کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 7
[المجلد السادس عشر]
الصيد الذباحة الوصية الميراث الشهادات القصاص الحدود والديات (بين الكتاب والسنة وسائر الكتب السماوية) (ج 16)
المقدمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين والصلاة على سيد رسله محمد صلى اللّه عليه وعلى آله اجمعين.
وبعد هذا الكتاب الّذى بين ايديكم هو السِفر الاخير من اسفار الفقه الاسلامي على ضوء القرآن الكريم وعلى هوامشه الرّوايات الاسلامية من طريق الفريقين تصديقاً لما وافق القرآن دون غيرها والمرجوّ من القارئين الكرام تأصيل القرآن هنا وفي غيره من الاحكام المعرفية والفقهية رغم أنّ القرآن مهجورٌ فى الحوزات العلمية
والسلام على عباد اللّه الصالحين الذين يوطئون للمهدى سلطانه لاحياء الكتاب وحدوده.
قم المشرفة: محمّد الصّادقي الطّهراني
1426 هجرية قمرية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 8
الصيد والذباحة
«وَ أَطِيعُوا اللَّهَ» في محكم كتابه «وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ» في سنته الجامعة غير المفرقة: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» - «وَ احْذَرُوا» من عصيان اللَّه ورسوله «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ» عما فرض عليكم «فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» : لوحي الكتاب والسنة، واللَّه هو المبلَّغ عنه، الواجبة طاعته على أية حال، فهو المثيب وهو المعاقب.
وهنا «فَاعْلَمُوا» إعلام صارخ بحجة بارعة أخيرة للأسماع الصاغية «أَنَّما» حصراً لكيان الرسول في «عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» و كل بلاغاته حول الخمر طول العهدين كانت مبيِّنة رغم تطلُّبات الخليفة عمر «اللَّهمَّ بيَّن لنا في الخمر بياناً شافياً» ويْكأن بيان اللَّه غير شافٍ في سائر الآيات المحرمة للخمر!.
هنا يُنفى «جُناحٌ» أياً كان عن «الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِيما طَعِمُوا» - مضياً، فليس النص «يطعمون»- أياً كان شرط الإيمان وعمل الصالحات أولًا، ثم تقوى بعدهما ومعها إيمان وعمل الصالحات، ثم تقوى وإحسان، فما هي صالحات هنا بعد صالحات، ودرجات ثلاث من التقوى ودرجات ثلاث من الايمان ثم إحسان- أخيراً- بعد درجات التقوى والإيمان؟.
هنا «الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ» منهم هؤلاء الذين كانوا يشربون الخمر قبل هذه
(1) 5: 92
(2) 5: 93
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 9
الآية ثم انتهوا «1» فلا يبقى عليهم جناحه «إِذا مَا اتَّقَوْا» الخمر منذ نزول الآية فتركوها فإنها كفارة له، فكلما يقرب إليه راجح واجباً وسواه، و كلما يبعد عنه مرجوح محرماً وسواه، وأصل ثان هو الموادة بين المؤمنين على توحيد اللَّه وعبوديته، فكل ما يورث العداوة والبغضاء بينهم محرم، اللهم إلَّا ما هو مفروض يفرضه اللَّه ويرفضه متخلفون عن طاعة اللَّه كافرين ومسلمين.
وهنا «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» تنظيم في حقل الإيمان بعقل الإيمان، اعتصاماً بحبل اللَّه دون تفرق عنه أو تفرق فيما بينهم، حيث إن الايمان هو رمز الوحدة في كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، فلا عداوةَ- إذاً- ولا بغضاء.
وعلَّ الفارق بينهما أن العداوة هي الباطنة أم هي أعم من الظاهرة، والبغضاء هي الظاهرة قضيةَ صيغة التفضيل، فهما العداوة باطنة وظاهرة، والمفروض بين قبيل الإيمان الاعتصام بحبل اللَّه جميعاً دون أي تفرق.
