کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 319
فى تقديم «لله» على «الأسماء الحسنى» عنايةٌ لحصرها فيه سبحانه وتعالى، فليس اذاً لغيره أسماء حسنى حيث هم بجنبه فقراء ولا حسن فيهم الاكيان الفقر والافتقار اليه، وكما يروى عن أحسن اسماءه الفعلية أن «الفقر فخرى».
فليس لغير اللَّه شىءٌ من هذه الاسماء الحسنى فى أىٍّ من حقولها، ولا أى نصيب منها.
الأسماء الحسنى لأنها خاصة بالله، فلا تعنى الأسماء العامة المستعملة فى اللَّه وما سواه، اذاً ف «شىءٌ-/ موجود» وما أشبه وان استعملت فى اللَّه ولكنها ليست من أسماءه الحسنى، وحين تستعمل فى اللَّه تجرد عن ميزات ما سوى اللَّه بذلك الاستعمال، وقد يصح كونها من أسماءه الحسنى.
«فادعوه بها» يدلنا انه تعالى لا يدعى الا بها، فدعوته تعالى بغيرها أم دون اسم منها الحاد فيها.
« يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ » مما يدلنا على توقيفية الأسماء الحسنى حيث «الأسماء» تعنى المعهودة وطبعاً هى فى الكتاب والسنة، ولو لم تكن توقيفية لما كان للالحاد فى الأسماء اللفظية معنى.
فقضية الدعوة بها أن يعرف من معانيها ما يصح أن يدعى بها، وهنا ركنان ركينان لتلك الدعوة هما معرفة ذل العبودية وعز الربوبية.
و لأن الالحاد هو الميل عن الحق، اذاً ف «يلحدون فى أسماءه» هو الميل عن الحق فى كلي الأسماء والدعوة بها، الحادان اثنان هما ركنان للمعني من «يلحدون فى أسماءه».
و من الإلحاد فى أسماءه اطلاقها على غير اللَّه كما يطلق على الله، ومنه تسميّه تعالى ودعوته بغير هذه الأسماء، ومنه عناية المعانى غير اللائقة بساحته، وما أشبه.
ذلك، ومن مجامع الأسماء الحسنى سلبياًو ايجابياً، كتاباً وسنة، محلّقة عليها كلها، وشارحة لمعانيها ومغازيها، مبرهنة عليها، موضحة اياها، ان منها الخطبة التوحيدية الجامعة لكل شؤونها ذاتياً وصفاتياً وأفعالياً، للامام علي أمير المؤمنين عليه السلام ما لا تجمعه غيرها من الخطب:
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 320
«ما وحده من كيَّفه، ولا حقيقته أصاب من مثَّله، ولا ايَّاه عنى من شبَّهه، ولا حمده من أشار اليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع وكل قائم فى سواه معلول، فاعل لا باضطراب آلة، مقدِّر لا بجوَل فكرة، غنى لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا تَرفِده الأدوات، سبق الأوقاتِ كونه، والعدمَ وجودُه، والابتداءَ أزلُه، بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضادّ النور بالظلمة، والوضوح بالبُهْمة، والجُمُود بالبَلَل، والحَرورَ بالصَّرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدايناتها، لا يُشمل بحد، ولا يُحسب بعدّ، وانما تَحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلات الى نظائرها، منعتها منذُ القدمةَ وحمتَها قدُ الأزليةَ، وجنَّبتها لولا التكملةَ، بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون، لا يجرى عليه السكون والحركة، وكيف يجرى عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدُث فيه ما هو أحدثه، اذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزَّ أكنهُه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراءٌ اذا وُجد له أمام، ولا التمس التمام اذ لزمه النقصان، واذاً لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلًا بعد أن كان مدلولًا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر فى غيره، الذى لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الأفول، لم يلد فيكونَ مولوداً، ولم يولد فيصيرَ محدوداً، جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لاتناله الأوهام فتقدرهَ، ولا تتوهمه الفطن فُتصوِره، ولا تدركه الحواس فتحسَه، ولا تلمسه الأيدى فتمسَّه، ولا يتغيّر بحال، ولا يتبدل فى الأحوال، ولا تبليه الليالى والأيام، ولا تغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشىء من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعَرَض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حدٌ ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقلَه أو تُهويه، أو أن شيئاً يحمله فيُميله أو يعدله، وليس فى الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولَهَوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يُتحفّظ، ويريد ولا يُضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويُبغضُ ويغضَب من غير مشقة، يقول لمن أراد كونَه كُن فيكون، لا بصوت يَقرعُ، ولا بنداءٍ يُسمع، وانما كلامه
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 321
سبحانه فعلٌ منه أنشاه، و مثلُه لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولوكان قديماً لكان آلهاً ثانياً-/
لا يقال: كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدَثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوى الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدِع والبديع-/
خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد، من خلقه ...
خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمتة، لا تستطيع الهَرَب من سلطانه الى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كُفءَ له فيكافئَه، ولا نظير له فيساويَه، هو المغنى لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من انشاءها واختراعها، وكيف ولو اجتمع جميع حَيَوانها من طيرها وبهائمها، وما كان من فراخها وسائِمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتلبِّدة أممها وأكياسها على احداث بعَوضة ما قدرت على احداثها، ولا عرفت كيف السبيل الى ايجادها، ولتحيرت عقولها فى علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن انشاءها مذعنة بالضعف عن افناءها-/
و ان اللَّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شىءَ معه كما كان قبل ابتداءها، كذلك يكون بعد فناءها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان، عُدِمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شىء الَّا اللَّه الواحد القهار الذى اليه مصير جميع الأمور، بلا قدرة منها كان ابتداءُ خلقها، وبغير امتناع منها كان فناءُها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاءها، لم يتكأده صنع شىءٍ منها اذ صنعه، ولم يَؤده منها خلق ما برأه وخلقه، و لم يكوِّنها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على نِدّ مكاثر، و لا للاقرار بها من ضدّ مُثاوِر، ولا للازدياد بها فى مُلكه، ولا لمكاثرة شريك فى شِركه، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس اليها، ثم هو يفنيها بعد تكوينها، لا لسَأَم دَخَل عليه فى تصريفها، وتدبيرها، ولا لراحة واصلة اليه، ولا لثقلِ شىءٍ منها عليه، ولا يُملُّه طول بقاءها فيدعوه الى سرعة افناءها، لكنه سبحانه دبَّرها بلطفه، وأمسكها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه اليها، ولا استعانة بشىءٍ عليها، ولا لانصرافٍ من
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 322
حال وحشة الى حال استئناس، ولا من حال جهل وعَمىً الى حال علم والتماس، ولا من فقر وحاجة الى غنىً وكثرة، ولا من ذلٍ وضَعة الى عزّ وقدرة منا ما لا نملك ومن أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العَمى» (الخطبة 228).
من الاسماء الحسنى ازلية اللَّه وأبديته او سرمديته
« سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (57: 1)
هنا وأحياناً فى غيرها «سبح» وهنالك فى مواضيع «يسبح» ايحاءً باستمرارية تسبيح الكائنات غابراً ومستقبلًا وحاضراً دون فكاك، وأياً كان التسبيح ومن اى كان.
و «سبح» مما تُعدّى بنفسها، فلماذا عُدّيت هنا باللام وأحياناً بنفسها؟
لأن اللام توحي بالإختصاص، فلا تسبح ما فى السماوات والأرض الا لله، لا له ولسواه، فليُحمل عليها المعدّى بنفسها: « وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا » فلا تسبيح الا لله.
و التسبيح هو الإمرار السريع دون تباطؤٍ، من السبح: المرّ السريع فى الماء والهواء أو أياً كان، فالمسبح لله مرَّ سريعاً فى ممرات نفسه وسائر الكائنات، دون وقفة ولا ريبة، ويحمل معه تنزيه اللَّه ذاتاً وصفات وأفعالًا وأسماء وأحكاماً أم ماذا، لأن الكون محراب واسع تسجد فيه الكائنات لربها وتنزّهه عما لا يليق به.
وترى التسبيح فقط من «ما فى السماوات والأرض»؟ دونهما ومَن فيهما وهم أقدر وأحرى؟ ... انه للكائنات كل الكائنات: « تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (17: 44) « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ » (24: 41) « وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنَّا فاعِلِينَ » (21: 79).
