کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 22
المبين سوف يظهر غالباً مسيطراً على الدين كله حين لا يبقى لها أي صوت أو صيت إلّا صوت الإسلام وصيته حيث يحلقان على العالم كله، ثم يبقى الكل تحت ذمته.
ذلك، و المهدي عليه السلام هو المعني من «بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» على لسان الرسول صلى الله عليه و آله حيث «يبعث اللَّه ريحاً طيبة فيتوفى ممن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير فيبقى من لا خير فيرجعون إلى دين آباءهم». «1»
و هنا «دِينِ الْحَقِّ» - مع أن دين اللَّه كله حق مهما كان غيره باطلًا- يعنى «الحق» الثابت
(1). الدر المنثور 3: 231- أخرج أحمد و مسلم و الحاكم و ابن مردويه عن عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: لا يذهب الليل و النهار حتى تُعبد اللات و العزَّى فقال عائشة يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إني كنت أظن حين أنزل اللَّه «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» أن ذلك سيكون تاماً، فقال صلى الله عليه و آله: إنه سيكون من ذلك ما شاء اللَّه ثم يبعث اللَّه ..
و فيه أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر و البيهقي في سننه عن جابر في الآية قال: «لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام حتى تأمن الشاة الذئب و البقرة الأسد و الإنسان الحية، و حتى لا تقرض فأرة جرباً و حتى توضع الجزية و تكسر الصليب و يقتل الخنزير و ذلك إذا نزل عيسى بن مريم عليهما السلام» أقول: و ذلك حسب متواتر الحديث عن الرسول صلى الله عليه و آله و أئمة أهل بيته عليهم السلام، لا يكون إلا يكون إلا زمن المهدي القائم عليه السلام، و منها ما في نور الثقلين 2: 211 في كتاب كمال الدين و تمام النعمة باسناده إلى أبي بصير قال قال أبو عبداللَّه عليه السلام في قوله عزَّوجلّ: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ ..» فقال: و اللَّه ما نزل تأويلها بعد و لا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر باللَّه العظيم و لا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافي فاكسرني واقتله.
و فيه عنه باسناده إلى سليط قال قال الحسين بن علي عليهما السلام: منا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و آخرهم التاسع من ولدي و هو القائم بالحق، يحيي اللَّه به الأرض بعد موتها و يظهر به الدين الحق الذين على الدين كله و لو كره المشركون.
و فيه عنه بإسناده إلى محمد بن مسلم الثقفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول: القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض و تظهر له الكنور، يبلغ سلطانه المشرق و المغرب و يظهر اللَّه عزَّوجلّ دينه على الدين كله و لو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمَّر و ينزل روح اللَّه عيسى بن مريم عليهما السلام فيصلي خلفه ..».
و فيه عن الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل و فيه: وغاب صاحب هذا الأمر بإيضاح العذر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشد هم عداوة له وعند ذلك يؤيده اللَّه بجنود لم تروها و يظهر دين نبيه صلى الله عليه و آله على يديه على الدين كله و لو كره المشركون، و في تفسير الفخر الرازي 16، 40 روى عن أبي هريرة انه قال: هذا وعد من اللَّه بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان و تمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى، و قال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحدٌ إلّا دخل في الإسلام و أدى الخراج
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 23
و غير المحرف قبال الزائل و المحرف، مهمان كان حقاً قبال الباطل، فالشرايع الحقة غير الإسلام، هي مع الشرائع الباطلة، كلها زائلة بنسخ و تحريف- بفارق الحق في الحقة أمام الباطل- و هذا «دِينِ الْحَقِّ» و في تبديل «الدين الحق» ب «دِينِ الْحَقِّ» لمحة إلى ذلك الحق أنه ليس فقط و جاه الباطل، بل و هو وجاه كل دين إلّهي منسوخ و محرف.
فدين الحق- إذاً- يحمل مثلث الحق الثابت غير المحرف و غير الباطل، و سائر الأديان الحقة تحمل- فقط- الضلع الثالث، و بصيغة اخرى «دِينَ الْحَقِّ» و هو الحق المطلق غير الباطل و لا المنسوخ و لا المحرف، و «الدين الحق» هو مطلق الحق قبال الباطل فقط، ثم حق رابع هو أنه يحمل كل حق يحق تبيينه لكافة المكلفين على مدار الزمن، فهو مربع من الحق.
ذلك، و في «لِيُظْهِرَهُ» دون- فقط- «ليظهر دينه» تأييد للأحاديث التي تتحدث عن رجعته صلى الله عليه و آله يوم الرجعة حيث يملك فيها العالم كله، مهما عنى ضمير الغائب إلى الرسول صلى الله عليه و آله دينه، مما يشي بأن غيره صلى الله عليه و آله يساندونه في ذلك و النقطة الأولى هو المهدي عليه السلام.
