کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 198
علمه فلمّا علم ان الحكم الشرعي فيها نسخ بالاستقبال الى الكعبة سكت لكن الظالم من الناس و المنظور به المهرّج الذي هدفه اثارة الغبرة فهو على كل حال لا يهدأ عنكم بلسانه لأنّ هدفه الوقيعة فيكم لكنه إذا وجدكم تصلّون الى القبلتين معا او تتركون الاستقبال الى الكعبة بالمرة بعد توجهكم إليها و تعودون لبيت المقدس مدّ لسانه بالوقيعة فيكم اكثر من اللازم لتوفّر الشبه لديه حينئذ عليكم اما إذا صمدتم و واصلتم استقبالكم للكعبة كما أمرتم قصر لسان هؤلاء عنكم و انا أكفيكم أمرهم فلا تخشوهم و اخشوني باطاعة امرى و متى استمررتم على هذا الحكم الناسخ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بتثبيتكم على ديني و انالتكم كلّ خير و لأنكم إذا تابعتم خطى المولى فعملتم بأحكامه المنسوخ في وقته و الناسخ في وقته كنتم من المهتدين لأنّ اللّه انما يريد تثبيت مصالحكم و لا هدف وراء ذلك عنده.
و حصيلة البحث ان المكلّف من وظيفته امتثال ما يقوله ربّه سواء وافق ذلك رغبة الناس أم لم يوافقها فان صديق الحقيقة لا يجوز ان يخاف لأنه غير خائن و لا يجوز للمؤمن ان يستوحش من انفراده و ان ثقل عليه ذلك فان أخلاء الميدان امام الجهلة متلف لكل احد حتى للجاهل نفسه.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 199
[سورة البقرة (2): آية 151]
الكاف التشبيهية هنا مفادها انّنى كما أتممت نعمتي عليكم و هديتكم الى جهة استقبالكم في صلواتكم أرسلت فيكم رسولا من عناصركم ليكون لكم فخرا و ذخرا فإنكم فيما سلف لكم كنتم تتكبرون عن اتباع الرسل يكونون من غيركم و هذا كان خطأ منكم لان مقام العلم و العالم بمعزل عن العنصريّات و لمّا تشرفت الأمم بأنبياء منها شرفتكم بإرسال أعظم رسول منى إليكم و الى الناس كافّة هو من عنصركم فأنتم أحق باتباعه و نصرته و الأخذ بشريعته و الاستماع لما يتلوه عليكم من آيات القرآن و التزكى بما يزكيكم به و التعلّم لعلوم الكتاب الذي انزل معه و بالآخرة تجدون منه معلّما للحقائق مبيّنا للدقائق لم تكونوا مسبوقين بمثله فأمسكوا عليه بكلتا يديكم و تمسّكوا به في كل اشيائكم.
و النعمة الواقعية هي نعمة التربية الصحيحة التي تنعدم فيها الرذائل و تحتشد الفضائل فانّ هذا الرصيد إذا حصل لذّت الحياة حتى بالحطام القليل و إذا لم يحصل ساءت حتى مع توفّر المادة فأن المادة وحدها سبب للتزاحم و الاعتراك و لا حياة مع التزاحم و الاعتراك و ان غفل عن هذا السرّ عوام الناس و اذناب البشرية فاللّه تعالى إذا عبّر عن الهداية بأنها نعمة فهو تعبير فلسفي صحيح و ان جهله الناس و رأوا ان النعمة معناها ما كانت قرينة جاه و مال و لم يجدوا ذلك متوفرا في اتباع الرسل بل وجدوه في الأعم الأغلب مقرونا بالانحراف عن الفضيلة و في ملابسة الرذيلة و لذلك انجرف أكثرهم الى هذه الطرق
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 200
و نبذوا تعاليم اللّه وراء ظهورهم.
