کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 8
الى جنب المعلول.
فكأنه لمّا قيل الْحَمْدُ لِلَّهِ طلب من الحامد الداعي لذلك و السبب فيه فقال رَبِّ الْعالَمِينَ فان خلقه هذه العوالم على تفاوتها في عناصرها بما لا يأتى عليه مديد التوضيح و التشريح من أعظم الأدلة على عظمه الخالق عظمة يتطامن لها كلّ شيء إذ كلّ شيء عليه اثر الصنعة و موضوع الْحَمْدُ هنا جامع لجنبتى المدح و الشكر.
امّا المدح فلأن منتجا انتج الكون بما فيه يجب له من الإطراء و الثناء ما يتكافأ مع عظمته و جليل صنعته و امّا الشكر فلأن شتات موجودات هذا العالم متع عظيمة للإنسان يستطيع بشرط المحافظة على النظام و استخدام العقل في كيفية التمتع به ان يستفيد منها كل فائدة ترجع لمادته و معناه بما لا حدّ لهذه الاستفادة و ايّه نعمه اجلّ و أعلا من هذه النعمة التي لا يمكن استيفائها لأعظم مخلوق و مهما و اكبته المناسبات المؤاتية و في الآية اشعار قوى بوجوب حمد الحامدين لكلّ من فيه صلاحية موقّرة قام بواجبها تجاه الفرد او المجتمع و بلزوم الشكر للنعمة فأن الشكر دليل وفاء الإنسان لمن أنعم عليه و برّ به و الّا فاللّه تعالى في نفسه غنى عن الإطراء لتجاوزه حدود العظمة و في كل شيء من الأشياء اشارة اليه بلسان حال الشيء الذي اثر الصنعة عليه لائح و دليل الخلقة فيه واضح.
و سوق الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هنا من متممات العلة لوجوب حمده بأنه تعالى و أن خلق الأكوان كلها لصالح الإنسان الّا انه لم يحتكر خلقته على خلقه كما يفعل اهل الصنائع الذين يصنعون الصنعة لصالح حياة الإنسان لكنهم يحتكرونها و لا يبذلونها الّا بإزاء ثمن أما اللّه سبحانه
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 9
فقد بذلها لهم و جعلها تحت اختيارهم مجانا و بلا عوض رحمة بهم و تحننا عليهم فليس في ذكر الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هنا بعد ذكرهما في البسملة تكرار كما ظن.
فان قيل ان الذي يعمل الشيء لصالح غيره و لكن لا يبذله الّا بإزاء ثمن لا يقال له منعم حتى يشكر قلنا في اصل اختراع ما به رفع الحاجة للمحتاج اليه منّة و إذا بذل مجانا حصلت منّة اخرى و الباري سبحانه قام بالمنّتين و أولئك المشار إليهم جاءوا بمنّة واحدة يشكرون عليها بقدرها.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 10
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
المالكية علقة بين الموجود العاقل و ما له تمام الاختصاص به و كمال التصرف فيه و الدين هو الجزاء و منه قول الحماسى.
و لم يبق سوى العدوان
دنّا هم كما دانوا
اى جزينا هم بمثل ما فعلوه بنا: و اللّه الصانع لكل شيء مالك بحكم ابداعه إياه و صنعته له و من جملة ابداعه الزمان و المكان و ما يسببهما و يولّد هما فلم خصص مالكيته للزمان هنا ب يَوْمِ الدِّينِ و هو يوم القيامة و ظرف النشأة الثانية ذلك ليفيد تعالى ان الإنسان في حياته الظاهرية هذه قد يتجافى عن عقله و تدبراته الصحيحة فلا يلحظ الّا الأسباب القشرية فلا يرجو الّا المتمكن الغنى لأنه يرى ان الدرهم في قبضته و لا يخاف الّا النافذ القوى لأنه يشاهد السوط بيده يضرب به متى أراد ان يضرب و يكف عن الضرب متى قصد الكف و لا يرى للّه سبحانه خزانه خاصه حتى يستميح منها و لا سوطا ظاهرا حتى يهابه و على حساب هذه الظاهرة فسق من فسق عن امر اللّه و هم الكثيرون لأن الكثرة مع القشريين طبعا.
اما يوم القيامة حيث يجرّد اللّه سبحانه كل شيء عن لباسه للمحاكمة فلا يوجد غنى و لا نافذ و لا يبقى مع الإنسان الّا عمله فهناك يتجلى للمحشورين قاطبة عراؤهم عن كل شيء من المادة و حاجتهم الى غنى نافذ لم تعزله تفاوتات الظروف عن صلاحياته الملازمة له و لا يجدونه في غير اللّه سبحانه لذلك ترى أعين الجميع منوطة به و موصولة بعظمته و منتظرة لما يكون منه من إيصال رحمة او إيقاع نقمة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 11
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
ايّا ضمير نصب منفصل و الكاف حرف خطاب و العبادة اظهار العبودية امام المعبود بالعمل الموظف من الشرع او بما ينساق اليه الوجدان و الاستعانة طلب الإعانة و المساعدة و كان من مقتضى السياق ان يقال ايّاه نَعْبُدُ لكنه التفت من الغيبة الى الخطاب و الذي دعى الى هذا الالتفات بهذا التعبير هو ان الناطق لمّا عرف اللّه و وصفه بانه مالك كل ما في الكون و خالقه و انه وحده الذي يجازى على الخير و الشر إذ كل قدره مستمده من قدرته و كل ما سواه من هامد و متحرك و ناطق و صامت مخلوق له وجد ان مثل هذه الذات هو الذي يجوز ان يعبد و بما انه منعم على مخلوقاته بالانعام الجسام التي رصيدها الوجود وجبت له العبادة بعد ان جازت بأصل تصوّر حقيقته و لزم على الممكن المحتاج في ذاته ان يمدّ يد الاستجداء منه اليه.
