کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 284
فقد تعني الصادقون الصديقين في أخرى «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» «1» ولأن «الَّذِينَ آمَنُوا» يحلق على طول الزمان وعرض المكان فلابد لهم أن يكونوا مع الصادقين على طول الخط، فهم- إذاً- المعصومون من الأمة، حيث الأمر بالكون مع غير المعصوم إغراء بالجهال، وجمع «الصَّادِقِينَ» دليل عديد المعصومين فلا تختص العصمة- إذاً- في هذه الأمة بشخص الرسول صلى الله عليه و آله ولم يذهب أحد من الأمة إلى عصمة الخلفاء أو الأئمة الأربعة، وقد ذهبت جماعة منهم إلى عصمة الأئمة الإثنى عشر، فليكونوا هم المعصومين، وإلّا فلا مصداق إذاً للصادقين، ثم ومعيتهم كما المعية مع الرسول صلى الله عليه و آله لا تختص بحضورهم، بل الأصل فيها هي معية سنتهم الثابتة الموافقة لكتاب اللَّه وسنة رسول، وإنما أمر المؤمنون في تقواهم بهذه المعية لأنهم يخطئون ويجهلون فلا بد لهم- إذاً- من سناد يسندهم ومولّى يليهم في كل أقوالهم وأحوالهم وأعمالهم، وهؤلاء هم المعصومون الذين لا يجوز عليهم الخطأ، وإلا فلا طائل تحت الكون معهم وهم كأمثالنا يخطئون!، والقول إن «الصَّادِقِينَ» لا يجب أن يكونوا أشخاصاً خصوصاً فإن إجماع الأمة معصوم صادق، هو زخرف من القول وغُرر من الغَرور قضية الدور المصرح أن يكون الراجع والمرجع كلاهما كل الأمة!، وإذا عني من إجماع الأمة الضرورة القطعية الإسلامية، فهو الكاشف قطعياً عن سنة الصادقين المعصومين.
(1)). 4: 69
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 285
الائمة من آل الرسول صلى الله عليه و آله هم اصدق الصديقين
آية وحيدة في القرآن كله تعرِّف بالذين أنعم اللَّه عليهم بمواصفات أربع كقمة عليا، حيث نهتدي في دعاء الهداية إلى صراطهم «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» «2» .
أترى «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» الموعود بهذه المعية المشرِّفة هو كل من أطاع اللَّه ورسوله مهما كانت قليلة؟ وليست تكفي هكذا طاعة لهدي الصراط المستقيم «3» .
«يطع» بالصيغة المضارعة دون «أطاع» تلمح صارحة إلى استمرارية الطاعة، وأنها سنة المطيع في حياته الإيمانية، مهما فلت عنه فالت وابتلي بلمم عن جهالة مغفورة.
وتلك الطاعة محلقة على كافة الحقول الحيوية عقيدية وثقافية وخلقية وعملية أمّاهيه «4» ؟.
ذلك، وكما «لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ .. وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً» تؤكد على طليق الإيقاظ بكل وعظ، ف «يُوعَظُونَ بِهِ» و «يُطِعِ» متجاوبتان في تداوم الطاعة للَّه والرسول وتدام الإتعاظ.
وهنا في القواعد الأربع للمنعم عليهم نجد القاعدة السائدة: «النَّبِيِّينَ» وهم بطبيعة الحال ليسوا ممن تعنيهم «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» حيث الرسل لا يطيعون أنفسهم، ثم الثلاثة الآخرون هم القمة العليا- على درجاتها- ممن «يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» فهم يتلون تلو الرسول في كونهم من المنعم عليهم المستدعى هدي صراطهم، فهم- إذاً- خارجون عن
(1). سورة النساء، الآية: 69
(2). نور الثقلين 1: 515 في كتاب معاني الأخبار عن الإمام الحسن عليه السلام في قول اللَّه عز وجل: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» أي قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك وهم الذين قال اللَّه عز وجل: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ ...»
(3). كما فصلناه على ضوء آية الحمد فراجع الفرقان (1: 117- 133)
(4). كما فصلناه على ضوء آية الحمد فراجع الفرقان (1: 117- 133)
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 286
المستدعين وعمن يطيع اللَّه ورسوله هنا حيث تعني مَن دون القمة العليا من المطيعين اللَّه والرسول.