[سورة البقرة (2): آية 152]
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ (152)
و معناه اذكروني ايها الناس بالطاعة أَذْكُرْكُمْ بالرحمة او اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة او اذكروني و أنتم احياء بالعبادة أَذْكُرْكُمْ و أنتم أموات قد تقطع بكم كل سبب بما يعود عليكم بالكرامة او اذكروني في الرخاء أَذْكُرْكُمْ في البلاء وَ اشْكُرُوا لِي نعمى الوافرة التي تفضلت بها عليكم من غير سابقة استحقاق وَ لا تجحدوا نعمى و تكفروا بها فأن ذلك من أرذل الأعمال امام مولى منعم متفضل و الفاء في قوله فَاذْكُرُونِي بمنزلة تفريع على الآية السابقة التي ابان فيها نعمة إرسال رسول إليهم هو منهم ليرفعهم من حضيض الجهالات الى ارفع أوج في الكمالات.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 201
[سورة البقرة (2): الآيات 153 الى 154]
مضى القول على الآية الأولى فانه سلف نظيرها و خلاصته انّه يلزم العاقل المؤمن ان يحبس نفسه عند الشدائد و المحن و لا يعطيها من يده فيجزع فان في الجزع ضررا على البدن اكثر من تضرره بالصبر و مقاومة النفس مضافا الى انه يوجب خفة في الإنسان و اثارة لشماتة الشامتين به و الاستعانة بالصلاة على هضم المشكلات و تذويبها تعبدي ورد الأثر به و كون اللّه مع الصابرين انه في عونهم و مساعدتهم و سبيل اللّه هو طريق خيراته و مبراتّه و ما يفضى الى رضاه و رضوانه.
و اصولا كل رغبة نفسية و لو كانت خيالا فان الإنسان يودّ تحقيقها و كل ألم و لو كان وهميا يريد طرده عن نفسه فإذا جمح عليه ذاك و هذا اثار في نفسه حرارة متوقدة فإذا حبس ذلك في باطنه كان كمن يغطّى الجمر بالرماد و لا شكّ انه يكون اقلّ حرارة و إذا أبداه الى الخارج و طاوع هيجانه كان كمن أشعل الجمر فتزيد شعلته و تتضاعف حرارته و اما الاستعانة بالصلاة فهي اشعار بما في أذكارها من قول المصلّى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الرامي الى انّ الاستعانة حتى لو كانت بغير اللّه إذا لم يقدرها اللّه لا تنجع و لا تنجح فالعبد من لازمه ان يستعين بربّه أولا و يعتقد ان استعانته بغيره استعانة بسبب من اسباب اللّه، و معنى كون اللّه مع الصابرين ان اللّه مع كل عبد تكون امتحاناته مثبتة و الصبر على البلاء نتيجة مثبتة للامتحان بالبلاء.
هذا و قد نهى اللّه قاطبة عباده ان يقولوا لمن يسفك دمه في
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 202
سبيل اللّه و تزهق روحه في هذا الطريق الشريف انه مات (لان الميت معناه الباطل الفاسد يقال تراب ميّت فيراد به انّه فاسد باطل لا يستفاد منه) بل هو حىّ بعدة عوامل (الاول) ذكره الحسن الذي يخلّده على حدّ ما قال ابن دريد:
و انما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنا لمن روى
و اى انسان أجدر ببقاء ذكره الحسن من انسان اعطى حياته المنقودة من يده احرازا لعظمه نفسه و حياة روحه في صالح الفضيلة و تركيزها بين الناس (الثاني) ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس بن ظبيان قال كنت عند ابى عبد اللّه عليه السّلام جالسا فقال ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قلت يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش فقال ابو عبد اللّه سبحان اللّه ان المؤمن أكرم على اللّه ان يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر يا يونس ان المؤمن إذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون و يشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصور التي كانوا عليها في الدنيا و هذه الرواية تشير الى القوالب المثالية الواردة في اخبار أخر كما يشير الوجه الثالث الى تجسّم الأعمال و ان الفضيلة تتجسم لصاحبها كالرذيلة (الثالث) ان بدن القتيل في سبيل اللّه و ان تلاشى الّا ان روحه حيّة باقية و انما فقدت بالقتل اتصالها بالبدن الذي كانت مدبرة له و الّا فهي تتنعم بعد الانفصال بالنعم الروحية و تلتذ باللذّات المعنوية و ان كان الأحياء في هذه الدنيا لا يشعرون بمتعتها و لذّتها كما قال سبحانه و لكن لا تشعرون.
