کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 3

المجلد االثانى‏

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة النساء مائة و خمس أو ست أو سبع و سبعون آية

يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ أي أهل مكة اتَّقُوا رَبَّكُمُ‏ أي عقابه بأن تطيعوه‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم‏ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى‏ وَ بَثَ‏ فرق و نشر مِنْهُما من آدم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ خطاب يعم حكمه المكلفين عند النزول، و من سينتظم في سلكهم من الموجودين و الحادثين بعد ذلك إلى يوم القيامة عند انتظامهم فيه، لكن لا بطريق الحقيقة، فإن خطاب المشافهة لا يتناول القاصرين عن درجة التكليف إلا عند الحنابلة، بل إما بطريق تغليب الفريق الأول على الآخرين، و إما بطريق تعميم حكمه لها بدليل خارجي فإن الإجماع منعقد على أن آخر الأمة مكلف بما كلف به أولها، كما ينبي‏ء عنه قوله عليه السّلام: «الحلال ما جرى على لساني إلى يوم القيامة»، و قد فصل في موضعه و لفظه يشمل الذكور و الإناث حقيقة للإناث؛ و أما صيغة جمع المذكور في قوله:

اتَّقُوا رَبَّكُمُ‏ فواردة على طريقة التغليب لعدم تناولها حقيقة للإناث عند غير الحنابلة اه أبو السعود.

قوله: الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ فإن خلقه تعالى لهم على هذا النمط البديع من أقوى الدواعي إلى الاتقاء من موجبات نقمته، و من أتم الزواجر عن كفران نعمته، و ذلك لأنه ينبى‏ء عن قدرة شاملة لجميع المقدورات التي من جملتها عقابهم، و من نعمة كاملة لا يقادر قدرها، و قوله: مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هذا أيضا من موجبات الاحتراز عن الاخلال بمراعاة ما بينها من حقوق الأخوة اه أبو السعود.

فقوله: اتَّقُوا رَبَّكُمُ‏ أي حقه و حق بعضكم على بعض، و قوله: الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ استدعاء للتقوى الأولى، و قوله: مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ استدعاء للتقوى الثانية، و من في قوله من نفس واحدة لابتداء الغاية، و كذا في قوله: وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها اه. من السمين.

و قوله: وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها و خلقها منه لم يكن بتوليد كخلق الأولاد من الآباء فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية و الأختية فيها، فلا يرد أن يقال إذا كانت مخلوقة من آدم و نحن مخلوقون منه أيضا تكون نسبتها إليه نسبة الولد، فتكون أختا لنا لا أما و قد أشار المصنف إلى ذلك في التقرير اه كرخي.

و اختلف في أي وقت خلقت حواء، فقال كعب الأحبار، و وهب، و ابن إسحاق: خلقت قبل دخول الجنة. و قال ابن مسعود و ابن عباس: إنما خلقت في الجنة بعد دخوله إياها اه خازن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 4

و حواء رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً كثيرة وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ‏ فيه إدغام التاء في الأصل في السين و في قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون‏ بِهِ‏ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض أسألك باللّه و أنشدك باللّه‏ وَ اتقوا الْأَرْحامَ‏ أن تقطعوها و في قراءة بالجر عطفا على الضمير في به و كانوا يتناشدون بالرحم‏ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) حافظا لأعمالكم فمجازيكم بها أي لم يزل متصفا قوله: (كثيرة) أي ففي الآية اكتفاء. قوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ تكرير الأمر لأجل بعض آخر من موجبات الامتثال، لأن سؤال بعضهم لبعض باللّه يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره و نواهيه اه أبو السعود. قوله: الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ‏ أي تتحالفون به، و قيل تعظمونه اه سمين.

قوله: (فيه إدغام التاء في الأصل في السين) أي التاء الثانية بعد إبدالها سينا فرارا من تكرير المثل، و سوغ الادغام تقارب التاء و السين إذ هما من طرف اللسان، و لأن التاء تشبه السين في الهمس و الانفتاح و غيرهما اه كرخي. قوله: (بحذفها) أي الثانية لأنها التي أدغمت في السين على القراءة الأخرى. قوله: (و أنشدك باللّه) أي أقسم و أحلف عليك به. و في المصباح: و نشدتك اللّه، و باللّه أنشدك من باب نصر ذكرتك به و استعطفتك أو سألتك به مقسما عليك اه.

