کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 318
هؤلاء الصلتون الصلبون الصامدون في كفرهم لا يزحزحهم عن ضلالهم لارحمة بكشف الضر عنهم و لا عذاب «وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ» تخضعاً «1» له عن كبرهم «وَ ما يَتَضَرَّعُونَ» استغفاراً عما كانوا يعملون، و الانسان اياً كان يتحول حال الرحمة و العذاب الى غير حاله، ففريق يشكرون حال الرحمة، و آخرون يستغفرون حال العذاب و الرحمة، و اما هؤلاء المناكيد فكأنهم ليسوا من الناس، بل هم نسناس وسواس خناس دائبون في كفرهم باله الناس:!
«حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» (23: 77).
ان ابواب العذاب اربع، اثنان في الاولى و آخران في الاخرى، فعذاب الاستئصال وما دونه يوم الدنيا، و اشد منه يوم الرجعة ثم اشد منهما يوم البرزخ، ثم الاشد في الاخرى، و «باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ» قد لا يعني الاولى في الاولى، لمكان «أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ» من ذي قبل و مواصفته ب «شَدِيدٍ» و الاولى ايا كان هي بجنب سائر العذاب غير شديد، و «حَتَّى إِذا فَتَحْنا» تضرب الى المستقبل، و لَان ضمير الجمع في «عَلَيْهِمْ» يعم كافة الطغاة في تاريخ الرسالات فلكين العذاب الشديد يوم الرجعة «2» «إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» حزناً معترضاً من شديد البأس.
و اما يوم القايمة فكل ابواب العذاب مفتوحة عليهم و على سواهم من اهل الجحيم، و يوم البرزخ لكلٍّ باب تناسبه، و ليس هناك باب جماهيرية تفتح على ذلك الجمع الطاغي.
«وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» (23:
78).
(1). في الكافي باسناده عن محمد بن مسلم قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن هذه الآية فقال: الاستكانة هي الخضوع، والتضرع رفع الدين و التضرع بهما و في المجمع روي عن مقاتل بن حيان عن الاصبغ بن نباته عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه و آله رفع الايدي في الاستكانة قلت و ما الاستكانة؟ قال: اما تقرء هذه الآية «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ» اورده الثعلبي و الواحدي في تفسيريهما، و فيه قال ابو عبداللَّه عليه السلام الاستكانة الدعاء، و في الدر المنثور 5: 14 اخرج العسكرى في المواعظ عن على بن ابى طالب في الآية اي لم يتواضعوا في الدعاء و لم يخضعوا و لو خضعوا للَّهلا ستجاب لهم
(2). نور الثقلين 3: 550 عن المجمع قال ابو جعفر عليه السلام: هو في الرجعة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 319
«الْأَفْئِدَةَ» هي القلوب المتفئدة، ذاتية بانوار الفطرة، و عارضية بما تستورها بالسمع و الابصار ظاهرية و باطنية من الآيات الآفاقية، و الشكر على هذه النعم الثلاث هو استعمالها فيما انشأت له من مزيد المعرفة ولكن «قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» عدّة بين الجموع «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» وعدة في هذه القلة حيث لا يشكرونه كلهم كما يحق و يستطيعون، فالشاكرون تماماً هم أقل قليل، و الشاكرون بعضاً هم القليل، و الكافرون هم الكثير.
«وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (23: 79).
الذرء هو الاظهار ف «هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ» اظهركم أحياءً «فِي الْأَرْضِ» ثم يخفيكم اذ يميتكم ثم «وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» .
«وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» (23: 80).
فكما له اختلاف الليل و النهار أن يأتي كلٌّ خلف الآخر و خِلفته و في كل حكمة بالغة، كذلك له اختلاف الإحياء و الإماتة كلٌّ يأتي خلف الآخر حسب الحكمة البالغة و هي احرى و اعقل «أَ فَلا تَعْقِلُونَ» و ما هو الفارق بين الاختلافين الا موادهما؟ فحين نعيش اختلاف الليل و النهار لحكمة معيشية دنيوية فانية، فهلا نعيش اختلاف الموت و الحياة لحكمة معيشية اخروية باقية «أَ فَلا تَعْقِلُونَ» !؟
«بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (23: 83).
انهم لم يؤمنوا بعد هذه الدلائل الباهرة و الحجج الظاهرة و لم يقولوا آمنا «بَلْ» قالوا كلمة الكفر، و لم تكن قولتهم من عند انفسهم «بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ» - «يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» قالوا قيلة الإستبعاد لبعثهم بعد إذ كانوا تراباً و عظاماً، و هو الذي خلقهم اول مرة، ثم هو يخلقهم و هو اهون عليه «لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا» الوعد «مِنْ قَبْلُ» طول تاريخ الرسالات «إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» و خرافات ملفقة من «الْأَوَّلِينَ» .
