کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 432
فالحِذر هو كل ما فبه الحَذَر، وأخذه هو واقه الحضور بكل وسائله في كل المحاذر والمحاظر، فلأن الإيمان على طول خطه هو متربَّص الدوائر من فِرَق اللّاايمان، فليأخذ المؤمنون حذرهم وكل أسلحتهم وِجاه كافة المحاولات الكافرة في كل حقول المعارضات والمعاركات، حربية أو عقيدية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أماهيه، وبكل سلاح ينايسبه.
ذلك وليس النفر ثبات أو جمعاً تخيراً طليقاً في كل الحروب، وإنما هما حسب مختلف الظروف والمتطلبات، فإذا كانت الأعداء كثرة كثيرة وقائد كل القوات يستنهض المؤمنين فهنا «انْفِرُوا جَمِيعاً» لا سيما إذا كان القائد هو الرسول صلى الله عليه و آله.
وإذا كانت الأعداء قلة تكفي بأسهم «ثُباتٍ» فثبات، فالنفر إذاً مقدر عِدة وعُدَّة وكيفية بقدر العدوِّ والعداء، لا ناقصاً عنه ولا زائداً عليه، إلا قدر القادر على الذبِّ والدفع، خفافاً وجاه الخفاف وثقالًا وجاه الثقال ويجمعهما مكافحة غالبية على الأعداء: «انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ» . «1»
وأخذ الحذر يعم الأخذ لحاضر الحذر غير المأخوذ بعد، وغائبه أو عادمه، فعلى المؤمنين المدائبة في إعداد القوات المكافحة قبيلَ الكفر المعادي على أية حال.
ثم و «حِذْرَكُمْ» خطاباً للمؤمنين تعم كل حذر هو قضية الإيمان والحفاظ عليه، وذلك حكم عام موجه إلى المؤمنين أن عليهم تقديم كافة المحاولات للحفاظ على كونهم وعلى كيانهم فرادى وجماعات، دون اتكالية على اللَّه بلا سعي وعمل جاد «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» وليس «المقدر كائن» إلّا على قدر الأقدار الخَليقة، وإلا لبطلت كل المساعي المأمور بها، المدعوَّ إليها، وبطل التكليف بأسره.
وهل المؤمنون هناك أو هنا ككل آخذون حذرهم في نفْرهم ثباتٍ أو جميعاً كلّا!:
(1). سورة التوبة 9: 41
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 433
كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً «1»
التبطيىء هي كثرة الإبطاء المتواتر لأنفسهم وسواهم، فهناك تبطييءٌ عن أخذ الحِذر والنفْر ثباتٍ جميعاً حذَر الموت في المعركة، ورغم النفر العام إليها، وهنا التبطيىء دون البُطىءِ لتشمل بطوء المتثاقلين إلى الأرض عن أرض المعركة- أنفسهم، والذين يُبطِّئون مَن سواهم كما هم يَبطَئون.
«لَيُبَطِّئَنَّ» صيغة مختارة سائغة لأداء معناها بكامله، جامعة جَرَس اللفظ إلى جرس المعنى، تصويراً لحركة نفسية معاكسة على القتال في سبيل اللَّه، تعثُّراً وتثاقلًا من المخذلين المثبطِّين عن القتال، ولا فحسب أنفسهم، بل وأنفس الآخرين المتثبطين بهم، الماشين معهم.
وهنا التأكيدات الأربع: «وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ» هي القواعد الأربع لصرح تثبيطهم عن القتال، مما يقربها إلى كتلة النفاق العارم.
إنهم يبطئون متلكئين ولا يصارحون، ليمسكوا العصا من وسطها، جلباً للربح وبعداً عن الخسارة، وهم لا يختجلون من مقالتهم هذه القالة: «قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً» حيث يحسبون هذه النجاة مع التخلف نعمة منسوبة إلى اللَّه حيث تخلفوا عن أمره، ويْكأن اللَّه ينعم على المتخلفين وينقم على المطيعين!.
وليس شمول خطاب الإيمان للمبطئين إلّا مسايرة معهم ومجاراة، أم إنهم أو منهم مَن هم ضعفاء الإيمان، مهما كان منهم منافقون.