و بعد ان كانت هذه الذات المتحدث عنها بأنها علة كلّ معلول و مصدر كل افاضه و ان كلّ ما سواها مستمد منها صادر عنها موضوع قضية سيقت من باب بيان حقيقة متأصلة جاءت هدف احكام أخر لان سياق التوصيف و التعريف اهّلها لأن تكون نقطة مواجهة و لائحة خطاب تفزع إليها الممكنات بأسرها و تواجهها بإبداء التضرع و اظهار الخضوع و إبراز الحاجة بعد ان عرفت منها ما لم تكن تعرف.
و في الآية دليل عقلي واضح على حرمة الخضوع و اظهار العبودية لغير اللّه بأصل الخلقة و حرمة الاستعانة بغيره ايضا، نعم للعظماء المنعمين من عباد اللّه المحسنين حق من الخضوع الذي مآله للمرجع الأعلى و المبدأ الأجلى، و هكذا ترجع الاستعانة بأهل الايمان الى
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 12
الاستعانة باللّه سبحانه لأن المؤمن يرى نفسه هو و ما يملك لمولاه الذي خلقه و أعطاه فأن أعان إخاله في اللّه فقد أعانه بما أنعم اللّه به عليه و انه ليس في ذلك الّا واسطة إيصال لا اكثر.
و انما كررت كلمة إِيَّاكَ مع العبادة و الاستعانة فقيل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و لم يقل إِيَّاكَ نَعْبُدُ و نستعين لتثبيت النتيجة و تأكيدها كما يقال للمنعم المترسل المتفضل في انعامه الجزيل أنت الذي فعلت معى كذا و أنت الذي دفعت عنى كذا اعترافا بمنعميته و طردا لكل احد سواه عن ملابسه إصدار هذه النعم حتى لا تذهب بالأذهان احتمالات لا مقيل لها من الواقع و على هذا الأساس شرّع في اللغة باب التأكيد اللفظي حيث يقال جاءني زيد زيد و المعنوي حيث يقال جاءني زيد نفسه و للتثبيت و التأكيد المذكورين قدّم المفعول على الفعل فقيل ايّاك نعبد و لم يقل نعبد ايّاك لان التقديم مفيد للاختصاص بالفطرة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 13
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
الهداية الدلالة و الإرشاد و ابانة المطلب للجاهل به او الضّال عنه و الصِّراطَ هو الطريق الواضح المتسع الذي يقبل من سلكه و لا يضايقه من ضيقه و المستقيم المعتدل الذي لا اعوجاج فيه.
سورة الحمد كلها آيات مترتبة بالطبع و على مستواه جرى الوضع فكون اللّه تعالى مالكا لكل العوالم خالقا لها من لازمه ان يكون هو المتصرف بها المجازى للعاقل منها على ما يعمل من خير و شر و من لازمه ان يكون هو المعبود للمخلوق و المستعان به و من وظيفة العاقل المستعين بعد أن يجد مصدر الإعانة غير محدود القدرة ان يطلب منه أم الإعانات التي يستطيع ان يستولدها اولادا كثيرين يكون كل ولد منهم أبا لآخرين و يسرى هذا التوالد بما تتكون منه أسر لها اهمّيتها في الكثرات المادية و المعنوية و تلك الأمّ هي الهداية الى الطرق المنتجة فأن في اطار هذه الكلمة كل خير يفرض حتى ان صاحبها لمحدوديته لا يستطيع ان ينهى كل خيراتها و ثمراتها لخروجها عن العدّ و الحدّ ثم كشف الناطق كشفا توضيحيا عن معنى الصِّراطَ الذي طلب الانعام بالهداية اليه من المنعم المقتدر فقال.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 14
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
و انما قلنا ان هذا الكشف توضيحى لان الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ طريق الغارق في نعم اللّه الموصول بتوجه اللّه اليه و مثل هذا السالك لا يكون مغضوبا عليه و لا ضالًّا لأن غضب المولى انما يثيره انحراف العبد عن الجادة اللازمة السلوك و الضالّ لا استقامة له في طريقه.
و الداعي الى هذه الكشوف التوضيحية من العبد لمولاه الذي يعلم سرّه و مخزون ضميره إبداء العبد شعوره للجميع امّا امام المولى المطّلع فللتحدث بالمواهب التي آتاها لعبده و من أعظمها الشعور السالم و امّا امام من سوى ربّه فلإفادتهم انه عبد عاقل يمشى على ضوء شعوره فلا يطلب الّا الطلبة النفيسة الضامنة لسعادة الدارين و جلب توجههم الى ان يطلبوا من بارئهم نظير ما طلبه حتى يسعدوا بالهداية كما سعد هو بها.
و قد أشار الكتاب العزيز الى نصاب هؤلاء المنعم عليهم بقوله مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ .