کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 100
كونياً أو تشريعياً.
و «ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ» تعم تفضيلَي التكويني و التشريعي، فتلك- إذاً- فضيلة غير مكتسبة، فإنما هي محتسبة قضية الحكمة الربانية.
ولأن تمني ما فضل اللَّه به بعضكم على بعض دونما سعى للحصول عليه قدر المستطاع و المكنة، و دون سؤال عن اللَّه أن يؤتيه كما آتاه غيره، لأن ذلك التمني يخلف التحسّد البغيض على من فضل عليه، فالعمل الجاد الكاد لإزالة فضله، حيث يصاحب الإعتراض على اللَّه، لماذا فضل- من فضل- عليه و حرمه «1» لذلك يؤكد النهي عن التمني هنا، و السعي حسب المستطاع في آية السعي: «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» والسؤال من فضل اللَّه، فان حصل بهما على ما فضل به عليه، و إلا تصبَّر على مرضات اللَّه، مسلماً للَّهمستسلماً لأمر اللَّه حيث الحكمة البالغة- دون ضِنةٍ- هي المقتضية لتفضيل
(1)) نور الثقلين 1: 474 في المجمع عن أبي عبداللَّه عليه السلام أي لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من المالوالنعمة أو المرأة الحسناء كان لي فإن ذلك يكون حسداً و لكن يجوز أن يقول: اللهم أعطني مثله، و عن كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه في كل امرءٍ و احدة من الثلاث: الكبر و الطيرة و التمني فإذا تطير أحدكم ليمض على طيرته و ليذكر اللَّه عز و جل و إذا خشي الكبر فليأكل مع عبده و خادمه و ليحلب الشاة و إذا تمنى فليسأل اللَّه عز و جل و ليبتهل إليه و تنازعه نفسه الى الاثم، و عنه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من تمنى شيئاً و هو للَّهتعالى رضىً لم يخرج من الدنيا حتى يُعطاه، و فيه عن أصول الكافي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: من لم يسأل اللَّه عز و جل من فضله افتقر، و عنه عن أبي عبداللَّه عليه السلام أدع و لا تقل ان الأمر قد فرغ منه ان عند اللَّه عز و جل منزلة لا تنال إلا بمسألة و لو أن عبداً سد فاه و لم يسأل لم يعط شيئاً فسل تعطَ، إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه، و فيه عن تفسير العياشي عن إسماعيل بن كثير رفع الحديث الى النبي صلى الله عليه و آله قال: لما نزلت هذه الآية «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» قال أصحاب النبي صلى الله عليه و آله: ما هذا الفضل أيكم يسأل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ذلك؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام أنا اسأله فسأله عن ذلك الفضل ما هو؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إن اللَّه خلق خلقه و قسم لهم أرزاقهم من حلها و عرض لهم بالحرام فمن انتهك حراماً نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام و حوسب به.
وفي الكافي و تفسير القمي عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر عليهما السلام قال: ليس من نفس إلا و قد فرض اللَّه لها رزقها حلالًا يأتيها في عافية و عرض لها بالحرام من وجه آخر فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصها به من الحلال الذي فرض لها و عند اللَّه سواهما فضل كثير و هو قول اللَّه عز و جل: «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» و رواه العياشي عن إسماعيل بن كثير رفعه الى النبي صلى الله عليه و آله و روي ما في معناه عن أبي الهذيل عن الصادق عليه السلام و القمي في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن الباقر عليه السلام
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 101
بعض على بعض و منه التفضيل في الرزق: «وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ» «1» و منه الرحمة الروحية: «وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» «2» - «قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» «3» - «وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ» «4» .
وبصورة شاملة و حكمة كاملة هو القاسم رحمته دونهم: «أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» «5» .
فلماذا- إذاً- تمنّي ما فضل اللَّه به بعضكم على بعض من نعم روحية أماهيه، و هو بين مالكم إليه سبيل بالسعي كما «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» و ما لا سبيل اليه في الحكمة العالية فالتسليم، و ما التمني إذاً إلا إجهاداً للنفس و إبعاداً لها عما يحق و يجب أمام اللَّه و أمام خلقه بما فضّل!.