وهؤلاء المبطئون ناظرون مصير النافرين «فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ» القتل أو الجرح أو الإنهزام «قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ» في ذلك التبطيىء وكأنه من اللَّه رغم أنه تخلُّف عن حكم اللَّه «إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً» للمعركة، إذ كانت تصيبني كما أصابهم.
«وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ» إنتصاراً في المعركة وغنائم أماهيه «لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ» في المعركة «فَأَفُوزَ» كما فازوا «فَوْزاً
(1). سورة النساء 72 73
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 434
عَظِيماً» عناية إلى الغنيمة والإياب دون النصرة، معاكسة لبغية المؤمنين الذين يرون النصرة فوزهم العظيم، ومن ثم القتل دونه وهما الحسنيان المطلوبتان لهم.
وترى معترضة الجملة «كَأَنْ لَمْ تَكُنْ» كيف وقعت في الأهون موقعاً وهو موقع الفوز، بتحسُّر عدم الحضور له، وموقع المصيبة أوقع وقعاً عليهم بقولهم؟.
علُّها لتشمل الموقع الأول وبأحرى، فلو وقعت فيه لم تكن لتشمل الثاني، فكلا القولتين القالتين غائلة مائلة عن حق الإيمان، فإنها يعاكسان قضية أخوة الإيمان مهما اختلفت دركاتهما.
فقضية الأخوة الإيمانية هنا أن الفائز من المؤمنين بفوز عظيم يعتبر فوزه فوزاً لسائر إخوته المؤمنين، كما أن مصيبتهم مصيبة، فهذه القالة المنافقة تدل على أن «لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ» ؟ وليست «كَأَنْ» إلا مجاراة معهم لتجذبهم إلى قضية الإيمان.
فكيف بالإمكان أن يسمح الإيمان بهذه الخاطرة الخطرة المقلوبة أن تعتبر المصيبة على الاخوة في الإيمان نعمة إذا لم تصبه، والفوز بالغنيمة فضلًا وفوزاً عظيماً؟.
وإن هذه مصيبة عليهم دونهم نعمة عند الذين لا يتعاملون مع اللَّه ولا يدركون حق الحياة ولا يتطلعون إلى آفاق أعلى من مواطىء الأقدام في هذه الأدنى، ولا يحسبون أن البلاء في سبيل اللَّه فضل كسائر النعماء.
فهم أولاء المبطئون عن معارك الشرف والكرامة ينظرون اليها نظرة عشواء عوراء، أنها بين مصيبة وفوز، وهي تحمل إحدى الحسنيين وكلتا هما فوز عظيم وفضل من اللَّه، وذلك هو الأفق السامق الذي يريده اللَّه للمؤمنين أن يرفعهم إليه، راسماً لهم هذه الصورة المنفرة من سيرة نَخرة نَكِرة للمندسَّن في صفوفهم من المبطئين، ليأخذوا منهم حذرهم كما يأخذونه من أعدائهم الجاهرين.
ولأم المودة الإيمانية توحِّد بين المؤمنين لحد كأنهم شخص واحد، فالقول «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ» يجعلهم «كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ» فلهم التحسر والترح في إصابة الفضل، والفرح في إصابة مصيبة، وكلا هما فضل وهذه مجانبة وتفارُق دون آية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 435
مودة، وقضية الإيمان الفرح الف مؤمنين والترح لترحهم لأنهم كأطراف شخص واحد، يحكمهم روح واحدة في أبدان عدة.
وهذه من شيمة النفاق مهما حصلت لضعفاء الإيمان، المخاطَبين بخطاب الإيمان.
وحقاً
المنافقون مُركسون بما كسبوا
هذه وآيات يعدها تختص «الْمُنافِقِينَ» بفرقة منهم خاصة تجب قتالهم كما الكافرين أو هي أشد، حيث كانوا يؤلِّبون على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويؤذيني حتى قام خطيباً فقال: «من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني». «2»
(1). سورة النساء 4: 88
(2). الدر المنثور 2: 190 عن زيد بن ثابت أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج الى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول: لا فأنزل «فَما لَكُمْ ..» فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنها طيبة تنفي الخبث كما تعني النار خبث الفضة.
