کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 61
وقد يروى عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: «أحلت لي ميتتان و دمان» «1» فالمقصود من «ميتتان» الجنين الميت بذبح أمه، و السمك الميت خارج الماء، و أما الدمان فهما الدم غير المسفوح المتخلف في الذبيحة، و الدم الذي ليس في موقف السفح كدماء غير الحيوان أو الحيوان الحِل الذي لا يسفح دمه كالسمك.
ف «الدَّمُ» مهما كان طليقاً في حقل سائر الحيوان و لكنها الدم المسفوح من بهيمة الأنعام ففي ذلك الحقل الدم المسفوح هو المحرم و في سائر الحقل كل دم من كل حيوان محرَّم إلا ما أحل كالسمك و الروبيان و ما أشبه مما ليس له دم مسفوح.
فمثلث الدم، من بهيمة الأنعام و من سائر الحيوان و من سائر الدم مهما كان يشمله «الدَّمُ» في الآيات الثلاث، و لكن الدم من غير الحيوان خارج عن الإطلاق حيث الآيات تتحدث في حقل الحيوان، و الدم في بهيمة الأنعام مقيد بآية الأنعام بالمسفوح، و الدم في سائر الحيوان حرام كنفس الحيوان مهما شمله إطلاق الدم نسبياً هنا أم لم يشمله.
3- [لحم الخنزير:]
هنا قد تلمح «لَحْمُ الْخِنْزِيرِ» دون طليق «الخنزير» أن مصب الحرمة في هذه المذكورات هو الأكل، و أما سائر الإنتفاعات التي تنحو نحو الأكل فلا تحرم، و هي لمحة لامعة قد تجعل طليق «الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» و ما أشبه، مقيدة بأكلها، مهما حرم بيعها و شراءها- أيضاً- لأكلها، لسقوط القيمة من هذه الجهة.
وقد ذكرت حرمة لحم الخنزير في البقرة 173 و النحل 115 و يختص في الأنعام ب «فَإِنَّهُ رِجْسٌ» 145 مما يشدد تحريمه.
ولمحة أخرى في «لَحْمُ الْخِنْزِيرِ» التدليل على ذاتية حرمة لحم الخنزير و إن ذُبح على
(1)) آيات الأحكام للجصاص 3: 371
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 62
الوجه الشرعي، و أن حرمة سائر المذكورات من ذوات اللحوم عرضية لموت أو إهلال لغير اللَّه به أو إستقسام بالأزلام أو ذَبْح على النصب، فلا تدل «لَحْمُ الْخِنْزِيرِ» على حلية أو طهارة سائر أجزاءه، لا سيما و أن الكلام ليس حول النجاسة، بل المحور الأصيل هو الأكل.
ذلك، ثم الدليل على نجاسة الخنزير بكل أجزاءه «فَإِنَّهُ رِجْسٌ» في آية الأنعام لرجوع الضمير إلى الخنزير، و حتى إذا رجع إلى لحمه فلا ريب في عدم الفرق بين لحمه وسائر أجزاءه لمكان الرجاسة الذاتية لها، و لكن «الرجس» لا تعني فيما عنت النجاسة العينية، بل هي نجاسة الأكل هنا أكثر من غيره أم و سائر القذارات عملية أم خلقية أماهيه.
وليس تحريم لحم الخنزير- فقط- للجراثيم الخليطة به حتى إذا نظفوها عنه حلَّ، إنما لأنه لحم الخنزير مهما جهلنا بالغة الحكمة فيه، و منها تأثيره السيِء على الأرواح- إنعكاساً لخلق الخنزير- من الدياثة و زوال الغيرة.
وإضافة إلى أن لحم الخنزير أضرُّ أُكُل على الطعام و الشهوات و أشرهه، إنه يورث نفس الخلق اللئيمة التي هو عليها، ثم الثابت في علم الصحة أن الدودة الوحيدة (ترشين) لا تكون إلا من أكل لحم الخنزير.
