کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 324
حتى مات أيدافع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم و لكن لا يترك يبعث به و لكن يجاز (يجهز) عليه بالسيف». «1»
فالضارب بما يقتل عادة و هو يعلم قاتل عمداً و ان ادعى عدمه أو أنه لم يعلم، إلّا إذا ساعده ظاهر الأمر، ثم الضارب بما يقتل عادة لا بقصده قد لا يكون عامداً، اللّهم إلّا إذا لميعلم قصده فمحكوم بظاهر الأمر و قد تشمله الصحيحة.
ثم الخطأ المحض هو أن الضرب و القتل ليس عامداً، و أمثل أمثاله الضرب حالة النوم، ثم الضربة غير القاتلة القاصدة غير المقتول بها، فإنها خطأٌ محض دون ريب.
وشبه العمد هو الخليط من عمد و غير عمد، كمن يضرب بما يقتل عادة دون قصده، أو مع قصده غير المقتول مما لا دية فيه، أو يقصد القتل بالضربة غير القاتلة أماهيه، مما لا يتمحض فيها لا العمد و لا الخطأ، فهو عوان بين العمد المحض و الخطأ المحض.
والقدر المسلم من دية العمد ألف مثقال من الذهب كما في صحيحتي ابن الحجاج وابن سنان «2» على اختلافهما في سائر أقدارها، و هي- بطبيعة الحال- ألف مثقال حيث الدينار وقتئذٍ لم يكن إلّا قدره، و هذه دية ثابتة تقدَّر كل ما سواها بقدرها إلّا المنصوص كالدراهم و الآبال و الأبقار و الشياة «3» ، و الكل متقاربة الأقدار، و قد قدر الدينار بمثقال
(1) و نحوه خبر موسى بن بكير و غيرهما كما في التهذيب 2: 489 و الفقيه باب القود و مبلغ الدية تحت رقم 1 و باب ما يجب فيه الدية و نصف الدية فيها دون النفس تحت رقم 3
(2)) في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال سمعت ابن أبي ليلى يقول كانت الدية في الجاهلية مائة منالإبل فأقرها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثم انه فرض على أهل البقر مأتي بقرة و فرض على أهل الشاة ألف شاة ثنية و على أهل الذهب ألف دينار و على أهل الورق عشرة آلاف درهم و على أهل اليمن الحلل مائتي حلة، قال عبدالرحمن بن الحجاج فسألت أبا عبداللَّه عليه السلام عما روي عن ابن أبي ليلى فقال: كان علي عليه السلام يقول: «الدية ألف دينار و قيمة الدنانير عشرة آلاف درهم و على أهل الذهب ألف دينار و على أهل الورق عشرة آلاف درهم لأهل الأمصار و لأهل البواد الدية مائة من الإبل و لأهل السواد مائتا بقرة أو ألف شاة»
(3)) رواه الصدوق في المقنع إلى هنا و فيه «مائة حلة و في المختلف مائتي حلة» (الوسائل أبواب دياتالنفس ب 1 ح 1).
وصحيحة عبداللَّه بن سنان قال سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: من قتل مؤمناً قيد به إلّا أن يرضى أولياء المقتول بالدية فإن رضوا بالدية و أحب ذلك القاتل فالدية إثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار أو مائة من الإبل و إن كان في أرض فيها الدنانير فألف دينار و إن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل و إن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب اثنا عشر ألفاً (ح 9)
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 325
موثقه ابي بصير «1» و في التوراة تفصيل آخر حول القصاص. «2»
ولأن الذهب هي الثابتة الأصيلة في الأقدار المالية، فمن كان من أهلها فهيه، أو من غيرها من المنصوص عليها فكما هيه، و إلّا فقيمة ألف مثقال ذهب بالعُملة المعمولة في كل بلدة، و المعيار في قيمتها زمن وقوع الجريمة لا زمن الأداء، إلّا إذا كانت عمداً محضاً فزمن الإنتقال إلى الدية، و يرث الدية الورثة. إلّا القاتل إذ لا يرث من الدية، و تستأدى في
(1) قال فيها: دية المسلم عشرة آلاف درهم من الفضة أو ألف مثقال من الذهب
(2) في التورات: الخروج 21: «من ضرب إنساناً فمات يقتل قتلًا 12- و لكن الذي لم يتعمد بل أوقع اللَّه في يده فأنا أجعل لك مكاناً يهرب إليه 13- و إذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت 14- و من ضرب أباه أو أمه يقتل قتلًا 15- و من سرق إنساناً و باعه أو و جد في يده يقتل قتلًا 16- و من شتم أباه أو أمه يقتل قتلًا 17- .. و إن حصلت أذية تعطي نفساً بنفس 23- و عيناً بعين و سناً بسن و يداً بيد و رجلًا برجل 24- و كيان بكيٍّ و جرحاً بجرح و رضاً برضى 25- .. و إذا نطح ثور رجلًا أو امرأت فمات يرجم الثور و لا يؤكل لحمه و أما صاحب الثور فيكون بريئاً 28- و لكن إن كان ثوراً نطاحاً من قبل و قد أشهر على صاحبه و لم يضبطه فقتل رجلًا أو امرأت فالثور يرجم وصاحبه أيضاً يقتل 29- ان و ضعت عليه فدية يدافع فداءً نفسه كل ما يوضع عليه.