وفيه عن ابن معاذ الأنصاري أن هذه الآية نزلت فينا، خطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الناس فقال: من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فقام سعد بن معاذ فقال: إن كان منا يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قتلناه وإن كان أخواننا من الخروج أمرتنا فأطعناك فقام سعد بن عبادة فقال: ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولكن عرفت ما هو منك فقام أسيد بن حضير فقال: إنك يا ابن عباد منافق تحب المنافقين فقام محمد بن مسلم فقال: اسكتوا أيها الناس فإن فينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو يأمرنا فننفذ لأمره فأنزل اللَّه «فَما لَكُمْ ..» .
وفيه عن ابن عباس قال: إن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا فيهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة خرجوا قالت فئة من المؤمنين اركبوا الى الخبثاء فأقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان اللَّه أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحل دماءهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيءٍ فنزلت «فَما لَكُمْ الى قوله حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم فإن تولوا قال: عن الهجرة وفيه أخرج أحمد بسند فيه إنقطاع عن عبد الرحمن بن عوف ان قوماً من العرب أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء بالمدينة حماها فأركسوا خرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا لهم ما لكم رجعتم قالوا أصابنا وباء المدينة فقالوا: ما لكم في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أسوة حسنة فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لم ينافقوا انهم مسلمون فأنزل اللَّه الآية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 436
ذلك! سواء منهم من تخلف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولم يهاجر معه ولا بعده وتعامل مع المشركين ضده «1» أمن كتب من مكة أنهم أسلموا وكان ذلك كذباً «2» أمن أتوه فى مدينة فأسلموا ومكثوا معه ما شاء اللَّه ثم ارتكسوا «3» أمّن سواهم من المنافقين المؤلبين على الرسول والمؤمنين معه، متربصين بالإسلام دوائر السوء.
ومهما دلت «حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» في الآية التالية على أنهم هم المتخلفون
(1)). المصدر عن مجاهد في الآية قال: قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهممهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النبي صلى الله عليه و آله الى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول: هم منافقون وقائل يقول: هم مؤمنون فبين اللَّه نفاقهم فأمر بقتلهم فجاءوا ببضايعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي وبينه بين محمد حلف وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المومنين أو يقاتل قومه فدفع عنهم بأنهم يؤمون هلالًا وبينه وبين النبي صلى الله عليه و آله عهد
(2). المصدر عن معمر بن راشد قال: بلغني أن ناساً من أهل المدينة كتبوا الى النبي صلى الله عليه و آله أنهم قد أسلموا وكان ذلك منهم كذباً فلقوهم فاختلف فيهم المسلمون فقالت طائفة دماءهم حلال وطائفة قالت دماءهم حرام فأنزل اللَّه «فَما لَكُمْ ..» .
ومن طريق أصحابنا كما في المجمع عن الباقر عليه السلام نزلت في قوم قدموا الى المدينة من مكة فأظهروا للمسلمين الإسلام ثم رجعوا الى مكة لأنهم استوخموا المدينة فأظهروا الشرك ثم سافروا ببضايع المشركين الى اليمامة فأراد المسلمون أن يغزوهم فاختلفوا فقال بعضهم لا نفعل فإنهم مؤمنون وقال آخرون انهم مشركون فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية.
أقول: أظهروا الشرك لا يلائم كونهم منافقين، و «حَتَّى يُهاجِرُوا» دليل أنهم بعد لم يهاجروا فتصدق الرواية القائلة أنهم الذين تخلفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله
(3)). المصدر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن نفراً من طوائف العرب هاجروا الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فمكثوا معه ما شاء اللَّه أن يمكثوا ثم ارتكسوا فرجعوا الى قومهم فلقوا سرية من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعرفوهم فسألوهم ما ردكم فاعتلوا لهم فقال بعض القوم لهم نافقتم فلم يزل بعض ذلك حتى فشى فيهم القول فنزلت هذه الآية، وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج الى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول: لا هم المؤمنون فأنزل اللَّه «فَما لَكُمْ ..» فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 437
عن الهجرة مع الرسول صلى الله عليه و آله ولكنها تشمل في «فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ» لفظاً وفي التالية جرياً، كلَّ هؤلاء المنافقين الخطرين بأشده على الإسلام والمسلمين.
