کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 104
....
المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال فلما نزلت هذه الآية في المهاجرين الذين اخرجهم اهل مكة من ديارهم واموالهم احل لهم جهادهم بظلمهم اياهم لهم في القتال.
فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي اهل مكة لهم فما بالهم في قتال كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لو كان انما اذن لهم في قتال من ظلمهم اهل مكة فقط لم يكن لهم الى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل لأن الذين ظلموهم غيرهم وانما اذن لهم في قتال من ظلمهم من اهل مكة لاخراجهم اياهم من ديارهم واموالهم بغير حق ولو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم اهل مكة كانت الآية مرتفعة من الأرض عمن بعدهم اذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد وكان فرضها مرفوعاً عن الناس بعدهم اذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد وليس كما ظننت وكما ذكرت ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم اهل مكة باخراجهم من ديارهم واموالهم فقاتلوهم باذن اللَّه لهم في ذلك وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في ايديهم مما كان المؤمنون احق به منهم فقد قاتلوهم باذن اللَّه تعالى لهم في ذلك. بحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان كل زمان وانا اذن اللَّه للمؤمنين الذين قاموا بما وصف اللَّه تعالى من الشرائط التي شرطها اللَّه على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائماً بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم وما ذون له في الجهاد بذلك المعنى ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف لأنه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى اللَّه تعالى لأنه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه الى اللَّه ولا يكون مجاهداً من قد أمر المؤمنين بجهاده وحضر الجهاد عليه ومنعه منه ولا يكون داعياً الى اللَّه تعالى من امر بدعاء مثله الى التوبة والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد امر ان يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر ان ينهى عنه فمن كانت قد تمت فيه شرائط اللَّه تعالى التي وصف بها اهلها من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد وكما اذن لهم في الجهاد لأن حكم اللَّه تعالى في الأولين والآخرين وفرائضة عليهم سواء الا من علة او احاديث يكون والأولون والآخرون ايضاً في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون، ويحاسبون عما به يحاسبون-
ومن لم يكن على صفة من اذن اللَّه له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد وليس بمأذون له حتى يفيء بما شرط اللَّه تعالى عليه فاذا تكاملت فيه شرائط اللَّه تعالى على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذون لهم في الجهاد فليتق اللَّه تعالى عبدٌ ولا يغترُّ بالاماني التي نهى اللَّه تعالى عنها من هذه الاحاديث الكاذبة على اللَّه التي يكذبها القران ويتبرء منها ومن حملتها ورواتها ولا يقدم على اللَّه بشبهة لا يعذر بها فانه ليس وراء المعترض للقتل في سبيل اللَّه منزلة يؤتى اللَّه من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها، فليحكم امرء لنفسه وليُرِها كتاب اللَّه تعالى ويعرضها عليه فانه لا احد اعرف بالمرء من نفسه فان وجدها قائمة بما شرط اللَّه عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد وان علم تقصيراً فليصلحها وليقمها على ما فرض اللَّه عليها من الجهاد ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها ولسنا نقول لمن اراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط اللَّه عز وجل على المؤمنين والمجاهدين لا تجاهدوا ولكن نقول قد علَّمناكم ما شرط اللَّه تعالى على اهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم انفسهم واموالهم بالجنان فليصلح امرءٌ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ويعرضها على شرائط اللَّه فان رأى انه قد وفى بها وتكاملت فيه فانه ممن اذن اللَّه تعالى له في الجهاد وان ابى ان يكون مجاهداً على ما فيه من الاصرار على المعاصي والمحارم والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى والقدوم على اللَّه عز وجل بالجهل والروايات الكاذبة فلقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذا الفعل ان اللَّه تعالى ينصر هذا الدين باقوام لا خلاق لهم فليتق اللَّه امرءٌ وليحذر ان يكون منهم فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل ولا قوة الا باللَّه وحسبنا اللَّه عليه توكلنا و اليه المصير» اقول: الارقام الاخرى راجعة الى مقتطفات من الحديث فلتراجع
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 105
«أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ» استثناء منقطع، فان القول «رَبُّنَا اللَّهُ» لا يُحق ذلك الإخراج الإحراج، فهو اذاً يستغرق سلب كل حق في ذلك الإخراج.
