کتابخانه تفاسیر
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 387
و الكسائي، نحو: «إن يقم زيد عمرا تضرب»، فإن كان الاسم مرفوعا، نحو: «إن تقم زيد يقم» جاز ذلك عند سيبويه «1» على أنه مرفوع بفعل مقدر يفسره الظاهر بعده، أي: «إن تقم يقم زيد يقم» و منع من ذلك الفراء و شيخه.
و في الرد نظر، لأنه قد ثبت ذلك كقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ الآية، لأن اليتيم و ما بعده منصوبات بما بعد فاء الجواب، و الثاني: أنه في موضع الحال من فاعل «تُعْرِضَنَّ» . قوله: مِنْ رَبِّكَ يجوز أن يكون صفة ل «رَحْمَةٍ» ، و أن يكون متعلقا ب «تَرْجُوها» ، أي: ترجوها من جهة ربك على المجاز. قوله: تَرْجُوها يجوز أن يكون حالا من فاعل «تُعْرِضَنَّ» و أن يكون صفة ل «رَحْمَةٍ» .
قوله:
نصب على المصدر لإضافتها إليه، و «فَتَقْعُدَ» نصب على جواب النهي و «مَلُوماً» ، إما حال، و إما خبر كما تقدم.
[سورة الإسراء (17): الآيات 31 الى 36]
قوله:
قرأ ابن ذكوان «خطأ» بفتح الخاء و الطاء من غير مد، و ابن كثير بكسر الخاء و المد، و يلزم منه فتح الطاء، و الباقون بالكسر و سكون الطاء، فأما قراءة ابن ذكوان فخرجها الزجاج على وجهين:
أحدهما: أن يكون اسم مصدر من: أخطأ، يخطىء، خطأ، أي: إخطاء إذا لم يصب.
و الثاني: أن يكون خطىء يخطأ خطأ، إذا لم يصب أيضا، و أنشد:
3086-
و النّاس يلحون الأمير إذا هم
خطئوا الصّواب و لا يلام المرشد «2»
و المعنى على هذين الوجهين: إنّ قتلهم كان غير صواب، و استبعد قوم هذه القراءة، قالوا: لأن الخطأ ما لم يتعمد فلا يصح معناه هنا، قلت: و خفي عنهم أن يكون بمعنى أخطأ أو أنه يقال: خطىء إذا لم يصب، و أما قراءة ابن
(1) انظر الكتاب (3/ 113).
(2) البيت للبيد بن ربيعة انظر ملحقات ديوانه (233)، المحتسب (2/ 20)، اللسان «أمر».
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 388
كثير فهي مصدر: خاطأ يخاطىء خطاء، و لكن وجدنا تخاطأ، و هو مطاوع خاطأ، فسدّ لنا عليه، و منه قول الشاعر:
3087-
تخاطأت النّبل أحشاءه
و أخّر يومي فلم يعجل «1»
و قول الآخر:
3088-
تخاطأه القنّاص حتّى وجدته
و خرطومه في منقع الماء راسب «2»
فكأن هؤلاء الذين قتلوا أولادهم يخاطئون الحق و العدل. و قد طعن قوم على هذه القراءة حتى قال أبو جعفر: لا أعرف لهذه القراءة وجها، و ذلك جعلها أبو حاتم غلطا. قلت: قد عرفه غيرهما و للّه الحمد. و أما قراءة الباقين فهي جيدة واضحة، لأنها من قولهم: خطىء، يخطأ، خطأ، ك «أثم، إثما»، إذا تعمّد الكذب. و قرأ الحسن «خطاء» بفتح الخاء و المد، و هو اسم مصدر، أخطأ، كالعطاء اسم للإعطاء، و قرأ أيضا «خطا» بالقصر، و أصله: خطأ كقراءة ابن ذكوان، إلّا أنه سهّل الهمزة بإبدالها ألفا، فحذفت ك «عصا و رحا»، و أبو رجاء و الزهري كذلك، إلّا أنهما كسرا الخاء، ك «زنى»، و كلاهما من خطأ في الدّين، و أخطأ في الرّأي، و قد يقام كل منهما مقام الآخر، و قرأ ابن عامر في رواية: «خطئا» بالفتح و السكون و الهمز مصدر خطىء بالكسر.
