کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 160
فالقول إن «بل هم أحياءٌ» قد تعني الحياة الأخرى، يرده أن الإعتقاد فيها هو من اوّليات العقائد الإسلامية التي ابتدأ الإسلام بها، ثم العبارة الصالحة لخصوصها «بل هم يحيون» دون «أحياء» الدالة على استمرارية الحياة دون فوت، فلنستعن باللَّه صبراً فيما نستعين بالصبر على أمثال هذه الأقاويل، والرد عليها بنصوص من القرآن كهذه وأضرابها.
وهنا احتمالات أخرى لا تحتملها هذه الآية وأضرابها الصريحة في الحياة البرزخية ... «1» وترى الآية بعدُ مختصة بحياة الشهداء، نافية لحياة غيرهم من السعداء والأشقياء؟ كلّا! فان هذه الحياة الخاصة رزقاً عند ربهم، هي للنبيين أخص، وليسوا كلهم ولا جُلُّهم من الشهداء، كما وفي غيرهم من هو أفضل من بعض الشهداء، فلماذا تختص هذه الكرامة فقط بالشهداء! ثم وإثبات الحياة الرزخية للشهداء، فليس لينفيها عن غير الشهداء، لا سيما وأن المجال هنا مجال الترغيب للقتال في سبيل اللَّه، وجبر خواطر أهليهم أن افتقدوهم، فلكل مجالٍ قالٌ، كما لكل قالٍ مجالٌ.
ومن ثم فعشرات من الآيات الدالة على الحياة البرزخية لكافة المكلفين، مؤمنين وكافرين، إنها تدلنا دلالة قاطعة لا محيد عنها على شمولية الحياة البرزخية دونما استثناء! وسوف نوافيكم بقول فصل حول الحياة البرزخية على أضواءها في محالها حسب دلالاتها وأدلتها.
ثم وفي رجعة ثانية الى الآية «و لا تقولوا» نهي عن قولة الممات للشهداء، وطبعاً في حقل «مات وفات» ثم لا حياة ما مات أبداً، ولا يقوله مسلم، أم لا حياة في البرزخ بين حياتي الأولى والأخرى كما كان يظنه المسلمون فيمن سواهم ولمَّا يبين لهم برزخ الحياة، فهذا من البيان: «لا تقولوا هم أموات» «بَلْ» قولوا «أَحْياءٌ» وان لم
(1)). كالقول انها حياة الهدى، الظاهرة في الأخرى، ام استمرارية الحياة الدنيا بنفس هذا البدن امحياة روحانية مخمصة دون اي جسم، ام حياة ارواحهم في اجساد اخرى غير اجسادهم، امّا ذامت تقولات زور لا مسند لها إلا تطفلات!.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 161
تشعروا تلك الحياة، وقد يشعركم إياها حالة النوم: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ..» . «1» «هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ..» . «2»
إنهم قُتلوا في ظاهر الجسد الدنيوي، وما يشعركم أنهم كذلك قتلوا الروح وفي جسد آخر هما غير محسوسان، فحين يخبرنا ربنا «بَلْ أَحْياءٌ» نصدقه كما نصدق الحياة المحسوسة وأحرى، حيث الوحي أحرى بالتصديق من الحس وأقوى.
أجل! «أَحْياءٌ» أحيا من قسم كثير من الأحياء في البرزخ، ولذالك لا يغسلون كما يغسل الموتى، ويكفَّنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها، فالغسل تطهير للجسد الميت وهم لا يُحكم عليهم بقتلهم حكم الميت، فثيابهم بعد قتلهم هي ثيابهم قبله! رمزاً الى حياة لهم قوية فائقة.
وقد وردت في شأن الشهداء آيات وروايات، يقرنون بالنبيين والصديقين قبل الصالحين: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» . «3» ومن الشهداء هم القتلى في سبيل اللَّه، لا سواه.
وفي حديث الرسول صلى الله عليه و آله: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءٍ إلا الشهيد ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة».
في «لَنَبْلُوَنَّكُمْ» تأكيدات ثلاث في تحقيق ذلك البلاء، ثالثتها جمعية الصفات الربانية المستفادة من صيغة المتكلم مع الغير، فلابد في مَسرح الإيمان من مَصرع
(1)). سورة الزمّر 39: 42
(2). سورة الأنعام 6: 60
(3). سورة النّساء 4: 69
(4). سورة البقرة 2: 155
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 162
البلاء بشتى الألوان، نفسياً: «مِنَ الْخَوْفِ» وبدنياً: «وَ الْجُوعِ» ومالياً: «وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ» ونفسياً لكم ومَن هو مثلكم: «وَ الْأَنْفُسِ» وكضابطة تشمل كل نفس ونفيس من غال ورخيص: «وَ الثَّمَراتِ» .