فالكائنات كلها تسبيحات لله بما لا نفقهه، من التسبيح عن شعور وادراك ممن نحسبهم غير عقلاء ولا مدركين، أو ما نفقهه من تسبيح اختيارى لمن يعرفون اللَّه بدرجاتهم، أم ذاتى
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 323
لمن يكفر بالله، فذاته فى صفوف الكائنات تسبح اللَّه عما لا يليق به من ذات وصفات أم ماذا.
فالعارفون الله، ومن يدق أبواب المعرفة بالله يرون اللَّه مسبَّحاً عبر سير البصر والبصيرة فى آيات الله، أنفسية وآفاقية « سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ » (41: 53)
فالكائنات بذواتها وصفاتها وحالاتها، بأفعالها وأقوالها وكل ما لها: «سبح لله» أفلا تدل ذواتها الفقيرة البائسة على نزاهته تعالى عن البؤس والفقر، أو لا تدل دلالة جامعة تضم سائر الدلالات أن اللَّه مسبَّح الذات والأفعال والصفات عما للكائنات كل الكائنات من ذوات وصفات: «هو خلوٌ من خلقه وخلقه خِلوٌ منه» «كلما فى الخلق يمتنع عن خالقه، وكل مافى الخالق يمتنع عن مخلوقه» والى غير ذلك من مفارقات بين الواجب والممكنات.
«سبح لله .. وهو العزيز ..» غالبٌ لا يُغلَب «الحكيم»: فلا يجهل أو يَخطأ أو يظلم، عزيز، الحكيم: فى أُلوهيته وربوبيته ... وفى أنه مسبِّح.
« لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (57: 2)
«له ملك» المَلكية المالكية الحقة دون زوال فلا يزول وهو لا يزال «مُلك السماوات والأرض» المعبرة عن الكائنات « يُحْيِي وَ يُمِيتُ »: كأبرز مظاهر الربوبية المطلقة، لا فحسب، بل: « هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ما هو شىء أو يمكن أن يكون شيئاً، قدرة متعلقة بالممكنات فى كافة الجهات.
فيا لتسبيح المملوك العبد للملك والمالك بالحق من حلاوة وطلاوة، كيف لا و: « هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » 57: 3)
آية فريدة منقطعة النظير، ليست الا هى والا هنا كما هى، اللهم الا فى البعض من اتجاهاتها بعبارات اخرى، تعنى السرمدية الالهية: أزلية وأبدية، والحيطة العلمية والقيومية المطلقة.
و هذه الأسماء الأربعة من مظاهر السرمدية والحطية المطلقة الإلهية، كوناً وكياناً وعلماً
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 324
وقدرة وقيومية أم ماذا.
«هو الأول» لا سواه، وتُرى أنه أوّل بالنسبة لسواه فى الزمان أو المكان، تقدماً فيهما على أىٍّ كان؟ ولا زمان له ولا مكان، فهو الذى كوّن المكان والزمان! .. أو أنه أوّل فى الحدوث؟
وليس له حدث، وانما أحدث الأشياء وكان اذ لا كان، فلم يَحدث هو أياً كان، ولو كان حدوثاً بلا زمان!
كلا: «انه الأول لا عن أولٍ قبله وعن بدءٍ سبقه .. ولكن قديم أول وقديم آخر» «1» : أولية القِدمة والأزلية، فلو سألت عن ربك متى كان؟ فالجواب اذن: «كان بلا كينونة، كان بلا كيف، كان لم يزل بلا كم وبلا كيف، كان ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل، ولا غاية ولا منتهى، انقطعت عنه الغاية وهو غاية كل غاية» «2» ترى «و متى لم يكن حتى يقال متى كان؟
كان ربى قبل القبل بلا قبل وبعدَ البعد بلا بعد ..» «3» واذا سألت «أين كان ربنا قبل أن يخلق سماءً وأرضاً؟ فالجواب: «أين» سؤال عن مكان، وكان اللَّه ولا مكان» «4»
ف «هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيفٍ يكون» «5» : تفارق كينونته تعالى سائر
(1)-/ الكافى عن على بن ابراهيم القمى باسناده الى ميمون اللبان سمعت أبا عبدالله عليه السلام وقد سئل عن الأولوالآخر فقال: «... و آخر لا عن نهاية ...»
