کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم

الجزء الاول

المقدمه «سوره الفاتحة -/ مكية -/ و آياتها سبع»

الجزء الثانى

المقدمة الفقراء أنتم الى الله الله هو الخالق الفاطر البديع 1 الله خالق كل شى‏ء 2 اختصاصات ربانية في علمه تعالي و قدرته 3 العلم الطليق لزام الخالقية الطليقة 4 علم الغيب المطلق المطبق خاص بالله 1 مفاتح الغيب خاصه بالله 3 فحتى الرسول محمد صلى الله عليه و آله لا يعلم الغيب الرباني إلا بوحي رسالي فحسب 3 كلمة الله و كلمة الشيطان؟؟ 2 حتى نعلم من الله هي العلم: العلامة لا العلم المعرفة الله‏هو متوفي الانفس و القاهر فوق عباده اختصاصات ربانية النظر الى الرب هو نظر القلب معرفيا و انتظار رحمته 2 سئوال عضال من اهل الكتاب«أرنا الله جهرة» 3 ماذا يعنى رب ارنى انظر اليك؟ 4 ما هو المعنى من و لقدرآه نزلة اخرى 5 معنى الاضلال الربانى و هدايته 1 معنى الاضلال الربانى في سورة محمد 2 معنى الاضلال الربانى 3 معنى الهداية و الاضلال من الله؟ الله تعالى هل يأمر بالفسق و الضلالة!؟! لاجبر و لا تفويض بل امر بين الامرين فاين تذهبون؟ انما الحساب على الله كما الاياب الى الله كتاب المحو و الاثبات الرباني من متشابهات القرآن مجى‏ء الله يوم الآخرة؟ الروح من امر الله و خلقه دون ذاتة الاعمال التكليفته مختارة دون اضطرار القاءات شيطانية في امنيات الرسل؟ اختيارات تكليفية باختبارات 1 اختيارات 2 التفكر آفاقيا و انفسيا ليس الله ظالما و لا ضلاما بل هر عادل مقسط 1

المجلد السابع

المقدمة

القواعد الاربع لعرش الخلافة الاسلامية للامام امير المؤمنين عليه السلام القاعدة الاولى لعرش الخلافة:

القاعدة الأولى لعرش الخلافة: علي ولد مسلما القاعدة الثانية لعرش الخلافة: قاعدة الاخوة:
اهل بيت العصمة المحمدية في سورة الدهر ذكرى عتيقة من الخمسة الطاهرة عليهم السلام سفينة نوح والبشارة المحمدية على أنقاضها: ذكرى عتيقة من الخمسة الطاهرة في كتاب ادريس النبي صلى الله عليه و آله محمد صلى الله عليه و آله وخلفاءه المعصومون هم الاسماءالتي علم آدم عليه السلام أئمة أهل البيت عليهم السلام هم من اصدق الصادقين الائمة من آل الرسول صلى الله عليه و آله هم اصدق الصديقين محمد صلى الله عليه و آله هو المنذر وعلى وعترته المعصومون هم لكل‏قوم هادون مثل نوره... في بيوت هي بيوت ائمة اهل البيت هي من افاضل البيوت التى اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه رجال الاعراف هم اعرف رجالات العصمة خلفاء الرسول صلى الله عليه و آله هم ورثة الكتاب