ولقد نرى انعكاس الدياثة على هؤلاء الغربيين المستحلين للحم الخنزير رغم أن الكتابات التي يقدسونها و حياً تحرمه كما تحرم الميتة و الدم. «1»
4- «وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ»
ذلك و مثلها في آية الأنعام و النحل، ثم في البقرة «وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ» و هو ما ذكر عليه عند ذبحه غير إسم اللَّه، و الإهلال في الأصل هو رفع الصوت إستهلالًا لما يُرام من
(1) في سفر اللاويين من التورات الإصحاح الحادي عشر: 7- و الخنزير ... «فهو نجس لكم 8 من لحمها لا تأكلوا و جثتها لا تلمسوا إنهما نجسة لكم».
ومثلها في سفر التثنية 14: 8، و في شعياء 65: 4، و في إنجيل لوقا 15: 5 أن تربية الخنزير و الحفاظ عليه شغل العصات المتخلفين، و في الشعياء 65: 7- إن أكل لحم الخنزير كان من شريرة الأفعال اليهودية، و البطرس الحواري في 3: 22 من إنجيله يمثل طبيعة الخنزير الشريرة في رَجعه بطبيعة العصات أنهم كمثله يرتجعون إلى أفعالهم القبيحة و يلتذون بها
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 63
بادئة خير، يقال: أهل بالحج إذا لبى به، و استهل الصبي إذا صرخ عنده و لاده.
وقد كانوا يرفعون أصواتهم عند الذَّبح باسم اللّات و العزى فحرمه اللَّه و حرم الذبيحة المستهلَة به، فإنَّ ذكر إسم اللَّه هو أهم الشروط الأصلية في الذَّبح «1» و لا يختص إسم غير اللَّه بأسماء الأصنام و الأوثان و الطواغيت، بل و أسماء الرسل و سائر الصالحين فإنها تشملها «إسم غير اللَّه»
وليس ذكر إسم غير اللَّه- فقط- هو المحرَّم و المحرِّم للذبيحة، بل المفروض ذكر إسم اللَّه: «وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ ...» (6: 121) و قد تشمل «أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ» ما يُنوى ذبحه لغير اللَّه مهما لم يهل بإسمه حيث الإهلال هو البداية في أمر سواء إفتتح بذكر شيء أم لم يفتتح كما الإستهلال لا يضمن كلاماً، و قد يعني «أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» صوِّت، و هو أوّل صوت للموت، فحين يصوت الذبيحة لغير اللَّه فقد أهل لغير اللَّه له، وذلك بالنسبة للمشركين، و أما المسلمين فلهم «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ... و لا تأكلوا مما لم يذكر إسم اللَّه عليه» فالتحريم الأغلظ موجَّه إلى ما أهل به لغير اللَّه، ثم ما لم يذكر إسم اللَّه عليه و لكلٍّ أهله. بل و ما لم يذكر أو ينو اللَّه و لا غير اللَّه قضية عامة النهي، و أن ما أهل لا للَّهفقد أهل لغير اللَّه.
و هي التي تموت بخنق كيفما كان و بأي سبب كان، برياً فإنها من الميتة، و لقد كان خنق البهائم سنة جاهلية إدخالًا لرأسها بين خشبتين، أو شداً بحبل على عنقها و جرّاً لها حتى تخنق و ما أشبه، و كما تفعله الجاهلية المتحضرة، فالإخناق يعمه بكل أسبابه و أساليبه دون اختصاص بوجه خاص.
و هي المقتولة بضرب حتى تموت، سواء أكان الضارب إنساناً أو حيواناً أم سواهما.
و هي التي تتردى أو تردَّى من عَلٍ أو في بئر حتى تموت.