ف «الثَّمَراتِ» تعم ثمرات العقول والعلوم والقلوب، ومن الثالثة الأولاد الصالحون الذين هم من أغلى ثمرات الحياة، مهما شملت ثمرات الزرع والضرع، حيث الثمرات النفسية أنفَسُ وأغلى من ثمرات الجسم.
«وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ» على هذه البلايا المحلِّقة على المؤمنين فيما لَهم من حَيَويات روحية ومادية: «الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ» . «1»
أجل و «إن اللَّه يبتلي عباده عند الأعمال السيئةَ بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويتذكر متذكر» «2» ، ثم و «كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» . «3» كما يبتليهم وهم صالحون، مخلِصون ومخلَصون: «وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» . «4»
(1). سورة العنكبوت 29: 1 3
(2)). عن نهج البلاغة عن الامام امير المؤمنين علي عليه السلام
(3)). سورة الأعراف 7: 163
(4). سورة البقرة 2: 124
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 163
لن يصيبنا الا ما كتب لنا قاتلين او مقتولين
«إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ» في حرب وسواها، من غلبة وغنيمة وسواهما «تَسُؤْهُمْ» ثم «وَ إِنْ تُصِبْكَ» رمية «مُصِيبَةٌ» على أية حال «يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا» لصالحنا حيث قعدنا عن الحرب «مِنْ قَبْلُ» ثم «وَ يَتَوَلَّوْا» عن جنابكم إلى نواديهم «وَ هُمْ فَرِحُونَ» «2» رغم أن المؤمنين هم قَرِحون!.
ذلك بأنهم «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ» حاسبين السيئة شراً في كل حال، والحسنة خيراً بأي مجال، رغم أن الحياة سجال بين مختلف الفتن، تمحيصاً للمؤمنين، وتقليصاً للكافرين، وهنا الجواب كلمة واحدة هي:
فحيث نمشي ونمضي بأمر اللَّه إلى جبهات القتال، إذاً ف «لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» قتلًا لأجل مسمىً فلا ضير، بل هو خير في سبيل اللَّه، أم لأجل معلق على القتال فكذلك الأمر، حيث علِّق على تحقيق أمر اللَّه، فهو مجتمع أمريه تكويناً وتشريعاً كما الأول، مهما اختلف محتوم عن معلق حيث هما بأمر اللَّه و «هُوَ مَوْلانا» لا سواه «وَ عَلَى اللَّهِ» لا سواه «فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» باللَّه، دون توكلّ في أيّ من الأمور على سواه.
(1). سورة التّوبة 9: 50
(2)). الدر المنثور 3: 248 أخرج ابن أبي حاتم عن جابر عبد اللَّه قال: جعل المنافقون الذين تخلفوابالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه و آله أخباء السوء يقولون: إن محمداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغتهم تكذيب حديثهم وعافية النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل اللَّه تعالى: أن تصبك ..»
(3). سورة التّوبة 9: 51
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 164
وهنا «ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» يعم إصابة الحسنة والسيئة، وهما لنا حسنة حيث كتب اللَّه لنا، فما كتب اللَّه للمؤمن هو خير له أيّاً كان، وما يكتبه غيره مفارقاً شرعة اللَّه هو شر أيّاً كان، فهو إذاً مما كتب اللَّه عليه كما هو كتبه على نفسه، ف «لَنا» صالحة تختص بالصالحين و «علينا» طالحة لسائر الناس الطالحين «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» .
فالمؤمنون منصورون هازمين ومنهزمين، قاتلين ومقتولين ف «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» . «1»
ذلك، فلا تعني «ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» أن كل المحاصيل بسوء الإختيار إلى حسنه هي مما «كَتَبَ اللَّهُ لَنا» طالما الكتابة الربانية تحلِّق عليها كلها، إذ «ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا» . «2» فأين كتابه من كتابة؟.
هنا كتابة حسنة أو سيئة ونحن في سبيل اللَّه وتحقيق أمر اللَّه، فهي خير لنا تكويناً إلى تشريع وتشريعاً إلى تكوين، وهناك كتابة حسنة أو سيئة وهم في سبيل الطاغوت فهي شرٌ لهم في تكوين، وشر لهم في تشريع، حيث خالفوا فيها شرعة اللَّه فهو مما كتب اللَّه عليهم، وهنا يبرز ناصع الحق وناصحه من قول الرسول صلى الله عليه و آله: «قال لكل شيءٍ حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» «3»
إذاً فنحن السالكون إلى اللَّه، المجاهدون في سبيل اللَّه، نعيش إحدى الحسنيين، وأنتم السالكون إلى الطاغوت المجاهدون في سبيله تعيشون إحدى السؤتين:
(1). سورة التّوبة 9: 111
(2). سورة آل عمران 3: 145
(3). الدر المنثور 3: 249 أخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و آله قال: ..