أترى الملل كلها- بعد- تسلم فلا يبقى كافر على وجه الأرض؟ إنه «لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر و لا وبر إلَّاأدخله اللَّه كلمة الإسلام، إما بعز عزيز أو بذل ذليل، إما يعزهم فيجعلهم اللَّه من أهله فيقروا به، و إما يذلهم فيدينون له» «1» طاعة إياه و عيشة تحت ذمته و سلطته، و قد دلت آيتا «فَأَغْرَيْنا وَ أَلْقَيْنا» «2» على بقاء جمع من اليهود و النصارى بكور دون دور.
فهذه بشارة سارة تتكرر في القرآن انه سيظهر « دِينِ الْحَقِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » دون إبقاء، فتكون- إذاً- في حق المسير إلى حق المصير، علينا أن نتحمل ما نُحمَّل من أعباء هذه الرسالة السامية، إبتداءً من نقطة البدة التي بدأت منها خطوات الر سول صلى الله عليه و آله و انتهاءً إلى نقطة الإنتهاء حيث يحمل حفيده المهدي عليه السلام هذه الراية المظفرة، تحقيقاً لهذه الغاية القصوى
(1). المصدر عن مجمع البيان قال المقداد بن الأسود سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا يبقى
(2). و هما «و اغرينا- أو وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ...» حيث تعنيان اليهود و النصارى، تعنيكلٌ واحدة منها
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 24
و البغية الحاسمة الجاسمة، اللَّهم عجل فرجه و سهل مخرجه واجعلنا من أنصاره و أعوانه و من المجاهدين في سبيل اللَّه بين يديه- آمين.
و لقد تلا حقت البشارات الكتابية بهذه الميزة المنقطعة النظير لدين الحق هذا، بما لا حول عنه إلى غيره من أديان حقة ربانية، سردناها في كتابنا «رسول الإسلام في الكتب السماوية».
و هنا «رَسُولَهُ» كما في (82) اخرى، تختص الرسالة الربانية بمحمد صلى الله عليه و آله كما و أن آية الشورى تختص به الوحي أمام سائر اصحاب الوحي الرساليين: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» ثم و آية آل عمران تصرح برسالته إلى الرسل: «وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» .
ذلك، و لأن «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» ليس إلا بمهديه القائم عجل اللَّه تعالى فرجه.
ذلك و تعريفاً ب «الدِّينِ» ككل عن لسان النبي صلى الله عليه و آله قوله: «الدين يسرٌ» «1» و «الدين النصيحة».
(1). مفتاح كنوز السنة نقلًا عن بخ- ك 2 ب 29، نس- ك 46 ب 28، حم- ثالث ص 479 قا رابع ص 158 و 338، خامس ص 32 قا سادس ص 85 و 114 و 115 و 130
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 25
ثالوث مسيحى في سالوسه
هنا جولة أخيرة في هذه مع النصارى بعد الجولة السابقة مع اليهود و الصيغة فيهما واحدة في «يا أَهْلَ الْكِتابِ» نبهة لهم أن الشرعة الكتابية بعيدة في أصلها عن هذه التخلفات.
و هنا يقضى على أسطورة «ثَلاثَةٌ» من لا هوتهم العقائدي المختلق، حيث يضاهي أساطير الوثنيين من قبل و كأنه ترجمة أو ترجمان لها على سواء.
و هذه الثلاثة هي الأقانيم المسيحية التي اختلقوها مهما اختلفوا فيها، أنها أجزاء إله واحد مثلثة الأقانيم، أم إن اللَّه ثالث ثلاثة و الآخران منبثقان من ذاته و «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (5: 73).
أم إن المسيح و أمه إلهين من دون اللَّه «سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ ..» (5: 117). «1»
(1). كما تصرح الكنيسة الكاثوليكية: «كما أن المسيح لم يبق بشراً كذلك مريم أمه لم تبق من النساء بل انقلبت وينوسة أي إلهة، لذلك تراهم كثيراً ما يحذفون أسماء اللَّه مثل (يَهوَة) من كتب المزامير و يثبتون مكانها إسم «مريم» كقوله: «احمدوا اللَّه يا أولاد» فالكاثوليك لأجل إظهارهم عبودتهم لمريم طووا هذا من الزبور و بدلوه إلى: احمدوا مريم يا أولاد». و هذه الكنيسة كلما صُلّي فيها مرة صلي لمريم كما يكتبه الأب عبد الاحد داود الأشوري العرافي في كتابه الإنجيل و الصليب.