اترى «أَنْ يَقُولُوا» هو فقط قول بالأفواه والاعمال لاهيةٌ والقلب، لٍاه ذلك القول الهازىء هو قولة المنافقين، وهي تتطلب الإفراج دون الإخراج، بل هو قول ينبيءُ عن عقيدة صارمة ظاهرة في الافعال والاحوال على أية حال، حيث يُحرج غيرُ الموحدين لحد اخراجهم من ديارهم: «وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» . «1»
فإذن اللَّه لهم بالدفاع دفاع، وأمرهم إياهم بالدفاع دفاع، ونصرته اياهم زاوية ثالثة من الدفاع قد يعنها كلها «إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ ..» وهكذا الأمر «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ..» .
فذلك الدفع يجمع مثلَّثه تكويناً وتشريعاً، تطبيقاً منهم ونصرة من اللَّه، لولاه لكان مسرح الحياة كله للشر والطغيان، دون أية مجالة للخير والايمان «وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» .
(1). سورة البروج 85: 8
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 106
هنا «دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» تعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع والجهاد، فالناس الآخرون هم المؤمنون القائمون بشرائط الايمان في الأمر والنهي والدفاع والجهاد، وليس كل الناس، ف «لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه». «1»
ثم لا تختص هذه الآية بزمن الرسول صلى الله عليه و آله ككل الآيات حيث تحلِّق على العالمين الى يوم الدين، و «لو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم اهل مكة كانت الآية مرتفعة من الأرض».
وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان ولها متدرجة منذ حروب الرسول صلى الله عليه و آله الى الإمام على عليه السلام والحسين عليه السلام والى حروب صالحة أخرى، حتى حرب القائم المهدي «2» عليه السلام حيث تتحقق هذه الآية حقها وكمالها الشاسع دون إبقاء لكل خوَّان كفور.
«وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ ..» وذلك تهديم عميم لكل آثار الحق واهله وذكر الحق واهله:
«لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً
تهديماً لأمكنة الذكر والصلاة لأهل الملل الثلاث وهم هامة أهل الكتاب بل وعامتهم، اليهود والنصارى والمسلمون.
ف «صَوامِعُ» هي الامكنة الخاصة المنعزلة عن الناس لعبادة النصارى حيث تُتخذ
(1). نور الثقلين 3: 501 في روضة الكافي عن ابي جعفر عليه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى: الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا اللَّه قال: نزلت في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعلي وحمزة وجعفر وجرت في الحسين عليه السلام اجمعين وفي كتاب المناقب عنه عليه السلام في الآية قال: نحن نزلت فينا
(2)). المصدر في تفسير القمي حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن مكان عن ابي عبد اللَّه عليه السلام فيقوله عز وجل: اذن للذين يقاتلون .. قال: ان العاملة يقولون نزلت في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لما اخرجته قريش من مكة وانما هو القائم عليه السلام إذ خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام وهو يقول: نحن اولياء الدم وطلاب العترة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 107
من البراري والجبال، و «بِيَعٌ» معابد اليهود والنصارى، «وَ مَساجِدُ» هي معروفة للمسلمين فما هي «صَلَواتٌ» ؟
اهي العبادة المعروفة الخاصة بالمسلمين مقرونة بذكر أمكنتها «مَساجِدُ» ؟ أم إنها صلوات كل الفرق الثلاث فان لكلٍّ صلاةً، فحين تُذكر معابدهم «صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ» فلتذكر المعني منها كلها وهي «صَلَواتٌ» فيعني تهديمها كما يناسبها من المنع عن إقامتها في محالها، ام في كل المحال مختصةً وسواها، أم إنها من صلوات العبرانية، اماكن عبادة اليهود، او الصابئين.
