کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 102
أمر إمرته بهذه الأهمية الكبرى؟.
فالجواب أن القصد من ذكر الإسم ليس إلَّا تسجيل المكانة لصاحبه وقد سجل هكذا، وقد يتطرق إلى صُراح الإسم تأويلات أنْ يسمى سواه بإسمه، ولكنه ليس من الممكن أن يتسمى بسمته وولده المعصومين سواه وسواهم، حيث الحقيقة لا تقبل التأويل والإختلاق مهما تحمّلها الأسماء.
تى إذا كانت صراحة الإسم لحد لا يقبل أي تأويل، فقد كان يخلق هزازات ونكرانات للأكثرية الطليقة من هؤلاء المسلمين والنتيجة هي الحكم بخروجهم عن الإسلام جهاراً بذلك الإنكار لجلي النص من القرآن، فترجع المشكلة الشائكة التي كان يخافها الرسول صلى الله عليه و آله على رسالته من ذلك البلاغ.
فالجمع بين الحفاظ على ظاهر الإسلام لكل من يدعيه، وواقع الحجة البالغة لمن يريد صالح الإيمان، فحق العقاب على ناكريها مهما تظاهر بالإيمان وتمجمج في دلالة آيات الولاية وأحاديثها.
ذلك الجمع يقتضي نفس الواقع الذي نعيشه بين الكتاب والسنة من قصة الخلافة.
وترى- بعدُ- أن عدم التصريح بإسم ولاة الأمر بعد الرسول صلى الله عليه و آله ينقص أو ينتقض من دلالة الكنايات الكتابية التي هي أبلغ من التصريح، ومن التصريحات الوفيرة في السنة وهناك كثير من الأحكام الثابتة بالسنة القطعية ولا دليل لها من الكتاب إلَّا عمومات أو إطلاقات.
ولما يصدق الخليفة عمر في صراح القول ولاية الإمام بأولويته الطليقة فما بال أتباع له ينكرونها ويتشككون فيها، ومن الفاظه، لما قيل له: إنك تصنع بعلي- أي من التعظيم- شيئاً لا تصنع مع أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فقال: إنه مولاي «1» .
(1). أخرجه الطبراني، وفي الفتوحات الإسلامية 3: 307 حكم عليّ مرة على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببه عمر بن الخطاب وقال له: ويلك انه مولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة 3: 170 وفي ذخائر العقبى للمحب الطبري 68 ووسيلة المآل للشيخ احمد بن باكثير المكي ومناقب الخوارزمي 97 والصواعق 107 عن الحافظ الدارقطني عن عمر وقد جاءه اعرابيان يختصمان فقال لعلي عليه السلام اقض بينهما، فقال احدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب اليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن، وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس- وأشار إلى علي بن ابي طالب عليه السلام- فقال الرجل: هذا الأبطن؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال: أتدري من صغرت؟ هذا مولاي ومولى كل مسلم
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 103
وختاماً للكلام حول آية التبليغ تعالوا معنا نسمع الامام عليه السلام ماذا يقول عن رباطه بالرسول صلى الله عليه و آله ما يثبت جدارته القمة بإمره المؤمنين:
«أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومُضَر، وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى صدره، ويكنُفني في فراشه، ويُمِسّني جسدَه، ويُشمني عَرْفَه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطْلة في فعل-
ولقد قرن اللَّه به صلى الله عليه و آله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملَكٍ من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غيرَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة-
ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه و آله فقلت يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما هذه الرنَّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلَّا أنك لست بنبيٍّ ولكنك وزير، وانك لعلى خير «1» .
«كنت أيام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كجزءٍ من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ينظر إلى الناس كما يُنظر إلى الكواكب في أفق السماء، ثم غضَّ الدهر مني فقُرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أفضلهم عثمان فقلت واذفراه، ثم لم يرضَ الدهرُ لي بذلك حتى ارذلني فجعلني نظيراً لابن هند وابن النابغة، لقد استنت الفصال حتى القرعى» «2» .
(1). نهج البلاغة الخطبة 190/ 4/ 373
(2). شرح النهج لابن أبي الحديد 733
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 104
«أما واللَّه لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلّي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السبيل ولا يرقى إليَّ الطير ... فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً .. حتى إذا مضى الأول لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فياللَّه وللشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقر إلى هذه النظائر» «1» .
فواللَّه ما زلت مدفوعاً عن حقي، مستأثراً عليَّ، منذ قبض اللَّه نبيه صلى الله عليه و آله حتى يوم الناس هذا» «2» .
«لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، وواللَّه لأسلِّمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلَّا عليّ خاصة، إلتماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» «3» .
«فواللَّه إني لأولى الناس بالناس، لم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً، إني أريدكم اللَّه وأنتم تريدونني لأنفسكم» «4» .
«اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قد قطعوا رحمي، وأكفؤوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري ..» «5» - «فلما مضى صلى الله عليه و آله تنازع المسلمون الأمر من بعده، فواللَّه ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه و آله عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلَّا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجع عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه و آله فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلْماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولا يتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول
(1). خطبة الشقشقية 4/ 47
(2). (الخطبة 6/ 49)
(3). 72/ 129
(4). 134/ 247
(5)). 215/ 413
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 105
منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشَّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل، فإن أعطيناه وإلَّا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى» «1» .
