کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 244
سمّاه الناكرون له بالوعد «وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (34: 29) «1» و ليس «وَعْداً عَلَيْهِ» - فقط- بما اخبرنا بألسنة رسله حتى تنكر ب «لَوْ شاءَ اللَّهُ ...» بل وسائر الآيات الإلهية آفاقية و انفسية تؤكد أنه «وَعْداً عَلَيْهِ» .
فالفطرة العاشقة لا ستمرارية الحياة بعد الموت دونما فتور في هيمانها لها مع العلم بواقع الموت، و لا فترة لها فيها تعشقه رغم ما يرى من عامة الموت، و حتى اذا قرب صاحبها الى الموت، و احتمال أن المعشوق لا يعدو الخيال، فضلًا عن حتمية الخيال- مما يهدم صرح العشق، و لكنما الفطرة تعشق الحياة المستمرة واقعياً، ويزداد له تعشقاً كلما يكبر صاحبها و الى قرب الموت، و ذلك دليل قاطع لا مرد له على حتمية الحياة بعد الموت فطرياً.
ثم العقل الحاكم ان السماوات و الأرض لم تخلقا عبثاً و لا الإنسان عبث في ذلك الكون الشاسع، و قضية عدل اللَّه العليم القدير الرؤف الرحيم أن الإنصاف للمظلمومين من الظالمين ضرورة قاطعة قاصعة.
كل ذلك يؤكد «وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا» ثابتاً لا حول عنه «حَقًّا» لا يبطل و لا يزول، فانه اصل اصيل في كتابي التكوين والتشريع، فلو خالف وعده فقد خالف ربوبيته، و خالف احكام الفطرة التي فطر الناس عليها، و أحكام العقل، و احكام كل حكم عدل حكيم.
و نقمة الظالمين احياناً يوم الدنيا لا تكفى انتصاراً للمظلومين، لولا حياة بعد الموت تكفَّى فيها نقماتهم، و تكفِّى للعادلين و المظلومين نعماتهم.
إذاً فيوم الوعد ليس وعداً باطلًا، لم حقاً زائلًا يقبل البداء، و «بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا» عليه في كتاب الكتوين فطرةً و عقلًا و عدلًا، و عليه في كتابات التشريع طول التأريخ الرسالي دونما تخلف و خلاف، و ليس اللَّه ليترك ما عليه- و هو لزام ربوبيته- لما يحلفون باللَّه كاذبين جهد ايمانهم «لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ» .
(1). و كذلك في 10: 48 و 21: 38 و 27: 71 و 67: 25 و 36: 48 و 67
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 245
«وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ان ذلك وعدٌ عليه، تجاهلًا مقصراً، لا جهلًا قاصراً لإقسام للمشركين و قد نطق به القرآن في آيات عدة!.
و على هامش نكران يوم البعث نكران الرجعة قبل البعث في دولة القائم عليه السلام، و قد تعنيه الآية تأويلًا من باب الجري في المصداق الأدنى، فانها من باب واحد مهما اختلف فهناك مشركون و هنا طائفة من المسلمين.
