کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 39
و مالكية يوم الدين تمثِّل قاعدة ضخمة رزينة رصينة عميقة التأثير فى حياة التكليف، فكثيرون يدينون بألوهية اللَّه وخالقيته-/ أم-/ وتوحيده، ولا يدينون بيوم الدين، عائشين حياة اللّامبالاة والأريحية اذ لا يخافون يوماً آخر للدين، وآخرون يدينون بيوم الدين معتبِرين استمرارية المِلك والمُلك فيه لآخرين، فهم يملكون فيه اعفاءاً أو تخفيفاً أو افلاتاً عن حكم احكم الحاكمين.
و اذ كان اللَّه لا سواه « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » يملك يومه بمن فيه وما فيه من حساب وثواب و عقاب او توبة وشفاعة وعفو أو اعفاء، اذاً فلا مجال لأمنيات كاذبة كاسدة رخيصة فى فوضى الحساب والجزاء يوم الدين، ف « الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » (82: 19) و « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (الغاشية: 25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ » (88: 26) و « الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ ».
و قد تعم « يَوْمِ الدِّينِ » مثلث أيام الله، مهما كان الأصل هو القيامة الكبرى اماتة واحياءً، فالبرزخ برزخ فى الدين، ودولة المهدى عليه السلام ساعة من ساعات الدين كما هى فى أشراط الساعة الدين.
و «يوم» هنا مطلق الزمان، محدوداً كما لأهل النار وغير محدود كما لأهل الجنة، ف « يَوْمِ الدِّينِ » كمطلقه غير محدود فان لأهل الجنة « عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ».
و لان «الدين» هو أبرز سمات ذلك اليوم وأجمعها يختص السبع الثانى بذكره اشارة الى كل سماته فى القرآن العظيم، اجمالًا يشير الى تفصيل، وكما هو سائر فى آياتها السبع.
فالقيامة بتدميرها وتعميرها وحسابها وسائر ما لها من أسماء بِسِماتها، مطوية فى «الدين» فانه ظهور الطاعة وخلافها، فهو الأصل الأصيل وهى كلها من فروعها وآثارها، وقد دلت عشرات من الآيات على انعكاس الاعمال كلها يوم الدين وانها هى بنفسها الجزاء، وان الدين الحق هو الميزان لثقل الميزان وخفته « وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ » فالقيامة هى يوم الدين الشرعة والكتاب ميزاناً، والدين الطاعة والمعصية ظهوراً، والدين بحقيقته جزاءً وفاقاً.
و هكذا يكون آيات السبع الثانى بكلماتها، نماذج رئيسية محكمة عن تفصيل الكتاب لا
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 40
ريب فيه من رب العالمين.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
العبادة هى الانتصاب للمعبود فى منصب المعبودية، استجاشة لكل الطاقات والامكانيات فى جانحة او جارحة لخدمته بكل ذل وانكسار، بعيداً عن كل عزّة واستكبار، و هى درجات كما الاستكبار دركات، ولأن العبد «المملوك» قد يُملك بعضُهُ ويُملك فى بعض لمالك او مالكين وهو مطلق العبد، وآخر يُملك كله لشركاء متشاكسين وهو العبد المطلق ولكن ليس فى اطلاق العبودية واخلاصه لمالك واحد، وقد يملكه مالكٌ واحدٌ ولكنه يستسلم له مع أهواء آخرين، وذلك الثالوث خارج عن مغزى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » فانها عبادة خاصة خالصة لله رب العالمين بملكية حقيقة لا تشذ من ذاته ولا من عبادته شيئاً لغيروفى غير الله.
و هى جوهرياً تنافى الاستكبار: « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » (40: 60) كما الإخلاص فيها ينافى الإشراك لها: « فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ى فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » (18: 110) كما وبأحرى ينافى الإشراك فيها « وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » (17: 23).
ان المعبود الحق وهو اللَّه يملك عباداً سواك ف « إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا » (19: 94) ولكنك لا تجد معبوداً بحق سواه، وهو يربيك كأن ليس له عبد سواك، ثم أنت تعبده-/ ان كنت عابدَه-/ كأنَّ لك أرباباً سواه!