وفي الأعداد 35: «إن ضربه بأداة من حديد فمات فهو قاتل». إن القاتل يُقتل 16. و إن ضربه بحجر يد مما يقتل به فمات فهو قاتل. إن القاتل يقتل 17 أو ضربه بأداة يد من خشب مما يقتل به فمات فهو قاتل. إن القاتل يقتل 18- و لى الدم يقتل القاتل. حين يصادفه يقتله 19- و إن رفعه ببغضة أو ألقى عليه شيئاً يتعمد فمات 20- أو ضربه بيد بعداوة فمات فإنه يقتل الضارب لأنه قاتل. ولى الدم يقتل القاتل حين يصادفه 21- و لكن إذ دفعه بغتة بلا عداوة أو القى عليه أداةً قاتلًا تعمد 22- أو حجراً مّا مما يُقتل به بلا روّية. اسقطه عليه فمات و هو ليس عدواً له و لا طالباً أذيته 23- تقضي الجماعة بين القاتل و بين ولي الدم حسب هذه الأحكام 24 ...
فتكون لكم هذه فريضة حكم إلى أجيالكم في جمع مساكنكم 29- كل من قتل نفساً فعلى فم شهود يُقتل القاتل و شاهد و احد لا يشهد على نفس للموت 30- و لا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل انه يقتل 31- و لا تأخذوا فدية ليهرب إلى مدينة ملجئَة .. و عن الأرض لا يكفَّر لأجل الدم الذي سفك فيها إلا بدم سافِكه 34.
أقول: آية القصاص تنسخ آيات التورات تخصيصاً حيث التورات تطلق القتل بالقتل، ثم لا تسمح بالدية بديل القصاص في قتل العمد
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 326
سنة.
ودية الخطإ كما يقول اللَّه تعالى: «.. وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ..» «1» .
ثم «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» هنا في المائدة ضابطة عامة تختص بالمتكافئين كما في آية البقرة «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى ..» تخصيص التبيين أو النسخ لما كتب في التوراة، و مهما كانت المائدة آخر ما نزلت ناسخة غير منسوخة، فإنها هنا ناقلة ما كتب في التوراة و آية البقرة أصيلة قرآنية.
وترى كيف لا يقتل الحر بالعبد و لا الذكر بالأنثى و النفس الإنسانية على سواء في الحرمة، و لا ميزَّة و تفاضل إلَّا بالإيمان و التقوى؟.
القصاص هو الملاحقة و تتبع الأثر و في القتلى هو تتبع الدم بالدم أو الدية فهو- إذاً- أعم من الدية، أم أن كتب عليكم تعني على القاتلين، أو حكام الشرع، أو أولياء الدم، أو الجيمع ثم الإنتقال إلى الدية تخفيف إذا رضي أولياء الدم.
وآية البقرة: «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى» تبينِّ تكافؤ الدماء، فلا يقتل الذكر بالأنثى، و تقتل الأنثى بالذكر و أحرى، و لا يقتل الحر بالعبد بل يقتل العبد بالحر وأحرى، ذلك لأن قيمة الذكر أكثر من قيمة الأنثى كما الحر من العبد، و دية الدم لا يراعى فيها مراتب الإيمان، و إنما و زان الأثر الجماعي نوعياً.
(1) 4: 92
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 327
حول قتل النفس (3)
هنا «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ ..» تفريعاً على «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...» تصديق و تثبيت لهذه الأحكام التوراتية في الشرعة القرآنية، «2» إضافة إلى ضابطة الإستمرار لأحكام اللَّه ما لم تنسخ بالقرآن و لا نسخ لهذه الأحكام فيه بل و هنا و فيما أشبه تصديق لها.
أجل هناك بعض النسخ في آية البقرة لطليق «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» هو: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ» «3» .