وترى كيف اقسم المشركون باللَّه، و اصنامهم التي اشركوها باللَّه هي أعزُّلهم من اللَّه؟ إذ يعبدونها من دون اللَّه؟
إنهم مؤمنون باللَّه انه الا صل بين الآلهة، مهما يعبدون الاصنام دون اللَّه، ولكنهم- و هم أمام المؤمنين باللَّه- لا بد و ان يقسموا بمن يتصادقون في الايمان و هو اللَّه، لا سيما و انهم المتظاهرون بمظهر الدافع عن اللَّه، و هنالك إقسامات لهم باللَّه تحملها آيات اخرى. «1»
تبّاً لمن يختلق ما يخالف القران ثم ينسبه الى اهل بيت القرآن أن «تباً لمن قال هذا». «2»
فهب انه لا برهان على ضرورة البعث بعد إمكانيته، ولكن اللَّه الذي يعلم ذلك الاختلاف الدائب بشأن البعث تثبيتاً و انكاراً، عليه أن يبين الحق ليزول الخلاف، بياناً لا مرد عنه و لا محيص، و يتصادق في تصديقه المختلفون، و لم يفعل هكذا يوم الدنيا، فيكن بعدها يومٌ- و لا اقل- للبيان «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ» بياناً عياناً بواقع البعث و ما فيه
(1). كالآية: 6: 109 و 35: 42: و 14: 44. مهما وردت آيات اخرى في أقسام المنافقين كالآية: 24: 53 و 5: 53
(2). نور الثقلين 3: 53 عن روضة الكافي سهل عن محمد عن ابيه عن ابي بصير قال قلت لابي عبداللَّه عليه السلام قوله تبارك و تعالى: «وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ...» قال: فقال لي: يا ابا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال: قلت ان المشركين يزعمون و يحلفون لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ان اللَّه لا يبعث الموتى، قال فقال: تباً لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون باللَّهام باللات و العزّى؟ قال قلت جعلت فداك فأوجدنيه، قال فقال يا ابا بصير لو قد قام قائمنا بعث اللَّه قوماً من شيعتنا سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث فلان و فلان من قبورهم و هم مع القائم فيبلغ ذلك قوماً من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما اكذبتهم هذه دولتكم و انتم تقولون فيها الكذب لا و اللَّه ما عاش هؤلاء و لا يعيشون الى يوم القيامة، قال: فحكى اللَّه قولهم فقال: «وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ» اقول و رواه مثله باختلاف يسير ابن سيرين و ابراهيم القمي عن بعض رجاله عنه عليه السلام.
ولا سبيل لتصديق هذه الروايات إلا أنها تأويل للبعث الى نطاقه الا عم من اعلاه الى ادناه، و تبّاً لمن قال هذا تب للاختصاص، مهما كان ظاهره الاختصاص
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 246
من الفتح بين المختلفين، و فصل القضاء لهم «وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا» عين اليقين «أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ» فيما هم يحلفون و يختلقون من شبهات حول البعث.
و هنا البيان الموعود لهم يوم البعث منه واقع البعث فانه بيان العيان، و منه ظهور كافة الحقائق التي انكروها يوم الدنيا، تقصيراً عنها لا قصوراً فيها، اذ حجبوا انفسهم عنها فانكروا، ولكنهم في الاخرى يُزَّيل بينهم و بينها فيصدقونها متحسرين من تكذيبها في الاولى: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» .
و من ثم بيان العيان لملكوت عقائدهم و أعمالهم حيث تبرز فيها ف «إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» .
ففي مثلث البيان العيان «وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ» و يعلم الذين آمنوا صدقهم انفسهم فيشكرون.
و إزاحة عن شبهة القدرة لذلك البعث الباعث لتحقيق عدل اللَّه و فضله:
«إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (16: 40).
إنما قوله تعالى- فيما يريده تكويناً- فعله، تعبيراً بما نعرفه سهلًا هيِّناً، فكما القول- أياً كان في التكوين- عندنا سهل، دون حاجة إلى أية محاولة إلّالفظة القول، كذلك اللَّه ربنا سبحانه في فعله اياً كان، ليست له محاولة إلا مجرد حوله و قوته، دونما أية صعوبة و لا اي فصل زمني إلّاان يشاء ذلك قضية الحكمة العالية البانية.
و نفاذ مشيئة بالنسبة لاي تكوين هو على حد سواء، أكان تكويناً للكائن الاوّل لا من شيءٍ، ام تطويراً له بعد تكوينة الى اطوار اخرى كما يشاء، و على اية حال «فإرادته احداثه لا غير ذلك» «1» فلو ان «كن» هنا قولٌ فليكن له مخاطب، و كون المخاطب قبل الخطاب او
(1). في الكافي باسناده عن صفوان بن يحيى قال قلت لابي الحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من اللَّه و من الخلق- قال: الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، و اما من اللَّه تعالى فارادته احداثه لا غير ذلك لانه لا يروِّي و لا يهم و لا يتفكر و هذه الصفات منفية عنه و هي صفات الخلق، فارادة اللَّه الفعل لا غير ذلك يقول له: كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا يكف لذلك كما انه لا كيف له.