(2)-/ الكافى عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه رفعه قال: اجتمعت اليهود الى رأس الجالوتفقالوا له: ان هذا الرجل علم يعنون أمير المومنين عليه السلام فانطلق بنا اليه نسأله، فأتوه ... فقال له رأس الجالوت: جئناك نسألك، قال: سل يا يهودى عما بدالك، فقال: أسألك عن ربك متى كان؟ فقال: ... فقال رأس الجالوت: امضوا بنا فهو أعلم مما يقال فيه.
(3)-/ بنفس الاسناد عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن أبيه الحسن الموصلى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: جاء حبرمن الأحبار الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟ فقال: ...
فقال يا أمير المؤمنين أفنبىٌّ أنت؟ فقال: ويلك انما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه و آله.
(4)-/ فيه وروى أنه سئل الصادق عليه السلام أين كان ربنا ...
(5)-/ الكافى باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال رأس الجالوت لليهود: ان المسلمين يزعمون أن علياً من أجدلالناس وأعلمهم، اذهبوا بنا اليه لعلى أسأله عن مسألة وأخطئه فيها فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين! انى اريد أن أسألك عن مسألة، قال: سل عما شئت، قال: متى كان ربنا؟ قال له: يا يهودى! انما يقال متى كان لمن لم يكن فكان هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، بلى يا يهودى، كيف يكون له قبل، هو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى غاية ولا غاية اليها، انقطعت الغايات عنده، وغاية كل غاية، فقال: أشهد أن دينك الحق وأن ممن خالفك باطل.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 325
الكينونات تَفارُق التباين التام، اذ ليس له بدء ولا زمان ولا مكان ولا تحوُّل من حال الى حال، بل لا تكون له حال.
هذه هى الأولية اللائقة بجناب عزه، الأزلية اللاأولية، أو والأوليّة فى الخالقية والتقدير، فليس معه خالق ولا بعده أو قبله، ومهما كان خُلقه فى زمان ومكان، فلا يعتريه هو زمان ولا مكان، فقد كان اذ لا «كان» لا زمان ولا مكان، ثم خلق الزمان والمكان، وخلق فيهما كل «كان».
هذا، ولكنما الأولية الأزلية لزامها أوليّات الالوهية كلها، فالأزل خارج عن كل زمان ومكان، مهما كان معه-/ لخلقه-/ زمان ومكان.
ان الزمان مهما كان وأياً كان، هو محدود لا محالة لتصرّمه، وان أجزاءه محدودة، ومجموعة المحدودات محدودة لا محالة، فله أول وهو حين خلق، وآخر حين ينقضى.
و أما الأزلى الذات، وغنيُّها عن كافة الذوات، المفتقرة اليه الذوات، المبتدَأة المبتدَعة فى الذوات وفى الصفات، هذا الأزلى ليس له حدّ ولا أية حالات، انما أزلى لا أوَّلى، أولٌ ليس له أول، وآخرٌ ليس له آخر:
«و الآخر» آخر كما هو أول، فالأول أزل والآخر أبد والجمع سرمد: «آخر لا عن نهاية ..
و لكن قديم أول وقديم آخر، لم يزل ولا يزول بلا مدى ولا نهاية، ولا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال الى حال ..» «1»
«انه ليس شىء إلّا يبدأ ويتغير أو يدخله التغير والزوال، وينتقل من لون الى لون، ومن هيئة الى هيئة، ومن صفة الى صفة، ومن زيادة الى نقصان، ومن نقصان الى زيادة الا رب العالمين، فانه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة، هو الأول قبل كل شىء، وهو الآخر على ما لم يزل، ولا تختلف عليه الصفات والأسماء كما تختلف على غيره، مثل الانسان الذى يكون تراباً مرة، ومرة لحماً ودماً ومرة رُفاتاً ورميماً، وكالبسر الذى يكون مرة بلحاً، ومرة بسراً،