قوله:
العامة على قصره، و هي اللغة الفاشية، و قرىء بالمدّ، و فيه و جهان:
أحدهما: أنه لغة في المقصور.
و الثاني: أنه مصدر: زانى، يزاني، ك «قاتل»، يقاتل، قتالا، لأنه يكون من اثنين، و على المدّ قول الفرزدق:
3089-
أبا خالد من يزن يعرف زناؤه
و من يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا «3»
و قال الآخر:
3090-
كانت فريضة ما تقول كما
كان الزّناء فريضة الرّجم «4»
و ليس ذلك من باب الضرورة، لثبوته قراءة في الجملة. قوله: وَ ساءَ سَبِيلًا، تقدم نظيره. قال ابن عطية:
«و سبيلا نصب على التمييز، أي: و ساء سبيلا سبيله». و ردّ الشيخ هذا، فإن قوله منصوب على التمييز، يقتضي أن يكون الفاعل ضميرا مفسّرا بما بعده من التمييز، تقديره: ساء سبيله سبيلا، لأنه ليس بمضمن لاسم الجنس.
(1) البيت لأوفى المازني انظر مجاز القرآن (2/ 5)، البحر (6/ 32)، القرطبي (10/ 253)، اللسان «خطا».
(2) البيت من شواهد البحر (6/ 32)، القرطبي (10/ 253)، روح المعاني (15/ 67).
(3) انظر البيت في البحر (6/ 33)، مجاز القرآن (1/ 377)، الصحاح زنى و اللسان كذلك الجمهرة (3/ 255).
(4) البيت للنابغة الجعدي انظر اللسان «زنى» معاني الفراء (1/ 99)، أمالي المرتضى (1/ 216)، تأويل المشكل (199)، الإنصاف (1/ 373)، مجاز القرآن (1/ 377)، الخزانة (9/ 203)، البحر المحيط (6/ 33).
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 389
أي: بسبب الحق، فيتعلق ب «لا تَقْتُلُوا» ، و يجوز أن يكون حالا من فاعل «لا تَقْتُلُوا» أو من مفعوله، أي: لا تقتلوا إلّا ملتبسين بالحق، أو ملتبسة بالحق، و يجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف، أي: إلّا قتلا ملتبسا بالحق.
قوله: مَظْلُوماً حال من مرفوع «قُتِلَ» . قوله: فَلا يُسْرِفْ الأخوان بالخطاب على إرادة الولي، و كان الولي يقتل الجماعة بالواحد، أو السلطان. رجع لمخاطبته بعد أن أتى به عاما. و الباقون بالغيبة، و هي تحتمل ما تقدم في الخطاب، و قرأ أبو مسلم برفع الفعل على أنه خبر في معنى النهي، كقوله: «فَلا رَفَثَ» ، و قيل: «فِي» بمعنى الباء، أي: بسبب القتل قوله: إِنَّهُ كانَ أي: إنّ الولي أو السلطان، أو إنّ القاتل، أي: أنه إذا عوقب في الدنيا نصر في الآخرة، أو إلى المقتول، أو إلى الدم، أو إلى الحق.
قوله:
... إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا فيه و جهان:
أحدهما: أن الأصل على حذف مضاف، أي: إنّ ذا العهد كان مسؤلا عن الوفاء بعهده.
و الثاني: أن الضمير يعود على «العهد» ، و نسب السؤال إليه مجازا، كقوله: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ «1» .