هنا «فِئَتَيْنِ» حال عن المجرور في «لَكُمْ» : ما لكم حالكونهم في المنافقين فئتين، فئة مسايرة معهم مصابرة، وِجاه فئة ماضية على أمر اللَّه ورسوله مقاتلة و ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» . «1»
«فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ» «وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا» والركس هو الإنقلاب على الوجه إلى الدبر، فالإركاس هو الإقلاب كذلك، فقد أركسهم اللَّه إلى جاهر كفرهم بما كسبوا في نفاقهم العارم، وأركسهم إلى أحكام الكفار بعد إذ كانوا بظاهر إسلامهم بأحكام المسلمين.
وقد تعني «أَرْكَسَهُمْ» ثالوثه المنحوس، قلباً لقلوبهم عن الهدى كيلا يهتدوا أبداً، وقلباً لهم إلى أحكام الكفار، وقلباً إلى جحيم النار، وكل ذلك «بِما كَسَبُوا» .
ولا يعني «يُضْلِلِ اللَّهُ» هنا أياً كان إلّا عدم التوفيق لهم أن يهتدوا بعد، وأن يكلهم اللَّه إلى أنفسهم، ويختم على قلوبهم بما ختموا وزاغوا: «فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ» .
«أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ» وهو الذي ظل مع الرسول ردحاً منافقاً ولكنه ضل وأضل كثيراً فأضله اللَّه «وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» بما ضل وأضل «فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا» إلى الهدى ومَخلصاً عن الردى.
ذلك! فالفئوية والتميُّع في الصف الإسلامي خطر على الإسلام والمسلمين، لا سيما في الدولة الجديدة الإسلامية ولمّا تقم على سوقها، المحتاجة الى اجتياح المتسربين الدُخلاء عن صفِّه الرصين المتين، فلا دور إذاً للتسامح والإغضاء عن هؤلاء الحماقى اللعناء.
وليس قولهم مقالة يقولها المسلمون بما يُقيلهم بينما هم يظاهرون أعداء الإسلام، فقد كفروا جهاراً بعد ما أسلموا نفاقاً إذ لا عبرة بكلمات تقال فتكذبها الأفعال.
(1). سورة الأحزاب 33: 36
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج15، ص: 438
مواصفة لهؤلآء المنافقين ثالثة، بعد ما أركسهم اللَّه وأضلهم بما كسبوا: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا» فهم أولاء أعداء اللَّه وأعداء رسوله والمؤمنين: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ .. إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» . «2»
ذلك «فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ» : إخوة في الإيمان، فإنهم لا إيمان لهم «حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» دون قولة الإسلام فقط والسلام، فإنما الظاهرة الباهرة لإيمانهم المدَّعى إن إدَّعوا أن «يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لا أن يظلوا في مساكنهم مع أعداءكم متواطئين، ولا أن يهاجروا في سبيل اللَّه المطالع والمصلحيات الدنيوية كما هاجرت جماعة منهم ومكثوا مع الرسول صلى الله عليه و آله ثم ارتكسوا، ولا أن يهاجروا في سبيل وسطى، لا إلى اللَّه ولا إلى الطاغوت، إنما «حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عن تلكم المهاجرة الهاجرة عن الكفر، وظلوا على ارتكاسهم «فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» فإنّ في حياتهم خطراً حاضراً على الإسلام «وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا» توالونه كإخوة في الإيمان «وَ لا نَصِيراً» مهما يتخذ بعض الكافرين نصيراً وهم غير المحاربين ولا المعاندين.
ذلك! وبصورة طليقة «إن لشياطين الإنس حيلة ومكراً وخدايع ووسوسة بعضهم إلى بهض يريدون إن استطاعوا أن يروا أهل الحق عما أكرمهم اللَّه به من النظر في دين اللَّه الذي لم يجعل اللَّه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللَّه وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف اللَّه «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما
(1). سورة النساء 4: 89