المجلد الخامس عشر

المقدمة الدعوة الى الله‏الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تمكين و امكانية عليكم انفسكم ثم انفس الآخرين ليس الا من الضرر من شروط الأمر والنهي‏الا في الا هم منهما الناسي نفسه لا يدعوا غيره الا بعد اصلاح نفسه فيما يدعوا واجب التناهي عن المنكر لفاعلي المنكر إنهاء و انتهاء مسارعة في الاثم بديل التناهي عن المنكر لا يامر و لا ينهى الا العامل او المتعامل وجوبهما كفائيا على الصالحين الدعاة الى الله العاملون الصالحات‏هم أحسن قولا ممن سواهم اخذا بالعفو و اعراضا عن الجاهلين قولة منافقة نهى عن المعروف و امر بالمنكر و قولة مؤمنة امر بالمعروف و نهى عن المنكر مرحلة اخيرة في الامر والنهي الدفاع/ الجهاد/ القتال‏فى سبيل الله عند المكنة اعدادات حربية وسواهامن قوة نفسية، سياسية، عقيدية، علمية، نفاقية تحريض رباني على قتال مكافح عددا وعددا المجاهدون يقتلون ويقتلون و هم منتصرون فيهما الحرب سبحال‏وليس ضمانا الغلب للمسلمين الا غلبا ايمانا المقتولون في سبيل الله‏أحياءبحياة خاصة عند ربهم لن يصيبنا الا ما كتب لنا قاتلين او مقتولين قتال قبال قتال دون اعتداء كلام فيه ختام حول الجهاد الإسلامي. معاهدات حربية تخلف عن قيادة القوات المسلمةو نفر جماعي للقتال على تفقه في الدين اذا رجعوا في استنفار عام إنفروا خفافا وثقالا وعلى أية حال كلام حول العصمة: المهاجرون في سبيل الله في مراغمات .. بما ظلموا واخرجوا من ديارهم عاقبوا بمثل ما عاقبوا به.. ثم قتلوا او ماتوا للمجاهدين علامات لنهديهم سبلنا إنما من جاهد يجاهد لنفسه جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه و آله اقعدوا لهم كل مرصد قاتلوا الذين يقاتلونكم قاتلوا في سبيل الله والمستضعفين.. إذا ضربتهم في سبيل الله فتبينوا... تكتية حربية«لا تتخذوا بطانة من دونكم» تكتيكة حربية فرض القتال في سبيل الله وأخذ الحذر فيه المنافقون مركسون بما كسبوا مهاجرة للرسول(ص) أخرجك ربك من بيتك بالحق نصرة ربانية في القتال اصلاحات حربية بين المسلمين المتحاربين طاعات وانفاقات في سبيل الله الأشهر الحرم في قتال وسواه بشارة لغلب الكتابين على المشركين بشارة النصر القتال المكتوب على المؤمنين فتح الفتوح

المجلد السادس عشر

المقدمة

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم


صفحه قبل

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 105

الخطوات فما هو الدين؟

الدين فى أصله هو الطاعة، وهو هنا طاعة اللَّه لأعلى مراتب التسليم، فهو الاسلام، ولا اسلام الّا بالتوحيد فهو التوحيد، ولا توحيد الّا بولاية اللَّه تكويناً وتشريعاً، بدءً وعوداً، وولايته عبودية و «الى ههنا التوحيد» حيث يشمل دين التوحيد والتوحيد الدين: اصول الدين بفروعه.

و الى سادسة هى عشيرة العشرة «حنيفاً» فلتكن حنيفاً مائلًا عن الضلالة الى الاستقامة فى معرفة نفسك وحبها ووجهها واقامتها والدين المتَّجَه اليه، حيث الجَنَف فى اىٍّ من هذه يُخسرك فى رحلتك، والحَنف يُربحك فيها، ومهما كان الانسان حنيفاً بذاته فقد يقصِّر أو يقصُر فيبدل حَنَفه الى جَنَف:

« الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » ثم وبصيغة سائغة واجبُ الحنافة ان تكون فى هذه الرحلة عشيرة لعشرة كاملة بين العرفات السبع والوجوه السبعة، باستثناء الحنافة نفسها لأن حنافتها تحصيل للحاصل اللهم الا كشفاً عن غطاءها حيث تحسب الجَنف حنفاً اذ يحسب ضلاله هدىً! وباستثناء الفطرة لأنها حنيفة فى ذاتها، والوجه فانه منقسم الى سبعة محسوبة فى العشرة، ووجه الروح فانه وجهان من الوجوه السبعة، فهذه العشرة العشيرة مع الحنافة هى الروح: 1-/ بمعرفته، 2-/ وحبه وهما وجه الروح، 3-/ واقامته، 4-/ ومعرفة الدين، 5-/ ووجه الحس، 6-/ والعقل، 7-/ والصدر، 8-/ والقلب، 9-/ واللب، 10-/ والفؤاد.

تلك عشرة كاملة مكملة اذا كانت عشيرة الحنَف مهما كانت درجات، ثم هى ناقصة ناقضة اذ كانت أسيرة الجَنَف وعشيرته، مهما كانت دركات.

درجات لتلك الكاملة، ودركات لهذه الناقصة، تأمرنا آية الفطرة ان نزودها كلها بحنف، و « ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏ ».

