولا يتحلل اى ذى حجى ام ذى شعور عن عبادة مَّا حقاً أو باطلًا.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 41
و بصيغة مختصرة محتصرة إن فى الكون الهين اثنين معبودين، حق وباطل، فالباطل هو عبادة النفس والهوى، والحق هو عبادة اللَّه على هدى، وليست عبادة مَن سوى اللَّه الّا ناتجة عن عبادة الهوى: « وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ » (38: 26).
و مثلًا على العابدين الانسان اياً كان، وحتى الذى يدعى الألوهية من دون الله، فان له الها وآلهة من اصنام وأوثان، مهما كان هو طاغوتاً لمستضعفي الانسان، ولأقل تقدير هو يعبد نفسه وهواه: « أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » (45: 26).
انه ليست لله تعالى حظوة فى عباداتنا، فنحن الذين نحظوا بعبادته، حظوة معنوية لانها اتصال معرفى باللانهاية فى الكمال، واخرى حيوية اخرى، انه يدلنا بها الى التقوى ويردعنا عن الطغوى: « وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » (58) « يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (2: 21).
و الناس بين من يعبد اللَّه وحده على درجاتهم، ام يعبده مشركاً فى عبادته، ام مشركاً به معبوداً سواه، ام لا يعبد الا سواه، بديلَ ألّا يعبد الّا اياه «و إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » فضلًا عن تخصيص العبادة لغير الله.!
ان العبودية العادلة الحكيمة هى مفرق الطريق بين التحرر المطلق عن كل عبودية، وبين العبودية لغير اللَّه من طواغيت وأوثان وأصنام ونُظُم وأوهام وعادات وأحلام، فالناس بين عابدين لغير الله، ومدعين التحلل عن كل عبادة وعبودية حتى الله، مفرِطين فيها او مفرِّطين عنها، رغم استحالة التحلل عن أية عبادة وعبودية، فانهم يعبدون شهواتهم ومشتهيات غيرهم من طواغيت ثم يدعون التحلل عن كل عبودية ولهم منها أبطلها وأحمقها.
فاذ يعبد الانسان ربّه الخالق له المدبّر أمره فهذه مفخرة له اذ تَرفَعُ من كيانه، وحين يعبد أضرابه أو مَن دونه فقد حط من كيانه كانسان ورد الى أسفل سافلين.
ثم و «نعبد» قد تكون من العبودة كما هى من العبادة، فمن العبودة الرضى بلا خصومة،
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 42
والصبر بلا شكاية، واليقين بلا شبهة، والشهود بلا غيبة، والاقبال بلا رجعة، والايصال بلا قطيعة.
و من العبادة الصلاة بلا غفلة، والصوم بلا غيبة، والصدقة بلا منّة، والحج بلا اراءَة، والغزو بلا سمعة، والذكر بلا ملالة، وسائر العبادات بلا أية رئاء وسمعة وآفة.
ف «نعبد» تشمل باطلاق التعبير كلا العِبادة والعُبودة، كما كلُّ منهما درجات وفى التخلف عنهما دركات.
و هنا فى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » انتقالة من غياب الحمد الى حضور العبادة والاستعانة، حيث المعرفة البدائية وهى شرط العبادة، هى غائبة بطبيعة الحال، ومن ثَمَّ الى حضور المعبود المعروف بما عرّف نفسه وتعرَّفنا اليه فى خطوات سابقة سابغة: « بسم اللَّه - الى-/ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ »
أنت قبل صلاتك منشغل عن اللَّه بمشاغل الحياة وشواغلها، فلما تكبِّر وتعنى به أنه اكبر من أن يوصف، تاخذ فى التغافل عما سوى اللَّه والانشغال بالله، ولكى تتهيّىءُ لحضوره فى معراج الصلاة تُقدِّم ما تَقَّدم على «اياك نعبد ..» وحين تكمل أصول المعرفة والدين بالبسملة-/ الى-/ « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » هنا يُسمح لك أن تخاطب صاحب المعراج ب « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ».
فمن قبل كنت فى غياب هو مطلق الحضور، وانت الآن فى الحضور المطلق.
ف «اعبد ربك كأنك تراه وان لم تكن تراه فانه يراك».
فى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » خرق لكافة الحجب ظلمانية ونورانية، وهو مجال فاسح لمقام التدلى فى « أَوْ أَدْنى » بعد ما «دنى»، فالدنو المعرفى العبودى كقاب قوسين، يعنى ان ليس بينه وبين اللَّه أحد، ثم التدّلى هو أن ينمحى العابد عن نفسه كما محّى ما سواه فلا يبقى الّا حجاب الذات المقدسة وهو لزام الألوهية: بينى وبينك إنيي ينازعنى-/ فارفع بلطفك إنيي من البين.
الله تبارك وتعالى حاضر لدى كل كائن، وناظر اليه رقيب عليه، وهو اقرب منه اليه
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 43
« وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » قرباً علمياً وقيومياً، لا ذاتياً او زمانياً ومكانياً فانها بُعدٌ فى ساحة الألوهية، ومسٌ من كرامة الربوبية:
فلتكن فى حاضر خاطرك، فى علمك وعملك، فى سِّرك وعلانيتك، فى جوارحك وجوانحك، حاضراً لديه، اقرب منك الى نفسك فضلًا عما سواك، انمِحاءً لنفسك لكمال الحضور، فانعدم هنا عن كافة شخصياتك وتعلقاتك أمام ربك حتى تَنْوجِدَ متعلقاً بل وتعلقاً بربك متدليَّاً به.
أم تحضر بحضرته كما أنت حاضر لنفسك، أم-/ لا قل تقدير-/ كما انت حاضر عند عزيز من أعزتك وأنت تراه، أم وأدنى منه أنه يراك، آه يا ويلنا ونحن بعيدون فى معراجنا عن هذه الأربع، بل نجد كل ضالة سوى اللَّه فى صلاتنا! أفنحن أضعف من نساء فى المدنية بالنسبة لحضرة يوسف: « فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ » ويوسف عبدٌ من عبيدالله، فهن يتناسين انفسهن فيقطعن ايديهن من جمال الحضور، ونحن نتثاقل عن معراج الصلاة لحد النفور، فاين تفُّرون؟!
فليكن المصلى فى معراجه حضوراً مطلقاً لدى ربه دون غياب، فان اليه الاياب وعليه الحساب وهو رب الأرباب.
تتقدم «اياك» هنا على «نعبد ونستعين» تدليلًا على حصر العبادة فى اللَّه ولله، وحصر الاستعانة فى الله: نعبدك أنت لا سواك، ونستعينك أنت لا سواك، تعبيراً عبيراً عن «لا اله الّا الله».
تتقدم لان اللَّه أحق فى التقديم عليك وعلى عبادتك بكل موازين التقديم، فمَن أنت حتى تتقدم على ربك وان فى حضرة العبودية، وما هى عبادتك حتى تتقدم على المعبود فى حضرته؟!
و «نعبد ... ونستعين» جمعاً ليس جمع التعظيم للمفرد حيث المقام مقام التطامن والتذلل، فابراز نفسك كفردٍ زائدٌ أمام ربك فضلًا عن جمعك.