انه لا بد لك من معبود حقاً أو باطلًا، وقولة القائل: ان العبودية ذلٌ أياً كان المعبود، والانسان عزيزٌ اياً كان، فليرفض العبودية لاىِّ كان، إنه هرطقة هُّراء، والله منها براءٌ.
اجل ان العبودية الذل أمام الذليل والأذل كما يفعلها الذين يعبدون من دون الله، انها ذلّ و ظلم ومسٌ من كرامة الانسان، ولكنها أمام اللَّه عزٌ وعدل وفضل يرجع الى الانسان، ولا يتحلل اى ذى حجى ام ذى شعور عن عبادة مَّا حقاً أو باطلًا.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 41
و بصيغة مختصرة محتصرة إن فى الكون الهين اثنين معبودين، حق وباطل، فالباطل هو عبادة النفس والهوى، والحق هو عبادة اللَّه على هدى، وليست عبادة مَن سوى اللَّه الّا ناتجة عن عبادة الهوى: « وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ » (38: 26).
و مثلًا على العابدين الانسان اياً كان، وحتى الذى يدعى الألوهية من دون الله، فان له الها وآلهة من اصنام وأوثان، مهما كان هو طاغوتاً لمستضعفي الانسان، ولأقل تقدير هو يعبد نفسه وهواه: « أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » (45: 26).
انه ليست لله تعالى حظوة فى عباداتنا، فنحن الذين نحظوا بعبادته، حظوة معنوية لانها اتصال معرفى باللانهاية فى الكمال، واخرى حيوية اخرى، انه يدلنا بها الى التقوى ويردعنا عن الطغوى: « وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » (58) « يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (2: 21).
و الناس بين من يعبد اللَّه وحده على درجاتهم، ام يعبده مشركاً فى عبادته، ام مشركاً به معبوداً سواه، ام لا يعبد الا سواه، بديلَ ألّا يعبد الّا اياه «و إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » فضلًا عن تخصيص العبادة لغير الله.!
ان العبودية العادلة الحكيمة هى مفرق الطريق بين التحرر المطلق عن كل عبودية، وبين العبودية لغير اللَّه من طواغيت وأوثان وأصنام ونُظُم وأوهام وعادات وأحلام، فالناس بين عابدين لغير الله، ومدعين التحلل عن كل عبادة وعبودية حتى الله، مفرِطين فيها او مفرِّطين عنها، رغم استحالة التحلل عن أية عبادة وعبودية، فانهم يعبدون شهواتهم ومشتهيات غيرهم من طواغيت ثم يدعون التحلل عن كل عبودية ولهم منها أبطلها وأحمقها.
فاذ يعبد الانسان ربّه الخالق له المدبّر أمره فهذه مفخرة له اذ تَرفَعُ من كيانه، وحين يعبد أضرابه أو مَن دونه فقد حط من كيانه كانسان ورد الى أسفل سافلين.
ثم و «نعبد» قد تكون من العبودة كما هى من العبادة، فمن العبودة الرضى بلا خصومة،
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 42
والصبر بلا شكاية، واليقين بلا شبهة، والشهود بلا غيبة، والاقبال بلا رجعة، والايصال بلا قطيعة.
و من العبادة الصلاة بلا غفلة، والصوم بلا غيبة، والصدقة بلا منّة، والحج بلا اراءَة، والغزو بلا سمعة، والذكر بلا ملالة، وسائر العبادات بلا أية رئاء وسمعة وآفة.
ف «نعبد» تشمل باطلاق التعبير كلا العِبادة والعُبودة، كما كلُّ منهما درجات وفى التخلف عنهما دركات.
و هنا فى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » انتقالة من غياب الحمد الى حضور العبادة والاستعانة، حيث المعرفة البدائية وهى شرط العبادة، هى غائبة بطبيعة الحال، ومن ثَمَّ الى حضور المعبود المعروف بما عرّف نفسه وتعرَّفنا اليه فى خطوات سابقة سابغة: « بسم اللَّه - الى-/ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ »
أنت قبل صلاتك منشغل عن اللَّه بمشاغل الحياة وشواغلها، فلما تكبِّر وتعنى به أنه اكبر من أن يوصف، تاخذ فى التغافل عما سوى اللَّه والانشغال بالله، ولكى تتهيّىءُ لحضوره فى معراج الصلاة تُقدِّم ما تَقَّدم على «اياك نعبد ..» وحين تكمل أصول المعرفة والدين بالبسملة-/ الى-/ « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » هنا يُسمح لك أن تخاطب صاحب المعراج ب « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ».
