کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 27
الإحتمال الأخير غير وارد إلا استحباباً لذكر اسم اللَّه، والأوَّل أصيل ككل شرطاً في صالح الإرسال، لأنه بحكم الذبح الذي يشترط فيه ذكر إسم اللَّه، والأوسط وسيط على الهامش، شرطاً فيما لا يُقتل الصيد بصيده.
ولماذا «أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» دون «لكم»؟ لأن في «لكم» لمحة تسهيم وتقسيم، و «عَلَيْكُمْ» تلمح بأصالة الإمساك المتكلَّف فيه للجارحة، فعدم شبعها تكلُّف، وإمساكها لكم تكلف وخلاصة القول في «وَ ما عَلَّمْتُمْ ...» أن الجوارح التي بالإمكان تعليمها مما علمكم اللَّه في حقل الصيد إنسانياً وشرعياً، تعليماً عملياً دون إحراج، يحل صيدها «ما أمسكن عليكم» قاصدة في ذلك الإمساك، تاركة لأكل إلَّا قدر الضرورة والحاجة.
فليست جارحة الصيد إلَّا وكيلة عن الصياد تنوبه فيما علمه اللَّه إنسانياً وشرعياً، فما أمكن تعليمه علَّمه إياهن، وما لم يمكن وامكنه هو طبَّقه كذكر إسم اللَّه عليه.
وكما الصياد بنفسه يسقط عنه التوجيه إلى القبلة وفري الأوداج، فكذلك بأحرى عن نائبته الجارحة، ولا تسقط عنه ذكر إسم اللَّه، ولا الجرح العادل.
فمن الشروط الثلاثة للذبح يسقط الكل إلّا البسملة، وإلّا الجرح العادل والإمساك على صاحبه.
ولأن الصيد الإنساني ينوب عن التذكية والذبح العادي فلابد- إذاً- ألّا يقصد الصياد برميه قتل الصيد حتى يذكِّيه تحقيقاً لشروطها، فإذا قتل دون قصد فقد ينوب عن التذكية توجيهاً إلى القبلة وفرياً للأوداج الأربعة، ثم الجارحة المعلَّمة وكيلة عنه فليعلِّمها ما يحققه في صيده ألا تقصد قتل الصيد عليهما لأنهما خارجان من «ما أمسكن عليكم».
ذلك لأن المعلوم من شرط الإسم للذَّبح صيداً وسواه، بجارحة وسواها، ف «ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ» محرم، و «مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» حلٌّ، وقد يعني «مِمَّا أَمْسَكْنَ» حالة الإمساك القتل، وواجب التسمية ليس إلَّا عنده، فإن لم يسمِّ عند الإرسال وسمَّى عند الإمساك القتل فقد كفى.
ولأن الإرسال غير مذكور في النص، وإنما هو «أَمْسَكْنَ» فمصبُّ واجب ذكر الإسم إنما هو حالة الإمساك القتل دون سائر الحالات، وإنما يجب ذكر الإسم عند الإرسال إذا لم يدر متى القتل كما هو الأكثر في العادة.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 28
فالبحر هناك كما هنا يعم العذب الفرات والملح الأجاج، سخره اللَّه لمن سخر ومنهم نحن الآكلون منه لحماً طرياً ... اذ لم يأت هنا «لَكُمُ» وانما «لِتَأْكُلُوا ...» مما يلمح أنه مسخر لجموع منهم نحن الناس، فالبحر مسخر لحيوانه، ولجنِّه كما لإنسانه امّن هو مِن المسخَّر لهم، غير المذكورين هنا.
و «لِتَأْكُلُوا» هنا كغاية اولى لتسخير البحر، ضابطة عامة لحل كل لحم في البحر طري، من انواع الأسماك والحيتان وسواها من ذوات اللحم، فاذا ثبت بكتاب او سنة استثناء لحم من حِلِّه استحرمناه، واذا ثبت حلّ شيء منه بنص كالاسماك والروبيان استحللناه، واذا ترددنا في ثالث حلًا وحرمة أبقيناه في عموم الحلِّ سناداً الى ضابطة «لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا» اضافة الى قاعدة الحل المستفادة من مثل «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» «3» فالكلب والخنزير و كافة السباع البحرية محرمة كالبرية للنصوص المطلقة فيها الشاملة لهما.