قوله: الْأَرْحامَ‏ على حذف المضاف، كما أشار له بقوله: أن تقطعوها أي و اتقوا قطع مودة الأرحام، فإن قطع الرحم أكبر الكبائر، و صلة الأرحام باب لكل خير فتزيد في العمر و تبارك في الرزق و قطعها سبب لكل شر، و لذلك وصل تقوى الرحم بتقوى اللّه. و صلة الرحم تختلف باختلاف الناس، فتارة يكون عادته مع رحمة الصلة بالإحسان و تارة بالخدمة و قضاء الحاجة، و تارة بالمكانية، و تارة بحسن العبارة و غير ذلك و لا فرق في الرحم أي القريب بين الوارث و غيره كالخالة و الخال و العمة و بنتها و الأم و الجد و الجدة. قوله: (و في قراءة بالجر) أي لحمزة يقرأ تساءلون بالتخفيف لا غيره، فجواز الأمرين أي التخفيف و التشديد إنما هو قراءة نصب الأرحام اه. قوله: (يتناشدون بالرحم) فيقول البعض منهم للآخر أنشدك باللّه و بالرحم اه شيخنا.

و الرحم: القرابة و إنما استعير اسم الرحم للقرابة لأن الأقارب يتراحمون و يعطف بعضهم على بعض و في الآية دليل على تعظيم حق الرحم و النهي عن قطعها، و يدل على ذلك أيضا الأحاديث الواردة في ذلك. روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله اللّه و من قطعني قطعه اللّه» و عن الحسن قال: «من سألك باللّه فأعطه و من سألك بالرحم فأعطه» اه خازن.

قوله: رَقِيباً من رقب يرقب من باب دخل إذ أحد لأمر يريد تحققه، و المراد لازمه و هو الحظ كما قال الشارح. و في الخازن: و الرقيب في صفة اللّه تعالى هو الذي يغفل عما خلق فيلحقه نقص و يدخل عليه خلل، و قيل: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شي‏ء من أمر خلقه فبيّن بقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً إنه يعلم السر و أخفى، و إذا كان كذلك فهو جدير بأن يخاف و يتقى اه.

قوله: (أي لم يزل متصفا بذلك) نبه به على أن كان قد استعلمت هنا في الدوام لقيام الدليل القاطع على ذلك اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 5

بذلك و نزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه‏

وَ آتُوا الْيَتامى‏ الصغار الألى لا أب لهم‏ أَمْوالَهُمْ‏ إذا بلغوا وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ‏ الحرام‏ بِالطَّيِّبِ‏ الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم و جعل الردي‏ء من مالكم مكانه‏ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ‏ مضمومة إِلى‏ أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ‏ أي قوله: (طلب من وليه) و كان الولي عما له. و قوله فمنعه أي و ترافعوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلت: فلما سمعها العم قال: أطعنا اللّه و أطعنا الرسول نعوذ باللّه من الحوب الكبير. و دفع المال لليتيم فأنفقه في سبيل اللّه، خازن.

قوله: وَ آتُوا الْيَتامى‏ أَمْوالَهُمْ‏ شروع في موارد الاتقاء و مظانه، و تقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم و ملابستهم للأرحام و الخطاب للأولياء و الأوصياء و قلما تفوض الوصاية إلى الأجانب. و اليتيم من مات أبوه من اليتم و هو الانفراد و منه الدرة اليتيمة أي المنفردة أي التي لا نظير لها، و الاشتقاق يقتضي صحة اطلاقه على الكبار أيضا و اختصاصه بالصغار مبني على العرف، و أما قوله صلّى اللّه عليه و سلّم «لا يتم بعد الحلم» فتعليم للشريعة لا تعيين لمعنى اللفظ أي لا يجري على اليتيم بعده حكم الأيتام اه أبو السعود.

