کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير الواضح

الجزء الأول

الإهداء مقدمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

سورة البقرة

سورة آل عمران مدنية

الإنفاق أيضا[سورة آل‏عمران(3): آية 92]

سورة النساء

سورة المائدة

سورة الأنعام

عاقبة الاختلاف و الجزاء على العمل‏[سورة الأنعام(6): الآيات 159 الى 160]

سورة الأعراف

سورة الأنفال

من فضل الله على الناس‏[سورة الأنفال(8): الآيات 38 الى 40]

سورة التوبة

نبذة تاريخية:
فهرست

الجزء الثاني

تتمة سورة التوبة

سورة يونس - عليه السلام -

خلاصة ما مضى‏[سورة يونس(10): الآيات 108 الى 109]

سورة هود

خاتمة السورة[سورة هود(11): الآيات 120 الى 123]

سورة يوسف عليه السلام

النفس أمارة بالسوء[سورة يوسف(12): آية 53]

سورة الرعد

سورة النحل

سورة الإسراء

سورة الكهف

سورة مريم

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة الحج

سورة المؤمنون

سورة النور

سورة الفرقان

من قبيح أعمالهم‏[سورة الفرقان(25): الآيات 41 الى 44]

سورة الشعراء

سورة النمل

خاتمة السورة[سورة النمل(27): الآيات 91 الى 93]

سورة القصص

فهرس

الجزء الثالث

سورة الأحزاب

سورة الصافات

سورة الزمر

سورة غافر

سورة فصلت

التفسير الواضح


صفحه قبل

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 201

[سورة البقرة (2): الآيات 285 الى 286]

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

المفردات:

وُسْعَها الوسع: ما تسعه قدرة الإنسان من غير حرج و لا عسر.

إِصْراً : حملا ثقيلا يشق علينا. الطاقة: مالا يدخل في مكنة الإنسان و طوقه، و ما يطاق هو ما يمكن أن يأتيه و لو بمشقة.

الربط:

بدأ اللّه السورة بالكلام على القرآن و المؤمنين و أراد- سبحانه و تعالى- أن يختمها بالكلام عليهم و يبين حالهم و دعاءهم.

المعنى:

صدّق الرسول و المؤمنون بالذي أنزل إليهم من ربهم خصوصا ما في هذه السورة الكريمة من الآيات و الأحكام. و ما ذكر عن الرسل الكرام.

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 202

كل آمن باللّه الواحد الأحد الفرد الصمد و ملائكته الكرام على أنهم السفرة البررة بين اللّه و بين رسله، قاموا بتبليغ ما أنزل على الأنبياء من كتبه- جل شأنه- و آمن الكل بالرسل الكرام، لا نفرق نحن المؤمنين بين رسله، إذ كل الأنبياء المرسلين سواء في الرسالة و التشريع لا يختلف واحد عن واحد باعتبار تقدمه في الزمن أو تأخره أو كثرة أتباعه أو قلتهم مع إيمانهم بأن اللّه فضل بعض الرسل على بعض (في غير الرسالة و التشريع) كما سبق في قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ‏ و هذه مزية أتباع محمد صلّى اللّه عليه و سلّم يؤمنون بكل الأنبياء لا يفرقون بين الأنبياء.

آمنوا بما ذكر و قالوا: سمعنا و أطعنا، أى: بلّغنا فسمعنا القول سماع وعى و قبول و أطعنا ما أمرنا به طاعة إذعان و انقياد معتقدين أن كل أمر و نهى إنما هو لخيرى الدنيا و الآخرة.

و يسألون اللّه- تعالى- أن يغفر لهم ما عساهم يقعون فيه فيعوقهم عن الرقى في مدارج الكمال و معارج الإيمان فهم يقولون: غفرانك ربنا و إليك المصير.

روى‏ أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل: «إن اللّه قد أحسن الثناء عليك و على أمتك فسل تعطه» فسأل إلى آخر السورة. «1»

لا يكلف اللّه أحدا فوق طاقته بل أقل من طاقته، و هذا من لطف اللّه بخلقه و رأفته بهم و إحسانه إليهم. و هذه الآية هي الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة- رضى اللّه عنهم- و الموضحة لقوله تعالى: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏ «2» أى: هو و إن حاسب و سأل و لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه و ما في وسعه.

لكل نفس ما كسبت من خير، و ما اكتسبت من شر فعليها وزرها، و يظهر لي- و اللّه أعلم- أن السر في التعبير في جانب الخير (كسبت) و في جانب الشر (اكتسبت) أن الخير لا يحتاج إلى عمل و جهد كثير و لا كذلك الشر فإنه يحتاج إلى تعمل و مخالفة للطبيعة.

علمنا اللّه هذا الدعاء لندعو به:

(1) أخرجه ابن جرير.

(2) سورة البقرة آية 284.