(1)) نور الثقلين 1: 585 فيمن لا يحضره الفقيه روى عبد العظيم بن عبداللَّه الحسين عن أبي جعفر محمدبن علي الرضا عليهما السلام أنه قال: سألته عما أهل لغير اللَّه به؟ قال: ما ذبح لصنم أو و ثن أو شجر حرم اللَّه ذلك كما حرم الميتة.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 64
و هي الميتة بنطح كما كان التناطح لعبة جاهلية. «1»
و طبعاً دون كله، حيث المأكول كله ليس ليؤكل بعد حتى يحرّم «2» فإنما هو ما أكل بعضه السبع فمات به، و هذه الخمس هي من المصاديق التي قد يخفى كونها من الميتة و معها غيرها مما زهق روحه دون ذبح شرعي، كالمصلوبة و الغريقة أماهيه.
ذلك، و لأن هذه الخمس الأخيرة قد لا تموت بخنق أو وقذ أو تردٍ أو نطح أو أكل سبع عاجلًا، فقد تبقى هناك فرصة لذبحها، و لذلك يستثنى عنها:
«إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» أي تممتم ذكاته و ذبحه، فلا تعني التذكية أصل الذبح، بل هي تتميم الذكاة و الذبح بشروطه، و أصلها من الحدة و السرعة، فالوصول السريع بحِدَّة و استعجال إلى أخريات حياة الذبيحة لذبحها و هي حية، هي التذكية.
وهل الإستثناء راجع إلى «ما أَكَلَ السَّبُعُ» فقط أم إلى الخمس أو الست، أم إنَّ الكل أمثلة معروفة لزهاق الروح فالأصل بقاء الروح لحد يمكن ذبح الحيوان تتميماً لزهاق روحه؟.
الصحيح هو الأخير، فأما مرجع الإستثناء بعد الجمل المتعددة فهو بطبيعة الحال كلها، إذ لو كان المرجع- فقط- الأخيرة أماهيه منها لكانت قضية الفصاحة العادية فضلًا عن القمة القرآنية ذكر الإستثناء بعد خصوص المرجع كأن يقال «و ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما
(1) المصدر نفس الحديث قال فقلت قوله عز و جل «وَ الْمُنْخَنِقَةُ ...» قال: «المنخنقة التي انخنقت بإخناقها حتى تموت و الموقوذة التي مرضت وقذها المرض حتى لم يكن بها حركة و المتردية التي تتردى من مكان مرتفع إلى أسفل أو تتردى من حبل أو في بئر فتموت و النطيحة التي تنطحها بهيمة اخرى فتموت و ما أكل السبع منه فمات ...»
(2)) المصدر عن عيون الأخبار عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام
أنه قال: في قوله: «حُرِّمَتْ ...» قال: الميتة و الدم و لحم الخنزير معروف، «وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» يعني ما ذبح للأصنام، و أما المنخنقة فإن المجوس كانوا لا يأكلون الذبايح و لا يأكلون الميتة و كانوا يخنقون البقر و الغنم فإذا انخنقت و ماتت أكلوها، و المتردية كانوا يشدون أعينها و يلقونها من السطح فإذا ماتت أكلوها، و النطيحة كانوا يناطحون بالكباش فإذا ماتت أحدها أكلوه، و ما أكل السبع، فكانوا يأكلون ما يقتله الذئب و الأسد فحرم اللَّه عز و جل ذلك ...»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 65
ذَكَّيْتُمْ منه» ليكون الإستثناء نصاً في خصوصه دون اشتباه. «1»
وهكذا- كضابطة- مرجع كل الإستثناءات بعد عدة جملات هو هي دونما إستثناء إلا بدليل قاطع يخصه ببعضها.
وهنا زيادة بيان لكامل الشمول هي ألا خصوصية ل «ما أَكَلَ السَّبُعُ» حتى تختص به «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» حيث الزكاة هي تتميم إزهاق الروح، سواء أكان مما أكل السبع أم سائر الست أما أشبهها كالغريقة و المهدوم عليها.