و يقول جرجس صال الإنجليزي في كتابه مقالة الإسلام ص 67- 68 رداً على الإسلام عندما يذكر/ بعدع انصارى-: من ذلك بدعة كان أصحابها يقولون بالوهية العذراء مريم و يعبدونها كأنما هي اللَّه و يقربون لها أقراصاً مضفورة من الرقاق يقال لها (كُلِّيُرس) و بها سمي أصحاب هذه البدعة (كُلّيريين) و هذه المقالة بالوهية مريم كان يقول بها بعض أساقفة المجمع النيقاوي حيث كانوا يزعمون أن مع اللَّه الأب إلهين هما عيسى و مريم، و من هذا كانوا يُدعون المريمين و كان بعضهم يذهب إلى أنها تجردت عن الطبيعة البشرية و تألهت و ليس هذه ببعيد عن مذهب قوم من نصارى عصرنا قد فسدت عقيدتهم حتى صاروا يدعونها تكملة الثالوث ناقص لولاها و قد أنكر القرآن هذا الشطط لما فيه من الشرك ثم اتخذه محمد ذريعة للطعن في عقيدة التثليث».
و يذكر (ابيقان) الفلسطيني في كتابه: الشامل في الهرطقات: بدعة عربية يسميها (الكلّرين) من (كلّيرس) قرص خبز من طحين الشعير كانت تتعاطاها بعض نساء العرب النصارى فيقدّمن من تلك الأقراص قرابين عبادة لأم المسيح على مثال ما كانت تقدمه نساء العرب الجاهليات للإلهة (اللات).
و المجمع المسكوني الثالث عام 431 يلقب مريم «أم اللَّه» أليس هذا دليلًا على أنهم كانوا يؤلهون الميسح و أمه من دون اللَّه.
وفي كتاب اللاهوت العقائدي 2: 108 ل (لوديغ أوث): أن مريم هي حقاً أم اللَّه تقول الكنيسة في قانون الرسل بأن ابن اللَّه ولد من مريم العذراء فهي أم اللَّه من حيث هي أم ابن اللَّه!.
أقول: و التفصيل راجع إلى كتابنا (عقائدنا)
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 26
و قد نبحث حوله في آية المائدة هذه و التوبة «وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (31) فإليهما التفصيل «1» و هنا إجمال كما تقتضية آيتنا.
إنهم يغالون في ثمانين موضعاً كما درسناه في مريم «2» و يزيف أسطورة الثالوث و ألوهيته كما يقول: «إن الحياة الأبدية معرفة اللَّه بالوحدانية و أن المسيح رسول» (يوحنا 17: 3) و «أوّل الأحكام أن نعرف أن إلهنا واحد» (مرقس 12: 29) و كما يقول له الكاتب: لقد قلت حسناً إن اللَّه إله واحد و ليس غيره من إله و لما رآه المسيح عاقلًا في جوابه و كلامه خاطبه قائلًا: «لست بعيداً عن ملكوت اللَّه» (مرقس 12: 32- 33).
و من ثم يندّد ببطرس و يعتبره شيطاناً حين غلى إذ قال له «حاشاك يا رب! فالتفت إليه و قال إذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما اللَّه لكن بما للناس» «متى 16: 22
(1). راجع أيضاً «عقائدنا» 65- 145 و «حوار» 383- 399 وج 30 الفرقان على ضوء سورة التوحيد، فلا نعيد هنا تفصيلًا إلّاعلى ضوء آيتي المائدة و التوبة
(2). ج 16، الفرقان ص 305
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 27
- 23). «1»
و قد يندد علماء الإنجيل ببطرس هذا القائل الغالي. «2»
و قد يعتبر السيد المسيح من يظنه إلها او ابن اللَّه من المجانين: «... فلما عرفوه أخذوا يصرخون مرحباً بك يا إلهنا! واخذوا يسجدون له كما يسجدون للَّه. فتنفس الصعداء و قال:
«انصرفوا عني أيها المجانين لأني أخشى أنن تفتح الأرض فاهها و تبتلعني و إياكم لكلامكم الممقوت. لذلك ارتاع الشعب و طفقوا يبكون» (برنابا 92: 19- 20). «3»
والحق ان المسيح عليه السلام لم يدع الألوهية و لا أنه ابن اللَّه و لم يخلد بخلده هذه الدعوة العارمة، و لا يوجد في الكتب المقدسة صريح و لا ظاهر في هذه الدعوى إلّابعض المتشابهات ك «أنا و الآب واحد» (لوقا 10: 30) و هنا «الآب» اليونانية بمعنى الخالق دون
(1). و أخرج برنابا الحواري هذه القصة كالتالي: و انصرف يسوع من اور شليم بعد الفصح و دخل حدود قيصرية فيلبس. فسأل تلاميذه بعد أن أنذره الملاك جبرائيل بالشعب الذي نجم بين العامة قائلًا ماذا يقول الناس عني؟.