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 203

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، فتركنا ما ينبغي فعله أو فعلنا ما ينبغي تركه، و النسيان ينشأ من عدم العناية بالشي‏ء و الاهتمام به، و الخطأ ينشأ من التساهل و عدم الاحتياط.

و اللّه علمنا أن ندعوه ألا يؤاخذنا بالنسيان و الخطأ، و هذا يذكرنا بما ينبغي من العناية و الاحتياط و التفكير و التذكر لعلنا نسلم من الخطأ و النسيان، و إن وقع بعد ذلك منا شي‏ء غفره لنا،

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «رفع عن أمتى الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه». «1»

كانت الأمم السابقة لعنادهم و عتوهم تكاليفهم شاقة، فتوبتهم بقتل التائب، و إزالة النجاسة بقطع موضعها و هكذا.

فعلمنا اللّه أن ندعوه بألا يكلفنا بالأعمال الشاقة و الأعباء الثقيلة و إن أطقناها كما فعل مع الأمم السابقة فنبينا نبي الرحمة و شرعه السهل السمح‏ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏ . «2» ربنا و لا تحملنا ما لا قدرة لنا عليه من العقوبة و الفتن، و اعف عنا فيما بيننا و بينك مما تعلمه من تقصيرنا، و اغفر لنا فيما بيننا و بين عبادك فلا تطلعهم على عيوبنا و أعمالنا القبيحة، و ارحمنا بأن توفقنا حتى لا نقع في ذنب آخر،

روى مسلم عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: قال اللّه: نعم‏ «3» .

و

عن ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: قال اللّه: قد فعلت‏ «4» .

أنت يا رب متولى أمورنا و ناصرنا و عليك توكلنا و إليك أنبنا و لا حول و لا قوة إلا بك، فانصرنا على القوم الكافرين آمين يا رب.

(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق باب طلاق المكره و الناسي 2045.

(2) سورة الحج آية 78.

(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس 2/ 144.

(4) أخرجه مسلم في كتاب الايمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس 2/ 145.

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 204

سورة آل عمران مدنية

[سورة آل‏عمران (3): الآيات 1 الى 6]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)

إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)

المفردات:

الم‏ في معناها ما قيل في أول سورة البقرة، و تقرأ: ألف. لام. ميم كما تقول: واحد. اثنان:

الْكِتابَ‏ : القرآن. التَّوْراةَ : كلمة عبرانية معناها الشريعة، و تطلق عند أهل الكتاب على خمسة أسفار: سفر التكوين، و سفر الخروج، و سفر الأخبار، سفر العدد، سفر التثنية. أما في عرف القرآن فهي: ما أنزل اللّه- تعالى- من الوحى على موسى- عليه السلام- ليبلغه قومه و فيها البشارة بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم.

الْإِنْجِيلَ‏ : لفظ يوناني، و معناه البشارة، و يطلق عند النصارى على أربعة كتب تعرف بالأناجيل، و على ما يسمونه العهد الجديد، و الإنجيل الأربعة: كتب وجيزة في سيرة المسيح و شي‏ء من تاريخه و تعليمه و ليس لها سند متصل عند أهلها بل هم مختلفون في تاريخ كتابتها كثيرا، و أما الإنجيل في عرف القرآن: فهو ما أوحاه اللّه إلى رسوله عيسى ابن مريم و فيه البشارة بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم.

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 205

الْفُرْقانَ‏ : ما يفرق بين الحق و الباطل كالدلائل و البراهين، و قيل: العقل، و قيل: القرآن. الْأَرْحامِ‏ : جمع رحم، و هو مستودع الجنين من المرأة.

نزلت هذه الآيات في و قد نصارى نجران، كانوا ستين راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم و على رأسهم أميرهم و وزيرهم و حبرهم، و لما قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و عليهم الحبرات، تكلم منهم ثلاثة، فمرة قالوا: عيسى ابن مريم إله لأنه يحيى الموتى، و تارة هو ابن اللّه إذ لم يكن له أب، و تارة هو ثالث ثلاثة لقوله- تعالى- قلنا و فعلنا و لو كان واحدا لقال: قلت و فعلت، و حاجهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بما يدحض حجتهم و يزيل شبهتهم، و لكنهم عاندوا حتى طالبهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالمباهلة فامتنعوا، فأنزل اللّه من أول السورة إلى نيف و ثمانين آية منها تقريرا لما احتج به النبي و بيانا لعنادهم و جحودهم.