هامة الغدير ذكرى تكميل الدين: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...
«الْيَوْمَ» وما أدراك ما ذلك اليوم، فقد اختلفت الأمة الإسلامية في «ما هو ذلك اليوم» فعلينا البحث والتنقير في ظلال الآية نفسها- وبضمنها الروايات- حتى نعرف بيقين وإتقان يوم السلب والإيجاب، سلباً لأطماع الذين كفروا من دينكم، وإيجاباً هو إكمال الدين وإتمام النعمة لكم.
«الْيَوْمَ» هنا حسب الظاهر وقية وحدة الصيغة هو يوم واحد حصلت فيه أربعة أمور هامة لم تكن تحصل من ذي قبل، مهما أعدَّت معداته:
1- «يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ..» 2- «أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» 3- «وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» 4- «وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» .
فهنا بين الأركان الأربعة يتقدم جانب السلب: «يَئِسَ ..» على مثلث الإيجاب في هندسة عمارة الدولة الإسلامية السامية بقيادتها الروحية والزمنية.
فما لم ييأس الذين كفروا من دينكم ليس له كمال ولا لنعمته تمام ولا لأصله رضىً، إذاً فهذه الأضلاع ترسم «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» في حاكمية «اللَّه» منذ ذلك اليوم كما يرضاه اللَّه.
إن قضية إكمال الدين وإتمام النعمة بعد يأس الذين كفروا من دينكم، أن يكون ذلك اليوم من أخريات أيام الرسول صلى الله عليه و آله أحيانَ كان يودِّع المسلمين وينفض يديه من بلاغ الإسلام، إذاً فالآية هي من أخريات الآيات الرسالية النازعة عليه، يوم لم يبق له من أصل
(1). (21 ح/ 568)
(2). 5: 3
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 106
الدين بوصله وفصله أية هامة «1» .
فهل يعني- بعد- يوم ابتعاث الرسول صلى الله عليه و آله؟ ولم يكن يومئذ لهم دين حتى يُكمل به إلا الشرك، ولم ييأس «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» - لو كان لهم دين- منذ بزوغه، بل كانت لهم أطماع شاسعة متوسعة لاستئصاله، لا سيما وأن الرسول صلى الله عليه و آله لم يكن له ولد من الذكران!، أو أنه فتح مكة المكرمة كما وعده اللَّه له: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً» فهنالك إتمام النعمة وإكمال الدين ب «يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ» كما فيه «يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» ب «وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً» .
فقد رجعت بذلك الفتح المبين عاصمةُ التوحيد ومهبط الوحي الأمين إلى الرسول الأمين صلى الله عليه و آله، ولكن ليس ذلك الفتح بمجرده مما يؤيِس الذين كفروا- ككل- من دينكم، كما وأنه بينه وبين رحلته صلى الله عليه و آله سنتين وقد نزلت فيها آيات تحمل أحكاماً أخرى وتوجيهات، كما و «ليتم وينصر» بشارة للمستقبل وليس فتح مكة إلا تقدمة له وذريعة، وبذلك يعرف- وبأحرى- أنه ليس- كذلك- يوم عرفة، ولا يوم نزول البراءة وما أشبه فإن يوماً من هذه لم يكن ليُؤيس الذين كفروا من دينكم حتى يكمل ويتم النعمة تماماً وكمالًا.
أوَ ترى أنه يوم إكمال الدين بأصوله؟ وقد ابتدأ بها صاحب الرسالة لزاماً وعاشها طول حياته مكرراً إياها مؤكداً لها! ولم تكن- كذلك- تؤيس الذين كفروا.
أو أنه يوم ختام القرآن؟ ولم يختم إلا عند ختام عمره الشريف إذ لم ينقطع عنه الوحى
(1). عن المناقب الفاخرة للسيد الرضي رحمه اللَّه عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: لما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من حجة الوداع نزل أرضاً يقال له: ضوجان فنزلت هذه الآية «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ...» فلما نزلت عصمته من الناس نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه وقال: من أولى منكم بأنفسكم؟ فضجوا بأجمعهم فقالوا: اللَّه ورسوله، فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله لأنه مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وكانت آخر فريضة فرضها اللَّه تعالى على أمة محمد صلى الله عليه و آله ثم أنزل اللَّه تعالى على نبيه «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 107
المنيف، ثم وليس ختام الوحي بالذي يؤيس الذين كفروا من دينكم، بل قد يُطَمئِنهم لإبطاله لانقضاء وحيه!، فإن مستمر الوحي أرجى، وهو بإياس الذين كفروا أجحى.
أم ترى أنه يوم إكماله بفروعه، يوم نزلت الآية نفسها؟ فكذلك الأمر!
