کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 175
ففي الأقربية الرحمية الأصل هو الاتصال إلى مبدءٍ صلباً و رحماً أو احدهما او اتصالهما اليهما او احدهما على سواء.
وانما خرج الزوجان عن هذه الضابطة بنص القرآن، فلا يقدم احدهما على قريب في الرحم ام بعيد.
وقاعدة الرد بعد الفريضة ثابتة للوارث اياً كان بسبب او نسب، فالأقرب كما يأخذ نصيبه المفروض كذلك يأخذ الباقي ان لم يكن و ارث آخر.
وليس للزوجين رد ما دام هناك و ارث من النسب، و انما الرد لهما فيما لا و ارث من النسب، مهما كان الوارث ذا فرضين كما الزوجين.
واذا و رث إثنان لكلٍّ فرض غير الزوجين فالرد مقسم بينهما بحساب نصيبه، وكل ذلك قضية الأولوية و الأقربية و الأحقية في الميراث، المستفادة كضابطة ثابتة من القرآن.
لقد لمحنا إلى هذه عند البحث عن آية الكلالة الأولى و أن هذه تخص كلالة الأبوين والأولى تعم كلالة الأب إلى الأم قضية آية «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ» فإن المنتسب بالأبوين أقرب وأولى من المنتسب بأحدهما، ثم المنتسب بالأب أو الأم هما سيان في قرب النسبة لو لم يقدم المنتسب بالأم.
قهنا «يَسْتَفْتُونَكَ» بحذف مورد الفتوى قد تتقيد بأنها في الكلالة قضية الجواب: «قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ» .
ولأن السؤال و الجواب من الكلالة ليس إلّا عمن بعد الطبقة الأولى التي هي الأصيلة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 176
غير الكليلة و لا الكلالة، و أن «لَهُ أُخْتٌ» تختص الوارث ب «أُخْتٌ» في طبقتها، بذلك كله نعرف أن هذا الميراث لا يعني إلّا عند فقدان الطبقة الأولى ولداً كما ذكر و والدين كما يفهم «1» اللّهم إلّا الزوجان فإنهما لا طبقة لهما خاصة، بل يرثان بصورة طليقة حسب الآية التي تبين ميراثهما.
ثم الظاهر من «أخت- هو- إخوة» ما لم تتقيد، أنهم الإخوة من الأبوين، ثم آية الكلالة الأولى تؤكد هذا الظاهر و تجعله نصاً في الإخوة من الأبوين، لمكان الفرق بين الفرضين، وآية اولوا الأرحام تقرر كضابطة أن الأقرب إلى المورث هو الأولى، فمن الأولوية مزيد الميراث كما هنا حيث يزيد على الميراث المقرر للكلالة في الآية الأولى.
ومنها أن في مجتمع الكلالة من أبوين و من أحدهما يختص الميراث بكامله بالأولين لمكان الأقربية و الأولوية، كما في مجتمع الكلالة من أب و الكلالة من أم يرثان مع بعضهما البعض، مهما كان لكلٍّ نصيب من ينتسب إليه.
وضابطة «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» كما هي ثابتة «فِي أَوْلادِكُمْ» كذلك في الكلالة من الأبوين، ثم في غير هذه الكلالة و الأولاد بحاجة إلى دليل آخر.
و «ولد» هنا كما في «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» تعم الأنثى إلى الذكر، فحتى إذا خص بالأنثى لا يعبر عنها ب «ولدة» فكيف يدعى أنه فقط الذكر.
ثم «ولد» كما تعني الولد دون و سيط كذلك الولد بوسيط أو و سطاء، فالأولاد ما نزلوا كما الآباء ما علوا هم من الطبقة الأولى مهما لم يرث البعيد ما كان القريب حيّاً.
فالأخت تأخذ النصف فرضاً إذا كانت و احدة و تأخذ الباقي رداً إن لم تكن هنا زوجة فإنها تأخذ الربع و الباقي يرد عليها، و فرض الواحدة لرعاية الزوج إن كان، و كذا إن لم يكن أجداد أو جدات.
ثم «وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» لم يحدد بالنصف لأن الأخ يرث كما ما يرثه فرضاً،
(1)) نور الثقلين 1: 579 في الكافي بسند متصل عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليهما السلام قال: إذا ترك الرجل أباه أو أمه أو ابنه أو ابنته إذا ترك و احداً من هؤلاء الأربعة فليس هم الذين عنى اللَّه في كتابه «قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ»
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 177
فإن كان للأخت زوج فله نصف ما تركت و الباقي للأخ، و إن لم يكن لها زوج و لا أجداد أو جدات فله المال كلّه لذلك «وَ هُوَ يَرِثُها» طليقة دون نصف أم سواه.