قول فصل حول التذكية
هذه الآية هي الفريدة التي تحمل التذكية، فهنا- إذاً- المجال الوحيد للبحث و التنقير حول شروطات الذبح المشروع كتاباً و سنة و هي تنتظم في مسائل:
1- هل تشترط الحياة المستقرة في هذه الخمس حتى تحل بتذكيتها، أم يكفي «عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب تمصع». «2»
(1) رجوع هذا الإستثناء إلى كل هذه الخمس ظاهر الأمرين، ثانيهما أن التذكية تعمها كلها ما دامت فيها الحياة، و أولهما يهم كافة الإستثناءات أنها راجعة إلى كل الجمل السابقة إذ لو اختص ببعضها لحض البعض به صراحاً، فهنا إن كان «ما ذَكَّيْتُمْ» خاصة بالأخيرة لكان صحيح العبارة و فصيحها «وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ ...»
(2) الدر المنثور 3: 257- أخرج ابن جرير عن علي عليه السلام قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة و المتردية و النطيحة و هي تحرك يداً أو رجلًا فكلها.
وفي نور الثقلين 1: 585 عن الكافي بسند متصل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لا تأكل من فريسة السبع و لا الموقوذة و لا المتردية إلا أن تدركه حياً فتذكيه.
وفي التهذيب 3: 352 و تفسير العياشي 1: 292 صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام كل من كلِّ شيءٍ من الحيوان غير الخنزير و النطيحة و المتردية و ما أكل السبع و هو قول اللَّه عز و جل «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» فإن أدركت شيئاً منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب تمصع فقد أدركت ذكاته فكل.
وفي الكافي 6: 208 خبر ليث المرادي سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الصغور و البزاة و عن صيدها فقال: «كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته و آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرجل تركض و الذنب تتحرك ...».
وفي خبر عبداللَّه بن سليمان عن الصادق عليه السلام: في كتاب علي عليه السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب و أدركته فذكه، «وفي آخر عنه زيادة فكل منه فقد أدركت ذكاته» (الكافي 6: 232).
أقول: و هذه العلامات تشمل حالة الإحتضار فهي- إذاً- كافية للتذكية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 66
طليق «ما ذَكَّيْتُمْ» تشمل الحياة غير المستقرة إلى المستقرة، لصدق تتميم الذكاة وإزهاق الروح في غير المستقرة كما المستقرة، بل و مصبُّ التذكية هو الحياة غير المستقرة، فإن كانت البهيمة المصدومة بإحدى هذه الست أم سواها تموت بنفس الأسباب آجلًا و لكنك ذكيتها، أي: أدركت ذكاتها، فقد ذكيتها دون ريب.
ذلك! و لأن أصل التذكية هي إخراج تتمة الحرارة الغريزية الحيوية الحيوانية، و أن الذكاء هو سرعة الإدراك، فقد تعني التذكية سرعة إدراك البهيمة مهما اختلف إدراك عن إدراك، و كأن أصل الذكاة هو التمام و الكمال و هو يختلف حسب موارده، فذكاة العقل تمامه، و ذكاة الشمس حدتها، فذكاة هذه الست هي إتمام حياتها، إذاً فالتذكية هي إتمام الحياة سلبياً فلا مجال هنا لأصالة الإشتغال أن الذمة مشغولة في حقل الذبح بشروط فحين نشك في إشتراط الحياة المستقرة كان الأصل عدم الحلّ في غيرها، لأن مجال الأصل هو فقدان الدليل و هنا «و ذكيتم» ظاهرة كالنص في عناية الحياة غير المستقرة، ولو كانت ظاهرة في المستقرة- ايضاً- فمجرد شمولها لغير المستقرة كاف في وجدان الدليل.
ف «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» تعني كملتم حياته إزهاقاً و أذهبتم بقيتها.
