کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 282

الناس يا محمد إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ‏ دينه‏ بِالْحِكْمَةِ بالقرآن‏ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ مواعظه أو القول الرفيق‏ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي‏ أي بالمجادلة التي‏ هِيَ أَحْسَنُ‏ كالدعاء إلى اللّه بآياته و الدعاء إلى حججه‏ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ‏ أي عالم‏ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ (125) فيجازيهم و هذا قبل الأمر بالقتال. و نزل لما قتل حمزة و مثل به فقال صلّى اللّه عليه و سلّم و قد رآه: و اللّه لأمثلن بسبعين منهم مكانك‏

وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ‏ عن الانتقام‏ لَهُوَ أي الصبر خَيْرٌ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي ادع هؤلاء بالموعظة الحسنة.

القسم الثالث: و هم أصحاب جدال و خصام و معاندة، و هؤلاء هم المشار إليهم بقوله:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ يعني حتى ينقادوا إلى الحق و يرجعوا إليه، و قيل: المراد بالحكمة القرآن يعني ادعهم بالقرآن الذي هو حكمة و موعظة حسنة، و قيل: المراد بالحكمة النبوة أي ادعهم بالنبوة و الرسالة، و المرادب الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الرفق و اللين في الدعوة. وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ أي أعرض عن أذاهم و لا تقصر في تبليغ الرسالة و الدعاء إلى الحق، فعلى هذا القول قال بعض علماء التفسير: هذا منسوخ بآية السيف اه.

قوله: (أو القول الرقيق) أي الذي فيه رفق و لين و مصداق هذا قوله: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏ [آل عمران: 159]. قوله: (أي بالمجادلة التي هي أحسن) أي أحسن طرق المجادلة من الرفق و اللين و إيثار الوجه الأيسر، و المقدمات التي هي أشهر، فإن ذلك أنفع في تسكين شرهم اه بيضاوي.

قوله: (كالدعاء) و في نسخة بالدعاء. قوله: (و الدعاء إلى حججه) أي إلى الإيمان بها. قوله:

وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ فما عليك إلا البلاغ. و في إيثار الفعلية في الضالين و الاسمية في مقابليهم إشارة إلى أنهم غيروا الفطرة و بدلوها بإحداث الضلال و مقابلوهم استمروا عليها، و تقديم أرباب الضلال، لأن الكلام وارد فيهم اه كرخي.

قوله: (و هذا) أي قوله‏ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ أي: و لا تقاتلهم بل اقتصر على المجادلة، و غرض الشارح أن هذا منسوخ لكونه فهم أن المراد جادلهم و لا تقاتلهم، و بعضهم قال: لا حاجة إلى دعوى النسخ إذ الأمر بالمجادلة ليس فيه تعرض للنهي عن المقاتلة اه شيخنا.

قوله: (و نزل) أي بالمدينة لما قتل حمزة أي في السنة الثالثة في أحد، و كان عم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أخاه من الرضاع و قريبه من الأم أيضا، و كان أكبر من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بسنتين، و قوله: (و مثل به) التمثيل التشويه أي مثل به المشركون فقطعوا أنفه و أذنيه و ذكره و أنثييه و فجروا بطنه، و قوله: (و قد رآه) جملة حالية أي فشق عليه جدا، و قوله: لأمثلن اللام جواب قسم محذوف صرح به في عبارة غيره، ففي كلام الشارح اختصار للحديث. و لفظة: أما و اللّه لئن أظفرني اللّه بهم لأمثلن الخ، و يدل لذلك قول الشارح و كفر عن يمينه، و هذا القول من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كأنه كان باجتهاد منه و عليه فلينظر هل قوله تعالى: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ‏ الخ لهذا الاجتهاد أو تنبيه على خطئه تأمل اه شيخنا.

قوله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ‏ الخ اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أو لا؟ على قولين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 283

لِلصَّابِرِينَ‏ (126) فكف صلّى اللّه عليه و سلّم و كفر عن يمينه، رواه البزار

وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ بتوفيقه‏ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ أي الكفار إن لم يؤمنوا لحرصك على إيمانهم‏ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا أحدهما: أنها نزلت قبل براءة فأمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقاتل من قاتله و لا يبدأ بالقتال، ثم نسخ ذلك و أمر بالجهاد مطلقا، و ذلك قول ابن عباس و الضحاك.

