کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 205

فَقاتِلا هم‏ إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ‏ (24) عن القتال‏

قالَ‏ موسى حينئذ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي‏ وَ إلا أَخِي‏ و لا أملك غيرهما فأجبرهم على الطاعة فَافْرُقْ‏ فافصل‏ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏ (25)

قالَ‏ تعالى له‏ فَإِنَّها أي الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ‏ أن يدخلوها أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ‏ يتحيرون‏ فِي الْأَرْضِ‏ و هي تسعة فراسخ قاله ابن عباس‏ فَلا تَأْسَ‏ محذوف الخبر أيضا، و لا محل لهذه الجملة من الإعراب لكونها دعاء، و التقدير و ربك يعينك اه سمين.

قوله: إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ‏ أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر اه أبو السعود.

و هنا وحده هو الظرف المكاني الذي لا يتصرف إلا بجره بمن أو إلى و ها قبله للتنبيه كسائر أسماء الإشارات، و عامله قاعدون اه سمين.

قوله: وَ أَخِي‏ أي لأنه كان يطيعه، و كان أكبر من موسى بسنة، و إنما قال هذا و إن كان معه في طاعته يوشع بن كالب لأنه لم يثق بحالهما، و جوز أن يكونا منقلبين مع بني إسرائيل اه خازن.

و أخي فيه ستة أوجه، أظهرها: أنه منصوب عطفا على نفسي، و المعنى و لا أملك إلا أخي مع ملكي لنفسي يدنو غيرهما. الثاني: أنه منصوب عطفا على اسم إن و خبره محذوف للدلالة اللفظية عليه. أي و إن أخي لا يملك إلا نفسه. الثالث: أنه مرفوع عطفا على محل اسم إن لأنه بعد استكمال الخبر على خلاف في ذلك و إن كان بعضهم قد ادعى الإجماع على جوازه. الرابع: أنه مرفوع بالابتداء و خبره محذوف للدلالة المتقدمة، و يكون قد عطف جملة غير مؤكدة على جملة مؤكدة بأن. الخامس:

أنه مرفوع عطفا على الضمير المستكن في أملك، و التقدير و لا يملك أخي إلا نفسه، و جاز ذلك للفصل بقوله: إلا نفسي، و قال بهذا الزمخشري، و مكي، و ابن عطية، و أبو البقاء. السادس: أنه مجرور عطفا على الياء في نفسي أي إلا نفسي و نفس أخي، و هو ضعيف على قواعد البصريين للعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، و قد تقدم ما فيه اه سمين.

قوله: (فأجبرهم) أي الغير ففيه مراعاة معنى غير. قوله: فَافْرُقْ بَيْنَنا الخ أي احكم لنا بما نستحقه و احكم عليهم بما يستحقونه، و قيل: بالتبعيد بيننا و بينهم اه أبو السعود.

و قوله: (فافصل) نبه به على بيان المراد من فافرق هنا، لأنه ورد لمعان هنا، منها قوله تعالى:

وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: 50] أي فقلنا لك اه كرخي.

قوله: أَرْبَعِينَ سَنَةً ظرف لقوله يتيهون، فتكون التحريم على هذا غير مؤقت بهذه المدة أو هو ظرف لمحرمه، فيكون التحريم مقيدا بهذه المدة، و الأول تفسير كثير من السلف، و أما الوجه الثاني فيدل عليه ما روي أن موسى عليه الصلاة و السّلام سار بعده بمن بقي منهم ففتح أريحاء و أقام فيها ما شاء اللّه ثم قبض اه كرخي.

قوله: (و هي تسعة فراسخ) أي عرضا في ثلاثين فرسخا طولا اه خازن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 206

تحزن‏ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏ (26) روي أنهم كانوا يسيرون الليل جادين فإذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه و يسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين قيل و كانوا ستمائة ألف و مات هارون و موسى في التيه و كان رحمة لهما و عذابا لأولئك و سأل قوله: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏ و ذلك أن موسى ندم على دعائه عليهم فقيل له: لا تندم و لا تحزن، فإنهم أحقاء بذلك لفسقهم اه أبو السعود.