وكذلك الامر في «وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» كاللؤلؤ والمرجان: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» «4» فلا يختص بحلٍّ شيءٌ منها، أم بحرمة لرجال أم نساء على كل حال ام في بعض الأحوال، إلّا بدليل قاطع يستثنى من ضابطة الحل هذه وهنا «تَلْبَسُونَها» نص في حل لبسها للرجال حيث اللابس هنا هو المستخرج، والمستخرج الغائص هو الرجل في الاكثرية الساحقة، فهو اللابس مهما تلبسها النساء وباحرى، فانهن خلقن للحلية كما الحلية مخلوقة لهن في أصلها، ولا ينافي ذلك الأصل حليةُ الحِلية لقبيل الرجال اللهم إلّا
(1) 16: 14
(2) 35: 12
(3)) 2: 29
(4)) 55: 23
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 29
بدليل قاطع من كتاب او سنة قطعية، كما وردت في حرمة التزين للقبيليين حالة الاحرام.
فهنا كضابطة عامة: لا شكَّ في حليِّة لبس الحلية للرجال كما للنساء- بحرية ام بريّة- إلّا ما نص على تحريمه للرجال، ام وللنساء كما في الإحرام.
هنا يذكر من نعم البحر اربع: اكلًا ذاخراً ولبساً فاخراً، ثم جمالًا باهراً «مَواخِرَ فِيهِ فِيهِ مَواخِرَ» وهي شقوق الأمواج في خِضمِّ البحر الملتطم الحاصلة من جري الفلك وإلتطام البحر حيث الَمخر هو الشق، ويا لها من جمال رائع ومنظر بارع، نضرة للناظرين، وفرحة للمسافرين، وبصورة عامة كنعمة رابعة رائعة تشمل كلَّ نِعم البحر لنا: «وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» مادياً ومعنوياً، ومن ثم «وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» نعمة ربكم الموهوبة المحبوَّة لكم في البحر نفسه، وفي حمل اثقالكم عليه.
وفي توصيف لحم البحر بالطري تفضيل لطري اللحم وطازجه على سواه، بحرياً ام برياً، وهكذا يراه علم الصحة، أن في طازج اللحم فائدة خاصة ليست في بائته أو جامده.
«إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» «1»
ولأنه هو أعلم بالمهتدين، لذلك يأمر باتباع العلم اليقين وينهى عن إتباع الظن التخمين، وهنا «مَنْ يَضِلُّ» دون جارٍّ قد يكون لنصبه دون خافض، بقرينة «أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» هنا و «أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» في النجم: «وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا. ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى» . «2»
و «أَعْلَمُ» هنا- الطليقة عن المفضل عليه- كما يحتمل طليق العلم الخاص به تعالى، أنه هو العالم لا سواه، كذلك يحتمل العلم المفضل على من سواه، فإن منهم من يعلم الضال عمن اهتدى مهما بان البون بين العلمين.
ولأن طليق العلم دون خلط بجهل يختص باللَّه سبحانه، فهو وحده صاحب الحق في وضع الميزان بين الضال والمهتدي «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» .
(1) 6: 117
(2) 53: 30
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 30
شروط لحلّ الذبح
هنا «فَكُلُوا ...» أمر تجويز لما هو فيموقف الحظْر جاهلياً، حيث الجاهلية حرَّمت أكل ما ذكر اسم اللَّه عليه في حين أحلت أكل الميتة وما أهل لغير اللَّه به، محتجاً بأنه كيف لانأكل ما قتله خلق اللَّه، وليس ذكر اسم اللَّه- فقط- مما يحلَّل ما قتلناه، كما وكانوا يفضِّلون ذكر اسم غير اللَّه على ما يقتلون كأنه يحلِّله دون ذكر اسم اللَّه؟!
وهنا «إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ» خطاب لمن آمن ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم، إذ كانوا ينحون منحى الجاهلية في حظر الأكل عما ذكر اسم اللَّه عليه.
ثم «فَكُلُوا» تفريع على حظر الإتِّباع للأكثرية الغائلة القائلة بحظر الأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه، أن اتباع الحق يقتضي رفض ما فرضه أهل الباطل مهما كانوا كثرةً.
ثم «وَ ما لَكُمْ» تنديد بكل هؤلآء الذين كانوا لا يأكلون مما ذكر اسم اللَّه عليه، مسلمين أو أهل كتاب أو مشركين، قضيةَ التخيُّلة الجاهلية أن ما قتله اللَّه أولى بالأكل مما قتله الناس وذكر اسم اللَّه عليه.