وليس الفضل غير المكتسب بالذي يفضِّل صاحبه على غيره في حساب اللَّه في النشأتين، فلا الرجولة تفضل أعمال الرجال على النساء و لا الأنوثة ترذل اعمال النساء أمام الرجال، بل: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ» فلا فضل للفضل غير المكتسب إلا بما اكتسب بسببه أو سواه، و التارك لاكتساب الفضل من الفضل أدنى من تاركه دون و سيط الفضل، و الآتي بالفضل دون و سيط ذلك الفضل أعلى من الآتي به بوسيط ذلك الفضل و «افضل الأعمال احمزها».
صحيح أن كلًا من الرجال النساء يفضَّل على قسيمه في قسم من المعطيات الربانية، ثم هما مشتركان في ثالث، إلا أن المهم في هذه الثلاث قدَر الاكتساب و قدْره، دون أصل الفضل غير المكتسب ف «أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى»
و «مِمَّا اكْتَسَبُوا - اكْتَسَبْنَ » دون «ما اكتسبوا» قد ينظر إلى نصيبهم في الأولى، و أما
(1)) 16: 71
(2)) 2: 105
(3) 3: 73
(4) 11: 3
(5) 43: 32
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 102
الأخرى «ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى» ، فليس الناتج عن الإكتساب بارادة اللَّه قَدَرُ الاكتساب، إنما قدر الصالح في حساب اللَّه لخلقه و المصالح الحيوية لهم فردية و جماعية.
«وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» أن يؤتيكم كل النصيب مما اكتسبتم أم و زيادة، دون سؤال بلا سعي فيما له يُسعى، و لا سؤال عما لا يمكن أو لا يكون، أو لا يصلح لكم فإنكم لا تعلمون و «إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» فلا تعلِّموا اللَّه بكدكم و شدكم و جذركم و مدكم، بل «وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» كما أمر و كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سلوا اللَّه من فضله فان اللَّه يحب أن يُسأل. «3»
ومن ذلك التمني القاحل تمني النساء ما للرجال من خاصة الأحكام و تمني الرجال ما للنساء من خاصة «4» تدخُّلًا في التشريع بمختلف أحكامهما، فلكلٍّ دوره في و اجبه ليس للآخر كما للكل دور في الواجبات و المحرمات المشتركة.
(1) 17: 20
(2) راجع الفرقان 15: 122- 129 تجد تفصيل المعني من هذه الآيات
(3) الدر المنثور 2: 149- أخرج الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ..
(4)) المصدر أخرج جماعة عن أم سلمة انها قالت يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله «تغزو الرجال و لا نغزو و لا نقاتل فنستشهد و إنما لنا نصف الميراث فأنزل اللَّه الآية» و فيه عن ابن عباس قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه و آله فقالت يا نبي اللَّه «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و شهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة؟ فأنزل اللَّه «وَ لا تَتَمَنَّوْا ...» فإنه عدل مني و أنا صنعته
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 103
الميراث كاصل قرآني باختصار
ان الجاهلية الجهلاء كانت تمنع النساء و البنات و الصغار و الضعاف بوجه عام حقوقهم مما ترك الوالدان و الأقربون، اللّهم إلّا التافه القليل، ففرض اللَّه الميراث في كل قليل وجليل مما ترك الوالدان و الأقربون للرجال و النساء على سواء مهما اختلفت الأقدار حسب مختلف الأقدار و القرابات في ميزان اللَّه. «2»
فشِرعة القرآن تقرر أصل الميراث حقاً ثابتاً و فرضاً صامداً للأقربين نسباً و سبباً، حسب مراتبهم و أنصبتهم، المسرودة في التالية من آي الميراث، تطبيقاً للنظرية الإسلامية
(1) 4: 7- 10
(2) الدر المنثور 2: 122- أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات و لا الصغار الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت و ترك ابنتين و ابناً صغيراً فجاء ابنا عمه و هما عصبة فأخذا ميراثه كله فقالت إمرأته لهما تزوجا بهما و كان بهما دمامة فأبيا فأتت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقالت يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توفى أوس و ترك ابناً صغيراً و ابنتين فجاء ابنا عمه خالد و عرفطة فأخذا ميراثه فقلت لهما تزوجا ابنتيه فأبيا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما أدري ما أقول فنزلت «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ...» ثم نزل بعد ذلك: «يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ - إلى قوله- عَلِيماً» ثم نزل «يُوصِيكُمُ اللَّهُ - إلى قوله تعالى- وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ» فدعى الميراث فأعطى المرأة الثمن و قسم ما بقي للذرك مثل حظ الأنثيين.
