کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 1
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
مدنية و آيها خمس و سبعون آية (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنفال (8): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْأَنْفالِ جمع نفل و هو في اصل اللغة الزيادة عن الحق اللازم الأداء و أطلقت الأنفال في الشرع و خصوصا عند الخاصّة على كلّ ما يؤخذ من دار الحرب بغير قتال و كل ارض انجلى عنها أهلها كذلك و قطائع الملوك و صفاياهم إذا لم تكن مغصوبة معلومة الغصبية و الآجام و بطون الأودية و رؤس الجبال و الأرض الموات و غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب الفقه بتفصيل فهذه الأشياء للّه بالأصالة و لمن ينصبه لإدارة البشرية من رسول و امام يعدّلان بها و بعوائدها مجاري المجتمع حسبما تستدعيه المصالح القائمة في أوقاتها.
ان تقسيم الغنائم مشروعة أم غير مشروعة بين المغتنمين كان من الأمور المتداولة بين الناس و لذلك لم تكن محطّة للسؤال فلما كانت وقعة بدر وهى اوّل وقعة اسلامية و حصل فيها انتصار للمسلمين على المشركين و توفرت فيها المغانم وقع اختلاف بين المسلمين في بعض ما حصل لهم في هذه الحروب إذا فالمسؤل عنه هو ما زاد عن القدر المتيقن قسمته بين الغزاة.
و الآية لم تتعرض لهويّات الزوائد و انها ما هي و ما هو ملاكها
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 2
لكن السّنة الاسلامية شخّصت ذلك على اختلاف وقع بين الفقهاء و انما أغمضت الآية عن تفصيله اتكالا على تعليم اللّه لنبيّه ما هي وظيفته في هذا المجال كأكثر النقاط الفقهية التي أحيل تفصيلها اليه (ص) كأحكام الصلاة و غيرها فان الكتاب انّما تعرض لمجملاتها و لم يتحدث عن تفاصيلها لأنّ في اشباعها البحث طولا يخرج بالقرآن عن كونه مجموعة تتعرض لكل شيء بوجازة ليتمكن قارئه ان يستملّه بسرعة و ان يحيط بمضامينه اجمالا و لو أنّه بسط معارفه الكونيّة و التشريعية بسطا يقوم بجميع جنبات الموضوع لاحتاج حجمه حدّ الأقل الى مائة مجلد و في ذلك خروج عن حدود ما أريد به و ما يجب ان يراد.
فاتقوا اللّه ايّها المسلمون و لا تتنازعوا على حطام لا وزن له و احيلوا ذلك الى اللّه و الرسول اللذين هما انزه من يتصور في النزاهة و الطهارة و الصفاء و أصلحوا ذات بينكم ممّا حصل لكم من التنازع حول الأنفال و انها لكم او لغيركم و أطيعوا اللّه و رسوله فيما يأمران به و ينهيان عنه ان كنتم مؤمنين باللّه اوّلا و برسله ثانيا.
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 3
[سورة الأنفال (8): الآيات 2 الى 4]
سبق في الآية السالفة أن قال إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و في هذه الآيات فصّل صفات المؤمنين فقال من علامة المؤمن باللّه ايمانا صادقا قائما على معرفة بذاته و صفاته جهد مقدور المعرفة انّه إذا ذكر اللّه عنده خشع قلبه هيبة له و إذا تليت عليهم آياته السماوية زادتهم بصيرة به و برسله فان معارف الإنسان كلّما تقدمت تضخّم إيمانه و جرّت بهم الى الطمأنينة به اكثر حتى دعتهم الى ان يتكلّموا عليه لا على معرفتهم و قابليتهم و لياقتهم و لباقتهم و من صفات المؤمن إقامته للصلاة شكرا للمنعم على ما أنعم و انفاقهم في سبيله تدليلا على وفائهم له فان الإنفاق في سبيله بمنزلة فعل الإحسان امام المحسن فان استجمع العبد هذه الصفات الحميدة كان هو المؤمن حقا يعنى ان اسمه يقع على مسمّاه واقعا لا بالادعاء المجرد: له درجات يعنى مقامات مرتفعة عند ربه و مغفرة لما يمكن ان يبدر منه أحيانا بدون توجّه منه و رزق كريم اى محترم فان الرزق منه طفيف قد لا يعتدّ به و شريف يأخذ بالعين.
و ختاما فقد ذكرت الآية للمؤمن علامات (و ان المراد بالمؤمن في لسان اهل المعرفة غير المراد به في السنة العوام و هو الذي يلوك كلمة اللّه مقتصرا على اللفظ فقط فكذّب لسان اهل المعرفة بما عليه غيرهم بأنّ من يلوك كلمة اللّه و يدخل في غمار المؤمنين يقال له مسلم
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 4
بمعنى انه متظاهر بالإسلام لا انّه مؤمن به) فان الايمان كما اشعرنا له علامات:
(1) انه إذا ذكر لديه اللّه و هو رمز كل الفضائل هابه كما يهاب العوام اهل السيطرة و القدرة لقيمته و ان فرض انّه لا يرجوه و لا يخشاه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك فإذا هاب المؤمن اللّه هيبة ايمانية مشى على سننه و حدّ الأقلّ منها اماطة الأذى عن طريق عباده.