القول الثاني: قال بعضهم: الأصح أنها محكمة لأن الآية واردة في تعليم حسن الأدب في كيفية استيفاء الحقوق و القصاص و ترك التعدي و هو طلب الزيادة، و هذه الأشياء لا تكون منسوخة و لا تعلق لها بالنسخ و اللّه أعلم اه خازن.

و في البيضاوي: و فيه دليل على أن المقتص أن يماثل الجاني و ليس له أن يجاوزه اه.

قوله: وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ‏ الخ لما حث على العفو تعريضا بقوله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ‏ حث عليه تصريحا على الوجه الآكد بقوله: وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ‏ الخ اه من البيضاوي.

قوله: (عن الانتقام) أي تركتموه بالكلية. قوله: لَهُوَ بضم الهاء و سكونها قراءتان سبعيتان.

قوله: (أي الصبر) أشار إلى أن الضمير عائد على المصدر الدال عليه الفعل مقيدا بالإضافة اه كرخي.

قوله: (فكف) أي عن التمثيل بهم. قوله: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ أي لأجلهم أي لأجل عدم إيمانهم اه.

و في زاده: لما كان السبب الحامل على الغضب و الانتقام لا يخلو عن أمرين، أحدهما فوات نفع في الماضي، و الآخر توقع ضرر في المستقبل نهي عن الالتفات إلى السبب الأول بقوله: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ أي على الكافرين بسبب إعراضهم عنك و استحقاقهم للعذاب الدائم، و عن الالتفات إلى السبب الثاني بقوله: وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏ اه.

قوله: (أي الكفار) و قيل: المعنى لا تحزن على قتلى أحد، فإنهم أفضوا إلى رحمة اللّه تعالى اه خازن.

قوله: (لحرصك) متعلق بالمنهي عنه، و المعنى أن الحزن الذي سببه حرصك على إيمانهم لا نرتكبه و لا تفعله اه شيخنا.

قوله: وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ‏ أي ضيق صدر، فهو من الكلام المقلوب الذي أمن فيه الالتباس، لأن الضيق وصف، فهو يكون في الإنسان و لا يكون الإنسان فيه، و فيه لطيفة أخرى هي أن الضيق إذا عظم و قوي صار كالشي‏ء المحيط به قاله هنا بحذف النون، و في النمل بإثباتها تشبيها لها بحروف العلة، و خص ما هنا بحذفها موافقة لقوله قبل: وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، و لسبب نزول هذه الآية، لأنها نزلت تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين قتل عمه حمزة و مثل به فقال صلّى اللّه عليه و سلّم: «لأفعلن بهم و لأصنعن»، فأنزل اللّه تعالى: وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ‏ الآية. فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلية، و إثباتها في النمل جاء على القياس، و لأن الحزن ثم دون الحزن هنا، و إلى ذلك أشار في التقرير اه كرخي.

قوله: فِي ضَيْقٍ‏ بفتح الضاد و كسرها سبعيتان. و في المصباح: ضاق الشي‏ء ضيقا من باب‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 284

يَمْكُرُونَ‏ (127) أي لا تهتم بمكرهم فأنا ناصرك عليهم‏

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الكفر و المعاصي‏ وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ‏ (128) بالطاعة و الصبر بالعون و النصر.

سار، و الاسم الضيق بالكسر و هو خلاف اتسع فهو ضيق، و ضاق صدره حرج فهو ضيق أيضا اه.

قوله: (أي لا تهتم بمكرهم) أشار إلى أن ما مصدرية. و عبارة السمين: مِمَّا يَمْكُرُونَ‏ متعلق بضيق. و ما مصدرية أو بمعنى الذي و العائد محذوف، انتهت.

قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا أي اتقوا المثلة و الزيادة في القصاص، و سائر المناهي، وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ‏ يعني بالعفو عن الجاني، و هذه المعية بالعون و الفضل و الرحمة يعني إن أردت أيها الإنسان أن أكون معك بالعون و الفضل و الرحمة، فكن من المتقين المحسنين، و في هذا إشارة إلى التعظيم لأمر اللّه، و الشفقة على خلق اللّه. قال بعض المشايخ: كمال الطريق صدق مع الحق و صلح مع الخلق، و كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته و الخير لأجل أن يعمل به. و قيل لهرم بن حيان عند الموت: أوصني. فقال: إنما الوصية في المال و لا مال لي، و لكني أوصيك بخواتيم سورة النحل و اللّه أعلم اه خازن.

قوله: (بالطاعة و الصبر) أي فالإحسان بمعنى جعل الشي‏ء جميلا لا ضد الإساءة، و قوله:

(بالعون و الصبر) متعلق مع الذين اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 285

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة الاسراء مكية إلا وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ‏ الآيات الثمان، و هي مائة و عشر آيات أو إحدى عشرة آية

سُبْحانَ‏ أي تنزيه‏ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏ محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ لَيْلًا نصب على الظرف و الإسراء بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

و تسمى سورة سبحان، و سورة بني إسرائيل اه خطيب.

قوله: (الآيات الثمان) آخرها قوله تعالى: سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء: 80] و يرد على هذا أن الآية الأخيرة من الثمانية و هي قوله: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ‏ [الإسراء: 80] الخ نزلت لما أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بالهجرة على ما يأتي في كلامه، و لهذا جزم البيضاوي بأنها كلها مكية و حكى القول الذي فيه الاستثناء بقيل، و بقي أقوال أخرى في المدني، منها ذكرها الخازن. قوله: (مائة) خبر ثان لسورة.

قوله: سُبْحانَ‏ مصدر سماعي لسبح المشدد، أو اسم مصدر له، أو مصدر قياسي لسبح المخفف، فإنه يقال سبح في الماء، و فيه معنى البعد و التنزيه فيه بعد عن النقائص، و على كل فهو علم جنس للتنزيه و التقديس منصوب بفعل مقدر أي: سبحت سبحان، و قوله (أي تنزيه) الذي الخ. أي تنزيهه عن صفة العجز عن هذا الأمر العجيب الخارق للعادة و هو الإسراء المذكور، و كما أن المقصود التنزيه فالتعجيب أيضا مقصود أي تعجبوا أو اعجبوا من قدرة اللّه تعالى على هذا الأمر الغريب اه شيخنا.

و في الكرخي: قال النحويون: سبحان اسم علم للتسبيح، و انتصابه على أنه مفعول مطلق بفعل مضمر تقديره أسبح اللّه سبحانه أي: تسبيحا و هو التقديس، و التنزيه و التبعيد من السوء في الذات و الصفات و الأفعال و الأسماء و الأحكام من سبح في الماء، و قدس في الأرض إذا ذهب فيها و أبعد يصدر به لتنزيه فاعل ما بعده عن النقائص. و حاصله: ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، و لذا لا يستعمل إلا فيه تعالى اه.

قوله: أَسْرى‏ يقال: أسرى و سرى بمعنى سار في الليل، و هما لازمان. لكن مصدر الأول الإسراء، و مصدر الثاني السرى بضم السين كهدى، فالهمزة ليست للتعدية إلى المفعول، و إنما جاءت التعدية هنا من الباء و معنى أسرى به صيره ساريا في الليل، و قوله: بِعَبْدِهِ‏ أي بروحه و جسده على المعتمد اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 286

سير الليل و فائدة ذكره الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدته‏ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ أي مكة إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏ بيت المقدس لبعده منه‏ الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ‏ بالثمار و الأنهار لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا و قال بعبده دون نبيه أو حبيبه لئلا تضل به أمته كما ضلت أمة المسيح حيث ادعته إلها، أو لأن وصفه بالعبودية المضاف إلى اللّه تعالى أشرف المقامات و الأوصاف اه كرخي.

قوله: (نصب على الظرف) أي لأسرى اه كرخي.

قوله: (و فائدة ذكره) أي الليل أي مع أنه معلوم من ذكر الإسراء، و قوله (الإشارة الخ) أي فالتنوين للتقليل أي في جزء قليل من الليل، قيل: قدر أربع ساعات، و قيل: ثلاث، و قيل: أقل من ذلك، و هذا بخلاف ما لو قيل أسرى بعبده الليل، فإن التركيب مع التعريف يفيد استغراق السير لجميع أجزاء الليل اه شيخنا.

و في الكرخي: قوله: (الإشارة) بتنكيره إلى تقليل مدته، و ذلك لأن التنكير قد يكون للتقليل و التقليل و التبعيض متقاربان، فاستعمل في التبعيض ما هو للقليل اه. و قوله: (مدته) أي السير.

قوله: مِنَ الْمَسْجِدِ من ابدائية، و كان الإسراء به ببدنه في اليقظة بعد البعثة، و كان قبلها في المنام، كما أنه رأى فتح مكة سنة ست و تحقق سنة ثمان اه كرخي.

و الحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس دون العروج به من مكة لأنه محشر الخلائق فيطؤه بقدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدمه، أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء، فأراد اللّه تعالى أن يشرفهم بزيارته صلّى اللّه عليه و سلّم، و ليخبر الناس بصفاته فيصدقوه في الباقي اه كرخي.

قوله: (أي مكة) عبر بذلك ليصدق بكل من القولين المحكيين هنا، و هو أنه هل كان تلك الليلة نائما في المسجد أو في بيت أم هانى‏ء بنت عمه صلّى اللّه عليه و سلّم؟ و في الحقيقة لا خلاف بين القولين لأنه على القول الثاني احتملته الملائكة من بيتها، و جاؤوا به إلى المسجد و شقوا صدره هناك، ثم ركب البراق من باب المسجد ففي الحقيقة ما حصل الإسراء إلا من المسجد، فلا حاجة لما عبر به الشارح. و كان المسجد الحرام إذا ذاك في حول الكعبة بقدر المطاف الآن، و كانت دور مكة حوله تفتح إليه ثم وسعه الملوك، و أول من وسع فيه عمر بن الخطاب، فكانوا يشترون دور مكة و يدخلونها فيه، لكن لم يثبت هل وقفوا تلك الزيادات أو لا، و لم يثبت أن المسجد الأصلي الذي هو الكعبة و ما حولها بقدر المطاف حصل فيه وقفية من أحد فليحرر المقام. قوله: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏ أي القاصي. و أول من بناه آدم بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة، كما في المواهب، فهو أول مسجد بني في الأرض بعد الكعبة اه.

قوله: (بيت المقدس) من إضافة الموصوف إلى صفته أي البيت المقدس المطهر عن عبادة غير اللّه تعالى أي لم يعبد فيه صنم قط، و قوله: (لبعده منه) توجيه لكونه أقصى و المسافة بينهما قدر شهر أو أكثر اه.

قوله: الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ‏ أي بركة دنيوية هي ليست إلا حول الأقصى، و أما في الداخل فالبركة في كل من المسجدين، بل هي في الحرم أتم، و هي كثرة الثواب بالعبادة فيهما اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 287

عجائب قدرتنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) أي العالم بأقوال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء و عروجه إلى السماء و رؤية عجائب الملكوت و مناجاته له تعالى و عبارة الخازن: الذي باركنا حوله يعني بالأنهار و الأشجار و الثمار، و قيل: سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء و مهبط الملائكة و الوحي و قبلة الأنبياء قبل نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم، و إليه يحشر الخلق يوم القيامة انتهى.

قوله: لِنُرِيَهُ‏ متعلق بأسرى و قوله: مِنْ آياتِنا من للتبعيض، و إنما أتى بها تعظيما لآيات اللّه تعالى، فإن الذي رآه صلّى اللّه عليه و سلّم و إن كان جليلا عظيما فهو بعض بالنسبة إلى آيات اللّه تعالى، و عجائب قدرته و جليل حكمته، قاله أبو شامة اه كرخي.

فإن قلت: لفظة من في قوله: مِنْ آياتِنا تقتضي التبعيض، و قال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة و السّلام: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأنعام: 75] و ظاهر هذا يدل على فضيلة إبراهيم عليه الصلاة و السّلام على محمد و لا قائل به فما وجهه؟ قلت: ملكوت السموات و الأرض من بعض آيات اللّه تعالى أيضا، و آيات اللّه أعظم من ذلك و أكبر، و الذي أراه محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم من آياته و عجائبه تلك الليلة كان أفضل من ملكوت السموات و الأرض، فظهر بهذا البيان فضل محمد صلّى اللّه عليه و سلّم على إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم اه شيخنا.

و قرأ العامة لنريه بنور العظمة جريا على باركنا، و فيهما التفات من الغيبة في قوله: الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏ إلى التكلم في باركنا و لنريه، ثم التفت إلى الغيبة في قوله: إِنَّهُ هُوَ إن أعدنا الضمير على اللّه تعالى و هو الصحيح، ففي الكلام و التفاتان. و قرأ الحسن ليريه بالياء من تحت أي اللّه تعالى، و على هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعة التفاتات، و ذلك أنه التفت أولا من الغيبة في قوله‏ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏ إلى التكلم في قوله: بارَكْنا، ثم التفت ثانيا من التكلم في باركنا إلى الغيبة في ليريه على هذه القراءة، ثم التفت ثالثا من هذه الغيبة إلى التكلم في آياتنا، ثم التفت رابعا من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله: إِنَّهُ هُوَ على الصحيح في الضمير إنه للّه تعالى. و أما على قول نقله أبو البقاء أن الضمير في إنه هو للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يجي‏ء ذلك، و يكون في قراءة العامة التفات واحد، و في قراءة الحسن ثلاثة و هذا موضع غريب، و أكثر ما ورد الالفتات ثلاث مرات على ما قال الزمخشري في قول امرى‏ء القيس:

تطاول ليلك بالأثمد

الأبيات.