فمن قبل كنت فى غياب هو مطلق الحضور، وانت الآن فى الحضور المطلق.
ف «اعبد ربك كأنك تراه وان لم تكن تراه فانه يراك».
فى « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » خرق لكافة الحجب ظلمانية ونورانية، وهو مجال فاسح لمقام التدلى فى « أَوْ أَدْنى » بعد ما «دنى»، فالدنو المعرفى العبودى كقاب قوسين، يعنى ان ليس بينه وبين اللَّه أحد، ثم التدّلى هو أن ينمحى العابد عن نفسه كما محّى ما سواه فلا يبقى الّا حجاب الذات المقدسة وهو لزام الألوهية: بينى وبينك إنيي ينازعنى-/ فارفع بلطفك إنيي من البين.
الله تبارك وتعالى حاضر لدى كل كائن، وناظر اليه رقيب عليه، وهو اقرب منه اليه
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 43
« وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » قرباً علمياً وقيومياً، لا ذاتياً او زمانياً ومكانياً فانها بُعدٌ فى ساحة الألوهية، ومسٌ من كرامة الربوبية:
فلتكن فى حاضر خاطرك، فى علمك وعملك، فى سِّرك وعلانيتك، فى جوارحك وجوانحك، حاضراً لديه، اقرب منك الى نفسك فضلًا عما سواك، انمِحاءً لنفسك لكمال الحضور، فانعدم هنا عن كافة شخصياتك وتعلقاتك أمام ربك حتى تَنْوجِدَ متعلقاً بل وتعلقاً بربك متدليَّاً به.
أم تحضر بحضرته كما أنت حاضر لنفسك، أم-/ لا قل تقدير-/ كما انت حاضر عند عزيز من أعزتك وأنت تراه، أم وأدنى منه أنه يراك، آه يا ويلنا ونحن بعيدون فى معراجنا عن هذه الأربع، بل نجد كل ضالة سوى اللَّه فى صلاتنا! أفنحن أضعف من نساء فى المدنية بالنسبة لحضرة يوسف: « فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ » ويوسف عبدٌ من عبيدالله، فهن يتناسين انفسهن فيقطعن ايديهن من جمال الحضور، ونحن نتثاقل عن معراج الصلاة لحد النفور، فاين تفُّرون؟!
فليكن المصلى فى معراجه حضوراً مطلقاً لدى ربه دون غياب، فان اليه الاياب وعليه الحساب وهو رب الأرباب.
تتقدم «اياك» هنا على «نعبد ونستعين» تدليلًا على حصر العبادة فى اللَّه ولله، وحصر الاستعانة فى الله: نعبدك أنت لا سواك، ونستعينك أنت لا سواك، تعبيراً عبيراً عن «لا اله الّا الله».
تتقدم لان اللَّه أحق فى التقديم عليك وعلى عبادتك بكل موازين التقديم، فمَن أنت حتى تتقدم على ربك وان فى حضرة العبودية، وما هى عبادتك حتى تتقدم على المعبود فى حضرته؟!
و «نعبد ... ونستعين» جمعاً ليس جمع التعظيم للمفرد حيث المقام مقام التطامن والتذلل، فابراز نفسك كفردٍ زائدٌ أمام ربك فضلًا عن جمعك.
و انما يعنى اموراً عدة بين راجحة ومفروضة، وكلها مفروضة فى شرعة المعرفة.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 44
فلكى لا تكذب فى صلاتك ادعاءً لحصر عبادتك فى الله، تُدمج نفسك فى جموع العابدين من الملائكة والجنة والناس اجمعين، من السابقين والمقربين واصحاب اليمين، حتى تصدق دعواك فى حصر العبادة، فان المخلصين صادقون فى حصرهم بأسرهم، فأنا-/ اذاً-/ قائل عنهم، وناقل منهم، وان لم أكن بنفسى أهلًا لتلك الدعوى، فلعلّى أسير بسيرتهم فاكون معهم: « وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4: 69)
فاذا انت تقبل حق العبادة ايها الرب الجليل فاقبل منى أنا الذليل البائس الهزيل، تلك العبادة الخليطة بعبادات المخلَصين.