أجابوا: يقول البعض أنك إيليا و آخرون ارميا أحد الأنبياء، أجاب يسوع: و ما قولكم أنتم فيّ؟ أجاب لبطرس إنك أنت شيطان و تحاول أن تسيء إلي ثم هدد الأحد عشر قائلًا: ويل لكم إذا صدقتم هذا لأني ظفرت بلعنة كبيرة من اللَّه على كل من يصدق هذا .. فبكى بطرس و قال: «يا سيد لقد تكملت فأضرع إلي اللَّه أن يغفر لي» (برنابا 8: 70: 1- 7) «وأراد المسيح أن يخرج بطرس فشفع له التلاميذ ثم هدده ثانياً ألّا يكرر مقالته الكافرة هذه» (برنابا 8: 11)
(2). يقول مستر فلك و الدكتور كود و برنتس و هو الملقب بالمرشد الفاضل في لسان «جويل» أن بطرس رئيس الحواريين غالط فيما كتبه و جاهل بالإنجيل و قد ضل عن الإيمان الصحيح بعد نزول روح القدس، لا فحسب بل و يصرح «جان كالدين» أن بطرس ابتدع في الكنيسة بدعاً جارفة و أخاف المسيحية بها و استلب منها حريتها و جعل التوفيق المسيحي تحت رجليه»
(3). و هكذا يشهد على عبوديته للَّهالأرض و السماء قائلًا: «أشهد أمام السماء و أشهد كل شيء على الأرض إني برىءٌ من كل ما قد قلتم، لأتي إنسان مولود من إمرأة فانية بشرية و عُرضة لحكم اللَّه، مكابد شقاء الأكل و المنام و شقاء البرد و الحر كسائر البشر لذلك متى جاء اللَّه ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان» برنابا 93: 10- 11 و 94: 1- 3).
و يعتبر من يدعوه إلهاً ضالًا مستحقاً للمقت: «إنكم قد ضللتم ضلالًا عظيماً أيها الإسرائيليون لأنكم دعوتموني إلهكم و أنا إنسان، و إني أخشى لها أن ينزل اللَّه بالمدينة المقدسة و باءً شديداً مسلماً إياها لاستعباد الغرباء، «لعن اللَّه الشيطان الذي أغراكم بهذا ألف لعنة» (برنابا 92: 2- 4)
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 28
الأب بمعنى الوالد، و قد تعنى الواحد بالغ مقام التسليم للخالق، حيث الوحدة في الكيان ذاتياً و صفاتياً أو بين الخالق المخلوق و مستحيلة ذاتياً.
ذلك و كما في محمد صلى الله عليه و آله «ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» (53: 9) فإن مقام التدلّي أرقى مقامات القرب.
و أما «هذا هو الذي أتى بماءٍ و دم يسوع المسيح. لا بالماء فقط بل بالماء و الدم. و الروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق، فإن الذين يشهدون (في السماء) هم ثلاثة: الآب و الكلمة و الروح القدس، و هؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة) الروح و الماء و الدم و الثلاثة هم واحد» (الرسالة الاولي ليوحنا) (5: 6- 8).
أما هذه فليس ككل من الآيات الإنجيلية، فإن بين الهلالين منها- الذي هو من مستندات التثليث- مقحمة ملحقة من المثلثين كما يشهد له أقدم النسخ و كبار علماء الإنجيل. «1»
(1). هنا (في السماء) و (الإب ..- إلي- هم ثلاثة) لا توجد في أقدم النسخ و كما تصرح بذلك الترجمة العربية عن الأصل اليوناني- التي هي مدار النقل في كتبنا كلها- فإن التنبيه الموجود في أول الكتاب المقدس هكذا» و الهلالان يدلان على أن الكلمات التي بينها ليس لها وجود في أقدم النسخ و أصحها.
إذاً فتصريحة التثليث هنا الحاقية زيدت بأيدي الدساسين، و كما يقول كبار المحققين من علماء الإناجيل حيث يقولون: هذه الجملة الحاقية يجب حذفها عن الإنجيل، و قد تبعه جامعوا تفسير هنزري- اسكات آدم كلارك، ثم اكستائن و هو من أعلم علماء التثليث و مرجعهم حتى الآن لا ينقل هذه العبارة في رسالاته العشر التي كتبها حول هذه الرسالة الإنجيلة، إذاً فلم تكن عبارة التثليث هذه في الإنجيل حتى القرن الرابع زمن اكستائن.
ذلك و قد تكلف اكستائن في إثبات الثالوث في مناظرته مع فرقة ايرين المنكرين له تكلفه في الآية (8) قائلًا: إن الماء هنا هو الآب و الدم هو الا بن و الروح هو روح القدس.
فلو كانت تصريحة التثليث موجودة في هذه الرسالة الإنجيلية لما اضطر إلي ذلك التكلف البارد، و الصحيح أن القصة من هذه الثلاثة نفس المسيح بجزئيه الجسماني و اروحاني.