فهي تنسخ آيتنا في كيف القصاص- دون كمه- في غير المماثل من «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولا تنسخها في أصل «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فهي محكمة «4» من هذه الجهة، ثابتة من حيث
(1) 5: 45
(2)) في التوراة الحاضرة الإصحاح الحادي و العشرين من سفر الخروج 12: «من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا 13- و لكن الذي لم يتعمد بل اوقع الله في يده فأنا أجعل لك مكانا يهرب إليه 23 ... و إن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس 24- و عينا بعين و سنا بسن و يدا بيد و رجلا برجل 25- و كيا بكي و جرحا بجرح و رضا برض».
وفي الإصحاح الرابع و العشرين من سفر الأويين 17- و «إذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل 18- و من أمات بهيمة فإنه يعوض عنها نفسا بنفس 19- و إذا أحدث إنسان في قرينه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به 20- كسر بكسر و عين بعين و سن بسن كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه»
(3) 5: 178
(4)) نور الثقلين 1: 636 في تهذيب الأحكام عن أحدهما عليهما السلام في الآية قال: هي محكمة
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 328
عديد القاتل و المقتول، و القول إن المائدة ناسخة غير منسوخة فكيف تنسخ آية «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ب «الْحُرُّ بِالْحُرِّ» مردود بأن آية المائدة تنقل حكمها عن شرعة التوراة و آية البقرة إنما نسخت الآية التوراتية المنقولة في المائدة فلم تكن المائدة هي المنسوخة، إنما هي الآية التوراتية حيث نُسخت في كمِّ القصاص بآية البقرة، و التفصيل راجع إلى البقرة كامضت. «1»
ذلك، و لأن «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» لم تنسخ إلَّا في غير المماثل عُدَّة- إذاً- فليست العِدة لتُنسخ، فالقتيل الواحد لا يُقتل به عِدة قاتلة لمكان «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و هنا «النفوس بالنفس»! فهو تعدٍ عن طور العِدَّة، و هو ظلم كما في آية الأسرى: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» «2» و قتل العديد بواحد إسراف في القتل، و القتل دون قتل أو فساد تبذير في القتل، و القتل المساوي المماثل عدل في القتل.
فالروايات المتعارضة بشأن جواز قتل العديد بواحد و عدمه معروضة على الآيتين المانعتين عن الجواز «3» مهما أدعي إجماع الطائفة على المخالفة للقرآن!.
(1) فما في الدر المنثور 3: 288 عن النبي صلى الله عليه و آله قال: من قتل عبده قتلناه و من جدعه جدعناه فراجعوه فقال: «قضى اللَّه أن النفس بالنفس» مردود بآية البقرة
(2)) 17: 33
(3) الموافقة للآيتين معتبرة أبي عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إذا اجتمع العدة على قتل رجل و احد حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من و احد إن اللَّه عز و جل يقول «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» (الكافي 7: 284 و التهذيب باب الإثنين إذا قتلا و احداً رقم 5 و الإستبصار 4: 282 و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام في عشرة اشتركوا في قتل رجل؟ قال: يتخير أهل المقتول فأيهم شاؤوا قتلوه و يرجع اولياءه على الباقين بتسعة اعشار الدية (الفقيه في حكم الرجل يقتل الرجلين رقم 3).
وتعارضهما معارضةً للآيتين صحيحة عبداللَّه بن مسكان عن أبي عبداللَّه عليه السلام في رجلين قتلا رجلًا؟ قال: إن أراد اولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة و قتلوهما و تكون الدية بين أولياء المقتولين و إن أرادوا قتل احدهما فقتلوه و أدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول و إن لم يؤدوا دية أحدهما و لم يقتل أحدهما قبل دية صاحبه من كليهما و إن قبل اولياءه الدية كانت عليهما. (التهذيب باب الإثنين إذا قتلا و احداً رقم 2 و الكافي 7: 283 رقم 2).
ورواية ابن يسار قلت لأبي جعفر عليهما السلام في عشرة قتلوا رجلًا فقال: إن شاء اولياءه قتلوهم جميعاً و غرموا تسع ديات و إن شاءوا تخيروا رجلًا فقتلوه و أدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كل رجل منهم قال: «ثم إن الوالي بعد يلي أدبهم و حسبهم. (الكافي 7: 283 رقم 2)
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 329
ذلك، و لا يجوز قتل و احد من القتلة أيضاً فضلًا عن الجميع، حيث الواحد ليس قاتلًا بصورة مستقلة، اللّهم إلّا أن تؤثر ضربتُه قتله و الآخرون سبقوه بضربات غير قاتلة، فالقاتل منهم يُقتل و الباقون يؤدبون و يدفعون دية الجروح و الكسور إن كانت، و بذلك تحمل الروآيات الآمرة بقتل و احد منهم، و لكن «أيهم شاؤا قتلوه» ليس ليقبل ذلك التأويل! أو يؤل إلى ضرباتٍ كلُّ و احدة منها قاتلة، كأن يرمي إليه جماعة فيضربونه ضربة و احدة، و لكنه على أية حال لا يلائم النفس بالنفس، و لأن كل رمية هنا ليست قاتلة بالفعل، و إنما هو القتل تقديرياً، و لا حد في تقدير القتل، و لا يعقل توارد أسباب مستقلة على مسبب و احد في سببية و احدة، اللّهم إلَّا بإشتراكها كسببية جزئية لكل و احد منها بسب المشاركة، فالسببية الفعلية لكل و احد غير تامة، و السببية الشأنية غير تامة، إذاً فليس كل و احد منهم قاتل نفس و احدة فكما لا قود في الكل، كذلك البعض على سواء، إنما الثابت هنا هو الدية المقتسمة بين المتشاركين في أصل القتل إضافة إلى تأديب كما يراه الحاكم.
ذلك، و لأن القتل المهندَس بشركة على سوية بالنسبة للمقتول غير و اقع أم قليل، ثم وفي فرض التسوية ليس كلٌّ قاتل نفس بتمامها، ثم تأثير ضربة و احد منهم كجزأ أخير يسبب القتل لا يحكم إلَّا بالقود منه، إذاً فلا مجال لقتل و احد منهم كما يختاره وليُّ الدم، فضلًا عن قتل الجميع بنفس الإختيار!.
وحسب النصوص الثلاثة القرآنية لا قود إلا «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و «فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» و «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و القود من عديد لواحد تخالف هذه النصوص، فنحن- إذاً- نكذب الإجماع المدعى على جواز قتل الجميع تصديقاً لكتاب اللَّه، فإن تصدقه تكذيب لكتاب اللَّه!.
ذلك، ف «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ضابطة عامة لا يستثنى منها إلَّا «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ ...» ليس إلّا،
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج16، ص: 330
وهكذا «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ» فالمشتركان في إصابة
عين أو أنف أو أذن أو سن، لا يقتصُّ منهما و لا من أحدهما.
ثم «وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ» على نفس النمط، قصاصاً كما جرح ضابطة عامة تشمل المذكورات و سواها، و لأن قطع العضو ليس- فقط- جرحاً فقد نص عليه، و قد يعرف- بأحرى- حكم قطع اليد و الرجل أن كلًا بمثله، و ذلك كله في القصاص المتعادل نفساً وأجزاءً، ثم الدية لمن رضي بها كما في آية البقرة: «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ ...» «1» و من ثم طليق العفو تصدقاً كما هنا «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» عما عليه من ذنب حيث الإنسان أيّاً كان لا يخلو اعن ذنب و عصيان «فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» عما كان، ثم المعصومون و من يحذو محذاهم، هم أحرى بذلك العفو، ثم «فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» فيهم كفارة لترفيع شؤونهم.
ذلك، و خير تفسير ل «الْجُرُوحَ قِصاصٌ» تحمله «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و إذ لا مماثلة بين الذكر و الأنثى في القيمة الجسمية، إذاً ف:
«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ...» تقتضي قتل المرأة بالرجل دون العكس.
ذلك، و هنا روايات تدل على رد التفاوت فيما زاد على الثلث لا فيما دونه «2» و لا
(1)) و كما في صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيما كان منجراحات الجسد أن فيه القصاص المجروح فيعطاها» (التهذيب باب القصاص رقم 42).
وفي الدر المنثور 3: 288- أخرج ابن مردويه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه و آله في قوله: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» قال الرجل تكسر سنُّه أو تقطع يده أو يقطع الشيء أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك فيحط عنه قدر خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه و إن كان الثلث فثلث خطاياه و إن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك» و فيه أخرج أحمد و الترمذي و ابن ماجة و ابن جرير عن أبي الدرداء قال كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه فقال معاوية إنا سنرضيه فالح الأنصاري فقال معاوية شأنك بصاحبك و أبو الدرداء جالس فقال أبو درداء سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: ما من مسلم يصاب بشيءٍ من جسده فيصدق به إلا رفعه اللَّه به درجة و حط عنه به خطيئة فقال الأنصاري فإني قد عفوت
(2)) منها صحيحة الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «جنايات الرجال و النساء سواء سن المرأةبسن الرجل و موضحة المرأة بموضحة الرجل و أصبع المرأة بأصبع الرجل حتى تبلغ الجراحات ثلاث الدية فإذا بلغت ثلاث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة» (الكافي 7: 298 رقم 2) و مثلها صحيحة الحلبي الثانية (كما في التهذيب باب القود بين الرجال و النساء رقم 21) و معتبرة ابن أبي يعفور كما في المصدر نفسه.