فالذبح قد يكون كالعادة المستمرة أن تبدء بذبح حيوان، أم متفلتاً عنها كان تدرك ذبحها دون مَهَل لأنها اصطدمت بما يموِّتها، فيكفي- إذاً- إزهاق روحها، فإنما الذبح هو الذي يحلل الحيوان، عادياً أو خلافها، بحياة مستقرة لها أم سواها.
2- هل تشترط حركة الحيوان بعد الذبح، أم تكفي تتمة الحياة غير المستقرة قبل الذبح؟ ظاهر هو الأخير، و هنا معتبرة عدة تشترط الحركة قبل التذكية، و علّها كإمارة للحياة لا أنها شرط أصيل، فهنا الصحيحة «1» المشترطة إياها بعد الذبح غير
(1)) و هي صحيحة أبي بصير المرادي سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك و يهراق منها دم عبيطقال: لا تأكل إنّ علياً عليه السلام كان يقول: «إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» (التهذيب 2: 352 و الفقيه رقم 52).
أقول: «دم عبيط» دليل أنها كانت ميتة قبل الذبح، فلا تدل الصحيحة على إشتراط الحركة بعد الذبح كشرط أصيل.
ومثلها خبر حسين بن مسلم قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام إذ جاء محمد بن عبدالسلام فقال له جعلت فداك يقول لك جدي إن رجلًا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها فلم يرسل معه بالجواب و دعى سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: إنَّ محمداً جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلًا فكلوا و أطعموا و إن كان خرج متثاقلًا فلا تقربوه» (الكافي 6: 232 و فيه عن الحسن بن مسلم و قرب الإسناند ص 21 و فيه عن بكر بن محمد قال: جاء محمد بن عبدالسلام إلى أبي عبداللَّه عليه السلام).
أقول: «خرج متثاقلًا» دليل موتها قبل الذبح و ليست الحركة و طرف العين قبل أو بعد الذبح إلا إمارة لبقاء الحياة، فإنما هو خروج الدم بصورة عادية كما في صحيح الشمام في التذكية بغير حديد «إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» (الكافي 6: 228)
وكذلك صحيح الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن الذبيحة قال: «إذا تحرك الذنب و الطرف أو الأذن فهو ذكي» (الكافي 6: 233 و التهذيب 3: 352) فإن تحرك الذنب و الطرف ليس إلا إمارة الحياة السابقة على الذبح
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 67
صحيحة أو مأولة بأنها إمارة حياة لها عند الذبح، فإن كانت متحركة فذكيت فلم تبق لها حراك فهي داخلة فيي نطاق الآية و المعتبرة الأخرى، فحين تذكيها عليك أن تعلم أن لذبحك أثراً في موتها، و علامته أن تتحرك بعد الذبح، فإن لم تتحرك فلعلها ماتت بنفس السبب السابق دون تأثير منك، إذاً فاشتراط حركة بعد الذبح ليس لأنها بنفسها شرط لصحة الذبح، بل هي كصفاء الدم و خروجه كالمعتاد- إمارة على تأثير الذبح في إخراج الروح، فالواجب هو الإطمئنان بأنك ذكيتها و لا تكفي الحركة قبل ذبحها إذ تجوز المقارنة بين زمن موتها و ذبحك إياها، فلابد- إذاً- من إمارة تدلك على أن ذكيتها من حركة مّا أو خروج دم صاف كالعادة أماهيه من إمارة مطمئنة.
ولأن كمال التذكية عبارة عن الذبح المشروط بفري الأوداج الأربعة بالبسملة و توجيه القبلة، فإدراك الذكاة بحاجة إلى هذه الأربع كلِّها، اللَّهم إلّا عند العذر فقد يكفي- إذاً- فري الأوداج.
وهكذا تكون تذكية ما أهل لغير اللَّه به و لمَّا يمت، فإذا أدركت ذكاته بالبسملة فقد ذكيته، و الحاصل أن تتميم إزهاق الروح بالذبح الشرعي يحلل هذه المذكورات الست و ما أشبهها.