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 165
بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ «1»
إعلام عام هام في هذه الإذاعة القرآنية من قبل المؤمنين بهذه الرسالة السامية قبال الذين لا يؤمنون، من ملحدين أو مشركين أو كتابيين أو منافقين من المسلمين، وكل الذين في قلوبهم مرض وليست حياتهم الجهاد في سبيل اللَّه، وهم متربصون بالسالكين إلى اللَّه، المجاهدين في سبيل اللَّه، أن تصيبهم مصيبة سيئة في هذه السبيل.
وقد «تكفل اللَّه لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة» «2»
«وكذلك والمرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر إحدى الحسنيين، إما داعي اللَّه فما عند اللَّه خير، وإما رزق اللَّه فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه» «3»
وهكذا يؤدينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على ضوء كتاب اللَّه، تكريساً محيصاً لحياتنا في الحصول على «إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» . «4»
لقد تكرر ذكر الحسنى في القرآن ثمانية عشر مرة، المناسبة منها لما هنا تعني الحياة الحسنى، وهي الطليقة دون اختصاص بجانب منها تحلِّق على كافة الحيويات
(1). سورة التّوبة 9: 52
(2). نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام
(3). تفسير روح المعاني 10: 116 وصح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال: تكفل اللَّه ..
(4). المصدر أخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده: بينما النبي صلى الله عليه و آله بالروحاء إذ هبط عليه أعرابي من سرب فقال مَن القوم وأين تريدون؟ قال: قوم بدوا مع النبي صلى الله عليه و آله، قال: مالي أراكم بذّة هيئتكم قليلًا سلاحكم؟ قال: ننتظر إحدى الحسنيين أما أن نُقتل فالجنة وإما أن نغلب فيجمعهما اللَّه تعالى لنا، الظفر والجنة، قال: أين نبيكم؟ قالواها هوذا، فقال له يا نبي اللَّه ليست لي مصلحة آخذ مصلحتي ثم ألحق، قال: اذهب إلى أهلك فخذ مصلحتك فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم بدر وخرج الرجل إلى أهله حتى فرغ من حاجته ثم لحق ببدر فدخل في الصف معهم. فاقتتل الناس فكان فيمن استشهد فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد أن انتصر فمر بين ظهراني الشهداء ومعه عمر فقال: ها يا عمر انك تحب الحديث وان للشهداء سادة وأشرافاً وملوكاً وان هذا يا عمر منهم»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 166
الحسنى ف «لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى» . «1» «وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى» . «2» «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى. وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» . «3» وإلى «إحدى الحسنيين إنشقاقاً للحسنى إلى اثنتين، إنما هي الحسنى هنا، فإما نَقتل في سبيل اللَّه أم نُقَتل: ف «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» . «4»
فالحسنيان بالنسبة لآحاد المجاهدين في سبيل اللَّه أن يَقتلوا أو يُقتلوا، وهما نسبة إلى المجموعة المجاهدة غالبين ومغلوبين، فحين يؤدي المجاهدون في سبيل اللَّه واجبهم كان انهزامهم كهزيمتهم عن عدوِّهم على سواءٍ.
فسواء أصابتهم سيئة أم أصابتهم حسنة في حرب وسواها، فما داموا هم هنا وهناك في سبيل اللَّه فهم يعيشون إحدى الحسنيين إذ «لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا» من حياة أو ممات، من هزيمة أو انهزامة، ومن مختلف ملابسات الحياة.
ذلك وقد يُجمع بين الحسنيين فرادى وجماعات، فالمناضل الذي يَقتل ثم يُقتل، والجيش الذي يَهزم ويُهزم، أما ذا من جمع بين الحياتين الإيمانيتين، هؤلآء هم من مجامع الحسنيين.
فرغم أن أعداءَنا يتربصون بنا كل دوائر السوء غالبين ومغلوبين، هنا يعبر عنهما ب «الْحُسْنَيَيْنِ» فإما إحداهما أم كلاهما، فلا نعيش نحن إلَّا حياة سعيدة على أية حال ما دمنا نعيش مرضات اللَّه تحقيقاً لشرعته في حياتنا وكل حيوياتنا، مهما أنكر ناكرون، حيث الواقع لنا «إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» مهما كان متربَّص العدو إصابتنا بقتل أو شبهه وهي الوحيدة دون أية حسنى فضلًا عن إحدى الحسنيين.
(1)). سورة الرّعد 13: 18
(2)). سورة الكهف 18: 88
(3). سورة التّوبة 9: 6