و الأسى: الحزن. يقال: أسي بكسر العين أسى بفتحها و لام الكلمة يحتمل أن تكون من واو، و هو الظاهر لقولهم رجل أسوان بزنة سكران، أي كثير الحزن، و قالوا في تثنيته أسوان، و يحتمل أن تكون من ياء، فقد حكي رجل أسيان أي كثير الحزن فتثنيته على هذا أسيان اه سمين.

و في المصباح: أسي أسى من باب تعب حزن فهو أسى مثل حزين، و أسوت بين القوم أصلحت، و آسيته بنفسي بالمد سويته، و يجوز إبدال الهمزة واوا في لغة اليمن فيقال واسيته اه.

و في المختار: و أسا على مصيبته من باب عدا أي حزن، و قد أسي: أي حزن له اه.

قوله: (قيل و كانوا ستمائة ألف الخ) فإن قلت: كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم في هذا المقدار الصغير من الأرض أربعين سنة بحيث لم يخرج منه أحد؟ قلت: هذا من باب خرق العادة و هو في زمن الأنبياء غير مستبعد اه خازن.

قوله: (و مات هارون و موسى في التيه) و مات موسى بعد هارون بسنة اه أبو السعود.

و في القرطبي: و قال الحسن و غيره ان موسى لم يمت في التيه، و إنه فتح أريحاء. و كان يوشع على مقدمته، فقاتل الجبارين من الذين كانوا بها، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل، فأقام فيها ما شاء اللّه أن يقيم، ثم قبضه اللّه تعالى إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلائق، و هو أصح الأقاويل اه.

و عبارة الخطيب: و اختلفوا هل مات موسى و هارون في التيه أو لا؟ فقال البيضاوي: الأكثرون أنهما كانا معهم في التيه و أنهما ماتا فيه مات هارون قبل موسى و موسى بعده بسنة. قال عمرو بن ميمون: مات هارون قبل موسى، و كانا خرجا إلى بعض الكهوف، فمات هارون فدفنه موسى، و انصرف إلى بني إسرائيل فقالوا: قتله لحبنا إياه، و كان محببا في بني إسرائيل، فتضرع موسى إلى ربه فأوحى اللّه تعالى إليه أن انطلق بهم إلى هارون فإني باعثه فانطلق بهم إلى قبره فناداه: يا هارون فقام من قبره ينفض رأسه قال: أنا قتلتك؟ قال: لا و لكني مت. قال: فعد إلى مضجعك، و انصرفوا. و عاش موسى صلّى اللّه عليه و سلّم بعده سنة.

و روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «جاء ملك الموت إلى موسى فقال له أجب أمر ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، فقال ملك الموت: يا رب إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، و قد فقأ عيني، قال: فرد اللّه تعالى عينه. و قال له: ارجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت من شعره فإنك تعيش بكل شعرة سنة. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم تموت فالآن من قريب. قال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 207

موسى ربّه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه كما في الحديث و نبى‏ء حجر». قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطور عند الكثيب الأحمر». قال وهب: خرج موسى ليقضي حاجة فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا لم ير شيئا أحسن منه و لا مثل ما فيه من الخضرة و النضرة و البهجة، فقال لهم: يا ملائكة اللّه لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا: لعبد كريم على ربه، فقال: إن هذا العبد لمن اللّه بمنزلة ما رأيت كاليوم أحسن منه مضجعا. فقالت الملائكة: يا صفي اللّه تحب أن يكون لك؟ قال: وددت. قالوا: فانزل فاضطجع فيه و توجه إلى ربك. قال: فنزل فاضطجع فيه و توجه إلى ربه ثم تنفس أسهل نفس، فقبض اللّه تعالى روحه، ثم سوت عليه الملائكة.