ثم دمْجاً لنفسى فى كل العالمين ممن يعبده ويسجد له طوعاً او كرهاً ف « إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً » والكون محراب فسيح تعبد فيه الكائنات ربها بلسان فصيح وغير فصيح.
و لان الصلاة جماعة أحرى ام هى مفروضة كأصلها ف «اياك نعبد» هى حكاية الحال الحاضرة والمقال لجموع المصلين، ومعنا ملائكة اللَّه ان كنا فى صلاتنا فاردين، ومعنا سائر الكون على أية حال.
و حتى ان كنا فى حصر العبادة لله صادقين، علينا أن نخفى أنفسنا فى جموع العابدين تحرُّزا عن الإنية والظهور، واعفاءً لأثر الشخوص والغرور، فلا أنا لائق للإشخاص والشخوص، ولا عبادتى تليق بحضرة المعبود، اذاً ف «نعبد ونستعين واهدنا» فى مثلث من انمحاء الشخصية أمام حضرة المعبود.
ان العبودية المطلقة تقتضى الطاعة المطلقة وبينهما عموم مطلق، فكل عبودية طاعة وليست كل طاعة عبودية، اللهم الّا مطلق العبودية الجامعة مع الشرك خفياً وجلياً.
و لماذا تنحصر العبادة بأسرها فى الله؟ لأنه «الله-/ الرحمن-/ الرحيم-/ رب العالمين-/ مالك يوم الدين» وكلٌ من هذه برهان تام لا مردَّ له على ضرورة الانحصار.
فهو «الله» فى مثلث الزمان وقبله وبعده، سرمدياً ما له من فواق ولا رفاق، الكمال
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 45
المطلق الصادر منه كل كامل وكمال « فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ »؟ « فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ »؟!
و هو «الرحمن» لا سواه، قبل ان يخلقك وبعد خلقك، لا رحمان الّا ايّاه، « فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ » « إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ »؟!.
و هو «الرحيم» بمنٍّ يستحق خاصة الرحمات لا سواه
و هو « رَبِّ الْعالَمِينَ » لا رب سواه خلقاً ولا تدبيراً فمن ذا نعبد الّا اياه؟
وهو « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » ليس الا اياه فكيف نعبد سواه واليه الاياب وعليه الحساب؟
فان كنت تعبد ما تعبد حباً للكمال المطلق فهو اللَّه فلا تعبد-/ اذاً-/ الّا ايّاه.
و ان كنت تعبد استدراراً للرحمة أم ادراراً، فالرحمة خاصة بالله فلا تعبد الا اياه، شكراً واستكمالا به، واحتراماً لديه ما أنت المحتاج اليه دونه.
و ان كنت تعبد لمكان الربوبية فلا تعبد الّا اياه فانه-/ فقط-/ رب العالمين لا سواه:
و ان كنت طمعاً فى الثواب او خوفاً من العقاب فلا تعبد الّا اياه فانه-/ فقط-/ « مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » لا سواه:
فمثلث العبادة الحرة وطلب الثواب وخوف العقاب، منحصر فى اللَّه منحسر عن سواه فكيف-/ اذاً-/ تعبد سواه وقد « أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ »؟!
ثم الواجب فى شرعة التوحيد عبادة الذات «الله» حضوراً وادراكاً:
« إِيَّاكَ نَعْبُدُ » «و من زعم انه يعبد بالصفة لا بالادراك فقد احال على غائب» عبادة من لا يحضره ولا يعرفه، اللّهم ألّا بما أنعم، فلولا النعمة لم تكن عبادة! و «اياك نعبد» تنافى الغياب، فالله تعالى حاضر لك واقرب اليك منك، فلتكن حاضراً لديه علماً به وادراكاً دون احاطة، فلوكانت عبادتك بالصفة الفعلية فهى إحالة على غائب، وكثير هولاء الذين يعبدون الغائب.