إنها قد تعني كل صلة باللَّه، ظاهرة وباطنة، ولأن الامكنة الثلاث أو الاربع هي المحال والمحاور المعدة لعمودها الصلاة، لذلك افردت بالذكر، وكلها تجمعها الصلاة كعبادة خاصة لكل شرعة، ثم «صَلَواتٌ» تجمعها وكل صلة باللَّه، فردية وجماعية اماهيه، فان دوائر السوء المستديرة على اهل الحق من طغات التاريخ لا تبقي ولا تذر أية صلة باللَّه «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» بمختلف المدافع في مختلف الميادين والجبهات، عقائدية وثقافية وسياسية واقتصادية واخلاقية وعسكرية أماهيه، ف «أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ» !.
هذه، ولا سيما الصلاة الإسلامية السامية، وقد قرنت «صَلَواتٌ» ب «مَساجِدُ» عناية لهذه المعنية بين كل الصلوات والمساجد عبر الشرائع طول التاريخ الرسالي.
«وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» من ينصره في نفسه تخلفاً باخلاق اللَّه، وفي الحفاظ على دينه دفاعاً عن حرماته.
اعدادات حربية وسواهامن قوة نفسية، سياسية، عقيدية، علمية، نفاقية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 108
«وَ أَعِدُّوا» خطاب هام عام موجَّه إلى المؤمنين في الطول التاريخي والعرض الجغرافي على مدار الزمن الرسالي الإسلامي، كما و «لَهُمْ» تعني «شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ» وهم الكفرة الناقضون لعهودهم إن كانت لهم عهود الذين تخافن منهم خيانة على الهيكل الإسلامي السامي.
وقد تعني «لَهُمْ» دون عليهم أصل المواجهة، أن اعدوا لمواجهتهم، بما أن في هذه القوات الحربية صالحهم حيث تصدهم عن مهاجمة المؤمنين فلا يُقتلون، ولا يستحقون عظيم النكال أم هم يؤمنون.
ثم «وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ» خطراً وخيانة، أو معرفة بهم فيهما «لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ» فالأصل هو الحصول على القوة الرهيبة الإرهابية العادلة في كافة الميادين الحيوية، ثقافية وعقيدية وإقتصادية وسياسية وحربية أماهيه من قوات يحاول اعداءنا أن يسبقونا فيها سناداً لسيادتهم وسيطرتهم علينا.
ف «مِنْ قُوَّةٍ» تحلق على كافة القوات، مهما أشارت «رِباطِ الْخَيْلِ» وفسرت الروايات «2» تلك القوة بقوات الحرب ولا سيما السابقة، حيث المدارُ هو طليق «قُوَّةٍ» تعم كافة القوات الإيمانية.
(1). سورة الأنفال 8: 60
(2)). الدر المنثور 3: 192 عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول وهو على المنبر «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» ألا إن القوة الرمي، قالها ثلاثاً عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إن اللَّه يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل اللَّه والذي يرمي به في سبيل اللَّه، وقال: ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا، وقال: كل شيءٍ يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة: رمية عن قوسه وتأديبه فيه وملاعبته أهله فإنهن من الحق ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها.
وفيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مر على ناس ينتصلون فقال: حسن اللهم مرتين أو ثلاثاً إرموا وأنا مع ابن الأدرع فأمسك القوم قال: ارموا وأنا معكم جميعاً فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما يضل بعضهم بعضاً
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 109
وقد يروى عن النبي صلى الله عليه و آله قوله في القوات الحربية: «من تعلَّم الرمي ثم تركه فقد عصاني «1» و «من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها». «2»
ومهما كان الرمي يومئذٍ بالنبال قضيةَ الظروف والإمكانيات، فهو اليوم وبعد توسُّع الأسلحة يعم كل رمي بري وبحري وجوي بمختلف وسائله المستطاعة الأتوماتيكية وسواها، حيث القصد هو رمي العدو إرهاباً وقضاءً عليه، فكيف يكتفي برميه بما هو مجهز بأقواه فإنه أغواه!.