المعنى:

بدأ اللّه السورة بإثبات التوحيد الذي هو أساس الدين و لرد اعتقادهم من أول الأمر، اللّه لا معبود بحق في الوجود إلا هو؛ إذ ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية على النفوس يبعثها على تعظيمه و الخضوع له قهرا منها معتقدة أن بيده منح الخير و رفع الضر إلا اللّه وحده دون سواه، الحي الدائم الحياة التي لا أول لها، القيوم على خلقه بالتدبير و التصريف قامت به السموات و الأرض قبل خلق عيسى، فكيف تقوم قبل وجوده؟

إذا ليس إلها؛ نزل عليك يا محمد القرآن بالحق لا شك فيه، و لا ريب أنه من عند اللّه أنزله بعلمه و الملائكة يشهدون، و كفى باللّه شهيدا، مصدقا لما بين يديه من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله فهي تصدقه بما أخبرت به و بشرت و هو يصدقها لأنه جاء مطابقا لما أخبرت و بشرت.

و أنزل التوراة على موسى و الإنجيل على عيسى من قبل هداية للناس و إرشادا، فأنتم ترون أن اللّه أنزل الوحى و شرع الشرائع قبل وجود عيسى و بعده فلم يكن عيسى هو المنزل للكتب على الأنبياء، و إنما كان نبيّا مثلهم فكيف يكون إلها؟

و أنزل اللّه الفرقان و وهب العقل و الوجدان ليفرق الإنسان بين الحق و الباطل، و عيسى لم يكن واهب العقول و الأفهام.

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 206

فكيف يكون إلها و ليس فيه صفة مما تقدم؟ و أما أنتم أيها المجادلون بغير حق فتعقلوا و تدبروا فقد جاوزتم حدود العقل و المنطق.

إن الذين كفروا بآيات اللّه الواضحة التي تدل على كمال وصفه و سمو نعته بكل صفات الجمال و الجلال و الألوهية و الربوبية لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب بما كانوا يظلمون و منهم أنتم أيها المجادلون.

و كانوا يقولون عيسى إله لإخباره عن بعض المغيبات فيرد القرآن عليهم! إن الإله لا يخفى عليه شي‏ء في الأرض و لا في السماء أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ‏ و عيسى لم يكن كذلك.

و قالوا: عيسى ليس كغيره ولد من غير أب فهو إله ... فرد اللّه عليهم: ليست الولادة من غير أب دليلا على الألوهية إذ المخلوق عبد كيفما خلق، و إنما الإله هو الخالق الذي يصوّر في الأرحام كيف يشاء و عيسى لم يصور أحدا بل صوّر هو في رحم أمه كما يصور جميع الخلق، أ فيعقل أن يكون الذي صور في الرحم و خرج منه إلها ..؟ لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الوالد و الولد، العزيز الحكيم.

المحكم و المتشابه في القرآن [سورة آل‏عمران (3): الآيات 7 الى 9]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9)

التفسير الواضح، ج‏1، ص: 207

المفردات:

مُحْكَماتٌ‏ : ظاهرات الدلالة لا خلاف في معناها. مُتَشابِهاتٌ‏ يقال:

اشتبه الأمر عليه: التبس، فالمتشابهات التي لم يظهر معناها و يتضح بل خالف ظاهر اللفظ المعنى المراد، و قيل: ما استأثر اللّه بعلمه. زَيْغٌ‏ : ميل عن الحق. تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ‏ : معرفة حقيقية و بيان ما يؤول إليه في الواقع. الرَّاسِخُونَ‏ : الثابتون في العلم المتأكدون منه.

المعنى:

كان النصارى يستدلون ببعض آيات القرآن التي يفيد ظاهرها تميّز عيسى على غيره من البشر كقوله في شأن عيسى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ‏ [سورة النساء آية 171]، على أنه ثالث ثلاثة أو هو الإله أو ابنه ... إلخ فيرد اللّه عليهم: إن القرآن الذي أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم بعض آياته محكمات واضحات ظاهرات لا خلاف بين ظاهر اللفظ و المعنى المراد منها كقوله- تعالى- مثلا: وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏ [سورة الإسراء آية 23]. و كقوله في شأن عيسى: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ‏ [سورة الزخرف الآية 59] و كآيات الأحكام مثل: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏ [سورة الأنعام آية 151]، و هكذا المحكم كل ما لا يحتمل من التأويل المعتد به إلا وجها واحدا.

و هنّ- أى: المحكمات- أمّ الكتاب و عماده و معظمه و أصله الذي دعى الناس إليه و يمكنهم فهمه، و عنها يتفرع غيرها و يحمل عليها، و هي أكثر ما في القرآن. فإن اشتبه علينا من الآيات آية ردت إلى المحكم و حملت عليه، مثلا قوله تعالى: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ‏ [النساء 171] ترد و تحمل على قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ‏ [الزخرف 59] و قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ‏ [آل عمران 59] بمعنى أننا نؤمن بأن الكل من عند اللّه و أنه لا ينافي الأصل المحكم.

و أما الآيات المتشابهات كقوله- تعالى- في عيسى: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ‏ [النساء 171]. و كقوله: مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَ‏ [آل عمران 55] في شأن عيسى.

صفحه بعد