کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 5
(سورة فاتحة الكتاب)
مكيّة و آياتها سبع: و فاتحة الشيء اوّله فأن كل شيء قبل إظهاره مغطّى مستور مسدود فإبراز اوّله فتح له فلما افتتحت المصاحف بكتابتها سميت بالفاتحة و تسمى امّ الكتاب ايضا لان كلمة الأمّ تطلق على ما جمع الأصول الرئيسية للشيء و سورة الحمد كذلك في مضامينها من بيان صفات الربّ تعالى و كيفية اظهار العبودية الصادقة من العبد للمعبود و الدعاء بالهداية الى الطرق القويمة اصول رئيسية لكثير ممّا في القرآن المجيد من المضامين العالية كما تسمى السبع المثاني لأنها سبع آيات تثنى في كل صلاة.
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
اتفق الامامية على ان البسملة آية من سورة الحمد و من كل سورة و وافقهم على ذلك قرّاء مكّة و الكوفة و فقهاء هما و عليه الشافعى و أصحابه و قالوا قد أثبتها السلف في المصحف.
أمّا قرّاء المدينة و البصرة و الشام و فقهاءها فأنهم يرون ان التسمية ليست بآية من الفاتحة و لا من غيرها من السور و انما كتب للفصل و التبرك بالابتداء بها: و تخلقا بأخلاق اللّه قال النبىّ الأكرم كل امر خطير ذي بال لا يبدأ فيه بِسْمِ اللَّهِ فهو ابتر: و حرف الجر متعلق بفعل محذوف يدل عليه حال المتكلم و هو ابتدأ.
و الاسم من الكلمات المحذوفة الاعجاز كيد و دم و أصله سمو لان جمعه اسماء كقنو و اقناء و حنو و احناء و تصغيره سمى و اشتقاقه من السمو لان التسمية اشارة بذكر المسمى و قيل هو من السمة بمعنى العلامة: و اللَّهِ أصله الإلاه فحذفت الهمزة من اله حذفا من غير قياس
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 6
و عوّض عنها حرف التعريف و أدغمت اللام باللام و كلمة الإله من اسماء الأجناس كالجمل و الفرس و معناه المعبود بحق كان أم باطل ثم غلب على المعبود بالحق و بعد التعويض و الإدغام صار علما شخصيا لواجب الوجود: منشأ اشتقاقه قيل من الوله و هو التحيّر لان الأوهام تتحيّر في معرفة المعبود و تدهش و قيل انّه من قولهم الهت الى فلان بمعنى فزعت اليه و قيل من الهت اليه إذا سكنت اليه:
الى غير ذلك.
و الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : من صيغ المبالغة و اشتقاقهما من الرحمة قيل و في الرَّحْمنِ من المبالغة ما ليس في الرَّحِيمِ حتى يكون مجال للجمع بين الصيغتين و من أجل هذا التفاوت قالوا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا: و امّا التعليل لذلك بأن زيادة المبانى تدل على زيادة المعاني فلا عموم فيه فان من صيغ المبالغة (فعل) كحذر و هو اقلّ في المبانى من صيغه الفاعل فينبغي ان تكون صيغة المبالغة أقلّ معنى و هو خلاف الواقع: ثم البسملة في عالم العقائد معناها التفأل للغرض المقصود بمن بيده ازمة الأمور كلّها و هو واجب الوجود علة كلّ ما سواه و هذا الهدف و أن كان يؤمّن بلفظ الجلالة وحده حيث يقال بِسْمِ اللَّهِ و لازمه عدم الحاجة الى ضمّ ضميمة لكن المنظور بالتفأل هنا ليس هو وحده بل مشفوعا بالدعاء و الرجاء لإنجاز المقصد و الذي يلائم هذه النيّة هو ضمّ صفة الرحمة للرب تعالى فان الحاق هذه الصفة به دون سائر صفاته معناه حسن التوسل اليه تعالى و جلب توجهه الى عبده على الأخص بتثنية صفة الرَّحْمنِ بصفة الرَّحِيمِ المفيدة للتأكيد بالتكرير و على غرار الشرائع المقدسة التي جعلت شعارها الابتداء بِسْمِ اللَّهِ لكل مطلب تقوم به علما كان أم عملا مشى الباقون الذين لا يهمّهم من امر
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 7
اللّه ما يهمّهم من امر من يتملقون اليه فيقولون باسم فلان استحمارا له بالتنويه اللفظي به.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
و الْحَمْدُ و المدح اخوان فيقال فلان حمد فلانا لفصاحته حسن سجاياه و مدحه كما يقال حمده و مدحه لأنعامه عليه فموضوع الْحَمْدُ و المدح اعمّ من الشكر لأن الشكر لا يقال الا في مقابل نعمة و نقيض الْحَمْدُ الذّم و المدح الهجاء و الشكر الكفران و اداة المدح و الْحَمْدُ اللسان فقط و امّا الشكر فيكون بالقلب و اللسان و الجوارح و على هذا الحساب قال من قال:
أفادتكم النعماء منّى ثلاثة
يدي و لساني و الضمير المحجّبا
و الرّب و ان قيل على معاني كالسيد المطاع و المالك و الصاحب الا انه في الجميع بمعنى متقارب و هو صاحب الشيء المؤثر فيه و اطلاق الرب ينصرف الى اللّه سبحانه و متى اطلق على غيره وجب تقييده بالإضافة فيقال رب الدار و رب الماشية.