و قيل: إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فقبض اللّه روحه، و كان عمر موسى مائة و عشرين سنة، فلما مات موسى عليه السّلام، و انقضت الأربعون سنة بعث اللّه تعالى يوشع عليه السّلام نبيا فأخبرهم أن اللّه تعالى قد أمرهم بقتال الجبابرة فصدقوه و بايعوه، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحاء و معه تابوت الميثاق، و أحاط بمدينة أريحاء ستة أشهر و فتحوها في الشهر السابع و دخلوها فقاتلوا الجبارين و هزموهم، و هجموا عليهم يقتلونهم، و كانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها، و كان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية، و كادت الشمس تغرب، و تدخل ليلة السبت، فقال: اللهم اردد الشمس عليّ، و قال للشمس: إنك في طاعة اللّه و أنا في طاعة اللّه، فسأل الشمس أن تقف و القمر أن يقيم حتى ينتقم من أعداء اللّه قبل دخول السبت، فردت عليه الشمس و زيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين.

و روى أحمد في مسنده حديثا إن الشمس لم تحبس على بشر إلا يوشع ليالي سار إلى بيت المقدس، ثم تتبع ملوك الشأم فاستباح منهم أحدا و ثلاثين ملكا حتى غلب على جميع أرض الشام، و صارت الشأم كلها لبني إسرائيل، و فرق عماله في نواحيها و جمع الغنائم، فلم تنزل النار، فأوحى اللّه تعالى إلى يوشع إن فيها غلولا فمرهم فليبايعوك فبايعوه، فالتصقت يد رجل منهم بيده فقال: هلم ما عندك فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالياقوت و الجواهر، و كان قد غله فجعله في القربان، و جعل الرجل معه فجاءت النار فأكلت الرجل و القربان، ثم مات يوشع و دفن في جبل إبراهيم، و كان عمره مائة و ستة و عشرين سنة، و تدبيره أمر بني إسرائيل بعد موسى سبعا و عشرين سنة. فسبحان الباقي بعد فناء خلقه اه بحروفه.

قوله: (و كان رحمة لهما الخ) عبارة الخازن: و كان ذلك التيه عقوبة لبني إسرائيل ما خلا موسى و هارون و يوشع و كالب، و إن اللّه تعالى سهله عليهم و أعانهم عليه، كما سهل على إبراهيم النار و جعلها بردا و سلاما، انتهت.

قوله: (و عذابا لأولئك) أي لا من كل الوجوه، فإنهم شكوا إلى موسى حالهم من الجوع و العري و غيرهما، فدعا اللّه تعالى فأنزل عليهم المن و السلوى، و أعطاهم من الكسوة ما يكفيهم، فكان أحدهم يعطى كسوته على مقداره و هيئته. و أتى موسى بحجر من جبل الطور، فكان يضربه بعصاه فيخرج منه اثنتا عشرة عينا، و أرسل عليهم الغمام يظلهم اه خازن. و يطلع لهم بالليل عمود من نور يضي‏ء لهم، و لا تطول شعورهم، و إذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله و يتسع بقدره اه أبو السعود.

قوله: (أن يدنيه) أي يقربه من الأرض المقدسة أي أن يدفن بقربها لكونها مطهرة مباركة، و ينبغي‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 208

يوشع بعد الأربعين و أمر بقتال الجبارين فسار بمن بقي معه و قاتلهم و كان يوم الجمعة و وقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم و روى أحمد في مسنده حديث إن الشمس لم تحبس على بشر لا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس‏

* وَ اتْلُ‏ يا محمد عَلَيْهِمْ‏ على قومك‏ نَبَأَ تحري الدفن في الأرض المباركة بقرب نبي أو ولي و إنما يسأل الدفن فيها خوفا من أن يعرف قبره فيفتتن به الناس اه خازن.

قوله: (رمية بحجر) أي قدر رمية بحجر. قوله: (و نبى‏ء يوشع) هو أحد الرجلين المتقدمين، و قوله: (بعد الأربعين) أي مدة التيه اه.

و عبارة الخطيب: فلما مات موسى عليه السّلام و انقضت الأربعون سنة بعث اللّه يوشع عليه السّلام نبيا، فأخبرهم أن اللّه تعالى قد أمرهم بقتال الجبارين فصدقوه و بايعوه الخ. قوله: (بمن بقي) و هم أولادهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة على ما تقدم من أنهم انقرضوا كلهم اه شيخنا.