فمن حنف الحس بادراكاته الخمس ان يحس بالدنيا ورائها دون اخلاد عليها ونظرة قاصرة اليها، فالدنيا أمام الحس اثنتان على حد المروى عن الامام عليه السلام «من ابصَربها

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 106

بصَّرته ومن أبصر اليها أعمته».

فجنَف الحس ان يقصر استعماله فى الشهوات فتصبح عيناً لا تبصر وسمعاً لا يسمع، كما و جَنَف القلب فأصحابها كما قال الله: « وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ‏ » (7: 179)

و لأن القلب هو قلب الروح فيشمل صدراً قبله ولباً وفؤاداً بعده وعقلًا معها والروح كأمّها، وكذلك العين والسمع هما أهم الحواس الظاهرة، فالآية تشمل حَنَف الحواس الخمس الظاهرة والادراكات الست الباطنة.

و الحنافة من قضايا الفطرة الانسانية فى أعمق أعماق الادراكات، والجَنَف ليس مقصوداً بنفسه الّا لمن يخطأ اليه الحنف قاصراً أو مقصراً، وكما يروى عن الامام على امير المؤمنين عليه السلام «انما بدءُ وقوع الفتن أ هواءٌ تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب اللَّه ويتولى عليها رجال رجالًا فلو أن الحق خلص لم يخف على ذى حجى ولو أن الباطل خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضِغث ومن هذا ضِغث فيمزجان فيحيئان معاً فهناك استحوذ الشيطان على أولياءه ونجى الذين سبقت لهم من اللَّه الحسنى.»

و من حَنف النفس معرفتها كما هى حسب الطاقة البشرية، ومن جنفها تجاهلها كأن النفس هى البدن، وهناك-/ اذاً-/ حنف فى حبّها فحب الله، ام جنف فى حبها فحب اللهو، وكذلك حنف اقامتها وجنفها، وحنف الدين وجنفه، وحنف الحس وجنفه.

و من حنف العقل ان يعقل ما يحق عقله: « كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ » (3: 342).

و من جنفه الّا يعقل: « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ‏ » (3: 131) « إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ‏ « (8: 12)

أم يصرف عقله فى خدمة: الشيطنات والحيونات « وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ » (28: 60)

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 107

و من حنف الصدر انشراحه لتقبُّل الحق المعقول: « فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ‏ » (6: 125).

و من جنفه ضيقه: « وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » (125) أو شرحه بالكفر وهو ضيقه عن الايمان.

و من حنف القلب وعيه وسلمه « إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏ » (26: 89).

و من جنفه تقلّبه عن قلب الانسان الى قلب حيوان وهو طبعه « كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ » (40: 35)

و من حنف اللب ذكره الدائب دون غفلة « وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ‏ » (2: 269).

و من جنفه أن يكون لباب الحيوان والشيطان، خاوياً عن لب الذكر والايمان.

و من حنف الفؤاد تفئوده بنور اليقين: « ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ » (53: 11) وتثبُّته بأنباء الحق: « وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ‏ » (11: 120) « كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا » (25: 32).

و من جنفه تفؤده بنيران الجهالات: « نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ » (104: 7)

ان الانسان أياً كان يدرك بوجه الحس المحسوسات، وبوجه العقل يدرك المعقولات ببرهان ودون برهان كالمشهودات العقليه وضرورياتها، وبوجه الصدر يصدرها ليعتقدها، وبوجه القلب يطمئن بها، وبوجه اللب يزيل أقشارها واغشاءها ويبقى ألبابها، وبوجه الفؤاد يتفأد تفدية لها، فلا يُبقي مجالًا فى لبِّه لها.

نفس حنيفة بوجه حنيف واقامة حنيفة لدين حنيف، تسلك صراطها المستقيم دون زلة ولا ضلة، ابتداءً من « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » وانهاءً الى شرعة اللَّه التي كلف الناس بها و « ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ».

فالعقل هنا يأخذ الدين بيديه وكلتا يديه يمين، بيد اولى تأخذ من الفطرة، وبثانية تأخذ من الشرعة، ثم تنقل ما أخذت الى الصدر متكاملًا، ثم الى القلب فأكمل، ثم اللب فأفضل،

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 108

ثم الفؤاد هو اكمل الأفضل وافضل الأكمل، حيث لا يبقى فى لب القلب الّا شعلة النور المعرفية، متجاهلًا عما سوى الله، متدلياً بالله « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ »!