و العالم بصيغته المفتوحة اللام ليس من المشتقات إذ ليس فيها ما هو على هذه الزنة و هو يطلق على كلّ جنس ما سوى اللّه سبحانه فيقال عالم الأفلاك و عالم النبات و عالم الحيوان الى غير ذلك: و انما جمع ليفيد الأجناس كلها بالتنصيص.
و معنى الآية تحريك العبد بعد التفاته الى نفسه و الى ما يحيط به من العوالم و كيفية خلقها و تدبيرها الى ما يجب عليه من الثناء على الصانع و الإطراء على خالق هذه العوالم الناطقة بلسان خلقتها عن عظمة موجدها فوصف اللّه سبحانه بأنه رب العالمين كالعلة التي تساق
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 8
الى جنب المعلول.
فكأنه لمّا قيل الْحَمْدُ لِلَّهِ طلب من الحامد الداعي لذلك و السبب فيه فقال رَبِّ الْعالَمِينَ فان خلقه هذه العوالم على تفاوتها في عناصرها بما لا يأتى عليه مديد التوضيح و التشريح من أعظم الأدلة على عظمه الخالق عظمة يتطامن لها كلّ شيء إذ كلّ شيء عليه اثر الصنعة و موضوع الْحَمْدُ هنا جامع لجنبتى المدح و الشكر.
امّا المدح فلأن منتجا انتج الكون بما فيه يجب له من الإطراء و الثناء ما يتكافأ مع عظمته و جليل صنعته و امّا الشكر فلأن شتات موجودات هذا العالم متع عظيمة للإنسان يستطيع بشرط المحافظة على النظام و استخدام العقل في كيفية التمتع به ان يستفيد منها كل فائدة ترجع لمادته و معناه بما لا حدّ لهذه الاستفادة و ايّه نعمه اجلّ و أعلا من هذه النعمة التي لا يمكن استيفائها لأعظم مخلوق و مهما و اكبته المناسبات المؤاتية و في الآية اشعار قوى بوجوب حمد الحامدين لكلّ من فيه صلاحية موقّرة قام بواجبها تجاه الفرد او المجتمع و بلزوم الشكر للنعمة فأن الشكر دليل وفاء الإنسان لمن أنعم عليه و برّ به و الّا فاللّه تعالى في نفسه غنى عن الإطراء لتجاوزه حدود العظمة و في كل شيء من الأشياء اشارة اليه بلسان حال الشيء الذي اثر الصنعة عليه لائح و دليل الخلقة فيه واضح.
و سوق الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هنا من متممات العلة لوجوب حمده بأنه تعالى و أن خلق الأكوان كلها لصالح الإنسان الّا انه لم يحتكر خلقته على خلقه كما يفعل اهل الصنائع الذين يصنعون الصنعة لصالح حياة الإنسان لكنهم يحتكرونها و لا يبذلونها الّا بإزاء ثمن أما اللّه سبحانه
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 9
فقد بذلها لهم و جعلها تحت اختيارهم مجانا و بلا عوض رحمة بهم و تحننا عليهم فليس في ذكر الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هنا بعد ذكرهما في البسملة تكرار كما ظن.