(2) و انه إذا تليت عليه آياته و عظاته أوامره و نواهيه وسّعت إيمانه و أكّدته لأنه يفهم من القضايا الحقيقية معنى ليس في ذائقة غيره أولئك الذين يصدقون حيث لا دواعي الى الكذب و امّا إذا كان هناك داع له و لو منزورا لم يعر الصّدق لحظة عين و امّا المؤمن فانه يصدق على كل حال لأنه لا يحبّ ان يكذب عليه فمن لازمه حينئذ ان لا يكذب على غيره.
(3) و منها التوكل على اللّه بمعنى انه يقدم على القضايا من مقدماتها الصحيحة دون غيرها لما علمته التجارب من ان الغيب له حكومة قهّارة لا تنجع معها الأسباب و لا اتخاذها.
(4) اقامة الصلاة و انما أكّدها اللّه على المؤمنين به بحيث جعلها في أطراف الليل و النهار خمس مرّات و في الركعتين الأوليين منها لم يكتف الّا بسورة الفاتحة لأنّ المصلّي يقول في خلال ساعات ليله و نهاره عشر مرّات اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ و الصراط المستقيم هو طريق الفضائل و اهل الفضيلة هم الذين أنعم عليهم و اهل الرذيلة هم المغضوب عليهم فالمصلّى العارف بلفظ صلاته الملتفت الى مؤداها دائما متوجه
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 5
الى الفعل الحق مجانب لفعل الباطل ان كان مؤمنا.
(5) الانفاق ممّا رزقه اللّه و من للتبعيض يعنى من بعض ما اعطاك بحيث لا يضرّ بحالك و لا بمالك و يستفيد به الغير يرفع مؤنته او يقلّل به من ويلات الحياة عليه و الإنسان الذي ينحاز بماله عن كل من سواه ليس بمؤمن و لا بإنسان أصلا بل حكمه حكم الكلب الذي يطرد الكلاب كلها عن مطعوم يسعه و يسع مئات من أمثاله: ثم عقّب سبحانه هذه العلامات بأن من تلبس بها كان هو المؤمن حقا يعنى كان اسمه على مسمّاه و الّا كان لفظا عاريا لا قيمة له أصلا.
بالنتيجة تعطى الآية ان المؤمن الواقعي هو الإنسان الواقعي فان كل آدمىّ تربع مفهوم الإنسان واقعا في كيانه كان مؤمنا بالإيمان الذي سردته الآية إذا فالإيمان ليس فيه مؤنة اكثر من ان يكون الآدمي معه إنسانا و من ذلك يعلم ان هؤلاء الذين يقومون و يقعدون و ورد ألسنتهم حقوق الإنسان لا بل حماية الحيوان من أعظم كذبه العالم و انهم هم الذين يخلقون للإنسان في كل حين ما يبيده و يهلكه فضلا عن تلاعبهم بحيثياته و كراماته و مادّياته ايضا و هذا منهم بطبيعة الحال وفق لمعتقدهم انهم حيوانات و امّا تلك التظاهرات فمحاولات فاشلة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 6
[سورة الأنفال (8): الآيات 5 الى 8]
الكاف التشبيهية في كما اخرجك ترتبط بما سلف من مجادلتهم في الأنفال انّها لمن هي بتقدير ان أصحابك يا نبىّ الإسلام تجادلوا في الأنفال حتى حصلت بينهم مشادّة كما تجادلوا في خروجك الى بدر و معنى اخرجك ربّك أمرك و بالخروج من بيتك الذي هو كناية عن المدينة و كان خروجك من المدينة الى بدر حقا اى ثابتا واقعيّا من ربّك لا بسائق الميل و الرغبة و ان فريقا من المؤمنين بك كانوا كارهين لهذا الخروج حفظا على السلامة و إبقاء على الراحة و كراهة لأيّ تموّج يكون و الحفظ على السلامة و الإبقاء على الراحة و كراهة تموج الوضع امور عقلائية إذا لم يدفعها عن مقامها ما هو أقوى منها و الذي هو أقوى في هذا المجال الانتصار للحق في ظلال مقررات الشرع و الإطاحة بالباطل الذي كان عليه المشركون من هنات لا تعدّ و لا تحصى حتى استرذلت الحياة بسببها فكانت واقعة بدر فاتحة خير لدكّها: يجادلك يا نبىّ الإسلام قومك في امر يرونه منك بسائق رغبة فردية و هو مناوشتك لقريش اولى المال و السمعة و الجاه و الشرف العنصرىّ و هم لو راجعوا ايمانهم
التفسير لكتاب الله المنير، ج4، ص: 7
بك لصدّهم عن هذه العقيدة لأنّهم لم يؤمنوا بك حتى ثبت عندهم انك مرسل من اللّه و ان كل خطوة تخطوها هي بنظام منه و وحى صادر عنه فكيف مع هذه العقيدة يجادلونك في الخروج الى ما تريد من وجه: و تبيّن الحقّ هو ما ذكرناه من عقيدتهم برسالتك و عن هذا البيان آمنوا بك فكيف يتلكئون عليك اليوم لقد كان فريق من هؤلاء كارها لمناجزة قريش و انساق معك الى هذه الجهة و لكنه كالمسوق الى الموت الذي يراه بانتظاره.