کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 363

تُؤاخِذْنا بالعقاب‏ إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا تركنا الصواب لا عن عمد كما أخذت به من قبلنا و قد رفع اللّه ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث، فسؤاله اعتراف بنعمة اللّه‏ رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً أمرا يثقل علينا حمله‏ كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا أي بني إسرائيل من قتل العزم، و هي الهاجس و الخاطر و حديث النفس و الهم اه.

قوله: قولوا رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا الخ تعليم من اللّه لعباده كيفية الدعاء، و هذا من غاية الكرم حيث يعلمهم الطلب ليعطيهم المطلوب اه شيخنا.

قوله: لا تُؤاخِذْنا يقرأ بالهمزة و هو من الأخذ بالذنب، و يقرأ بالواو، و يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون من الأخذ أيضا، و إنما أبدلت الهمزة واوا لانفتاحها و انضمام ما قبلها، و هو تخفيف قياسي، و يحتمل أن يكون من و اخذه بالواو قاله أبو البقاء، و جاء هنا بلفظ المفاعلة و هو فعل واحد، و هو اللّه لأن المسي‏ء قد أمكن من نفسه، و طرق السبيل إليها بفعله، فكأنه أعان من يعاقبه بذنبه و يأخذ به على نفسه، فحسنت المفاعلة، و يجوز أن يكون من باب سافرت و عاقبت و طارقت اه سمين.

قوله: (لا عن عمد) كتأخير الصلاة عن وقتها في حال الغيم جهلا به، و كقتل الخطأ المشهور اه.

قوله: (كما آخذت به) أي بما ذكر من الأمرين من قبلنا. قيل: كان بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطؤوا عجلت لهم العقوبة، فيحرم عليهم شي‏ء مما كان حلالا لهم من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر اللّه المؤمنين أن يسألوا رفع مؤاخذتهم بذلك اه خازن.

قوله: (و قد رفع اللّه ذلك الخ) أي المؤاخذة بالخطأ و النسيان، و هذا إشارة إلى إيراد حاصله أنه كان مرفوعا عنا بمقتضى الحديث الشريف، فيكون طلب رفعه طلبا لتحصيل الحاصل، و قد أجاب عنه بقوله: فسؤاله اعتراف بنعمة اللّه، أي فالقصد من سؤال هذا الرفع و طلبه الإقرار و الاعتراف بهذه النعمة، أي إظهارها و التحدث بها على حد وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ‏ [الضحى: 11]. قوله: (كما ورد في الحديث) و هو قوله صلّى اللّه عليه و سلّم «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان، و ما استكرهوا عليه». رواه الطبراني و غيره اه كرخي.

قوله: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً معطوف على لا تؤاخذنا و توسيط النداء بين المتعاطفين لإظهار مزيد الضراعة و الالتجاء إلى الرب الكريم، و كذا يقال في قوله: وَ لا تُحَمِّلْنا فهو معطوف على لا تؤاخذنا إلى آخر ما تقدم اه.

قوله: إِصْراً الإصر العناء الثقيل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه مكانه، و المراد به التكاليف الشاقة اه أبو السعود.

و في المختار: أصره حبسه و بابه ضرب اه.

و في السين: و الاصر في الأصل الثقل و الشدة، و يطلق على العهد و الميثاق لثقلهما كقوله تعالى: وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي‏ [آل عمران: 81] أي عهدي و ميثاقي، و يضع عنهم إصرهم أي التكاليف الشاقة و يطلق على كل ما يثقل على النفس كشماتة الاعداء اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 364

النفس في التوبة و إخراج ربع المال في الزكاة و قرض موضع النجاسة رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ قوة لَنا بِهِ‏ من التكاليف و البلاء وَ اعْفُ عَنَّا امح ذنوبنا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا في الرحمة زيادة قوله: (و قرض موضع النجاسة) أي من البدن و الثياب هكذا قاله الشراح اه كرخي.

قوله: (من التكاليف) كوجوب قيام الليل. قوله: (و البلاء) كالمسخ و الخسف و الاغراق اه.

و هذا التقرير من الشارح يقتضي أن الإصر و ما لا طاقة لنا به معناهما واحد، و هو أحد قولين ذكرهما أبو السعود. حاصل الأول منهما: إن سؤال رفع الإصر طلب رفع التكليف بالأمور الشاقة، و ان سؤال رفع التحميل بما لا يطاق طلب عدم العقوبة به. و حاصل الثاني منهما أن السؤال الثاني هو عين الأول، و كرر لتصوير الأمور الشاقة بصورة ما لا يطاق أصلا و نصه: فكأنه قيل لا تكلفنا تلك التكاليف الشاقة و لا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها، فيكون التعبير عن إنزال العقوبات بالتحميل باعتبار ما يؤدي إليها، و قيل: هو تكرير للأول و تصوير للأمر بصورة ما لا يستطاع مبالغة اه.

و الطاقة القدرة على الشي‏ء و هي في الأصل مصدر جاء على حذف الزوائد و كان من حقها إطاقة لأنها من أطاق اه سمين.

قوله: (امح ذنوبنا) يستعمل واويا من باب عدا و يائيا من باب رمى، و مصدر الأول محو، و مصدر الثاني محي اه مختار.

و لم يفسر الشارح المغفرة و ظاهر صنيعه انها بمعنى المحو، لكن عبارة البيضاوي و اعف عنا و امح ذنوبنا و اغفر لنا و استر عيوبنا و لا تفضحنا بالمؤاخذة و ارحمنا و تعطف بنا و تفضل علينا، انتهت.

قوله: (زيادة على المغفرة) أي لأن الرحمة الإحسان و هي تشتمل المغفرة التي هي غفر الذنوب و إيصال النعم في الدنيا و الآخرة اه شيخنا.

قوله: مَوْلانا المولى مفعل من ولي يلي، و هو هنا مصدر يراد به الفاعل، و يجوز أن يكون على حذف مضاف أي صاحب تولينا أن نصرتنا، و لذلك قال: فانصرنا. و المولى يجوز أن يكون اسم مكان أيضا و اسم زمان اه سمين.

قوله: فَانْصُرْنا أتى هنا بالفاء إعلاما بالسببية، لأن اللّه تعالى لما كان مولاهم و مالك أمورهم، و هو مدبرهم تسبب عنه أن دعوه بأن ينصرهم على أعدائهم كقولك: أنت الجواد فتكرم عليّ و أنت البطل فاحم حومتك اه سمين.

قوله: (فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه) أي عبيده أشار بهذا إلى تقرير السببية المستفادة من الفاء أي أن طلب النصرة يتسبب من اتصافه بكونه مولانا كما عرفت من عبارة السمين، فان قيل: ما فائدة لفظ القوم، و هلا قيل: انصرنا على الكافرين حتى يكون المطلوب النصر على كل واحد من الكفرة فالجواب أن النصر على كل واحد لا يستلزم النصر على المجموع من حيث انه مجموع لأن الشخص قد يكون غالبا على كل واحد، و لا يكون غالبا على المجموع اه كرخي.

قوله: (هذه الآية) أولها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها إلى آخر السورة، و قوله: قيل له أي من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 365

على المغفرة أَنْتَ مَوْلانا سيدنا و متولي أمورنا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ (286) بإقامة الحجة و الغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء و في الحديث لما نزلت هذه الآية فقرأها صلّى اللّه عليه و سلّم قيل له عقيب كل كلمة قد فعلت.

قبل اللّه أي قال اللّه له عقب كل كلمة من كلمات الدعوات، و هي سبع أولها: لا تُؤاخِذْنا، و آخرها فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ فيكون قوله قد فعلت وقع سبع مرات، و المراد به قد أجبت دعاءك و مطلوبك، و هذه رواية مسلم، و في قوله: لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا. قال: لا أؤاخذكم. ربنا و لا تحمل علينا إصرا قال: لا أحمل عليكم. و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به. قال: و لا أحملكم، و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. قال: قد عفوت عنكم و غفرت لكم و رحمتكم و نصرتكم على القوم الكافرين اه.

و روي عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال آمين. قال ابن عطية: هذا يظن به أنه رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. و قد روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»، قيل: عن قيام الليل.

كما روي عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «انزل اللّه عليّ آيتين من كنوز الجنة ختم بهما سورة البقرة من قرأهما بعد العشاء مرتين أجزأتاه عن قيام الليل آمن الرسول إلى آخر السورة».

و قيل: كفتاه من شر الشيطان فلا يكون له عليه سلطان: و قال علي بن أبي طالب: ما أظن أحدا عقل و أدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما. و عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن اللّه عز و جل كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام فأنزل منه هذه الثلاث آيات التي ختم بهن سورة البقرة من قرأهن في نفسه لم يقرب الشيطان بيته ثلاث ليال» اه. من القرطبي، و أول الثلاثة لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ .

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها، فان تعلمها بركة و تركها حسرة، و لن تستطيعها البطلة». قيل: و ما البطلة؟ قال: «السحرة». أي أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعلمها أو التأمل في معانيها أو العمل بما فيها» و سموا بطلة لانهماكهم في الباطل أو لبطلانهم على أمر الدين و الفسطاط بضم الفاء الخيمة أو المدينة الجامعة. سميت به السورة لاشتمالها على معظم أصول الدين و فروعه و الإرشاد الى كثير من مصالح العباد و نظام المعاش و نجاة المعاد اه خطيب.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 366

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة آل عمران مدنية و هي مائتان أو إلا آية

الم‏ (1) اللّه أعلم بمراده بذلك‏

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏ (2)

نَزَّلَ عَلَيْكَ‏ يا محمد بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا الاسم مأخوذ من قوله تعالى الآتي: وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ‏ [آل عمران: 33]، و اختلف في عمران هذا هل هو أبو موسى، أو أبو مريم، و الثاني بعد الألف بألف سنة و ثمانمائة، فعلى الأولى إله موسى و هارون، و على الثاني إله مريم و عيسى، و سيأتي في الشرح أن المراد بآل عمران عمران نفسه اه شيخنا.

و في القرطبي: حكى النقاش أن هذه السورة اسمها في التوراة طيبة، و ورد في فضلها أخبار و آثار، فمن ذلك ما جاء أنها أمان من الحيات، و كنز للفقير، و أنها تحاج عن قارئها في الآخرة، و يكتب لمن قرأ آخرها في ليلة كقيام الليل. و عن مكحول قال: من قرأ سورة آل عمران يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل، إلى غير ذلك مما ورد في فضلها اه.

قوله: الم‏ الخ نزلت هذه الآيات في وفد نجران و كانوا ستين راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم ثلاثة منهم أكابرهم: أحدهم أميرهم، و ثانيهم وزيرهم، و ثالثهم حبرهم، فقدموا على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فتكلم منهم أولئك الثلاثة معه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقالوا تارة عيسى هو اللّه لأنه كان يحيي الموتى، و تارة هو ابن اللّه إذ لم يكن له أب، و تارة أنه ثالث ثلاثة لقوله تعالى فعلنا، و قلنا و لو كان واحدا لقال فعلت و قلت، فقال لهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «أ لستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، و أن عيسى يموت؟» قالوا: بلى. و كرر عليهم أدلة كثيرة و هم يقولون بلى ثم قال: «فكيف يكون عيسى كما زعمتم فسكتوا، و أبوا إلا الجحود، فأنزل اللّه من أول السورة إلى نيف و ثمانين آية تقريرا لما احتج به النبي عليهم اه أبو السعود.

و إنما فتحت الميم في المشهور، و كان من حقها أن يوقف عليها بالسكون لإلقاء حركة الهمزة عليها لا لالتقاء الساكنين، فإنه غير محذور في باب الوقف، و لذلك لم تحرك في لام، و قرى‏ء بكسرها على توهم أن التحريك لالتقاء الساكنين، و قرأ أبو بكر رواية على عاصم بسكونها و الابتداء بما بعدها على الأصل اه بيضاوي.

قوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ‏ فيه أن وقت نزول هذه الآية لم يكن القرآن تكامل نزوله فإما أن يراد

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 367

الْكِتابَ‏ القرآن ملتبسا بِالْحَقِ‏ بالصدق في أخباره‏ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ قبله من الكتب‏ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏ (3)

مِنْ قَبْلُ‏ أي قبل تنزيله‏ هُدىً‏ حال بمعنى هاديين من الضلالة لِلنَّاسِ‏ ممن تبعهما و عبر فيهما بأنزل و في القرآن بنزل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بالكتاب ما نزل منه إذ ذاك، أو يقال الفعل مستعمل في الماضي و المستقبل اه شيخنا.

قوله: (ملتبسا) بِالْحَقِ‏ أشار به إلى أن قوله: بِالْحَقِ‏ متعلق بمحذوف، فيكون في محل نصب على الحال من الكتاب اه كرخي.

قوله: مُصَدِّقاً حال مؤكدة أي نزله في حال تصديقه الكتب، و فائدة تقييد التنزيل بهذه الحال حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل و تنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتما اه كرخي.

قوله: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ أي موافقا في التوحيد و الأمر بالعدل و الإحسان، و في الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، و أما في الشرائع المختلف فيها، فمن حيث ان أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم اه أبو السعود.

قوله: لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ فيه نوع مجاز لأن ما بين يديه هو ما أمامه فسمي ما مضى بين يديه لغاية ظهوره و اشتهاره اه خازن. و اللام في لما بين دعامة لتقوية العامل نحو قوله تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود: 107] و هذه العبارة أحسن من تعبير بعضهم بالزائدة اه أبو السعود.

قوله: وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏ اختلف الناس في هاتين اللفظتين هل يدخلهما الاشتقاق و التصريف أم لا يدخلانهما لكونهما أعجميين، فذهب جماعة إلى الثاني قالوا لأن هذين اللفظين اسمان عبرانيان لهذين الكتابين الشريفين، و قيل سريانيان كالزبور. و ذهب جماعة إلى الأول، فقال بعضهم: التوراة مشتقة من قولهم ورى الزند إذا قدح فظهر منه، فلما كانت التوراة فيها ضياء و نور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور سمي هذا الكتاب بالتوراة، و قال آخرون: بل هي مشتقة من وريت في كلامي من التورية و هي التعريض، و سميت التوراة بذلك لأن أكثرها تلويحات و معاريض، و قال بعضهم: الإنجيل مشتق من النجل و هو التوسعة، و منه العين النجلاء لسعتها، و سمي الانجيل بذلك لأن فيه توسعة لم تكن في التوراة إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة في التوراة و العامة على كسر الهمزة من إنجيل، و قرأ الحسن بفتحها اه من السمين.

قوله: هُدىً‏ حال أي من التوراة الإنجيل، و لم يثن لأنه مصدر، كما أشار إلى ذلك في التقرير و يصح كونه مفعولا له و العامل فيه أنزل أي أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما اه كرخي.

قوله: (ممن تبعهما) بيان للناس أي كلف و عمل بهما، فهذا تخصيص للناس، فالمراد بهم من عمل بالتوراة و الإنجيل و هم بنو إسرائيل، و يحتمل أنه عام بحيث يشمل هذه الأمة، و إن لم نكن متعبدين أي مكلفين و مأمورين بشرع من قبلنا لأن فيهما ما يفيد التوحيد و صفات الباري و البشارة بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم اه من الكرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 368

بخلافه‏ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ‏ بمعنى الكتب الفارقة بين الحق و الباطل و ذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ‏ القرآن و غيره‏ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ غالب على أمره فلا يمنعه شي‏ء من إنجاز وعده و وعيده‏ ذُو انْتِقامٍ‏ (4) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد

إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ كائن‏ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ (5) لعلمه بما يقع في العالم من كلي قوله: (بخلافه) أي القرآن، فإنه نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، فحفظته الحفظة أي كتبته الكتبة، ثم نزل منها في دفعات في ثلاث و عشرين سنة بحسب الوقائع، و التعليل الذي ذكره المفسر بقوله: وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، و بقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ، و بقوله: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، و أجيب بأن القول بذلك جرى على الغالب، و الظاهر كما أفاده شيخنا أنهما لمجرد التعدية و الجمع بينهما للتفنن اه كرخي.

قوله: (ليعم ما عداها) أي من بقية الكتب المنزلة أي فكأنه قال: و أنزل سائر ما يفرق بين الحق و الباطل، فيكون من عطف العام على الخاص، حيث ذكر أولا الكتب الثلاثة، ثم عم الكتب كلها ليختص المذكور أولا بمزيد شرف اه كرخي.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي كوفد نجران. قوله: بِآياتِ اللَّهِ‏ ذكر الآيات، و إن كان العذاب الشديد مترتبا على الكفر بآية من آيات اللّه، لأن الواقع أن من كفر ليس كفره مخصوصا بآية بل كان كافرا بالآيات كاليهود و النصارى، فإنهم كافرون بالآيات و المراد بالموصول إما أهل الكتابين و هو الأنسب بمقام المحاجة معهم أو جنس الكفرة، و هم داخلون فيه دخولا أوليا اه كرخي.

قوله: لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي بسبب كفرهم في الدنيا بالسيف، و في الآخرة بالخلود في النار، و يحتمل أن يرتفع عذاب بالفاعلية بالجار قبله لوقوعه خبرا عن إن، و يحتمل أن يرتفع على الابتداء و الجملة خبر إن، و الأول أولى لأنه من قبيل الاخبار بما يقرب من المفردات اه كرخي.

قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ الخ ردّ على نصارى نجران في دعواهم ألوهية عيسى. وجه الرد أن الإله هو الذي لا يخفى عليه شي‏ء، و عيسى يخفى عليه بعض الأشياء باعترافهم، فلا يصلح أن يكون إلها، و أن الاله هو الذي يصور الخلق في الأرحام، و عيسى لا يقدر على ذلك فلا يصلح أن يكون إلها. و عبارة الخازن: و قيل: إن الآية واردة في الرد على النصارى، و ذلك أن عيسى كان يخبر ببعض الغيب فيقول: أكلت في ذلك اليوم كذا، صنعت كذا، و أنه يحيي الموتى و يبرى‏ء الأكمه و الأبرص، و يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا، فادعت النصارى فيه أنه إله، و قالوا: ما قدر على ذلك إلا لأنه إله فردّ عليهم ذلك و أخبر أن الإله هو الذي لا يخفى عليه شي‏ء، و أنه الذي يصور في الأرحام كيف يشاء و أن عيسى صوّره اللّه في الرحم، فهو من جملة خلقه و أنه يخفى عليه ما لا يخفى على اللّه اه.

قوله: (كائن) فِي الْأَرْضِ‏ أشار إلى أن الجار متعلق بمحذوف على أنه صفة لشي‏ء مؤكدة لعمومه المستفاد من وقوعه في سياق النفي، أي لا يخفى عليه شي‏ء ما اه كرخي.

قوله: (في العالم) تفسير للمراد بالأرض و السماء، و اعتذر عن تخصيصها بالذكر بقوله: (لأن الحس)

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 369

و جزئي، و خصهما بالذكر لأن الحس لا يتجاوزهما

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ من ذكورة و أنوثة و بياض و سواد و غير ذلك‏ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ في ملكه‏ الْحَكِيمُ‏ (6) في صنعه‏

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ‏ واضحات الدلالة هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ‏ أصله المعتمد عليه الخ أي لأنهما محسوسان دون غيرهما فلا يناسب التصريح بذكر غيرهما في الاستدلال لعدم احساسه اه شيخنا.

قوله: (من كلي و جزئي) فيه رد على الحكماء في قولهم إنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا بوجه كلي لأنه في الحقيقة يعني العلم بالجزئي كما هو مقرر في محله اه كرخي.

قوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ‏ هذه الجملة يحتمل أن تكون مستأنفة سيقت لمجرد الإخبار بذلك و أن تكون في محل رفع خبرا ثانيا لإن اه سمين.

قوله: كَيْفَ يَشاءُ كيف أداة شرط و تعليق، كقولهم كيف تصنع أصنع و كيف تكون أكون، إلا أنه لا يجزم بها و جوابها محذوف لدلالة ما قبلها عليه، و كذلك مفعول يشاء لما تقدم أنه لا يذكر إلا لغرابة، و التقدير كيف يشاء تصويركم يصوركم، فحذف تصويركم لأنه مفعول يشاء، و حذف يصوركم لدلالة يصوركم الأول عليه، و نظيره قولهم أنت ظالم إن فعلت؛ تقديره أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم. و عند من يجيز تقديم الجزاء على الشرط الصريح يجعل يصوركم المتقدم هو الجزاء، و كيف منصوب على الحال بالفعل بعده و المعنى على أي حال شاء أن يصوركم صوركم، و تقدم الكلام على ذلك في قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ* و لا جائز أن تكون كيف معمولة ليصوركم، لأن لها صدر الكلام و ماله صدر الكلام لا يعمل فيه إلا أحد شيئين: إما حرف جر نحو بمن تمر، و إما المضاف نحو غلام من عندك اه سمين.

قوله: (من ذكورة الخ) تفسير لكيف. قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ‏ الخ قيل: إن وفد نجران قالوا للنبي: أ لست تزعم أن عيسى كلمة اللّه و روح منه؟ قال: بلى، قالوا فحسبنا ذلك فردّ عليهم و بيّن أن الكتاب قسمان: قسم يفهمه الناس، و قسم لا يفهمه أمثالهم، و ما فيه من أنه كلمة اللّه و روح منه من جملة الثاني فلم يفهموا المراد من أنه كلمة اللّه و روح منه اه أبو السعود، بالمعنى. قوله: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ‏ الظرف خبر و آيات مبتدأ أو بالعكس بتأويل من باسم أي بعضه آيات، و الأول أوفق بقواعد الصناعة، و الثاني أدخل في جزالة المعنى. إذ المقصود الأصلي انقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا كونهما من الكتاب الذي هو مفاد لاحتمال الثاني اه أبو السعود.

قوله: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ‏ لم يقل أمهات الكتاب و هي خبر عن جمع، لأن الآيات كلها في تكاملها و اجتماعها كالآية الواحدة، و كلام اللّه واحد، أو أن كل واحدة منهن أم الكتاب، كما قال: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: 50] أي كل واحد منهما اه كرخي.

صفحه بعد