وهنا «ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» مجهولًا يُطلق حِلّ ما ذكر اسم اللَّه عليه مهما كان الذاكر الذابح كتابياً، كما ويُطلق حرمة ما لم يذكر اسم اللَّه عليه مهما كان الذابح مسلماً، وقد احتج باقر العلوم عليه السلام بالآية في طليق الحل والحرمة. «2»
(1) 6: 118- 119
(2) نور الثقلين: 1: 761 في من لا يحضره الفقيه روى أبو بكر الحضرمي عن الورد بن زيد قال: قلت: لأبي جعفر عليه السلام حدثني حديثاً وأمله عليّ حتى أكتبه قال اين حفظتكم يا أهل الكوفة؟ قلت: حتى لا يردّه علي أحد ما تقول في مجوسي قال بسم اللَّه وذبح؟ فقال: كل، فقلت: مسلم ذبح ولم يسم؟ فقال: لا تأكل، ان اللَّه تعالى يقول: «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» ويقول: «ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللَّه عليه» أقول: قدمنا تفصيل البحث حول اشتراط كون الذابح مسلماً وعدمه على ضوء قوله تعالى: «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» ومختلف الأحاديث الواردة فيه في المائدة فلا نعيد، والحكم ما قدمناه من الحل بدليل هذه الآية «فَكُلُوا ....» و السنة الظاهرة المتظافرة و منها التالية:
1- هنا أحاديث مطلقة في المنع عن ذبائح اهل الكتاب و هي 26 حديثاً.
2- المطلقة في الجواز و هي 43- 44- 45- 46 ب 28.
3- المفصلة بين ما ذكر اسم اللَّه عليه فجائز و ما لم يذكر فحرام و هي 35 حديثاً.
4- الناهية عنه و ان سمى و هي اثنان.
ففي ص 341 ب 26 ح 1 و 3 لا يؤمن على الذبيحة إلّا اهل التوحيد و ح 3- إلَّا أهلها و ح 4 و 6 و 7- 10 و ب 37 ح 3- 3- 4- 8- 11: لا بأس اذا ذكروا اسم اللَّه و ح 14- 15- 17: لا بأس إذا سمعوا و 18- 22- 23- 24- 27- 29- 31- 32- 34: لا بأس به إطلاقاً و 35- 36- 37- 38- 39- 41 مطلق في الجواز و 43- 44- 45- 46 و 28 ب ح 7- إذاً فالأقوى عدم اشتراط الاسلام في الذبح إلّا لإحراز شروط الذبح
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 31
«وَ قَدْ فَصَّلَ» إشارة إلى تفصيل قبل الأنعام و ليس إلَّا في النحل النازلة قبلها، ثم بعدهما تفصيل في المدنيتين: البقرة و المائدة، و هذه الأربع مشتركة في تحريم الميتة والدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير اللَّه به، و تفصيل النحل من ذي قبل هو «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ» . «1»
وهنا «ما لَكُمْ» تنديد عام هام يحلق على كلِّ هؤلاء الذين لا يأكلون ما ذكر اسم اللَّه عليه و منهم المتحذِّر عن ذبائح أهل الكتاب المذكور عليها اسم اللَّه بسائر شروط التذكية، أن حرمتها بكونها ذبيحة غير المسلم غير و اردة في تفاصيل التحريم الذاتي في القرآن بحقل بهيمة الأنعام، و كذلك السنة.
ولا تصلح «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» في المائدة بياناً لشريطة إسلام الذابح كما فصلناه عند تفسيرها، فلا يدخل في الحصر فعل المخاطَبين و إلَّا لكان ما ذكاه غيرك من المسلمين محرماً عليك، فإنما الخطاب هنا للمسلمين حيث المخاطَبون هنا هم المسلمون في هذه
(1) 16: 116
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 32
الأحكام، و أنهم هم الذين يطبِّقون شروطات الذبح الشرعية.
وهنا- بين شروط الذبح- ذكر اسم اللَّه، يحتلُّ الموقع الأعلى، المخصوص بالذكر في الذكر الحكيم، ثم التوجيه إلى القبلة و فرْي الأوداج الأربعة يستفادان من السنة القطعية، وما شرطُ الإسلام إلَّا للشرط الأوَّل كأصل و الآخرين فرعاً له.