إضافة إلى أن تحريم ما حرم هنا له سوابق سوابغ، فلم تكن نازلة جديدة، أو جادَّة تُؤيس الذين كفروا، ثم أتت أحكام أخر وتوجيهات لم تأت من ذي قبل!. إنه يوم بلاغ إستمرارية ذلك الدين المتين بقيادتيه الروحية والزمنية فيمن يمثلون الرسول الأمين، كما وأن ذلك البلاغ في آية البلاغ يقرر له هامة الحفاظ «1» على استمرارية هذا الدين: و «إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ..» .
إذاً فذلك اليوم هو يوم بلاغ لما يؤيد الرسالة ببلاغها بعد إكمال الدين وإتمام النعمة في الشرعة بأصولها وفروعها، وما هو الإبلاغ إستمرارية الحكم الرسالي القرآني بمن ينذر به وهو يمثل الرسول صلى الله عليه و آله فيما كان يفعل أو يقول على طول خط الرسالة إلى يوم الدين.
وهنا نجد إصفاقاً شاملًا في روايات الفريقين على نزول هذه الآية يوم الغدير بعد إصحار النبي صلى الله عليه و آله بولاية الأمر- كنموذح أوّل بعده- لعلي أمير المؤمنين.
ذلك وكما هو مأثور عن أصحاب الآثار أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه و آله لم يعمر بعدها إلا أحداً وثمانين يوماً أو إثنين وثمانين «2» .
فالدين وهو النعمة الربانية- ولا سيما ذلك الأخير- ليس ليتم إلا بقرار حاسم جاسم في نفسه لاستمراريته في قيادتيه الروحية والزمنية، فليست الأصول والفروع بنفسها بالتي تستمر لولا من يطبقها على ضوء الدولة الربانية الحاكمة الحكيمة بين المكلفين، كما
(1)). في الخصائص عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام قالا: لما نزلت هذه الآية (آية التبليغ) يوم الغدير وفيه نزلت: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ... قال وقال الصادق عليه السلام: أي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بإقامة حافظه وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي أي: بولايتنا، وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً أي: تسليم النفس لأمرنا
(2). في التفسير الكبير للرازي 3: 529 عن أصحاب الآثار ... وعينه أبو السعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي 3: 525، وذكر المؤرخون منهم- كما في تاريخ الكامل 3: 134 وأمتاع المقريزي 548 وتاريخ ابن كثير 6: 332 وعده مشهوراً والسيرة الحلبية 3: 382- أن وفاته صلى الله عليه و آله في الثاني عشر من ربيع الأول، مهما كان فيه تسامح بزيادة يوم على الإثنين والثمانين
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 108
ولا تفيد الدولة والنظام لولا تمام الإنتظام لشرعة اللَّه، فقد تجاوب الأمران يوم الغدير، حين لم يبق من الدين أمر إلَّا وقد بيّن، اللهم إلا استمراريته المفروضة يوم الغدير صراحاً جمعيّاً لم يحصل من ذي قبل مهما كانت له لمحات في فترات.
ولا يعني يوم الغدير- فقط- تأمير الأمير عليه السلام، فإنما هو كنقطة إنطلاق لتلك الخلافة القدسية المعصومة الناهية إلى صاحب الأمر الحجة بن الحسن المهدي عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف الذي به يملاء اللَّه الأرض قسطاً وعدلًا بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فقد صدق قول الرسول صلى الله عليه و آله: «يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي».
وإمرة صاحب الأمر لها النصيب الأوفر من ذلك المربع لهندسة الإسلام، لأن الائمة الإحدى عشر قبله لم تتح لهم فُرَص الإمرة بما اغتصبت حقوقهم. وقد «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً» «1» «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ. وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «2» .
ذلك وقد تصافقت روايات الفريقين أن الآية نزلت يوم الغدير حيث بلغ الرسول صلى الله عليه و آله إمرة الأمير بعدما نزلت آية التبليغ، وممن رواه بعد إجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام في روايته- أبو سعيد الخدري «3» وابن عباس «4» وجابر «5» وأبو هريرة «6» وسعيد بن سعد بن مالك الخدري
(1). 24: 55
(2). 21: 107
(3). مما روي عن أبي سعيد الخدري ما رواه الحافظ ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خم حين قاللعلي: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ثم رواه عن أبي هريرة أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه صلى الله عليه و آله من حجة الوداع (تفسير ابن كثير 3: 14) والسيوطي في الدر المنثور 3: 259 أخرج ابن مردوية وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علياً عليه السلام يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...» .
وفيه أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مثله وفي آخره: فنزلت «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...» فقال النبي: «الله أكبر ...» و نقله بهذا اللفظ الأربيلي في كشف الغمة (95)
(4). الثعلبي في تفسيره عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس روى قصة الغدير
(5). أبو الفتح النطنزي في كتابه الخصائص العلوية عن الخدري وجابر الأنصاري أنهما قالا: لما نزلت: اليوم أكملت .. قال النبي صلى الله عليه و آله: اللَّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبو حامد سعد الدين الصالحاني قال شهاب الدين أحد في توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل-: وبالإسناد المذكور عن مجاهد قال لمانزلت هذه الآية بغدير خم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وذكر مثله