و لأن هذه الوجوه السبع درجات، وتلك العرفات السبع درجات. فالنتيجة الحاصلة للسالك الى اللَّه درجات حسب الدرجات، من أدنى الايمان الى أعلاه والى العصمة، والى أعلاها الخاصة بالرسول الأقدس محمد صلى الله عليه و آله وأهليه الطاهرين عليهم السلام.

هناك وجهٌ للدين وهو شرعة الدين، وهنا وجه الى الدين وهو مَشرَعة الدين: « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ » وكما ان دين الشرعة معصوم كذلك دين التكوين الشرعة معصوم، لا اختلاف ولا تخلف فى احكامها.

اذاً-/ فالى أحضان الفطرة وأحكامها، لنقيم وجوهنا اليها للدين حنيفاً، وليكن اللَّه معنا.

حب الكمال المطلق‏

انّ الانسان أياً كان يحب الكمال المطلق الذى لا حدَّ له، ولأنه لا يجده فى نفسه، فهو دائب السعى والجد للوصول اليه، دون أية وقفة فى جدّه وسعيه، ولأن هذا الكون كله محدود وناقص، وكله فقيرٌ مفتاق، فلا يجد بغيته الأصيلة فيه، وهو متأكد أن ليس يجدها فيه على أية حال، فلولا أن هناك فى الكون كمالًا مطلقاً وهو لا يجده بتاً فى هذا الكون، فكيف لا تخمد نار حبه وتفؤُّد فؤاده للوصول اليه، فلا فتور للفطرة فى حب الكمال المطلق.

انه-/ قطعاً وبيقين-/ يحب الكمال المطلق، وهو لا يجده قطعاً ويقيناً فى هذا الكون المحسوس وكله محدود، فليكن ذلك الكائن اللّا محدود موجوداً وراء الحس والمادة، وهو يحدِّد الحدود، ويفيض على المحدود الفقير الفقير فى ذاته على أية حال، وهذه هى فطرة المعرفة ودين المعرفة لله.

و هذه ضابطة سارية قاطعة أن واقع الحب يقتضى واقع المحبوب، الا حباً خاطئاً بتخيّل وجود المحبوب أو امكانيته، فاذا تأكد من استحالة المحبوب زال حبه اذ لا يُعقل حب المستحيل.

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 109

و الانسان المحب للكمال المطلق اللّامحدود حين يتأكد أنه مستحيل فى الكون المادى، نراه لا يزول حبه ولا يزال محباً كما كان، وهذا يكشف عن واقع المحبوب وراء عالم المادة دون جدال ولا هوادة.

و لأن الكمال المطلق يقتضى كاصول صفاته الذاتية، الحياةَ السرمدية، والعلم غير المحدود المطلق عن كل حد وحدود، والقدرة اللّامحدودة بحدود، فهذه الثلاث ايضاً محبوبة فطرية لأنها من لزامات الكمال المطلق، كما ان الحياة السرمدية هى محط العلم والقدرة اللّانهائية.

ثم وكل واحدة منها محبوبة فطرية ذاتية، فلا تجد من الناس أحداً الّا ويحب هذه الثلاث حباً دائباً لا فتور فيه ولا فطور، ولأنه لا يجدها فى هذا الكون المحسوس المحدود، وهو متأكد أنها مستحيلة الوجود له ولسواه من كائن محدود «1» ومع ذلك لا تفتر فطرته فى حبّها ذاتية، فلتكن موجودة لمحبوبه الأول الكامل المطلق اللانهائى وهو اللَّه تعالى شأنه.

حبٌّ عريق فى الفطرة، عميق مُنذَ غِم فى ذاتها دون فَترة، أوَلا يكشف عن وجود محبوبه، ولو أخطات الفطرة فى هكذا حب عريق دائب، فليَعِش الانسان أياً كان حياته كله أخطاءً وأخطاءً، وليخطأ عقله على طول الخط، ما دامت فطرته المعصومة عن الخطا خاطئة فى هكذا محبوب، وبأحرى الأخطاء فى حواسه وكل ادراكاته ما دامت فطرته وهى الأصيلة فى كيانه، والقاعدة الأصيلة فى انسانيته، هى خاطئة فيما تحبه ذاتية دون تبدُّل ولا تبديل، ولكن « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ».