فان قيل ان الذي يعمل الشيء لصالح غيره و لكن لا يبذله الّا بإزاء ثمن لا يقال له منعم حتى يشكر قلنا في اصل اختراع ما به رفع الحاجة للمحتاج اليه منّة و إذا بذل مجانا حصلت منّة اخرى و الباري سبحانه قام بالمنّتين و أولئك المشار إليهم جاءوا بمنّة واحدة يشكرون عليها بقدرها.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 10
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
المالكية علقة بين الموجود العاقل و ما له تمام الاختصاص به و كمال التصرف فيه و الدين هو الجزاء و منه قول الحماسى.
و لم يبق سوى العدوان
دنّا هم كما دانوا
اى جزينا هم بمثل ما فعلوه بنا: و اللّه الصانع لكل شيء مالك بحكم ابداعه إياه و صنعته له و من جملة ابداعه الزمان و المكان و ما يسببهما و يولّد هما فلم خصص مالكيته للزمان هنا ب يَوْمِ الدِّينِ و هو يوم القيامة و ظرف النشأة الثانية ذلك ليفيد تعالى ان الإنسان في حياته الظاهرية هذه قد يتجافى عن عقله و تدبراته الصحيحة فلا يلحظ الّا الأسباب القشرية فلا يرجو الّا المتمكن الغنى لأنه يرى ان الدرهم في قبضته و لا يخاف الّا النافذ القوى لأنه يشاهد السوط بيده يضرب به متى أراد ان يضرب و يكف عن الضرب متى قصد الكف و لا يرى للّه سبحانه خزانه خاصه حتى يستميح منها و لا سوطا ظاهرا حتى يهابه و على حساب هذه الظاهرة فسق من فسق عن امر اللّه و هم الكثيرون لأن الكثرة مع القشريين طبعا.
اما يوم القيامة حيث يجرّد اللّه سبحانه كل شيء عن لباسه للمحاكمة فلا يوجد غنى و لا نافذ و لا يبقى مع الإنسان الّا عمله فهناك يتجلى للمحشورين قاطبة عراؤهم عن كل شيء من المادة و حاجتهم الى غنى نافذ لم تعزله تفاوتات الظروف عن صلاحياته الملازمة له و لا يجدونه في غير اللّه سبحانه لذلك ترى أعين الجميع منوطة به و موصولة بعظمته و منتظرة لما يكون منه من إيصال رحمة او إيقاع نقمة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 11
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
ايّا ضمير نصب منفصل و الكاف حرف خطاب و العبادة اظهار العبودية امام المعبود بالعمل الموظف من الشرع او بما ينساق اليه الوجدان و الاستعانة طلب الإعانة و المساعدة و كان من مقتضى السياق ان يقال ايّاه نَعْبُدُ لكنه التفت من الغيبة الى الخطاب و الذي دعى الى هذا الالتفات بهذا التعبير هو ان الناطق لمّا عرف اللّه و وصفه بانه مالك كل ما في الكون و خالقه و انه وحده الذي يجازى على الخير و الشر إذ كل قدره مستمده من قدرته و كل ما سواه من هامد و متحرك و ناطق و صامت مخلوق له وجد ان مثل هذه الذات هو الذي يجوز ان يعبد و بما انه منعم على مخلوقاته بالانعام الجسام التي رصيدها الوجود وجبت له العبادة بعد ان جازت بأصل تصوّر حقيقته و لزم على الممكن المحتاج في ذاته ان يمدّ يد الاستجداء منه اليه.
و بعد ان كانت هذه الذات المتحدث عنها بأنها علة كلّ معلول و مصدر كل افاضه و ان كلّ ما سواها مستمد منها صادر عنها موضوع قضية سيقت من باب بيان حقيقة متأصلة جاءت هدف احكام أخر لان سياق التوصيف و التعريف اهّلها لأن تكون نقطة مواجهة و لائحة خطاب تفزع إليها الممكنات بأسرها و تواجهها بإبداء التضرع و اظهار الخضوع و إبراز الحاجة بعد ان عرفت منها ما لم تكن تعرف.