کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 294
حيث كانوا يعتبرونها من العبادات المأمور بها!.
و كيف؟ «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا» (6: 148)- «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» (16: 35).
تأويل عليل لمشيئة اللَّه خلطاً لتكوينيتها بتشريعيتها، أن عقائدنا و أعمالنا الشركية ليست لتتخلف عن مشيئة اللَّه، فإن اللَّه غالب على أمره؟ رغم أنه يشاء تكويناً ما لا يشاءه تشريعاً قضية الإبتلاء بالإختيار، و لو أنه يشاء كلما يحصل من عباده تشريعاً، كما يشاءه تكويناً، لتناقضت المشيئتان التشريعيتان! بحق الصالحين و الطالحين.
«قُلْ» لهؤلاء الأوغاد المناكيد: «إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ» في شرعته، مهما لا يمنع عنها تكويناً في صيغة الجبر، أم جاهلية فوضى جزاف دون أي سناد مهما كان بصيغة علمية مرفوضة كهذه.
و قد يتعلق أمثال هؤلاء المجاهيل- كافرين أو مسلمين- بأمثال «وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً» (17: 16) بتخيُّل أن «فَفَسَقُوا فِيها» هو فسق تحت الأمر، غفلةً أو تغافلًا عن أن الفسق عن الأمر هو التخلف عنه، إذاً ف «أَمَرْنا مُتْرَفِيها» بما نأمر «فَفَسَقُوا فِيها» عن أمرنا تخلفاً عنه، كما و «إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ» .
و تراهم كانوا ينسبون كل فاحشة يفعلونها إلى اللَّه؟ نعم، في تأويلهم العليل للمشيئة الربانية، و لا في غير ذلك التأويل، «1» و «فاحِشَةً» دون «فواحش» أم «كل فاحشة» علّها لشمول الأمرين.
(1). نور الثقلين 2: 17 في أوصول الكافي عند محمد بن منصور قال سألته عن قول اللَّه عزَّوجلّ: «وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ..» قال فقال: هل رأيت أحداً زعم أن اللَّه أمرنا بالزنا و شرب الخمر و شيء من هذه المحارم؟ فقلت: لا، قال: ما هذه الفاحشة التي يدعون أن اللَّه أمرهم بها؟ قلت: اللّه اعلم و وليه، فقال: فإن هذا في أئمة الجور ادعوا ان اللَّه أمرهم بالإيتمام بقوم لم يأمرهم اللَّه بالإيتمام بهم فرد اللَّه ذلك عليهم فأخبر انهم قد قالوا عليهم الكذب و سمى ذلك منهم فاحشة، أقول: هذا من باب بيان مصداق مختلف فيه حينذاك بين مصاديق الوجه الثانى من «وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 295
و تراهم يعتبرون ما يفعلونه من «فاحِشَةً» فاحشةً، ثم يبرِّرون موقفهم منها بذلك نعم، في التأويل، الأول أم لأنها بأمر اللَّه فليست- إذاً- فاحشة، و لا في التأويل الثاني اللَّهم إلَّا من أرذلهم.
ثم هؤلاء الناكرون للوحي كيف يقولون «وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها» ؟ إنه في التأويل الأول قولة فلسفية خيِّلت إلى أهليها، و في الثانى فرية جاهلة على اللَّه يجمعها القول على اللَّه بغير علم:
«أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .
«القسط» هنا هو العدل إلى الفضل، فإن منه فضلًا و منه ظلماً، إعطاءً لقسط فاضل أم أخذاً لقسط، فالقسط العدل مأمور به فرضاً و القسط الفضل ندباً، و من المجموع «أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» و هو السجدة بزمانها و مكانها و اتجاهها «1» ، و إقامة الوجوه هي للَّه عند كل مسجد بكل الوجوه، ظاهرة و باطنة، ثم «وَ ادْعُوهُ» : اللَّه- عند كل مسجد «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» : الطاعة و العبادة، دون إشراك به في وجه من الوجوه و منها الرئاء، فإنه تعالى «كَما بَدَأَكُمْ» لا سواه «تَعُودُونَ» إليه لا سواه، و يا لها من لقطة واحدة عجيبة، قفزة تجمع بين نقطة البدء في الرحلة الكبرى، و نقطة الإنطلاق و النهاية.