ولأن الأكثرية الساحقة أو المطلقة من البشرية سائرة سيراً كالساً فالساً معاكساً لشرعة اللَّه فهم إذاً يعارضونها جهلًا أو تجاهلًا وعداءً بمختلف أساليب المعارضة كيلا يقعوا في ذلك الفخ! أم لا يصطدموا به، لذلك فعلى المجموعة المؤمنة إعداد قوات إرهابية ولا سيما الحربية المكافحة للحفاظ على كيانها وكونها، وكيف تختص «مِنْ قُوَّةٍ» بقوة الأسلحة الحربية والحاجة إلى سائر القوات أكثر حيث الفتنة أشد من القتل وأكبر، فهل يؤمر المسلمون بإعداد القوة الحربية دون الأخرى منها والأهم حفاظاً على كيان الإسلام في المسلمين؟، ومجرد وقوع الآية بين الآيات الحربية لا يحصر آية القوة الطليقة فقط بتلك القوة مهما كانت هي البارزة منها في المظهر، ولكن غيرها ولا سيما العقيدية هي البارزة في المحضر، المفروضة للحفاظ على الكيان الإسلامي.
ومن مخلفات هذه القوة الإرهابية العادلة الأصلية أمام الإرهابات الباطلة- إرهاب عدو اللَّه وعدوكم، فلا يجرءون على الميل إليكم والنيل منكم، ولا إعانة سائر الكفار عليكم حيث يعيشون يأساً من الغَلَب عليكم فتعيشون أنتم على رغد الأمن والكرامة.
وكما ترهبون به الأعداء الرسميين كذلك «آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ» من منافقين أم سائر
(1). وفيه أخرج القراب عن عقبة بن عامر قال: لا أترك الرمي أبداً ولو كانت يدي مقطوعة بعد شيء سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني
(2). وفيه أخرج البزاز عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و آله قال:-
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 110
الكافرين.
فإعداد ما في الطوق من الطاقات الذاتية وسواها فريضة دائبة على كل المجموعة المؤمنة، طمأنةً للذين يدخلون في دين اللَّه، تزغيباً لمن يحيدون عنه، وترهيباً لمن يتربصون به الدوائر، فلا يفكروا يوماً في الوقوف في وجه المدِّ الإسلامي، ولكي ينطلق لتحرير الإنسان عن عبودية العباد إلى عبودية خالق العباد.
ذلك، وكما على المؤمنين برسالة السماء أن يُعدوا ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل حفاظاً على الثغور والأقطار الإسلامية، كذلك وبأحرى عليهم أن يعدوا ما استطاعوا من قوة الثقافة الحيوية والعقيدة الإيمانية والأخلاق الحميدة والسياسة الصالحة والإقتصاد الصالح والحضارة السلمية، حتى لا ينغرَّ جاهلون بما عند الكفار من مظاهر، فليجدوا في المؤمنين قوات من كل الحيويات مكافحةً صالحة للسيطرة على ما عند الكافرين.
فإعداد المسلمين بكل الطاقات الحيوية المكافحة فرض جماهيري، سداً لكافة المنافذ التي ينفذ منها الكفار، تسرُّباً إلى المجموعة المسلمة فترسُّباً قيها فتحويلًا لها عن الحيوية الإسلامية إلى غيرها.
أجل إن القوة المكافئة ضرورة لا محيد عنها للمسلمين، ولكن القوة المكافحة هي التي تجعلهم سادة الأمم وقادتها، بيدهم أزمة أمورهم وأمور الناس وكما يفعله الإمام المهدي عليه السلام.
إذاً فهذه الآية ترسم مسيراً حيّاً للحياة الإسلامية تضم في خضمِّه كافة الصالحات، التي هي رسوم صالحة لصالحة الحياة في كل النشآت، فرضاً لما يصلحها ويفلحهم فيها، ورفضاً لطالحها التي تفلجهم فيها.
وهنا «عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ» له عوان هو عدو محمد وعترته المعصومين عليهما السلام وكما يروى متواتراً عنه صلى الله عليه و آله قوله: «عدوي عدو اللَّه» «1» و «عدوه عدوي» «2» و «من عاداه فقد
(1). ملحقات إحقاق الحق 4: 49 و 6: 406 و 16: 613 614 و 20: 226