قوله: (لم تحبس على بشر) أي قبل يوشع و إلا فهي حبست بعد لنبينا مرتين، بل و لبعض الأولياء اه شيخنا.

و في الخازن: قال القاضي: و قد روي أن نبينا محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم حبست له الشمس مرتين إحداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردّها اللّه عليه حتى صلى العصر. روى ذلك الطحاوي، و قال: رواته ثقات. و الثانية صبيحة ليلة الإسراء حين انتظر العير حيث أخبر بقدومها عند غروب الشمس اه.

قوله: (ليالي سار الخ) ظاهره أنها حبست مرارا ليوشع مع أن المشهور أنها حبست له مرة واحدة في ليالي السير، فليالي السير ظرف لحبسها، و هذا لا يقتضي حبسها أكثر من مرة اه شيخنا.

قوله: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ‏ معطوف على الفعل المقدر في قوله: وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ‏ الخ يعني:

اذكر يا محمد لقومك و أخبرهم خبر ابني آدم و هما هابيل و قابيل في قول جمهور المفسرين. و نقل عن الحسن و الضحاك أن ابني آدم اللذين قربا ما كانا ابني آدم لصلبه، و إنما كانا رجلين من بني إسرائيل، و يدل عليه قوله تعالى في آخر القصة: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ‏ [المائدة: 32] الآية. و الصحيح: ما ذهب إليه جمهور المفسرين لأن اللّه تعالى قال في آخر القصة فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض لأن القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلّم من فعل الغراب.

(ذكر قصة القربان و سببه و قصة قتل قابيل و هابيل)

ذكر أهل العلم بالأخبار و السير أن حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاما و جارية إلا شيئا فإنها وضعته مفردا عوضا عن هابيل و اسمه هبة اللّه، لأن جبريل عليه السّلام قال لحواء لما ولدته هذا هبة اللّه لك بدلا عن هابيل، و كان آدم يوم ولد شيث ابن مائة سنة و ثلاثين سنة، و جملة أولاد آدم تسعة و ثلاثون في عشرين بطنا. عشرون من الذكور و تسعة عشر من الإناث. أولهم قابيل و توأمته أقليما، و آخرهم عبد المغيث و توأمته أم المغيث، ثم بارك اللّه في نسل آدم. قال ابن عباس: لم يمت آدم حتى بلغ ولده و ولد

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 209

خبر ابْنَيْ آدَمَ‏ هابيل و قابيل‏ بِالْحَقِ‏ متعلق باتل‏ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً إلى اللّه و هو كبش لهابيل ولده أربعين ألفا. و اختلفوا في مولد قابيل و هابيل، فقال بعضهم: غشي آدم حواء بعد مهبطها إلى الأرض بمائة سنة، فولدت له قابيل و توأمته أقليما في بطن، ثم هابيل و توأمته لبودا في بطن. و قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة، فحملت بقابيل و أخته فلم تجد عليهما و حما و لا صبا و لا طلقا و لم تدر دما وقت الولادة، فلما هبطا إلى الأرض تغشاها، فحملت بهابيل و توأمته، فوجدت عليهما الوحم و الوصب و الطلق و الدم، و كان إذا كبر أولادهما زوج غلام هذه البطن جارية البطن الأخرى، و كان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء غير توأمته التي ولدت معه، لأنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم، فلما كبر قابيل و أخوه هابيل، و كان بينهما سنتان، فلما بلغوا أمر اللّه آدم أن يزوج قابيل لبودا أخت هابيل، و يزوج هابيل اقليما أخت قابيل، و كانت أقليما أحسن من لبودا، فذكر آدم ذلك لهما فرضي هابيل و سخط قابيل، و قال: هي أختي و أنا أحق بها، و نحن من أولاد الجنة، و هما من أولاد الأرض، فقال له أبوه آدم: إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك، و قال: إن اللّه لم يأمرك بهذا، و إنما هو من رأيك، فقال لهما آدم: قربا للّه قربانا فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بها، و كانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت من السماء نار بيضاء فأكلتها، و إن لم تكن مقبولة لم تنزل النار بل تأكلها الطيور و السباع، فخرجا من عند آدم ليقربا القربان، و كان قابيل صاحب زرع فقرّب صبرة من قمح ردي‏ء، و قيل: قرب حزمة من سنبل القمح، و اختارها من أردا زرعه، ثم أنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها و أكلها و أضمر في نفسه لا أبالي أتقبل أم لا لا يتزوج أحد أختي غيري. و كان هابيل صاحب غنم، فعمد إلى أحسن كبش في غنمه، و قيل: قرب حملا سمينا و أضمر في بنفسه رضا اللّه، فوضعا قربانيهما على جبل، ثم دعاء آدم فنزلت النار من السماء، فأكلت قربان هابيل، و قيل: بل رفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السّلام قاله سعيد ابن جبير و غيره اه خازن مع بعض زيادات من القرطيس.