و في الدر المنثور 4: 118- اخرج احمد و الترمذي و حسنه وابن ابي حاتم و ابن مردويه و البيهقى في شعب الايمان و اللفظ له عن ابي ذر عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: يقول اللَّه يا ابن آدم كلكم مذنب إلّامن عافيت فاستغفرونى اغفرلكم و كلكم فقراء الا من اغنيت فسلوني اعطكم، و كلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى اهدكم و من استغفرني و هو يعلم اني ذو قدرة على ان اغفر له غفرت له و لا ابالي و لو ان اوّلكم و آخركم و حيكم و ميتكم و رطبكم و يابسكم اجتمعوا على قلب اشقى واحد منكم فما نقض ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة، و لو ان اوّلكم و آخركم و حيكم و ميتكم و رطبكم، و يابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم فاعطيتهم ما سألوني فما نقص ذلك مما عندى كغرز ابرة لو غمسها احدكم في البحر و ذلك اني جواد ماجد واحد عطائي كلام و عذابي كلام انما امري لشيء اذا اردته ان اقول له كن فيكون
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 247
حينه يحيل تكوينه، فانه تكوين للكائن، فانما هي ارادة تتعلق بتكوين غير الكائن، إما في أصله كالكائن الاول: المادة الأمِّ، فانه تكوين لا من شيءٍ، ام في تحويره تكويناً للشيء المراد تكوينه في البعث ليس إلّاخلق الأمثال، فالأرواح كائنة كما هيه، و الأجساد بموادها كماهيه، و كل ما حصل هنالك بالموت هو انفصال الروح عن هذا البدن، ثم تحول البدن رماداً، فلا معاد في المعاد إلّاخلق الصورة الإنسانية كما الاوَّل «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» و اعادة الروح في البدن بنفس الصورة.
صحيح ان اعادة المعدوم بحذافيره ممتنعة، ولكن لامعاد في المعاد معدوماً، و انما وصلٌ بعد فصل للروح مثل الاول، و خلق للصورة مثل الاولى، انشاءً كما الاول، دون أية اعادة للاوّل.
معنى الهداية و الاضلال من اللَّه؟
«قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» (17: 96).
إنه لا بد من شهادة الهية لإثبات رسالة إلهية، و لا تخلوا عن احدى مرحلتين:
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 248
«وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ» هداية ثانية بعد الأولى، فمن يتقبل هدى اللَّه دلالة و استدلالًا يهديه اللَّه ايصالًا الى حق الهدى: «وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ» (47: 17) «وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً» (19: 76) «فَهُوَ الْمُهْتَدِ» حيث لا يضل بعد هدى اللَّه.
«وَ مَنْ يُضْلِلْ» حيث لم يتقبل الهداية الأولى فعارضها و انكرها، فانه يحرم بعد عن هذه الهداية الاولى «فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ» (61: 5) اذاً «فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ» يهدونه، اذ لا هادي و لا ضال إلّااللَّه «يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» (16: 93) كلٌ بما قدمه المهتدي و الضال من هدى اولى او ضلال!: «قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ» (13: 27) «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ» (16: 37) «فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ» (30: 29)!.
و لان الناس يحشرون كما عاشوا فليحشر هؤلاء العمي البكم الصم «عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا» عملوا تعامياً عن بصائر اللَّه، و ابكموا خرساً لا يتكلمون عن آيات اللَّه، و إنما لإبطالها و فصلها عن عباد اللَّه، و صموا عن الاستعماع الى كلمات اللَّه، فهم اولاء يحشرون كما عاشوا و لا يظلمون نقيراً!.
ان الوجه ببصره و لسانه و اذنه مختلف لحكمة الواجهة للخالق ان يمشي به الانسان سوياً على صراط مستقيم، فمن يمشي في حياته مكباً على وجهه في الاولى سوف يحشر مكباً على وجهه في الاخرى: «أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (67: 22) «وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ ..» كما حشروا انفسهم يوم الدنيا على وجوههم! ف (الذي امشاهم على ارجلهم قادر ان يمشيهم على وجوههم). «1»
(1). الدر المنثور 4: 203 اخرج ابو داود الترمذي و حسنة و ابن جرير و ابن مردويه و البيهقي في البعث عن ابي هريرة قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة اصناف صنف مشاة و صنف ركبان و صنف على وجوههم قيل يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله! و كيف يمشون على وجوههم؟ قال: ان الذي ... اما انهم يقون بوجوههم كل حدب و شوك، اقول و اخرجه جماعات آخرون على اختلافات و لكنها متفقة فيما نقلناه في المتن
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 249
وترى اذ يحشرون هكذا فكيف الترائي التسامع و التلاسن بين اهل الجنة و النار، و بين أهل النار انفسهم مع بعض؟
إن حشرهم هكذا عذاب فوق العذاب، و من ثم بعد حشرهم يتبدل عذابهم هذا بآخر فيه يبصرون و يسمعون و يتكلمون كعذاب آخر فوق العذاب، ففقدهم لهذه الثلاث يوم حشرهم عذاب، ووجدانهم لها بعد حشرهم في نارهم عذاب آخر فوق عذاب! و على اية حال ف: «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً» : «كُلَّما خَبَتْ» : سكن لهبها و صار عليها خباء و غشاء من رمادها ام ماذا «زِدْناهُمْ سَعِيراً» كما الاوّل، فان السعير بعد اخباء زيادة على الخباء، لا زيادة للسعير على ما كان قبله، زيادة العذاب! و لماذا يزيدهم سعيراً على سعيرهم؟ ألأنهم اخباءوها؟ و ليس منهم ولن! ام انهم كانوا يستحقون هذه الزيادة من قبل؟ فلماذا لم تحق لهم من قبل؟- فلتكن زيادة السعير زيادة بعد الخباء باعادة مثل السعير!، و علّه كما تعاد جلودهم التي نضجت لتنضج تلو الاخرى: «كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ» (4: 56) ففاعلية كل سعير هي نضج الجلود، ثم تبدل جلوداً غيرها فزيدوا لنضجها سعيراً، سعير تلو سعير لنضج تلو نضج دون ان يخفف عنهم العذاب او يفتروهم فيه مبلسون!
«وَعْدَ اللَّهِ» ليوم الحساب، و الجزاء الوفاق «حَقٌّ» ثابت لا حِوَل عنه و لا تبديل، الا عجزاً او نسياناً، ام ظلماً و عدواناً «وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» !
و ذلك الوعد الحق لا بد لكم ان تعيشوا ذكراه في حياة النسيان، و حذار حذار «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» عن الوعد الحق «وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ» في توحيده و وعده الحق «الْغَرُورُ» الذي يعيش غُروراً و تلبيساً، و الشيطان هو رأس زاوية الغرور بذريعة الحياة الدنيا «الْغَرُورُ» و النفس الأمارة بالسوة «الْغَرُورُ» فحذاز حذار من ثالوث الغرور، الحائر محور الحياة الدنيا، فانها هي دار الغرور و مجالة الغرور: «وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا حياة الغرور
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 250
(3: 185) و «.. مَتاعُ الْغُرُورِ» (57: 20) و «إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ» (87: 20). و يا له من ثالوث منحوس يثلث ذكره في الذكر الحكيم (31: 33 و 57: 14) و آنهالمسة وجدانية صادقة حين يستحضر الانسان صورة المعركة الصاخبة الدائبة بينه و بين عدوّه الشيطان:
فحين ذكراه يتحفز بكل قواه للدفاع عن نفسه و نفيسه، دفعاً عن كل غواية و إغراء، مستيقظاً مداخل الشيطان الى نفسه، متوجّساً من كل حادثة و هاجسة ليعرضها على حجة اللَّه، فعلّها خدعة مستسرة من عدوه القديم. استعداداً دائباً لخوض هذه المعركة المصيرية «وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» !
أمن العقل ان يتخذ العدو صديقاً، اغتراراً متواصلا متأصلًا بغروه، وقد غر من قبل ابوينا الأولين و «فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ» ! «إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ» كما اعلن منذ البداية، ووعد مواصلة العداء حتى النهاية: «قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» اذاً «فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» مبدئياً لا طارئاً قد يصادق بعد ما يعادي «إِنَّما» ليس إلّا «يَدْعُوا حِزْبَهُ» و هم كل من ينغر بغروره «لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ» .
فهنالك حزبان: حزب اللَّه و حزب الشيطان، و بينهما عوان مذبذب هو ايضاً من حزب الشيطان، حيث الذبذبة دعوته و كيانه، ماهيته و بيانه، اللّهم الا من يعيش حياة الايمان فهو من حزب الرحمن مهما نال منه الشيطان اذ لا يخلو منه انس و لا جان، إلّاالمخلصين من عباد اللَّه فليس له عليهم من سلطان «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» :