صحيح أن الثلاثة الآخرين هم ايضاً ممن يطيع اللَّه ورسوله وفي قمتهم، ولكن معية «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» مع هؤلاء بعد النبيين تجعلهم خارجين عن المعنيين بهؤلاء المطيعين.
وهنا «الرَّسُولَ» مفردةً تعني محمداً صلى الله عليه و آله و «النَّبِيِّينَ» تعني اولي الرفعة من الرسل الذين أوتوا الكتاب، و «الرَّسُولَ» هنا دون «النبي» للتدليل على رسالته إليهم كما إلينا، وأن موقف الطاعة هو الرسالة الربانية.
وتعني «مَنْ يُطِعِ» فيمن عنتهم سائر النبيين المطيعين للَّهولهذا الرسول، حيث يصبحون معه كما صدقهم لما آمنوا به من قبل ويؤمنون، ونصروه وينصرون.
و «الصِّدِّيقِينَ» هم مَن دون النبيين رسلًا وسواهم كخلفاء الرسل والنبيين.
والصديق صيغة مبالغة من الصدق، صدقاً في كل أقوالهم وأحوالهم وأعمالهم وتصديقاً للنبيين، مبالغين الذروة العليا في الصدق والتصديق.
صحيح أن «الصديق» بقول طليق يشمل كل صديق، نبياً كإبراهيم (19: 41) وإدريس (19: 56)- «إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا» أم من يحذوا حذوه في أعلى قمم الإيمان كمريم عليها السلام و ( «أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» «1» كذلك «وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ ...» «2» .
إلَّا أن قَرْن «الصِّدِّيقِينَ» هنا بالنبيين والشهداء والصالحين، يجعلهم بعد النبيين، وهو يشمل سائر المرسلين وكافة الخلفاء عنهم المعصومين، أم ومريم الصديقة وبأحرى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام اللَّه عليهما، فانهما من ذروة الصديقين.
ثم «وَ الشُّهَداءِ» علّهم شهداء الأعمال، الشاملة لغير هؤلاء الصديقين من كاملي الإيمان، إذ لم تأت الشهادة في لفظ القرآن بمعنى الإستشهاد في سبيل اللَّه.
(1)). 5: 75
(2). 57: 19
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 287
ذلك ولكن طليق الشهداء يشملهم بمالهم من الزلفى عند اللَّه، الفائقة على سائر الصالحين: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» «1» . فهم- إذاً- فوق الصالحين الذين لم يُقتلوا في سبيل اللَّه، فهم- إذاً- من هؤلاء الشهداء.
وقسم ثالث من «الشهداء» هم شهداء الحق بمالهم من مكانة معرفية وعملية في شرعة اللَّه «إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» «2» وهم الشفعاء الخصوص وكذلك سائر الشهداء للَّه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ» «3» - «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا» «4» .
فهم سائر المؤمنين العالين في درجات الإيمان قدر ما يصلح كونهم من أصحاب الصراط المستقيم، الذين نتطلب هدي صراطهم في صلواتنا ليل نهار.
ف «الشهداء» في طليق القول مهما تعم كل شهداء الأعمال والمستشهدين في سبيل اللَّه نبيين او صديقين وشهداء الحق ولكنهم هنا غيرهما لقرنهم بهما، وكذلك «الصالحين».
فهذه المقارنة المربعة تجعل كلًا من هؤلاء الأربع على حدِّه، مهما اجتمعت كل هذه المواصفات او بعضها في البعض من هؤلاء الأكارم.
وطليق «وَ الشُّهَداءِ» يشمل هؤلاء الثلاث مهما كانوا درجات ثلاث، فالصالحون الذين ليسوا بشهداء بأيٍّ من هذه المعاني الثلاثة هم المعنيون ب «الصَّالِحِينَ» هنا.
فالأنبياء المستشهدون في سبيل اللَّه وهم شهداء الأعمال وشهداء الحق، وهم صديقون عند اللَّه، وهم صالحون، هؤلاء هم أصدق مصاديق المنعم عليهم، ويرأسهم خاتمهم صلى الله عليه و آله «ماتَ أَوْ قُتِلَ» .