قوله:
قرأ الأخوان و حفص هنا، و في سورة الشعراء بكسر القاف، و الباقون بضمها فيهما، و هما لغتان مشهورتان و هو القرسطون، و قيل: هو كلّ ميزان. قال ابن عطية: «و اللفظة للمبالغة من القسط». و ردّه الشيخ «2» باختلاف المادتين، ثم قال: «إلّا أن يراعى زيادة السين آخرا، ك «قدموس» «3» و ليس من مواضع زيادتها». و يقال بالسين و الصاد. قال بعضهم: هو روميّ معرّب. و المحسور: المنقطع السّير، حسرت الدّابّة: قطعت سيرها، و حسير أي: كالّ، تعبان، بمعنى: محسور، و الجمع: حسرى. قال:
3091-
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها
فبيض و أمّا جلدها فصليب «4»
و حسر عن كذا، كشف عنه، كقوله:
3092-
................ ... يحسر المعاء تارة
................ ...... «5»
قوله:
العامة على هذه القراءة، أي: لا تتّبع، من قفاه يقفوه، إذا تتبّع أثره، قال النابغة:
3093-
و مثل الدّمى شمّ العرانين ساكن
بهنّ الحياء لا يشعن التّقافيا «6»
و قال الكميت:
3094-
فلا أرمي البريء بغير ذنب
و لا أقفو الحواصن إن قفينا «7»
(1) سورة التكوير آية (8).
(2) انظر البحر المحيط (6/ 34).
(3) و القدموس: الصخر العظيم.
(4) تقدم.
(5) تقدم.
(6) الجعدي انظر مجاز القرآن (1/ 379)، الطبري (15/ 92)، البحر المحيط (6/ 36)، الكشاف (2/).
(7) انظر البحر المحيط (6/ 36)، القرطبي (10/ 258)، روح المعاني (15/ 73).
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 390
و قرأ زيد بن علي «و لا تقفوا» بإثبات الواو. و قد تقدم أن إثبات حرف العلة جزما لغة قوم و ضرورة عند غيرهم، كقوله:
3095-
................ .....
من هجو زبّان لم تهجو و لم تدع «1»
و قرأ معاذ القارىء «و لا تقف»، بزنة ثقل، من قاف يقوف، أي: تتبّع أيضا، و فيه قولان:
أحدهما: أنه مقلوب من قفا يقفو.
و الثاني- و هو الأظهر- أنه لغة مستقلة ك «جبذ، و جذب» لكثرة الاستعمالين، و مثله: قاع الفحل النّاقة وقعاها. قوله: «وَ الْفُؤادَ» قرأ الجراح العقيلي بفتح الفاء و واو خالصة، و توجيهها أنه أبدل الهمزة واوا بعد الضمة في القراءة المشهورة، ثم فتح فاء الكلمة، بعد البدل، لأنها لغة في «الْفُؤادَ» ، يقال: فواد، و فاد. و أنكرها أبو حاتم القراءة، و هو معذور. و الباء في «بِهِ» متعلقة بما تعلق به «لَكَ» و لا يتعلق ب «عِلْمٌ» ، لأنه مصدر، إلّا عند من يتوسع في الجار. قوله: أُولئِكَ إشارة إلى ما تقدم من «السَّمْعَ، وَ الْبَصَرَ، وَ الْفُؤادَ» ، كقوله:
3096-
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى
و العيش بعد أولئك الأيّام «2»
ف «أُولئِكَ» يشار به إلى العقلاء و غيرهم من الجموع، و اعتذر ابن عطية عن الإشارة به لغير العقلاء، و قال:
«عبّر عن السَّمْعَ، وَ الْبَصَرَ، وَ الْفُؤادَ» ، ب «أُولئِكَ» ، لأنها حواس، لها إدراك، و جعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالة من يعقل و لذلك عبّر عنها بكناية من يعقل، و قد قال سيبويه «3» : في قوله: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «4» إنّما قال: رأيتهم في النجوم، لأنه لما وصفها بالسجود، و هو فعل من يعقل، عبّر عنها بكناية من يعقل، و حكى الزجاج:
أنّ العرب تعبّر عن من يعقل و عن من لا يعقل ب «أُولئِكَ» ، و أنشد هو و الطبري قول الشاعر:
3097-
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى
و العيش بعد أولئك الأيّام «5»
و أما حكاية أبي إسحق عن اللغة، فأمر يتوقف عنده، و أما البيت فالرواية فيه: الأقوام، و لا حاجة إلى هذا الاعتذار، لما عرفت، و أما قوله: إنّ الرواية: الأقوام. فغير معروفة، و المعروف إنما هو: الأيّام. قوله: «كُلُّ أُولئِكَ» مبتدأ، و الجملة من «كانَ» خبره، و في اسم كان و جهان،
أحدهما: أنه ضمير عائد على «كُلُّ» باعتبار لفظها، و كذا الضمير في «عَنْهُ» . و «عَنْهُ» متعلق ب «مَسْؤُلًا» ، و «مَسْؤُلًا» خبرها.
و الثاني: أن اسمها ضمير يعود على القافي، و في «عَنْهُ» يعود على «كُلُّ» و هو من الالتفات، إذ لو جرى على ما تقدم، لقيل: كنت عنه مسؤولا. و قال الزمخشري: «و «عَنْهُ» في موضع الرفع بالفاعلية، أي: كل واحد كان مسؤولا عنه، ف «مسؤل» مسند إلى الجار و المجرور، كالمغضوب في قوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ انتهى. و في تسميته مفعول ما لم يسم فاعله فاعلا خلاف الاصطلاح، و قد ردّ «6» الشيخ عليه قوله: «بأن القائم مقام الفاعل حكمه
(1) تقدم.
(2) البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق انظر ديوانه ()، و روايته فيه «الأقوام» بدل الأيام و انظر المقتضب (1/ 185)، شرح المفصل لابن يعيش (3/ 126)، أوضح المسالك (1/ 66)، الأشموني (1/ 139)، التصريح (1/ 128)، و انظر بقية التخريج في البحر.
(3) انظر الكتاب (2/ 47).
(4) سورة يوسف آية، (7).
(5) تقدم.
(6) انظر البحر المحيط (6/ 37).
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 391
حكمه فلا يتقدم على رافعه كأصله، و ليس لقائل أن يقول: يجوز على رأي الكوفيين، فإنهم يجيزون تقديم الفاعل، لأنّ النحاس حكى الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارا أو مجرورا، فليس هو نظير قوله:
«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» فحينئذ يكون القائم مقام الفاعل الضمير المستكن العائد على «كُلُّ» أو على «القافي».
[سورة الإسراء (17): الآيات 37 الى 41]
قوله:
... مَرَحاً ... العامة على فتح الراء، و فيه أوجه:
أحدها: أنه مصدر واقع موقع الحال، أي: مرحا بكسر الراء، و يدل عليه قراءة بعضهم، فيما حكاه يعقوب «مرحا» بالكسر.
الثاني: أنه حذف مضاف، أي: ذا مرح.
الثالث: أنه مفعول من أجله و المرح شدّة السّرور و الفرح، مرح، يمرح، مرحا، ك «يفرح، فرحا، فهو فرح. قوله: «طُولًا» يجوز أن يكون حالا من فاعل «تَبْلُغَ» أو من مفعوله، أو مصدرا من معنى «تَبْلُغَ» ، أو تمييزا، أو مفعولا له. و هذان ضعيفان جدا، لعدم المعنى. و قرأ أبو الجراح: «لن تخرق» بضم الراء، و أنكرها أبو حاتم، و قال: لا نعرفها لغة ألبتة.
قوله:
قرأ ابن عامر و الكوفيون بضم الهمزة، و الهاء، و التذكير، و ترك التنوين، و الباقون بفتح الهمزة، و تاء التأنيث منصوبة منونة، فالقراءة الأولى أشير فيها بذلك إلى جميع ما تقدم، و فيه السّيّىء و الحسن، فأضاف السيّىء إلى ضمير ما تقدم، و يؤيدها ما قرأ به عبد اللّه «كلّ ذلك كان سيّئاته» بالجمع مضافا للضمير، و قراءة أبي: «خبيثه» و المعنى:
كلّ ما تقدم ذكره مما أمرتم به و نهيتم كان سيئه، و هو ما نهيتم عنه خاصة أمرا مكروها. هذا أحسن ما يقدر في هذا المكان، و أما ما استشكله بعضهم من أنه يصير المعنى: كل ما ذكر كان سيئه، و من جملة كل ما ذكر المأمور به، فيلزم أن يكون فيه سيىء. فهو إشكال واه، لما ذكرت من تقدير معناه. و مَكْرُوهاً خبر كان، و حمل الكلام كله على لفظ «كُلُّ» ، فلذلك ذكّر الضمير في «سَيِّئُهُ» ، و الخبر و هو مكروه. و أما قراءة الباقين فيحتمل أن الإشارة فيها بذلك إلى مصدري النهيين المتقدمين قريبا، و هما: قفوا ما ليس به علم، و المشي في الأرض مرحا. و الثاني: أنه أشير به إلى جميع ما تقدم من المناهي. و «سَيِّئُهُ» خبر كان، و أنث حملا على معنى كل، ثم قال «مَكْرُوهاً» حملا على لفظها. و قال الزمخشري- كلاما حسنا و هو-: «أنّ السيئة في حكم الأسماء، بمنزلة الذنب، و الاسم زال عنه حكم
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 392
الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه، و لا فرق بين من قرأ «سَيِّئُهُ» ، و من قرأ: «سيّئا»، ألا ترى أنك تقول: الزّنا سيّئة، كما تقول: السّرقة سيئة، فلا فرق بين إسنادها إلى مذكر و مؤنث». و في نصب «مَكْرُوهاً» أربعة أوجه:
أحدها: أنه خبر ثان ل «كانَ» ، و تعداد خبرها جائز على الصحيح.
الثاني: أنه بدل من «سَيِّئُهُ» ، و ضعف هذا بأن البدل بالمشتق قليل.
الثالث: أنه حال من الضمير المستتر في «عِنْدَ رَبِّكَ» ، لوقوعه صفة ل «سَيِّئُهُ» .
الرابع: أنه نعت ل «سَيِّئُهُ» ، و إنما ذكّر، لأن تأنيث موصوفه مجازي. و قد رد هذا بأن ذلك إنما يجوز، حيث أسند إلى المؤنث المجازي، أما إذا أسند إلى ضميره، فلا، نحو: «الشّمس طالعة»، لا يجوز «طالع» إلّا في ضرورة، كقوله:
3098-
................ ...........
و لا أرض أبقل إبقالها «1»
و هذا عند غير ابن كيسان، و أما ابن كيسان فيجيز في الكلام «الشّمس طلع، و طالع، و أما قراءة عبد اللّه، فهي مما أخبر فيها عن الجمع، إخبار الواحد لسد الواحد مسدّه، كقول الشاعر:
3099-
فإمّا تريني ولي لمّة
فإنّ الحوادث أودى بها «2»
و لو قال: فإنّ الحدثان لصحّ من حيث المعنى، فعدل عنه ليصح الوزن. و قرأ عبد اللّه أيضا «كان سيّئات» بالجمع، من غير إضافة، و هو خبر «كانَ» و هي تؤيد قراءة الحرمين، و أبي عمرو.
قوله:
مبتدأ و خبر، و «ذلِكَ» إشارة إلى جميع ما تقدم من التكاليف، و هي أربعة و عشرون نوعا، أولها: قوله:
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، و آخرها: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً. و مِمَّا أَوْحى من: للتبعيض، لأن هذه بعض ما أوحاه اللّه تعالى إلى نبيه.
قوله: مِنَ الْحِكْمَةِ يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون حالا من عائد الموصول المحذوف، تقديره: من الذي أوحاه، حال كونه من الحكمة، أو حال من نفس الموصول.
الثاني: أنه متعلق ب «أَوْحى» ، «و مِنَ »: إما تبعيضية، لأن ذلك بعض الحكمة، و إما للابتداء، و إما للبيان، و حينئذ يتعلق بمحذوف.
الثالث: أنها مع مجرورها بدل من «مِمَّا أَوْحى» .