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 320
لقد كان مشركوا العرب مضطربي العقيدة و متناقضيها، فهم حين لا ينكرون اللَّه خالق الكون يشركون خلقه به، و حين لا ينكرون انه خالق الحياة ينكرونها بعد الموت، و لذلك هنا يستجوبهم فيما هم معترفون، ثم يتبناه لثتبيت ما هم منكرون:
«قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (23: 84).
لمن هي و من فيها، مِلكاً و مُلكاً و تدبيراً اصيلًا.
«سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ» (23: 85).
افبعد ذلك الاعتراف الجاهر لا تذكَّرون؟.
ان مالك الكون هو- فقط- مدبِّره حسب الحكمة البالغة، دون شريك و لا معين و لا مشير، قضية الملكية و المالكية الصالحة اصلاح المماليك و فصل القضاء بينهم فلا بد اذاً من يوم لفصل القضاء.
«قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ» (23: 87).
و «الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» هو هنا عرش العلم و القدرة و التدبير و التقدير، و بصيغة اخرى هو عرش الربوبية المحلِّقة على كافة شؤون السماوات السبع و من فيهن و من بينهن، و ارضنا منها.
«سَيَقُولُونَ» ان هذه الربوبية «لِلَّهِ» مهما اعتقدوا في ربوبيات هامشية لأربابهم فانها ايضاً للَّه حيث هي انفسها مخلوقة للَّه «قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ» اللَّه حيث تشركون به و تنكرون و حيه و يوم حسابه.
«قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ» (23: 89).
«قُلْ مَنْ بِيَدِهِ» علماً و قدرة و أية سلطة «مَلَكُوتُ» حقيقة الملك و المُلك ل «كُلِّ شَيْءٍ» فهو المَلك لكل شيء منها لانفسها، فناصية كل شيء- و ما به الشيء شيء بأسره- ليس إلا بيده لا سواه، «وَ هُوَ يُجِيرُ» و ينقذ كل شيء مستجيراً و سواه، حيث الفقر هو ذات كل
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 321
شيء، و الأخطار محلِّقة على كل شيء، فهي بحاجة ذاتية الى إجارة من الأخطار و الأضرار «وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ» حيث لا مجير عليه كما لا مجير له إذ لا أخطار عليه و لا يد فوق يديه.
«بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» (23: 90).
فليس هنالك قصور منا و لا تقصير في بيان الحق «بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ» المطلق دون غبار عليه «وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» في دعويهم، و حتى في اعترافاتهم بهذه الحقائق فانها تضاد و اتخاذهم آلهة سواه، و عبادتهم لما سواه، بل و تركهم إياه كأن لا إله الا ما تهواه انفسهم مما اتخذوه آلهة سواه:
اختيارات 2
«وَ إِنْ كَذَّبُوكَ» بعد كل هذه البراهين الباهرة، فلا رجاء- إذاً- فيهم لتقبُّل هذه الدعوة، فهنالك المفاصلة التامة «فَقُلْ لِي عَمَلِي» فلا يضركم ما أنا عليه لو كنت كاذباً «وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ» لا يضرني إذ أنتم كاذبون، ثم إذا «أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ» ف «أَنَا بَرِيءٌ» كما أنتم «مِمَّا تَعْمَلُونَ» .
و هذه لمسة ماسة لوجدانهم- إن كان لهم وجدان- باعتزالهم بأعمالهم، و انعزالهم لمصيرهم منفردين، ليواجهوا مصيرهم دونما سند و لا عماد.
42).
هنا «يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» دون «لك- أو- يستمعونك» تقرر موقف إستماعهم أنه ما كان بقصد الإنتفاع، بل هو الإنتقاد للرسالة القرآنية، مظهرين أنهم إستمعوا إليه لقرآنه، محيطين بعلمه، فما وجدوه إلَّامفترى على ربه «أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ» الذين لا يسمعون «وَ لَوْ كانُوا لا
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 322
يَعْقِلُونَ» ما استمعوه و هم لاهون لا عبون، أم لم يعوه إذ لم يستمعوه، «وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» (17: 47).
«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ» (10: 43).
و هنا «يَنْظُرُ إِلَيْكَ» ك «يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» يعني نظراً ظاهراً إبصاراً إليه لا إبصاراً به، فلم ينظروا إليه ليعتبروا إذ لم يجدوا فيه معتبراً فهم عميٌ في ذلك النظر «أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ» فقد يبصر الأعمى بإزالة العمى، ولكن الأعمى المصر على العمى ليس ليبصر، فهم إذاً يستمعون إليك و لا يسمعون، و ينظرون إليك و لا يبصرون: «وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» (7: 179).
ذلك، و العمي هنا عن آيات اللَّه البينات هم عمىٌ هناك عن رحمات اللَّه و الجنات ف «مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» (17: 72). فهؤلاء العمي هنا عمي يوم الاخرى عن نتائج الإبصار يوم الدنيا و هي الجنات.
و هكذا العُمي هنا عن معرفة اللَّه هم عميٌ هناك عنها «وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» فكل يكلمهم اللَّه يوم القيامة و لا يهديم سبيلًا.
ثم و هم عمي في أبصارهم لفترة عذاباً فوق العذاب، كما هم عميٌ في بصائرهم عن الرحمات و معرفة اللَّه عذاباً فوق العذاب: «وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً ...» (20: 126).
«إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (10: 44).
فحين هم يستمعون إليك و لا يسمعون، و ينظرون إليك و لا يبصرون، تجاهلًا و عناداً ثم لا يهتدون، فمن هو الذي ظلمهم إلّاأنفسهم حيث هم «أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» فليس اللهُ
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 323
ظالماً و لا مظلوماً، إنما هم الناس النسناس الظالمون المظلومون بأنفسهم.
و هذه الآيات الأخيرة- بعد البراهين الوفيرة و عناد المعاندين و تكذيبهم إياه صلى الله عليه و آله- هي تسريات و تسليات لخاطرة الشريف صلى الله عليه و آله عما قد يجده في نفسه من تضيق بذلك التكذيب الخفيق و العناد الصفيق، بعد كرور الإعلام و مرور الإعلان، و ذلك بما يقرره له ربه من أن إباءهم عن الحق ليس عن تفصير منه في البلاغ، و لا قصور في مادة البلاغ، ولكن هؤلاء هم المقصرون القاصرون كالصم و العمي، ولا يفتح الآذان لسمع الحق و الأعين لإبصاره إلَّااللَّه لمن تسمَّع و أبصر، فهم صم عمي حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون، رغم ما الستكثروا الأمل و استبطئوا الأجل و كان أمده بعيداً وليس هو إلا ساعة:
ولقد فصلنا القول حول اللبث في البرزخ أمام القيامة الكبرى في آياتها الست الاخرى «1» و لا سيما الاخرى (79: 46) فليراجع، و هنا نتحدث حول ميِّزات هذه الآية بينها.
هنا ثانيةٌ تحمل: «ساعَةً» لبثاً في البرزخ أم و قبله: «وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ» (30: 55): «ساعَةً مِنَ النَّهارِ» كما هنا، أم أية ساعة من ليل أو نهار كما في آية الروم لمكان إطلاق «ساعَةً» ، و هي أقل تحديد من هؤلاء للبثهم، و فوقها في آيات اخرى أنه يوم أو بعض يوم، الشاملان لجزئيه ليلًا و نهاراً، أو عشر ليال أو سنين لمكان «عشرا» و هي أكثر تقدير، و حق اللبث هو أنه كان قليلًا دون هذه التحديدات: «قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (23: 117) أم «يَوْماً» : «نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً» (20: 105) ولكن الحق المطلق هو ما «وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (30: 56).
فحاسم الجواب و جاسمه أنه كان قلة قليلة بجنب الآخرة، مهما كانت كثرة وافية لحياة
(1). و هي 17: 52 و 20: 103 و 23: 112 و 30: 56 و 46: 3 و 79: 46
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج2، ص: 324
التكليف، فهم قد يقلِّلونه بما يعللونه عذراً أنه ما كان يكفى لحياة التكليف قبل الموت، أم إنه قليل بجنب حياة الجزاء بمجموع حياتي البرزخ و التكليف، أم إن المسؤول هو يوم البرزخ لمكان «يَوْمِ الْبَعْثِ» ، و اللَّه يصدقهم في أصل القلة على أية حال، اللَّهم إلَّاقلة غير وافية بحياة التكليف.
ذلك، أفمن أجل ساعة أو بعض يوم أو عشر من الليالي و السنين، هذه الزهيدة العاجلة القصيرة، التافهة الهزيلة، ألهذه تتنافسون و تتطاحنون و ترتكوبن لأجلها ما ترتكبون فترتبكون؟ إنها الحماقة الكبرى، لا يرتكبها فيرتبك بها ذو حجى، و على حد المروي عن رسول الهدى صلى الله عليه و آله: «بئس ما إتجرتم في يوم أو بعض يوم ناري و سخطي، أمكثوا فيها خالدين». «1»
وترى كيف هو أحياناً في تخيلهم ليل و اخرى نهار، ثم هو بين ساعة إلى عشر ليال أمّا هو؟.
علّهم يخلدون في نفس الزمن الذي توفوا فيه ليلًا أو نهاراً، و كما عن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يتعارفون لليل صباحاً و لا لنهار مساءً، أى الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمداً». «2»
«يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا» بزعمهم و حسبناهم «إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ» حيث البرزخ أكثره نوم لمكان «يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا» (3: 52) ثم هو قليل بجنب الآخرة لحد قد تحسب كساعة منها «يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ» .
(1). الدر المنثور 6: 27- أخرجه ابن أبى حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعى منه صلى الله عليه و آله: ..