و في المصباح: يتم ييتم من باب تعب و ضرب يتما بضم الياء و فتحها لكن اليتم في الناس من قبل الأب فيقال صغير يتيم و الجمع أيتام و يتامى و صغيرة يتيمة و الجمع يتامى، و في غير الناس من قبل الأب و أيتمت المرأة أيتاما فهي مؤتم صار أولادها يتامى، فإن مات الأبوان فالصغير لطيم، و إن ماتت الأم فقط فهو عجمي اه

و عبارة الخازن و الخطاب للأولياء الأوصياء و اسم اليتيم يقع على الصغير و الكبير لغة لبقاء معنى الانفراد عن الآباء، و لكنه في العرف اختص بمن لم يبلغ مبلغ الرجال، سماهم يتامى بعد البلوغ جريا على مقتضى اللغة أو لقرب عهدهم باليتم، و قيل: المراد باليتامى الصغار اه. و هذا الثاني هو الذي درج عليه الشارح.

قوله: (الألى لا أب لهم) تفسير لليتامى. و الألى بضم الهمزة اسم موصول جمع الذي و يجمع أيضا على الذين و التعبير به أوضح اه كرخي.

قوله: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏ الخبيث هو مال اليتيم، و إن كان جيدا فهو خبيث لكونه حراما و قوله: بِالطَّيِّبِ‏ و هو مال الولي فهو طيب لكونه حلالا، و إن كان رديئا، فالباء داخلة على المتروك. قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و الزهري، و السدي: كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم و يجعلون مكانه الردى‏ء فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة و يجعل مكانها الهزيلة، و يأخذ الدرهم الجيد و يجعل مكانه الزيف، و يقول شاة بشاة و درهم بدرهم، فذلك تبديلهم الذي نهوا عنه اه خازن.

قوله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ‏ الخ نهى عن منكر آخر كانوا يفعلونه بأموال اليتامى اه أبو السعود.

قوله: (مضمومة) إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏ بلا تمييز بينهما، فإلى متعلقة بمحذوف هو في موضع الحال،

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 6

أكلها كانَ حُوباً ذنبا كَبِيراً (2) عظيما. و لما نزلت تحرجوا من ولاية اليتامى و كان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل‏

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا تعدلوا فِي الْيَتامى‏ و خص النهي بالمضموم، و إن كان أكل مال اليتيم حراما و إن يضم إلى مال الوصي، لأن أكل ماله مع الاستغناء عنه أقبح، فلذلك خص النهي به أو لأنهم كانوا يأكلونه مع الاستغناء عنه، فجاء النهي على ما وقع منهم، فالقيد للتشنيع، و إذا كان التقيد لهذا الغرض لم يلزم القائل بمفهوم المخالفة، جوز أكل أموالهم و أخذها اه كرخي.

قوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً في الهاء ثلاثة أوجه، أحدها: أنها تعود على الأكل المفهوم من لا تأكلوا. الثاني: أنها تعود على التبديل المفهوم من لا تتبدلوا. الثالث: أنها تعود عليهما ذهابا بها مذهب اسم لاسم الإشارة نحو: عوان بين التبديل و الأول أولى لأنه أقرب مذكور. و قرأ الجمهور حوبا بضم الحاء، و الحسن بفتحها، و قرأ بعضهم حابا بالألف و هي لغات ثلاث في المصدر و الفتح لغة تميم اه سمين و فعله من باب قال.

و في المصباح: حاب حوبا من باب قال إذا اكتسب الإثم و بضم الحاء أيضا اه.

و كسرت الهمزة من إنه لأن المراد تعليل النهي المستأنف و تحريمه عليهم محله فيما زاد على قدر الأقل من أجر الولي و نفسه، كما هو الأصح عند الشافعية اه كرخي.

قوله: (تحرجوا من ولاية اليتامى) أي امتنعوا و طلبوا الخروج من الحرج. أي: الإثم فتفعل يأتي للسلب تقول: تحرج و تأثم و تحوب. أي طلب الخروج من الحرج و الإثم و الحوب، كما أن الهمزة تأتي للسلب أيضا فيقال: أقسط إذا أزال القسط أي الجور و الظلم، و لذلك جاء وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ‏ [الجن: 15] الآية و جاء وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏ [الحجرات: 9] اه شيخنا.

و في المصباح: قسط قسطا من باب ضرب و قسوطا جار و عدل أيضا، فهو من الأضداد قاله ابن القطاع، و أقسط بالألف عدل، و الاسم القسط بالكسر اه.

قوله: (من الأزواج) أي الزوجات. قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ الإقساط العدل، و قرى‏ء بفتح التاء فقيل: هو من قسط أي جار و لا مزيدة كما في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ‏ [الحديد:

صفحه بعد