ان العقلاء يرون عقولهم حجة مصيبةً على أخطاءها، وكذلك حواسهم رغم أخطاءها، أفلا يرون-/ بعد-/ أن فِطرهم مصيبة ولا يختلفون فيها ولا يتخلفون عنها؟

اذاً فدين الفطرة تدين له البشرية عن بكرتها دون خلاف، وهكذا يكون كتاب الله:

« فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ».

(1)-/ وذلك لأن اللامحدود من وجود وكمالاته لا يحل فى المحدود من جسم، وهذا دليل فطري على انه تعالى مجردعن المادة وخواصها.

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 110

و من ثم حكم ثان-/ كما الأول-/ للفطرة، ان المحبوب واحد لا شريك له، حيث لا يتعلق قلب الانسان أياً كان، ملحداً أو مشركاً أو موحداً، لا يتعلق-/ على أية حال-/ الّا بنقطة واحدة ولا سيما اذا انقطعت الأسباب، وحارت دون الخطر المحدق كلُّ الألباب، كما وآيات ركوب البحر الملتطم بأمواجه، والضر المحيط على الانسان بأفواجه، تدل على ذلك الحكم الفطرى، ومنها الآية التالية آية الفطرة كمثال ماثل من احكامها: « وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) » وكم لها من نظير فى ساير القرآن مثالًا من أحكام ثابتة عدة للفطرة، لا نكير لها بين الناس أجمعين، وهى حجة لله على الناس بينهم وبينه مهما انكروها أمام الناس بغيةَ استمرارية حياة الشهوة وحرية الحيونة: « ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ‏ » (16: 54) « وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ » (39: 8)-/ « فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ (39: 49).

و مثال ثان لحكم التوحيد حسب الفطرة: « هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ » (10: 23)-/ « وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» «فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ‏ (65) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَ لِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ » (29: 66)-/ « وَ إِذا

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 111

مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً » (17: 67).

آيات سبع مما تدل على ذلك الحكم الفطرى، أن الانسان فى أعمق أعماق كيانه منعطف الى نقطة واحدة من الكمال اللّا محدود، لا ينعطف اليها بطبيعة الحال، الّا عند ما تقطعت الأسباب التى يعيشها ويظن أنها هى التى تُعِّيشه وتنفعه أو تضره، فيشركها بربه، ام وينكرر به مؤلِّهاً اياها ملحداً بربه.

و لولا هنا الّا ذلك الحكم الحكيم ل « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » لكفى برهاناً صارخاً من عمق ذاته أن « لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ‏ » فان الاعتراف بأصل وجود اللَّه مطوى فيها دون هوادة.

و من ثم العقل حيث يتبنّى الفطرة وسائر الآيات أنفسية وآفاقية، بكمال المعرفة التوحيدية ببراهين تفصيلية هى كتفسير لاجمال ما فى الفطرة، ثم الشرعة الالهية حيث يتبناهما، تشرح كلمة التوحيد بتفاصيل حكيمة معصومة، ملائمةً للفطرة أولياً وللعقل ثانوياً، اذاً فمثلث الدين الحنيف القيم، كله صارخٌ بأن « لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ‏ ».

فالشرعِة تصوِّب اجمال حكم الفطرة وتخطِّى‏ء البعض من أحكام العقل المتخلفة عن الفطرة، وترشده على ضوء الفطرة الى صراط مستقيم.

و من حكم العقل استحالة التعدد فى المطلق، ولا سيما الذى لا حدَّ له، حيث التعدد بحاجة ماسة الى ميزة بين المتعددين، هى الفصل المايز الفاصل بينهما، وما يزُ الزمان والمكان و الحدود المادية الأُخرى مسلوب عن ذلك الكامل المطلق، ومايزة الصفات ذاتية وفعلية مستحيلة فى غير المحدودين، فانها اما صفة كمال أو نقصٌ، والثانى يناقض كما له فضلًا عن اللانهائى، والكمال لكلٍّ دون الآخر يحكم بنقص الآخر، فهما-/ اذاً-/ ناقصان.

صفحه بعد