والصديقون الشهداء في أبعادها الثلاثة وهم الصالحون القمة بعد النبيين، هؤلاء في الدرجة الثانية، والشهداء بأبعادها هم بعد هؤلاء الصديقين، ثم الصالحون.
(1)). 3: 169
(2)). 43: 86.
(3)). 4: 135
(4). 5: 8
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 288
والائمة من أهل بيت الرسالة المحمدية هم مجمع الثلاثة الأخر، فإنهم الصديقون والأوَّلون بهذه الرسالة القدسية، وهم الشهداء بعد الرسول صلى الله عليه و آله ووسطاء بينه وبين الأمة:
«وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» «1» فانه «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» «2» وهم المستشهدون في سبيل اللَّه.
ثم وهم أصلح الصاحين بعد الرسول صلى الله عليه و آله، إذاً فهم الذروة العليا بعد الرسول صلى الله عليه و آله وأفضل من كافة النبيين والشهداء والصالحين.
فأول المنعم عليهم من أصحاب الصراط المستقيم هو أوّل العابدين وقد جمعت له الرسالات الإلهية وهو افضل الصديقين والشهداء والصالحين، ثم عترته المعصومون الجامعون لهذه المواصفات الثلاث، ثم النبيون والشهداء والصالحون «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» .
ثم الصديقون الذين ليسوا بأنبياء وهم شهداء وصالحون كأفضلهم، ثم الشهداء غير البالغين درجة الصديقين وهم أفضل الصالحين.
ثم الصالحون، وهم ليسوا نبيين ولا في قمة التصديق والشهادة.
فلكل من هؤلاء الأربع درجات اجتمعت كلها في أهل بيت الرسالة المحمدية صلى الله عليه و آله.
ولماذا هنا «رَفِيقاً» بإفراد؟ وقضية الأربع، وكلٌّ مع ذلك جمع فهم جموع: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» !.
علّه أدبياً لأن الرفيق تأتي للجمع كما المفرد، ومن ثم معنوياً لأنهم واحد في أصل النعمة وهي الصراط المستقيم مهما اختلفت درجاتهم، كما الرسل والرسالات واحدة وهم وهي عدة، لأنها سلسلة واحدة موصولة على مدار التاريخ الرسالي.
ولرؤوس الزاوية من مربع المنعم عليهم مكانتهم العليا وكما يذكر في الذكر الحكيم عديد منهم هم: زكريا- يحيى- عيسى- إبراهيم- اسحاق- يعقوب- موسى- اسماعيل
(1)). 2: 143
(2). 22: 78
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 289
وطبيعة الحال في التدرج الى نعمة الصراط المستقيم أن يتطلب كلٌّ المزيد مما هو عليه، فغير الصالح يتطلب صراط الصالحين، والصالحون يتطلبون صراط الشهداء والشهداء يتطلبون صراط الصديقين والصديقون يتطلبون صراط النبيين والنبيون بسائر اصحاب الصراط والمتطلبين صراطهم يتطلبون صراط اوّل العابدين وهو نفسه يتطلب الدوام على صراطه والمزيد منه وكما أمره ربه «وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً».
فلا وقفة لعجلة التطلب في هدي الصراط المستقيم فإن حق المعرفة والعبودية لا نهاية لهما، والعباد هم دوماً سائرون إلى صراط فصائرون إليه ثم سائرون الى ما فوقه فصائرون، وإلى ما لا حدَّ له.
وليس طلب الهدي إلى الصراط المستقيم محدداً بهذه الحياة القصيرة الزائلة، بل هو بأحرى جار متواتر بعد الموت ثم القيامة الكبرى فإنما الدنيا مزرعة للأخرى فكيف تُحرم في الأخرى عما زرعتَه في الأولى.
ثم الصديقون وهم الدرجة الثانية في ذلك المربع هم أهل بيت الرسالة المحمدية كأصدق مصاديقهم «2» مهما شملت سائر خلفاء النبيين رسلًا وسواهم، أم وغير الخلفاء
(1). 19: 58
(2)). لقد تواتر الحديث من طريق الفريقين أن علياً عليه السلام هو أول الصديقين ومن طريق اخواننا نذكر زهاء أربعين منالفطاحل الذين نقلوا أو أخرجوا تفسير الصديقين بعلي عليه السلام:
منهم أحمد بن حنبل في الفضائل 165- عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: الصديقون ثلاثة حبيب البحار وهو مؤمن آل يس وحزقيل وهو مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم.