فالمفروض على المؤمنين تكريس كل طاقاتهم وامكانياتهم في الاعتصام بحبل اللَّه جميعاً، وسلب كافة التفرقات حتى يسودوا سائر الناس النسناس الذين يتربصون بهم كل دوائر السوء ف «أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .
فإن تركوا المعصية توبةً فاللَّه يتوب عليهم دون أن يبقى جناح الشرب لزاماً عليهم.
ذلك، ولأن شرب الخمر ناقض للإيمان فلابد بعد التقوي عنه من تجديد الإيمان وعمل الصالحات التي تصلح لجديد الإيمان، ومن ثم تقوى ثانية علَّ منها التقوى في التصميم بعد التقوى في ترك الشرب حتى تكون توبة نصوحاً، فإن مجرد الترك لا يستلزم
(1)) في الدر المنثور 3: 320 عن ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فكيفباصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر فنزلت «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ...» وفيه عن براء بن عازب قال: مات ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله وهم يشربون الخمر فلما نزل تحريمها قال اناس من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله كيف باصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فنزلت هذه الآيات، اقول: لا تعني «لما نزل تحريم الخمر» إلَّا نزول آية المائدة بهذه الصراحة والتأكيدات دون نزول اصل التحريم حيث سبقتها فيه مكيات ومدنيات، ولو كان نزول اصل التحريم لما كان جناح على الذين كانوا يشربونها قبل التحريم حتى يسألوا عنهم وتنزل آية براءتهم!
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 10
واقع الترك إلَّا بتصميم عليه، وإيمان ثان بعد جديد يتبنَّى ذلك التقوى، ثم تقوى في الصميم بعد التصميم فإن من التصميم ما هو غير صميم، وأخيراً «وَ أَحْسَنُوا» إحساناً لمراتب الإيمان وعمل الصالحات والتقوى، مما يدل على غلظ الحرمة في الخمر وأخواتها حيث يبقى جناحها لولا هذه التنقيات التقيات.
ومن هنا نتبين أن هذه المذكورات في هذه الآية كانت محرمة طول العهد الرسولي مكياً ومدنياً، ولم تكن لأحد عاذرة في شرب الخمر واقتراف أخواتها، فإن كرور الآيات هنا وهناك مراراً وتكراراً كانت تمنع عنها بأشدِّه مهما اختلفت صيغ التحريم، حتى وصلت إلى ذلك التهديد الحديد «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» مهما لم تنتهوا طوال كرور الآيات المذكرات الناهيات بمختلف التعبيرات.
وهنا «فِيما طَعِمُوا» تعم طعم عوائد الميسر وذبائح الأنصاب والأزلام إلى طعم الخمر، حيث الشرب طعمٌ مهما لم يكن كلُّ طعم شرباً، و كما في مثل «وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي» فالعبارة الصالحة لجامع شرب الخمر وطعم الثلاثة الأخرى هي «طَعِمُوا» .
فلا «جُناحٌ» هنا وجاه «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» هناك تبيِّن كبيرة عدم الإنتهاء، والعفوَ عن المنتهين بتلك الشروط المسرودة التي لا نظيرة لها في شروطات التوبة في سائر الكبائر، مما يدل على أن هذه الأربعة هي من أكبر الكبائر.
ذلك، فليس نفي الجناح هنا فيما طعموا تحليلًا للمحرمات قضيةَ أنهم آمنوا وعملوا الصالحات واتقوا واحسنوا، فإن قضيتها- وبهذه التأكيدات المتكررة- تركُ المحرمات دون إقترافها حيث القضية لا تحمل نقيضها، فإنما ينفى الجناح عن المؤمنين الصالحين شرطَ أن يكفِّروا عما طعموا فيما سبق من حرام إذا طعموه، أم يتركوه مهما لم يطعموه، تحليلًا للمأكولات المحللة ككل، وتوبة على الذين أكلوا محرمات ثم تابوا هكذا توبة نصوح. «1»