ولقد كانت هذه النصوص تواجه قضية حاضرة في البيئة الجاهلة حيث كانوا يمتنعون من ذبائح أحلها اللَّه و يُحلُّون ذبائح و ميتاً حرمها اللَّه و يزعمونه من شرعة اللَّه تخرصاً على غيب اللَّه: «وَ إِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ» إعتداءً على شرعة اللَّه «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ» ف «اعلموا عباد اللَّه أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أوَّل و يحرم العام ما حرم عاماً أوَّل، و أن ما أحدث الناس لا يُحل لكم شيئاً مما حرم عليكم و لكن الحلال ما أحل اللَّه و الحرام ما حرّم اللَّه ... و إنما الناس رجلان: متَّبع شِرعة و مبتدع بدعة وليس معه من اللَّه سبحانه برهان سنة و لا ضياء حجة ... (الخطبة 174/ 316).
«ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ» قد تعني- إضافة إلى إضافة الصفة: الإثم الظاهر و الإثم الباطن- تعني و اجهتي كل إثم ظاهراً و باطناً، فهي تحلِّق على كل الإثم في كل إثم، و هو كل ما يبطىءُ عن الثواب ظاهريّاً أم باطنياً، بظاهر من الإثم أو باطنه، بالإثم الظاهر و الإثم الباطن، و ثالث هو كون «ظاهِرَ الْإِثْمِ» صفة لمحذوف هو العصيان الظاهر إثمه أو باطنه وهذا أليق بظاهر الصلة بين الآية و ما قبلها و ما بعدها.
ف «ظاهِرَ الْإِثْمِ» - إذا- ما ظهر إثمه للناظر سواء أكان ظاهراً كالقتل أم باطناً كالشرك، وباطنه ما لا يظهر إثمه سواء أكان ظاهراً كالأكل مما لم يذكر اسم اللَّه عليه، و ترك الأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه و أكل لحم الخنزير، أم باطناً كالحسد غير الظاهر فاعليته.
وقد ينتظمها كلها «إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ» أياً كان و بأية حالة و أية مجالة «سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ»
(1) 6: 120
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 33
ذلك، و من باطن الإثم إثم القلب: «وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» «1» و «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» «2» «وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ» «3» و من أنحس باطن الإثم الإشراك باللَّه. «4»
ومن الإثم الظاهر: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ» «5» و الحظر يشمل «ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ» فان لظاهره باطناً و لباطنه ظاهراً، وحتى إذا اختص الإثم بظاهر أم باطن فهو إثم كيفما كان، إبطاءً عن الثواب أياً كان، و كل مبطىء عن و اجب الثواب فهو محرم لهذه الضابطة ثم «ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ» قد تعني فيما عنت ظاهر الإثم متظاهراً فيه ف «ظاهِرَ الْإِثْمِ» و متخفياً ف «باطِنَهُ»
وما هو- بعد- ظاهر الإثم و باطنه في حقل الأكل هنا؟ من ظاهر الإثم ترك الأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه، و الأكل مما لم يذكر اسم اللَّه عليه، و من باطنه تحريم الأول و تجويز الثاني تشريعاً و ان لم يظهر في العمل، كما و ان من ظاهر الظاهر اقترافه متظاهراً، و من باطنه اقترافه خُفيةً «6» كما أن من ظاهره الأكل مما يضر صحياً أم هو خيانة، و من باطنه الأكل مما لم يذكر اسم اللَّه عليه غير الظاهر إثمه إلَّا بوحي و قد أوحي.
فقد يخيل إلى ناس أن ليس ترك الأكل من المباح و الأكل من الحرام محظوراً إن لم يعتقد في حل أو حرمة خلاف شرعة اللَّه، أم ليست العقيدة المتخلفة في الأكل محظورة إن لم تظهر في العمل، أم لا يحرم العمل ما لم يتظاهر فيه، أم لا يحرم لعدم ظهور إثمه، فنزلت
(1)) 2: 283
(2) 49: 12
(3) 58: 8
(4) نور الثقلين 1: 761 عن تفسير القمي في الآية قال: الظاهر من الاثم المعاصي و الباطن الشرك و الشك في القلب و قوله «بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ» أي: يعملون.
وفيه في روضة الكافي في رسالة طويلة لأبي عبداللَّه عليه السلام يقول فيها: و اعلموا ان اللَّه لم يذكره احد من عباده المؤمنين إلَّا ذكره بخير فاعطوا اللَّه من انفسكم الاجتهاد في طاعة فان اللَّه لا يدرك بشيء من الخير عنده إلَّا بطاعته و اجتناب محارمه التي حرم اللَّه في ظاهر القرآن و باطنه فان اللَّه تبارك و تعالى قال في كتابه و قوله الحق: «وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ»
(5)) 2: 219