قوله:
(1) تقدم.
(2) تقدم.
الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون، ج4، ص: 393
ألف «أصفى» عن واو، لأنه من صفا يصفو صفوا، و هو استفهام إنكار و توبيخ. قوله: «وَ اتَّخَذَ» يجوز أن يكون معطوفا على «أصفاكم» ، فيكون داخلا في حيز الإنكار، و يجوز أن تكون الواو للحال. و «قد» مقدرة عند قوم. «وَ اتَّخَذَ» يجوز أن تكون المتعدية لاثنين، فقال أبو البقاء: «إنّ ثانيهما محذوف، أي: أولادا، و المفعول الأول هو «إِناثاً» . و هذا ليس بشيء، بل المفعول الثاني هو «مِنَ الْمَلائِكَةِ» قدم على الأول، و لو لا ذلك لزم أن يبتدأ بالنكرة من غير مسوغ، لأن ما صلح أن يكون مبتدأ صلح أن يكون مفعولا أول، في هذا الباب، و ما لا فلا، و يجوز أن تكون متعدية لواحد كقوله: وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، و مِنَ الْمَلائِكَةِ متعلق ب «اتَّخَذَ» ، أو بمحذوف على أنه حال من النكرة بعده.
قوله:
العامة على تشديد الراء. و في مفعول «صَرَّفْنا» و جهان:
أحدهما: أنه مذكور، و «فِي» مزيدة فيه، أي: و لقد صرفنا هذا القرآن كقوله: وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ، و مثله:
3100-
................ .....
........ يجرح فهي عراقيبها نصلي «1»
وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي «2» . و ردّ هذا بأن «فِي» قلا تزاد، و ما ذكر متأول، و سيأتي- إن شاء اللّه- في الأحقاف.
الثاني: أنه محذوف، تقديره: و لقد صرفنا أمثاله، و مواعظه، و قصصه، و أخباره، و أوامره. و قال الزمخشري- في تقدير ذلك-: «و يجوز بهذا أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى اللّه البنات، لأنه ممّا صرفه و كرّر ذكره، و المعنى: و لقد صرفنا القول في هذا المعنى، و أوقعنا التصريف فيه، و جعلناه مكانا للتكرير. و يجوز أن يريد بهذا القرآن التنزيل، و يريد و لقد صرفناه، يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير، لأنه معلوم».
قلت: و هذا التقدير الذي قدّره الزمخشري أحسن، لأنه مناسب لما دلّت عليه الآية، و سيقت لأجله، فقدّر المفعول خاصا، و هو إما القول، و إما المعنى، و هو الضمير الذي قدره في «صرّفناه» بخلاف تقدير غيره، فإنه جعله عاما.
و قيل: المعنى لم ينزله مرة واحدة، بل نجوما، و المعنى: أكثرنا صرف جبريل إليك، فالمفعول جبريل- عليه السّلام- و قرأ الحسن: بتخفيف الراء فقيل: هي بمعنى القراءة الأولى و فعل و فعّل قد يشتركان. و قال ابن عطية:
«أي صرفنا الناس فيه إلى الهدى». قوله: لِيَذَّكَّرُوا متعلق ب «صَرَّفْنا» ، و قرأ الأخوان هنا و في الفرقان.
بسكون الذال، و ضم الكاف مخففة، مضارع «ذكر» من الذّكر أو الذّكر، و الباقون: بفتح الذال، و الكاف مشددة، و الأصل: ليتذكّروا، فأدغم التاء في الذال، و هو من الاعتبار و التّدبّر. قوله: وَ ما يَزِيدُهُمْ أي: التصريف، و «نُفُوراً» مفعول ثان.
(1) جزء من عجز بيت لذي الرمة و هو:
و إن تعتذر بالمحل من ذي حزوعها
إلى الضّيف ................ ..
انظر ديوانه (575)، شرح المفصل لابن يعيش (2/ 39)، المغني (2/ 521)، الخزانة (1/ 284)، الكشاف (2/)، روح المعاني (15/ 81).