ثم لأن «كُلِّ مَسْجِدٍ» تشمل مربع: السجدة، بزمانها، و مكانها و اتجاهها، فالأمر- إذاً- يحلق عليها كلها، مما يلمح صارحة برجاحة أم فرض الصلاة في المساجد، و مكية الآية- زعم أن الكعبة في العهد المكي لم يكن قبلة بعد، و لم تكن في مكة مساجد آنذاك- لا تمنع عن الأمر لأداء الصلاة في المساجد، حيث الكعبة المباركة كانت هي القبلة في العهد المكي كما المدني إلَّاشطراً قليلًا في ثاني العهدين «2» ثم كل مكان متخذ للصلاة مسجد لمتخذه و إن لم
(1). المصدر في تهذيب الأحكام من أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال سألته عن قول اللَّه عزَّوجلٌ: «وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» قال: هذه القبلة
(2). لمعرفة التفصيل راجع البقرة على ضوع آيات القبلة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 296
يكن مسجد اً عاماً، و كما أمرنا أن نخصص أمكنة خاصة في بيوتنا للصلاة، و ذلك عند إعواز المساجد الرسمية أم عسر الوصول إليها، ثم الآية المكية ليست لتحصر حكمها بالعهد الملكي، كما المدينة لا تخص المدنيين، فالقرآن ككلٍّ شرعة عالمية تتخطى حوجز الزمان و المكان، مهما كان المخاطبون الأولون المكيين و المدنيين: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» .
و في رجعة تفصيلية إلى ذلك المقطع اللَّامع من لوامع الآية نتساءل: هل المشابهة هنا بين البدء و العود واقع؟ و البدء ولادة من الأرحام إبتداء «بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ» و العود لا يعرف صلباً و لا رحماً و لا أية ولادة!.
إنه في وجه المشابهة تشابه بين بدء الإنسان الأول حيث بدأنا به، و بين العود ككلّ، فكما خلقنا اللَّه أول مرة من تراب، كذلك يعيدنا من تراب «وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» مرة اخرى.
و بوجه ثان «كَما بَدَأَكُمْ» إنشاءً من تراب كالإنسان الأوَّل، أم إنتشاء الإنسان كسائر الإنسان، و لم يعي بذلك الخلق الأول، كذلك «تَعُودُونَ» بنفس القدرة، و «هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» .
و قد يعني التشبيه كلا الأمرين، تشبيهاً في القدرة بأولوية، و تشبيهاً في المنشأ بين البدء والعود، ف «هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (30: 27) «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» (21: 104)، «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (10: 34) «أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (29: 19)؟.
فالقادر على البدء- و هو واقع لا مرد له- هو قادر- بأحرى- على الإعادة، كما هي الموعودة المتوقعة، و هما متماثلان في جذور الخلق الإنشاء، مهما اختلفا فيها يختص بكلّ واحد قضية نشأته.
إذاً فلكلّ منا ترابه المخصوص به دون الزائد الملحق المدسوس من أجزاء آخرين، أم أجزاء غير أصيلة في تكوّنه، فكما أن كلَّا منها خلق من خاصة نطفته أول مرة، فهو العائد بها مرة اخرى مهما التحق بها ما يعيش كلٌّ معها طول عمره دون فصال، ولكن الأجزاء الاخرى العائشة معنا ردحاً و مع الآخرين ردحاً آخر أم على طول الخط، إنها ليست هي
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 297
عائدة مع كلّ، بل هي عائدة لأشخاصها، أم بإشخاصها عن أصول الأبدان العائشة دوماً معها.
و بوجه ثالث كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «يحشر الناس حفاة عراة غُرلًا «1» و قال علي عليه السلام:
«فجاؤها حفاة عراة قد ظعنوا عنها باعمالهم إلى الحياة الدائمة، و الدار الباقية كما قال سبحانه: «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» (الخطبة 110).
ذلك، و قد تعني- فيما عنت- أن الآخرة هي مثال الدنيا، فكما بدأكم فريقين بما عملتم مهتدين و ضالين، كذلك تعودون مهتدين و ضالين دونما خلط و لا فوضى جزاف، ويؤيده
الاعمال التكليفته مختارة دون اضطرار
«فاللَّه اللَّه عباد اللَّه، فإن الدنيا ماضية بكم على سنن، و أنتم و الساعة في قرن، و كأنها قد جاءت بأشراطها، و أزفت بأفراطها، و وقفت بكم على صراطها، و كأنها قد أشرقت بزلازلها، و أناخت بكلاكلها، و انصرمت الدنيا بأهلها، و أخرجتهم من حضنها، فكانت كيوم مضي أو شهر انقضى، و صار جديدها رثّاً، و سمينها غثّاً، في موقفٍ ضنك المقام، و أمور مشتبهة عظام، و نار شديد كلبها» (188).
كن يا حامل الرسالة القدسية على ثقة أن وعد اللَّه بكلمته عليهم حق ف «إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» فنفعل بهم بعد توفِّيك ما ننكل، و على أية حال ليسوا ليفلتوا من أيدينا «فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ» جميعاً «ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ» دون إبقاء، فلا
(1). مفتاح كنوز افلسنة عنه صلى الله عليه و آله نقلًا عن: بخ- ك 81 ب 45، مس- ك 51 ح 56- 58 قا، تر- ك 35 ب 3، ل 44 سورة 17 ح 7 و سورة 21 ح 4 و سورة 80 ح 2، نس- ك 21 ب 117 و 118، مج- ك 37 ب 33، مى ك 20 ب 82، حم- أول ص 220 و 223 و 229 و 235 و 253 و 398 قا، ثالث ص 495، سادس ص 53 و 89، ط- ح 2638
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 298
يعزب عنه من مثقال ذرة كما لا يعزبون عنه فإنهم في ضبطة محيطة من ربك.
وترى «كل أمة» تشمل إلى أمم المكلفين من الجنة و الناس و من أشبههم أجمعين، تشمل أمم الدواب، فإنها أمم أمثالنا؟: «وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ» (6: 38).
قد تشمل كما فصلناه على ضوء آية الأنعام هذه، مهما اختلفت رسالة عن رسالة في بسالة الدعوة و بساطتها، و ليس «رَسُولُهُمْ» الناحي منحى ذوي العقول مما يختص هذه الرسالة بهم لمكان «أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ و إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ» حيث اعتبر سائر الدواب في حقل الرسالة عقلاء مهما اختلفت عقول عن عقول.
و أما «قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» اللَّامحة لخصوص ذوي العقول، فلا نرى رسالة بين الدواب و قضاء بالقسط بينها؟ فلا نرى روية لعدم الرسالة و القضاء، و اللَّه يعلم و أنتم لا تعلمون.
و هنا «قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» تشمل النشأتين و معهما البرزخ في هذا البين، فهنا القضاء بالقسط على ضوء بالغ الدعوة و حاقها، قضاءً حكيماً بجزاء كلّ من الإيمان بدرجاته و الكفر بدركاته، ثم قضاءً بواقع الجزاء «وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» على أية حال.
«وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (10: 48).
و يكأن صدق هذا الوعد لزامه العلم بمتاه، كمن يقال له متى ولدت أو تموت إن كنت صادقاً في أنك كائن، و لا رباط و لا صلة بين العلم بمتى أمر هو محقق دون متاه بمداه، و هذا الوعد هو ما مضى في «نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ..» من العذاب.
فهنا الجواب أنني لا أملك من اللَّه شيئاً من أصل العذاب و متاه ف «لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» من نفع أو ضر، و مما يملكني إياه تخويلًا بإذنه و دون تخويل، ثم «لِكُلِ
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 299
أُمَّةٍ أَجَلٌ» غير معلوم للقضاء عليها و انقراضها عن بكرتها، أم عن حالتها التي هي عليها «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ» بما قضى اللَّه في علمه ف «لا يَسْتَأْخِرُونَ» عنه «ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ» فطلب التأخير و التقديم منوط بعلمهم بمتاه و مداه، ثم و أن اللَّه يجيبهم إلى تطلبهم، ولكنه أجل جاءٍ في علم اللَّه بقضاء اللَّه، و لا يعلمه أحد بمتاه حتى يستأخره أو يستقدمه.
و ذلك الأجل فردياً أو جماعياً، مسمًّى أو معلقاً، لا يعني واقعه إذ لا معنى إذاً ستدلامته و قد جاء واقعه، و لا لطلب تأخيره، بل هو قضاءه «1» و قد فصلنا البحث حول الآجال في آياتها و لا سيما آية الأعراف (34) و النحل (16) فلا نعيد إلّاأن أجل كلّ أمة هو أجل كيانها الزمني الرسالى دون كونها، إذ لا يعهد لنا أمة جاء أجلهم عن بكرتهم اللَّهم إلا قوم نوح و فرعون و عاد و ثمود، و هنا «لِكُلِّ أُمَّةٍ» يحلِّق الأجل على كل أمة، فالقصد من الأجل هو الأعم من أجل الكون و الكيان و الجامع بينهما، و قد عرفنا منهم أمماً سكنت أجراسهم و خمدت أنفاسهم «فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (27: 52) «فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ» (69: 8).
فالأجل قد ينتهي بالهلاك الحسي فردياً و جميعاً كما حصل لأفراد و لبعض الأمم الخالية، أم بالهلاك المعنوي في كيانهم الزمني أو الروحي، هلاك الهزيمة و الضياء، إما دائماً أم مؤقتاً، و كل ذلك وفق مشيئة اللَّه قضية آمالها و أعمالها دونما فوضى جزاف.
فالأمم التي تعيش أسباب الحياة و أساليبها الحقة هي حية دائبة، و التي تنحرف عنها فتضعف أو تضمحل، و تنجرف قدر إنحرافها، و ليست الأمة الإسلامية خارجة عن هذه السنة الربانية العادلة الشاملة، فإنما حياتها هي بإتباع رسولها برسالته الخالدة حتى تخلد بخلودها، و كما قرر اللَّه و قدر: «لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً» (4: 123).
من ولاية الشياطين للذين لا يؤمنون معاكسة الحقائق، إراءة للفاحشة الطائشة أنها
(1). نور الثلقين 2: 306 في تفسير عياشى عن حمران قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن هذه الآية قال: هو الدينسمى لملك الموت عليه في ليلة القدر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 300
بأمر اللَّه، و للطاعة الربانية أنها بأمر الشيطان:
هنا تبريرٌ أول لإفتعال الفاحشة: «إنا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا» و سنة الآباء القدامى حجة على الأولاد، و تبريرٌ ثانٍ زعم أنه يؤكِّد صالح ذلك التقليد الأعمى: «وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها» و ذلك كمثل طوافهم- و لا سيما النساء «1» عراةً، و صلاتهم عند البيت مكاءً و تصدية و ما أشبه، حيث كانوا يعتبرونها من العبادات المأمور بها!.
و كيف؟ «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا» (6: 148)- «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» (16: 35).
تأويل عليل لمشيئة اللَّه خلطاً لتكوينيتها بتشريعيتها، أو عقائدنا و أعمالنا الشركية ليست لتتخلف عن مشيئة اللَّه، فإن اللَّه غالب على أمره؟ رغم أنه يشاء تكويناً مالا يشاء تشريعاً قضية الإبتلاء بالإختيار، و لو أنه يشاء كلما يحصل من عباده تشريعاً، كما يشاءه تكويناً، لتناقضت المشيئتان التشريعيتان! بحق الصالحين و الطالحين.
«قُلْ» لهؤلاء الأوغاد المناكيد: «إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ» في شرعته، مهما لا يمنع عنها تكوناً في محنته، «أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» سواء بصيغة علمية فلسفية في صيغة الجبر، أم جاهلية فوضى جزاف دون أي سناد مهما كان بصيغة علمية مرفوضة كهذه.
و قد يتعلق أمثال هؤلاء المجاهيل- كافرين أو مسلمين- بأمثال «وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً» (17: 16) بتخيُّل أن «فَفَسَقُوا فِيها» هو فسق تحت الأمر، غفلةً أؤ تغافلًا عن أن الفسق عن الأمر هو التخلف عنه، إذاً ف «أَمَرْنا مُتْرَفِيها» بما نأمر «فَفَسَقُوا فِيها» عن أمرنا تخلفاً عنه، كما و «إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ» .
و تراهم كانوا ينسبون كل فاحشة يفعلونها إلى اللَّه؟ نعم، في تأويلهم العليل للمشيئة