ومنهم الثعلبي في تفسيره كما في العمدة لأبن بطريق 112 عن عبد بن عبداللَّه قال سمعت علياً عليه السلام يقول: انا عبداللَّه وأخو رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كلُّ مفتر صليت قبل الناس سبع سنين.
ومنهم ابن المغازلي الواسطي كما في المعدة لأبن بطريق 113، والرازي في تفسيره 27: 57، وابن حجر الهيتمي في الصواعق 123 والكشفي الترمذي في مناقب مرتضوي 55 والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة 124، والواحدي في أسباب النزول 64، وأبو نعيم الاصبهاني في «ما نزل في شأن علي» وفي كتابه «منقبة المطهرين» والسيد علي الهمداني في «الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» وابن المغازلي وابن فورك وإبراهيم الحمويني وصاحب صخائص علوي والماوردي والقشيري والثماني والنقاش والقفال وعبداللَّه الحسين كلهم على ما في اللوامع والزمخشري في الكشاف 1: 164 والخازن في تفسيره 1: 249 وابن الأثير في أسد الغابة 4: 25 والطبري في ذخائر العقبى 88 وسبط ابن الجوزي في التذكرة 17 والكنجي في كفاية الطالب 108 والرياض النضرة 206 والقرطبي في تفسيره 3: 347 وغياث بن همام في جيب السير 2: 12 وأبو حيان في البحر المحيط وابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 7 والهيتمي في مجمع الزوائد 6: 324 والسيوطي في الدر المنثور 1: 363 وفي لباب النقول في أسباب النزول 42 والشوكاني في فتح القدير 1: 265 والشبلنجي في نور الأبصار 105 والشافعي في مسنده 2: 97 والبخاري في صحيحه 6: 102
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 290
كمريم وفاطمة الصديقة الكبرى عليها السلام.
وهذه المعية اللّامعة ليست فقط في الحياة الدنيا، بل وبأحرى في جنة المأوى وكما يروى عن رسول الهدى صلى الله عليه و آله «1» ، ولا تعني أنهم في درجتهم، بل هم ملحقون بهم تابعين.
ثم الطالبون لهدى صراط المنعم عليهم هم في بداية الأمر معهم ولمّا يصلوا إلى ما هم واصلون، فإذا وصلوا فهم منهم، فالواصل إلى درجة الصالحين هو منهم ومع الشهداء، فإذا وصلوا إلى هدي الشهداء فهم منهم ومع الصديقين، فإذا وصلوا إلى هديهم فهو منهم ومع النبيين، فإذا أصبحوا منهم فهم منهم ثم يتطلبون صراطاً فوقهم كصراط أوّل العابدين، كما أنه يتطلب في «اهْدِنَا» الثباتَ على صراطه والإرتقاء منه إلى ما فوقه فالطرق إلى اللَّه بعدد انفاس الخلائق.
«ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» «2» .
«ذلِكَ» البعيد المدى، العريق الهدى من هدي الصراط المستقيم ولحوقاً بأهله «الْفَضْلُ» كل الفضل «مِنَ اللَّهِ» لا سواه إلا كما سعاه، فاللَّه هداه كما سعاه «وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» «عَلِيماً» بموارد فضله قابلية وفاعلية.
و «الْفَضْلُ» هنا ذو وجهين اثنتين، فهو مشار إليه وذلك معه مبتدءٌ و «مِنَ اللَّهِ» خبره، أم هو الخبر والمشار إليه هو المتقدم ذكره من إيمان بشروطه ونعمة الصراط المستقيم والهدي إليه والمعية المشرفة للذين يطيعون اللَّه والرسول صلى الله عليه و آله معهم.
ف «الْفَضْلُ» محلًّى باللّام يستغرق كل فضل، وهو خبر «ذلِكَ» و «مِنَ اللَّهِ» خبر له ثان أم وصف ل «الْفَضْلُ» .
(1). الدر المنثور 2: 182