و قد تقدم النزاع معه في ذلك و بعض ما يجاب به أول الفاتحة، و لو ادعى مدع أن فيها خمسة التفاتات لاحتاج في دفعه إلى دليل واضح و الخامس الالتفات من قوله‏ إِنَّهُ هُوَ إلى التكلم في قوله:

وَ آتَيْنا مُوسَى‏ [الإسراء: 2] الآية و الرؤية هنا بصرية. و قيل: قلبية، و إليه نحا ابن عطية اه سمين.

قوله: (أي العالم الخ) فسر هاتين الصفتين بالعلم و هو غير ظاهر، و أبقاهما غيره على ظاهر كالبيضاوي، فقال: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوال محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، العليم بأفعاله فيكرمه و يقربه على حسب ذلك اه.

قوله: (على اجتماعه بالأنبياء) أي الرسل و غيرهم أي: بأجسادهم و أرواحهم معا على الصحيح‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 288

فإنه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «أتيت بالبراق و هو دابة أبيض فوق الحمار و دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي تربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر و إناء من لبن فاخترت اللبن، قال جبريل: أصبت الفطرة. قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل قيل من كما قاله قال في معراجه: فأخرجهم اللّه من قبورهم و أحضرهم في بيت المقدس، و اجتمع أيضا بالملائكة و بأرواح أموات المؤمنين ممن مضى، فصلى الجميع خلفه مقتدين به اه شيخنا.

قوله: (الملكوت) و هو العالم الخفي الذي لم نشاهده كالملائكة و الجنة و النار اه شيخنا.

قوله: (فإنه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى آخره) غرضه من هذا إثبات الأمور الأربعة التي ادعى أن الإسراء مشتمل عليها و هي اجتماعه بالأنبياء، و عروجه و رؤية عجائب الملكوت و مناجاته اه شيخنا.

قوله: (أتيت بالبراق) أي أتاني به جبريل من الجنة و هو بضم الباء و اشتقاقه من البرق لسرعة سيره، أو من البريق لشدة صفاء بياضه و لمعات تلألئه اه خازن.

قوله: (دابة) أي ليست ذكرا و لا أنثى، و في الاستعمال يجوز تذكيرها و تأنيثها. و قوله (أبيض) و في نسخة بيضاء اه شيخنا.

قوله: (عند منتهى طرفه) بسكون الراء أي بصره. و في المصباح: طرف البصر طرفا من باب ضرب تحرك، و طرف العين نظرها و يطلق على الواحد و غيره، لأنه مصدر، و الطرف الناحية و الجمع أطراف مثل سبب و أسباب اه.

قوله: (فركبته) الحكمة في كونه أسرى به راكبا مع القدرة على طي الأرض له الإشارة إلى أن ذلك وقع له على حسب العادة في مقام العادة، لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يختص به بعث إليه ما يركبه اه كرخي.

قوله: (بالحلقة) بإسكان اللام، و يجوز فتحها و الربط للاحتياط في الأمور، و بيان طلبه تعاطي الأسباب لا يقدح في التوكل اه خازن.

قوله: (تربط فيها الأنبياء) أي دوابهم حين إتيانهم لهذا المنزل. و في المصباح: ربطته ربطا من باب ضرب، و من باب قتل لغة شددته، و الرباط ما يربط به القربة و غيرها و الجمع ربط مثل كتاب و كتب اه.

قوله: (فصليت فيه ركعتين) أي إماما بالأنبياء و الملائكة و أرواح المؤمنين اه شيخنا.

قوله: (فاخترت اللبن) قال الخازن: فيه اختصار، و التقدير فخيرني بينهما فاخترت اللبن اه.

قوله: (أصبت الفطرة) أي فطرة الإسلام أي الإسلام الذي فطر و جبل عليه الخلق بحسب أصل الخلقة، أي: أصبت علامته، و إنما كان اللبن علامة عليه، لأنه سهل طيب سائغ للشاربين سليم العاقبة بخلاف الخمر، فإنها أم الخبائث و جالبة لأنواع الشر اه خازن.

صفحه بعد