قوله: (متعلق بأتل) يعني أنه صفة لمصدره المحذوف أي اتل تلاوة ملتبسة بالحق و الصدق حسما تقرر مع بعض الأولين اه أبو السعود.

و في السمين: قوله بالحق فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه حال من فاعل اتل أي اتل ذلك حال كونك ملتبسا بالحق أي بالصدق، الثاني: أنه حال من المفعول و هو نبأ أي اتل نبأهما ملتبسا بالحق و الصدق موافقا لما في كتب الأولين لتقوم عليهم الحجة برسالتك، الثالث: أنه صفة لمصدر اتل أي اتل ذلك تلاوة ملتبسة بالحق و الصدق، كان هذا هو اختيار الزمخشري لأنه بدأ به، و على كل من الأوجه الثلاثة فالباء للمصاحبة و هي متعلقة بمحذوف اه.

قوله: إِذْ قَرَّبا أي قرب كل منهما. إذ ظرف للنبأ. أي اتل قصتهما و خبرهما الواقع في ذلك الوقت اه أبو السعود.

و القربان فيه احتمالان لأن أحدهما و به قال الزمخشري أنه اسم لما يتقرب به إلى اللّه عز و جل من صدقة أو ذبيحة أو نسك أو غير ذلك، يقال: قرب صدقه و تقرب بها، لأن تقرب مضارع قرب.

و الاحتمال الثاني: أن يكون مصدرا في الأصل، ثم أطلق على الشي‏ء المتقرب به، كقولهم نسج اليمن الفتوحات الإلهية/ ج 2/ م 14

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 210

و زرع لقابيل‏ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما و هو هابيل بأن نزلت نار من السماء فأكلت قربانه‏ وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ و هو قابيل فغضب و أضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم‏ قالَ‏ له‏ لَأَقْتُلَنَّكَ‏ قال لم قال لتقبل قربانك دوني‏ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏ (27)

لَئِنْ‏ لام قسم‏ بَسَطْتَ‏ مددت‏ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ‏ (28) في قتلك‏

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ‏ و ضرب الأمير، و يؤيد ذلك أنه لم يثن و الموضع موضع تثنية لأن كلا من قابيل و هابيل له قربان يخصه، و الأصل إذ قربا قربانين، إنما لم يثن لأنه مصدر في الأصل، و للقائل بأنه اسم لما يتقرب به لا مصدر أن يقول إنما لم يثن، لأن المعنى كما قاله أبو علي الفارسي: إذ قرب كل واحد منهما قربانا، كقوله:

فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [النور: 4] أي كل واحد منهم ثمانين جلدة اه سمين.

قوله: (أضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم) عبارة الخازن. فأضمر لأخيه الحسد إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت و غاب عنهم، فأتى قابيل هابيل و هو في غنمه، و قال له: لأقتلنك. فقال هابيل:

و لم تقتلني؟ قال قابيل: لأن اللّه تقبل قربانك و ردّ قرباني، و تريد أن تنكح أختي الحسناء و أنكح أختك الدميمة، فيتحدث الناس بأنك خير مني و يفتخر ولدك على ولدي، فقال هابيل: و ما ذنبي إنما يتقبل اللّه من المتقين يعني أن حصول التقوى شرط في قبول القربان، فلذلك كان أحد القربانين مقبولا دون الآخر، لأن التقوى من أعمال القلوب، و كان قد أضمر في قلبه الحسد لأخيه على تقبل قربانه و توعده بالقتل، و قال: إنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى، و إنما يتقبل اللّه من المتقين فأجابه بجوابين مختصرين، انتهت.