وفيه أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أم كلثوم و ابنة كحلة أو أم كحلة و ثعلبة بن أوس و سويد و هم من الأنصار كان أحدهم زوجها و الآخر عم ولدها فقالت يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توفي زوجي و تركني و ابنته فلم نورث من ماله فقال عم و لدها يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لا تركب فرساً و لا تنكاً عدواً يكسب عليها و لا تكتسب، فنزلت «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ..»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 104
السامية في عامة التكافل بين أفراد الأسرة، المحلِّقة على الأحياء و الأموات، في الحياة وفي الممات، فكما على الوالدين و الأقربين كفالة الأسرة المحتاجة قدر الحاجة في حياتهم، كذلك اللَّه قرر في أموالهم فروضاً لهم حسب مراتبهم، إضافة إلى تبصرات لموارد الحاجات كالثلث الموصى به للأكثر حاجة أو غير الوارث لبعد القرابة أو فقدها، و كحضور القسمة لأولى القربى المحرومين و كذا اليتامى و المساكين: «فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً»
في ذلك التنظيم الإقتصادي العادل الحافل يجد كل ذي حاجة من الأقارب و سواهم حاجته مما تركه الميت في مثلث: الفرض، و الثلث و التبرع لمثلث الحاضرين عند حضور القسمة.
ذلك! رغم الكثير من اللغطات و الغلطات الدعائية الزور و الغرور ضد مبدء الإرث، المستطيرة من المتطاولين على شرعة اللَّه، الجاهلين بطبيعة الإنسان و حاجيته الفطرية والواقعية.
فقاعدة النظام الإسلامي هي التكافل في كافة حلقات الحياة، إبتداءً من الأسرة، قريبة وبعيدة، و إلى الجيران، و إلى الفقراء و المساكين، و الى المجموعة المسلمة ككل.
وإنها روابط فطرية ذاتية المصدر، غير مصطنعة في جيل دون جيل حتى تفترى على شرعة دون شرعة، أم على شرعة اللَّه ككل بأنها رأسمالية أماهيه؟.
وليس الجدال في جدية هذه الروابط الفطرية إلا مراءً، و قد جعلها القرآن- كأصل- حجر الأساس في بناء الهيكل الإسلامي، و الإرث مظهر من مظاهرها الباهرة، تأشيراً إلى مدى العمق العريق لذلك التكافل الذي يتخطى الحياة الى الممات.
ومن قضايا التكافل الجماعي أنه لم يلق العبءَ كله على عاتق الأجهزة الحكومية، وإنما تبنِّي الأسرة أساساً أولياً لذلك التكافل، ثم سائر الجماعة المسلمة و من ثم الدولة تتكفلان كل قصور او تقصير في الزاوية الأولى و هي الأسرة، تخطياً من قضية الفطرة في تكافل الأسرة إلى قضية القانون فيما بعد العسرة، حتى تصبح التكافلات بعد الأسرة يسرة غير عسرة حيث تبدأ من العسرة حتى تصبح التكافلات بعد الأسرة يسرة غير عسرة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 105
حيث تبدأ من قضية الفطرة، المتكاملة فيها و فيما بعدها بقوانين الشرعة التي تعمم ذلك التكافل.
فشعور الفرد بأن جهده سيعود بأثرة على المختصين به نسباً أو سبباً، إنه يحفزه إلى مضاعفة جهده ليحفظه في استمرارية كيانه و هي الأقربون.
وفي ذلك نتاج مباشر للأقربين، و آخر غير مباشر للجماعة المسلمة حيث الإسلام ليس ليقيم الفواصل بين الأفراد و الجماعات، فكل ما يملكه الأفراد هو بالنتيجة للجماعة وكل ما تملكه الجماعة هو للأفراد، فهو- إذاً- يتبنى الأصلين: أصالة الفرد و الجماعة والجماعة لصالح الأفراد!.
إن الوارث- أياً كان- هو امتداد للمورث في كيانه قضيةَ الفطرةِ الُمحبَّة للبقاء، فالذي يعترض على الارث أنه أكلٌ دون مقابل، هو معترض على امتداد كيان المورث، فلا أقل أنه هبة من المورِّث للذي يراه إمتداداً له بعد موته.
فهؤلاء الحماقى الذين يسمحون لأنفسهم أخذ المال وصرفه بغير الحلال، هنا لا يسمحون بما يوافق فطرة اللَّه و شرعة اللَّه!.
ولقد كان الميراث قبل نزول آياته هذه مقرراً بين المؤمنين بأخوة الإيمان كما كان بالقرابة، فلما قويت شوكة الإسلام و ضعفت الشائكة ضد الإسلام، انحصر الميراث بالأقربين: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً» «1» كما فصلناه في الأحزاب.
فقد نُسخ التوريث الجاهلي عن بكرته أولًا بميراث بين الإخوة في الإيمان و المهاجرة والنصرة الإيمانية، ثم نسخ مرة ثانية بنسخ هذا الميراث المشارك للأقربين باختصاصه بهم.
فإلى قاعدة رصينة متينة قرآنية في حقل التوريث لم تنسخ- و لن- الى يوم القيامة:
(1) 33: 6
(2) 4: 7
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 106
فآية «أُولُوا الْأَرْحامِ» و آيتا النصيب، و من ثم آيات الميراث، هدمت الإرث الجاهلي كما هدمت الإرث بالأخوة الإيمانية و حصرته في الأقربين بعد ما حسرته عمن سواهم «إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً» وصية في الثلث أم رزقا للحضور عند القسمة.
والترتيب الرتيب التصاعدي في إسلامية الإرث أنه كان في العهد المكي بالأخوة الإسلامية ترغيباً في التماسك بها و التزود منها حيث الجو شركي مطلق و مظلم مطبَق، فالميراث بالأخوة في تلك الظروف القاسية أحرى من الميراث بالقرابة الخليط بين المسلمين و الكفار.
ثم نسخت الأخوة المورثة منذ الهجرة إلى المدينة بالهجرة، بديلة هي أقوى من الأخوة الإيمانية دون هجرة، إذ كانت الهجرة بالإيمان عن الأموال و الأهلين صعبة ملتوية، و في نفس الوقت كانت ضرورة لتأسيس دولة الإسلام في المدينة، بأعضاد لها هم يحملون أخوة الإيمان و المهاجرة، ثم لما قويت شوكة الإسلام في المدينة و تمت هامة الهجرة فخطوة ثالثة في الميراث هي أصل الرحمية بصورة طليقة بديلة عن كلا الأخوة والمهاجرة مع التأشير إلى أن البعض من الأرحام أولى ببعض.
وقد تكفلت آية «أُولُوا الْأَرْحامِ» بيان هذه الخطوات الثلاث «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً»
ثم خطوة رابعة تكفلتها آية النصيب حيث حصرت الميراث في الأقرب، فلا تكفي- فقط- الرحمية، و عممت إلى الأقرباء سببياً كما الأقرباء نسبياً.
ومن ثم خطوة خامسة هي الأنصبة المفروضة كما تكفلتها آيات الفرائض المفصلة.
فلقد نرى كيف مسح القرآن غبار الزور و الغرور عن جبين الإنسانية الجهلاء في جاهلية الميراث ان ما يتركه الولدان و الأقربون من أموالهم إختزاناً لها و تجميداً ام اسرافاً