ثم «وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً» تعم الإثنين فما زاد كما أن «ما فوق اثنتين» في حقل البنات شملت الإثنتين فما فوقهما، و هنا «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» من المال كله إن لم يكن للمورث زوج أو زوجة أو جد أو جدة، و إلا فبقية ما ترك حيث الأزواج يرثون من الأصل.
وضابطة «حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» هنا ثابتة في عديد الكلالة المتخلفين و أما المتفقين فالثلثان للأختين و الأخوات فرضاً و الباقي- ان كان- رداً، و أما الأخوان أو الإخوة فلهم المال كله أمّا تبقى بعد زوج أو زوجة كما «وَ هُوَ يَرِثُها» .
والظاهر من ناصية الآية أنها تقسيم ميراث الإخوة و الأخوات إذا انحصر و ارثهم بأمثالهم، دون المشاركين الآخرين أزواجاً و جدوداً و جدات، و اذاً يستقيم التقسيم دون أي تقدير كالتالي:
لأخت و احدة النصف فرضاً و الباقي رداً، و لأخ و احد المال كله، و لأختين فصاعداً الثلثان بالسوية فرضاً و الباقي رداً، و للإخوة دون أخت أو أخوات المال كله بالسوية، ثم «وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» من المال كله.
وأما عند المشاركة مع الوارثين الآخرين في نفس الطبقة أو مع أحدهما فلكل نصيبه حسب ما فرض اللَّه.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 178
حول احكام الحكم و القضاء (1)
«عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» هي قرآن محمد و محمد القرآن، فانهما صنوان تحكمهما آية ربانية و احدة «وَ» الحال أنكم «كَذَّبْتُمْ بِهِ» بربي في بيِّنته، فإن تكذيب محمد البيِّنة وتكذيب القرآن البيِّنة، تكذيب للرب المرسِل، بيِّنة ببيّنة، أم كذبتم بأصل البيِّنة و هو القرآن، و الجمع أجمل كما هو أكمل، فلو كان القصد إلى «بَيِّنَةٍ» لكان صحيح الضمير «بها».
«ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» من آية عاجلة أم عذاب عاجل «إِنِ الْحُكْمُ» فيهما وسواهما من حكم رباني «إِلَّا لِلَّهِ» حيث «يَقُصُّ الْحَقَّ» إتْباعاً لأثره بعد قَصِّه عن الباطل وفصله «وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ» هنا بين الحق و الباطل، و هناك يوم الدين بين أهل الحق وأهل الباطل.
لفتة إلى الحكم و الحق:
والحكم الصالح هو الجمع الصالح بين الفصائل قلَّت أم كثُرت، من حَكَمة الدابة التي تربطها عن الإنزلاق و الإنحياق، و كذلك حكم اللَّه في التكوين و التشريع و في أي حقل من حقوله في الأولى و الأخرى حيث «لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .
وكما اللَّه هو الحاكم في التشريع ككل، كذلك هو الحاكم في الأقضية الخاصة بين المتخاصمين.
و «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» تحصر الحكم بين الخلق بأسره في اللَّه، و طليق «الْحُكْمُ» يعم مثلثه تكويناً و تشريعاً و شرعة في الحكم الزمني و الروحي و هما في الحق و احد، فإن شرعة اللَّه
(1) 6: 57
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 179
تحمل كل ألوان الحكم بين الخلق.
والحكم المتحلل عن حكم اللَّه ليس إلَّا حكم الجاهلية مهما كان دركات، كما أن حكم اللَّه فيمن يحمله درجات: «أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» «1» .
ومهما كان الحكم بزواياه الثلاث للَّه، و لكن الزاوية الثالثة: الشرعة- يحملها أهل اللَّه بحكم اللَّه: «أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ» «2» و هذا هو محيط الإستدعاء لمن يحق له: «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» «3» .
وليس تحكيم الرسل بإذنه إشراكاً في حكمه حتى ينافي: «وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً» «4» ، حيث الرسول الذي يحمل حكم اللَّه و يحكم بإذن اللَّه ليس مشاركاً للَّهفي حكمه إلَّا أن يستقل بعضاً مَّا في حكمه أو يستغل، و الحاكم بإذن اللَّه بعيد عن أي إستقلال أو إستغلال.
ثم الحق الذي يقصه اللَّه ليس إلَّا ما أحقه هو لا سواه، فالحق بالنسبة لمن سوى اللَّه هو ما و افق الحق لأنه ليس نفسَه، و هو للَّهليس إلَّا نفسه ذاتياً و فعله، فاللَّه ذاته حق وصفاته حق و أفعاله حق، و إرادته حق و علمه حق، فكلما و افق حقه فهو الحق، و كلما خالفه فهو الباطل، و هذا هو توحيد الحق.
ذلك! و لكنه ليس ليقص ذاته أو صفاته ذاته لخلقه، إنما يقص ما بالإمكان أن يعرفه الخلق أو يعلمه من فعله و مشيئته.
فليس «إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً» و ما أشبه، يعني إرسالًا بما يوافق الواقع المتحلل عن صفات اللَّه و أفعاله، بل هو الحق المرسل به من نفسه المقدسة كما يراه صالحاً، ف «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» «5» .
فأمثال قوله تعالى: «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» «6» لا تعني إلَّا الحكم بما عنده و كله حق، لا
(1) 5: 50
(2)) 6: 89
(3) 26: 83
(4)) 18: 26
(5) 2: 147
(6)) 21: 112
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 180
الحكم بما هو حق عندنا كواقع متحلِّل عن الخالق و الخلق.
ثم الحق منه مخلوق كحق التكوين و التشريع المتبنّيين. رحمانيته و رحيميته، و منه حق غير مخلوق كذاته القدسية وصفات ذاته، فكما الحق الخالق هو ذاته، كذلك الحق المخلوق ليس إلَّا منه و هو فعله.
فالحق كونياً هو ما و افق تكوينه، و الحق شرعياً هو الموافق تشريعه، و الحق إرادياً هو ما و افق إرادته، و كذلك سائر الحق إلى سائر ما له من الحق.
فاللَّه تعالى هو الحق و هو الحاكم بالحق و ليس محكوماً به و كأن الحق حقيقة خارجية متحللة عن كلا الخالق و المخلوق، فكما الخلق يحكمهم الحق كذلك اللَّه، و عوذاً باللَّه، ويْكأن الحق إله من دون اللَّه يتحكم على اللَّه كما يتحكم على خلقه.
ذلك، فلا علينا و لا لنا حين نتحرى عن الحق إلَّا التحري عن فعل الرب و مرضاته، لنُتابع في حياتنا و حيوياتنا حقَّه الطليق عن أي باطل.
ولأن الحق الطليق هو الحسن الطليق و سواه هو الباطل القبيح السحيق، إذاً فكل ما هو صادر عن الحق هو حق طليق إلَّا أن نمزجه نحن بباطلنا أو نحوِّله إلى باطل من عندنا.
وهذا لا يعني إمكانية الظلم و الباطل من اللَّه و أنهما منه حق لو حصلا، حيث الإمكانية الواقعية لهما بعيدة كل البعد عن ساحة مشيئته و مرضاته، فلا يفعل إلَّا صالحاً يناسب ساحة ربوبيته العادلة الكريمة.
فمن ينسب ظلماً إلى اللَّه، مبرراً إياه أنه بالنسبة له حق و عدل، إنما ينسب إليه المستحيل عليه بربوبيته، و إن لم يكن مستحيلًا عليه ذاتياً فلا يقدر عليه.
ولأنه حق في كلِّ أفعاله و حسنٌ فيها محسن، لذلك «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ» «1» «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ» «2» «وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ» «3» «فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» «4» و «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ
(1)) 21: 23
(2) 28: 70
(3) 13: 41
(4)) 10: 32
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 181
وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» «1» .
وفي رجعة أخرى إلى الحق نقول إنه إثنان: حق طليق يخص باللَّه تعالى شأنه، و حق غير طليق و هو لأهل الحق من خلقه شرعة و إيماناً، و لجميع خلقه تكويناً فإنهم كخلق اللَّه حق خُلقوا بحق: «ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ»
وهنا «يَقُصُّ الْحَقَّ» يعمهما، فهو يقص حق ذاته وصفاته و أفعاله و تشريعاته عمن سواه، كما يقصها عن باطل كلِّ المنسوب به إياه، و يقص رسله عن المدعين رسالته كذباً، وأحكامه عن سائر الأحكام المنسوبة إليه.
إذاً فقصُّ الحق يخصه دون سواه تكويناً و تشريعاً و شرعة، و ما الرسل إلَّا حملة شرعته دون تشريع أو تكوين.
ثم «يَقُصُّ» طليقةً عن ظرف ك «عن» و ما أشبه، تعم قَصَّ الحق في نفسه و قصَّه عما سواه، فله القصص الحق كأصل لا سواه.
حول الشهادة و الحكم 2
هذه شروط ثلاثة لواقع الإيمان: 1- «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» 2- «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ» 3- وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» .
فلأن قرار النفس هي مَقر الإيمان فليحكموك فيما شجر بينهم قضيةَ الإيمان بهذه الرسالة القدسية «ثُمَّ لا يَجِدُوا» مهما فتشوا «فِي أَنْفُسِهِمْ» و قلوبهم وكل خطرات أنفسهم «حَرَجاً» و ضيقاً «مِمَّا قَضَيْتَ» ثم «وَ يُسَلِّمُوا» لكل قضاءك و أمرك و نهيك «تَسْلِيماً»
(1) 13: 14