قوله: ما أَنَا بِباسِطٍ الخ يحتمل أن ذلك منه لعدم جواز دفع الصائل إذ ذاك كما يؤخذ من قوله بعد: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ‏ اه شيخنا.

و في الخازن: أنه كان في شرع آدم يجب على المظلوم الاستسلام و يحرم عليه الدفع عن نفسه اه.

و في شرعنا في مذهب الشافعي ليس للمظلوم الاستسلام إلا إذا كان ظالمه مسلما محقون الدم، فإن كان كافرا أو مهدرا وجب عليه الدفع عن نفسه اه.

و هذه الجملة جواب القسم المحذوف، و هذا على القاعدة المقررة من أنه إذا اجتمع شرط و قسم أجيب سابقهما إلا في صورة تقدم التنبيه عليهما اه سمين.

قوله: إِنِّي أُرِيدُ تعليل ثان، و إنما لم يعطف على التعليل قبله تنبيها على كفاية كل منهما في الغلبة اه أبو السعود.

فإن قلت: إرادة المعصية من الغير لا تجوز، فكيف يريدها هابيل؟ و أجيب: بأن المراد أن هذه الإرادة منه بفرض أن يكون قاتلا له. و قال الزمخشري: ليس ذلك بحقيقة الإرادة لكنه لما علم أنه يقتله لا محالة طلب الثواب، فكأنه صار مريدا لقتله مجازا و إن لم يكن مريدا حقيقة اه خازن.

و في السمين: قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ‏ فيه ثلاث تأويلات، أحدها: أنه على‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 211

تَبُوءَ ترجع‏ بِإِثْمِي‏ بإثم قتلي‏ وَ إِثْمِكَ‏ الذي ارتكبته من قبل‏ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ و لا أريد أن أبوء بإثمك إذا قتلتك فأكون منهم قال تعالى‏ وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ‏ (29)

فَطَوَّعَتْ‏ زينت‏ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ‏ فصار مِنَ الْخاسِرِينَ‏ (30) بقتله و لم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم فحمله على ظهره‏

فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ‏ ينبش حذف همزة الاستفهام أي إني أريد و هو استفهام إنكاري لأن إرادة المعصية قبيحة. و يؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ إني أريد بفتح النون و هي أني التي بمعنى كيف أي كيف أريد ذلك. و الثاني: أن لا محذوفة تقريره اني أريد ألّا تبوء بإثمي كقوله تعالى: وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ‏ [النحل: 15] أي أن لا تضلوا و أن لا تميد، و هو مستفيض. و هذا أيضا فرار من أثبات الإرادة له.

و الثالث: أن الإرادة على حالها و هي إما إرادة مجازية أو حقيقية على حسب اختلاف أهل التفسير في ذلك، و جازت إرادة ذلك به لمعان ذكروها من جملتها أنه ظهرت له قرائن تدل على قرب أجله، و أن أخاه كافر، و إرادة العقوبة بالكافر حسنة، و قوله: بإثمي في محل نصب على الحال من فاعل تبوء أي ترجع حاملا و ملابسا له اه.

قوله: (الذي ارتكبه من قبل) كالحسد و مخالفة أمر أبيه، و عبارة الكرخي: من قبل أي الذي كان مانعا من تقبل قربانك و هو توعدك بقتلي اه.

قوله: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ‏ يعني زينت له و سهلت عليه القتل، و ذلك أن الإنسان إذا تصور ان قتل النفس من أكبر الكبائر صار ذلك صارفا له عن القتل فلا يقدم عليه، فإذا سهلت عليه نفسه هذا الفعل فعله بغير كلفة اه خازن.

صفحه بعد