و بالنتيجة ان الدماء التي سفكت من الأنبياء و الأوصياء و الأحرار الصلحاء و العلماء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر البانين
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 203
للفضيلة الهادمين للرذيلة هي التي حفظت هذه الكتلة الموجودة في العالم الفاضل التي بها يتمثل الإنسان و يراها عنوان شرف الانسانية و مجد البشرية.
و ليس المنظور بالقتل في الآية انه إزهاق الروح و لا غير بل كل شدة تتحمل في سبيل اللّه فان نتيجتها اثر مثبت و تقييد القتل بكونه في سبيل اللّه مشعر بان القتل الوارد على الإنسان لأنه تسلّق جدران الناس فقتل او انه قتل غيره فقتل به او انه آجر نفسه للحراسة مثلا فقتل او انه قتل عمدا او خطأ لا في طريق جهاد ليس مشمولا للآية و حياة المقتول في سبيل اللّه قائمة (1) بأثره الذي نجزّه بجهاده و (2) بذكره الحسن و (3) ببقاء روحه و (4) بتجسم أعماله في النشأتين.
[سورة البقرة (2): الآيات 155 الى 157]
ضمير الخطاب للناس كافة و ان كان المؤمن أوثق من غيره باللّه فيكون الاختبار به الصق ليصير مدعاة لأثابته اكثر ان سلّم امره الى اللّه كما هي شيمة المؤمنين و البلاء هو الاختبار كما أشرنا اليه و الْخَوْفِ هو اضطراب النفس من الحادثة تواجه بها و يقال الْجُوعِ في مقابل الشبع كما يقال الاعتدال لما بين النقص و الزيادة و الثمرة مال مخصوص و انما ذكر بعد الأموال لان للنفس فيه ميلا خاصا و نقص الأنفس فناؤها بالموت و البشارة اوّل خبر سارّ و الصبر حبس النفس على جزع
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 204
كامن.
امر اللّه نبيه ان يبشر الصابرين من عباده الذين إذا دهمتهم داهمة واجهوها بالترجيع بأننا نحن و جميع ما يمتّ إلينا ملك للّه فله ان يتصرف به كيف يشاء و المالك إذا كان حكيما كانت جميع تصرفاته في املاكه مأمونة من السفه و هل اكثر حكمة من اللّه احد فتصرّف اللّه اذن بالأحياء و الاماتة و النقص و الزيادة تصرف حكيم و ان لم ترضه النفس و أرادت غيره فان نفوس البشر في هواياتها كالأطفال في رغباتها و الطفل و ان كان اعزّ ما يكون على والديه العاقلين الّا انّهما يمنعانه من رغباته المضرّة به او التي تعقّم مستقبله.
و كما اننا ملك له راجعون اليه و قد وعدنا على لسان رسله ان يثيب المطيع منّا و يتفضّل عليه بما هو اهله- بما ذا يبشّرهم هذا النبي- بأن يقول لهم ان اللّه يثنى عليكم مادحا و يضيفكم برحمته منعما و انكم أنتم المهتدون بهدى اللّه المثقفون بتثقيف اللّه.
روى الصادق عن آبائه عن النبىّ (ص) انّه قال اربع من كنّ فيه كتبه اللّه من اهل الجنة من كانت عصمته شهادة ان لا اله الّا اللّه و من إذا أنعم اللّه عليه نعمة قال الحمد للّه و من إذا أصاب ذنبا قال استغفر اللّه و من إذا اصابته مصيبة قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .