کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 50

بالنون و في قراءة بالتاء و تشديد الطاء بالانشقاق‏ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أي تنطبق عليهم من أجل‏

أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) قال تعالى‏

وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) أي ما يليق به ذلك‏

إِنْ‏ أي ما كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) ذليلا خاضعا يوم القيامة قوله: (و في قراءة) أي: سبعية، و قوله: (بالتاء و تشديد الطاء) أي (؟ يتفطرن)، و ظاهر صنيعه أن القراءات أربعة و ليس كذلك، بل هي ثلاثة فقط لأنه إذا قرى‏ء (؟ تكاد) بالتاء جاز في يتفطرن النون و التاء.

و إن قرى‏ء (؟ يكاد) بالياء التحتية تعين في يتفطرن التاء لا غير و القراءات الثلاثة سبعية اه شيخنا.

قوله: وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ‏ أي: تنخسف بهم، و تخر الجبال هدا أي تسقط و تنطبق عليهم اه خازن.

فقول الشارح أي تنطبق عليهم راجع للجبال اه.

قوله: وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا في هذا ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مصدر في موضع الحال أي مهدودة، و ذلك على أن يكون هدّا مصدرا من هدّ زيد الحائط يهده هدّا، أي: هدمه و بابه رد. و الثاني:

و هو قول أبي جعفر إنه مصدر على غير لفظ المصدر لما كان في معناه لأن الخرور السقوط و الهدم، و هدّا على أن يكون من هد الحائط يهد بالكسر أي انهدم فيكون لازما. و الثالث: أن يكون مفعولا من أجله، قال الزمخشري: أي لأن تهد اه سمين.

قوله: (من أجل) أَنْ دَعَوْا أي نسبوا أشار به إلى أن محل أن دعوا نصب على المفعول له، و العامل فيه هدا أي هدا لأن دعوا علل الخرور بالهد، و الهد بدعاء الولد للرحمن، و دعوا يجوز أن يكون بمعنى سموا فيتعدى لاثنين و أولهما في الآية محذوف. قال الزمخشري: طلبا للعموم و الإحاطة بكل ما دعا له ولدا اه كرخي.

فإن قلت: ما معنى هذا التأثر من أجل هذه الكلمة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن اللّه تعالى بقول للشي‏ء كن فيكون، فكأنه قال كدت أفعل كذا بالسموات و الأرض و الجبال عند وجود هذه الكلمة غضبا مني على من تفوه بها لو لا حلمي. الثاني: أن هذا استعظام لهذه الكلمة. قال ابن عباس: فزعت السموات و الأرض و الجبال و جميع الخلائق إلا الثقلين، و غضبت الملائكة حين قالوا للّه ولد اه خازن.

و في البيضاوي: و المعنى أن هول هذه الكلمة و عظمها بحيث لو تصور بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام و تفتت من شدتها، أو أن فظاعتها مجلبة للغضب من اللّه بحيث لو لا حلمه لخرب العالم و بددت قوائمه غضبا على من تفوه بها اه.

قوله: أَنْ دَعَوْا متعلق بكل من الأفعال الثلاثة يتفطرن و ما بعده اه شيخنا.

قوله: (قال تعالى) أي: ردا عليهم. قوله: (أي ما يليق به ذلك) أي: لا يمكن و لا يتأتى منه.

قوله: إِنْ كُلُ‏ الخ بمنزلة التعليل. قوله: إِلَّا آتِي‏ فيه مراعاة لفظ كل، و عبدا حال من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 51

منهم عزير و عيسى‏

لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا (94) فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم و لا واحد منهم‏

وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) بلا مال و لا نصير يمنعه‏

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فيما بينهم يتوادون و يتحابون و يحبهم اللّه تعالى‏

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ‏ أي الضمير المستتر في آتي و قوله: (منهم) فيه مراعاة معنى كل، و كذلك قوله: لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ‏ الخ اه شيخنا.

قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف لآتي، و قوله: (منهم عزير) أي من كل.

قوله: لَقَدْ أَحْصاهُمْ‏ أي: أحاط بهم علمه وعدهم أي عد أشخاصهم و أنفاسهم و أفعالهم فلا يخفى عليه شي‏ء من أمورهم اه خازن.

قوله: (فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم) راجع لقوله: وَ عَدَّهُمْ، و قوله: (و لا واحد منهم) راجع لقوله: لَقَدْ أَحْصاهُمْ‏ اه شيخنا.

و في الكرخي: فلا يخفى عليه الخ هذا جواب عن سؤال ما فائدة ذكر العد بعد الأحصاء مع أن الإحصاء هو العد أو الحصر، و الحصر لا يكون إلا بعد معرفة العد؟ و حاصل الجواب مع الإيضاح أن له معنى ثالثة و هو العلم كقوله: وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً [الجن: 28] أي: علم عدد كل شي‏ء، فالمعنى هنا لقد أحاط بهم علما وعدهم شخصا و نفسا و غيرها عدا اه.

قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا هذا الجعل في الدنيا كما قرروه، و جي‏ء بأداة الاستقبال لأن المؤمنين كانوا بمكة حال نزول هذه الآية، و كانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة، فوعدهم اللّه تعالى بذلك إذا ظهر الإسلام، فألف اللّه تعالى بين قلوب المؤمنين و وضع فيها المحبة اه كرخي.

و في القيامة: حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل اه بيضاوي.

قوله: وُدًّا أي: محبة. و في المصباح: وددته أوده من باب تعب ودا بفتح الواو و ضمها أحببته و الاسم المودة و وددت لو كان كذا أود أيضا ودا، و ودادة بالفتح تمنيته اه.

و في المختار: الود بضم الواو و فتحها و كسرها المودة اه.

و في السمين: العامة على ضم الواو و قرأ ابن الحرث الحنفي بفتحها، و جناح بن حبيش بكسرها، فيحتمل أن يكون المفتوح مصدرا و المضموم و المكسور اسمين اه.

قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ‏ أي: أنزلناه ميسرا بلسانك أي: لغتك بدليل قول الشارح العربي، أي:

باللغة العربية. أي: و لو أنزلناه بغيرها لم يتيسر التبشير به و لا الإنذار لعدم فهم المخاطبين لغير العربية اه شيخنا.

و هذا تعليل لمقدر ينساق إليه النظم الكريم، كأنه قيل: بلغ هذا المنزل عليك و بشر به و أنذر فإنما يسرناه الخ اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 52

القرآن‏ بِلِسانِكَ‏ العربي‏ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ‏ الفائزين بالإيمان‏ وَ تُنْذِرَ تخوف‏ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) جمع ألد أي جدل بالباطل و هم كفار مكة

وَ كَمْ‏ أي كثيرا أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ‏ أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل‏ هَلْ تُحِسُ‏ تجد مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) صوتا خفيا؟ لا، فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء.

قوله: قَوْماً لُدًّا جمع ألد أي: شديد الخصومة، و هذا الجمع من قبيل قوله:

فعل لنحو أحمر و حمرا اه شيخنا.

قوله: وَ كَمْ أَهْلَكْنا الخ تخويف لهم و تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم اه شيخنا. قوله: قَبْلَهُمْ‏ الضمير راجع لقوله قوما لدا. قوله: هَلْ تُحِسُ‏ (تجد) و قيل: معناه ترى اه خازن.

و الاستفهام إنكاري كما أشار له بقوله: لا أي: بادوا و هلكوا عينا و أثرا فلا تجد أحدا منهم و لا تسمع لهم صوتا اه شيخنا.

و قرأ العامة تحس بضم التاء و كسر الحاء من أحس، و قرأ أبو جعفر و ابن أبي عبلة تحس بفتح التاء و ضم الحاء. و قرأ بعضهم تحس بفتح التاء و كسر الحاء من حسه أي شعر به و منه الحواس الخمس اه سمين.

و في المصباح: الحس و الحسيس الصوت الخفي و حسه فهو حسيس مثل قتله قتلا فهو قتيل و أحس الرجل الشي‏ء إحساسا علم به يتعدى بنفسه مع الألف، قال تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى‏ مِنْهُمُ الْكُفْرَ [آل عمران: 52] و ربما زيدت الباء فقيل أحس به على معنى شعر به و حسست به من باب قتل لغة فيه، و المصدر الحس بالكسر يتعدى بالباء على معنى شعرت أيضا اه.

قوله: مِنْهُمْ‏ حال من أحد إذ هو في الأصل صفة له، و من أحد مفعول زيدت فيه من اه سمين.

قوله: رِكْزاً أصل الركز الخفاء و منه طرف الرمح إذا غيب في الأرض، و الركاز: المال المدفون، و المعنى استأصلناهم بالكلية بحيث لا يرى منهم أحد و لا يسمع لهم صوت خفي اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 53

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة طه مكية و هي مائة و خمس و ثلاثون آية أو و أربعون أو و اثنتان‏

طه‏ (1) اللّه أعلم بمراده بذلك‏

ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏ يا محمد لِتَشْقى‏ (2) لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي خفف عن نفسك‏

إِلَّا لكن أنزلناه بسم اللّه الرحمن الرحيم قال الجلال السيوطي في الإتقان: استثني منها فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ‏ [طه: 130] الآية اه كرخي.

و هذه السورة نزلت قبل إسلام عمر اه قرطبي.

قوله: (اللّه أعلم بمراده بذلك) جرى الشارح على أن هذه حروف مقطعة استأثر اللّه بعلمها، فعليه يكون الوقف عليها تاما و هي آية مستقلة لا محل لها من الإعراب، و قوله: ما أَنْزَلْنا الخ مستأنف، و قيل: إن طه اسم لمحمد حذف منه حرف النداء، و قيل: إنه فعل أمر و أصله طأها أي: طأ الأرض بقدميك معا خوطب به لما كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه و يريح الأخرى من شدة التعب و طول القيام. و عبارة الخازن: اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه الخ اه.

و في القرطبي: و قال مجاهد: كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه يربطون الحبال في صدورهم في الصلاة بالليل من طول القيام، ثم نسخ ذلك بالفرض فنزلت هذه الآية. و قال الكلبي: لما نزل على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم الوحي بمكة اجتهد في العبادة و اشتدت عبادته، فجعل يصلي الليل كله زمانا حتى نزلت هذه الآية، فأمره اللّه أن يخفف عن نفسه فيصلي و ينام، فنسخت هذه الآية قيام الليل فكان بعد هذه الآية يصلي و ينام اه.

قوله: (لتتعب بما فعلت) عبارة البيضاوي: لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ، أو بكثرة الرياضة و كثرة التهجد و القيام على ساق و الشقاء شائع بمعنى التعب و لعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد. و قيل: هذا رد و تكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا: إنك لتشقى بترك ديننا، و إن القرآن أنزل عليك لتشقى به اه بيضاوي.

قوله: (من طول قيامك) بيان لما فعلت.

قوله: إِلَّا تَذْكِرَةً حمله على الانقطاع لأن التذكرة ليست من جنس الشقاء المنفي اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 54

تَذْكِرَةً به‏ لِمَنْ يَخْشى‏ (3) يخاف اللّه‏

تَنْزِيلًا بدل من اللفظ بفعله الناصب له‏ مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلى‏ (4) جمع عليا ككبرى و كبر، هو

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ‏ و هو في اللغة سرير الملك‏ اسْتَوى‏ (5) استواء يليق به‏

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما من المخلوقات‏ وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏ (6) هو التراب الندي و المراد الأرضون السبع لأنها تحته‏

وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ‏ في و عبارة الكرخي: أشار ألى أن الاستثناء منقطع، و أن تذكرة مفعول من أجله و العامل أنزلناه المقدر لا المذكور، و كل واحد من لتشقى و تذكرة علة لقوله: ما انزلنا، و تعدى في لتشقى باللام لاختلاف العامل، لأن ضمير أنزلنا للّه و ضمير لتشقى للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم فلم يتحد الفاعل و اتحد في تذكرة لأن المذكر هو اللّه تعالى و هو المنزل فنصب بغير لام و هذا ما جرى عليه في الكشاف اه.

قوله: لِمَنْ يَخْشى‏ أي: لمن في قلبه خشية و رقة يتأثر بالإنزال، أو لمن علم اللّه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع، و كأنه يشير إلى اللام في لمن يخشى لام العاقبة اه.

قوله: (بدل من اللفظ بفعله) أي: عوض فليس المراد البدل الاصطلاحي، و قوله: (من اللفظ) أي: من التلفظ و النطق بفعله أي: المقدر تقديره نزلناه تنزيلا فحذف وجوبا على حد قوله:

و الحذف حتم من آت بدلا من فعله‏

اه شيخنا.

قوله: الرَّحْمنُ‏ أشار إلى أن هذا نعت مقطوع لقصد المدح اه شيخنا.

قوله: (استواء يليق به) تقدم في سورة الأعراف أن هذا على طريقة السلف المفوضين علم المتشابه إلى اللّه تعالى، و أما على طريقة الخلف المؤولين و المفسرين له بمعنى مخصوص، فيقال:

المراد بالاستواء الاستيلاء بالتصرف و القهر اه.

قوله: (من المخلوقات) راجع للثلاثة. قوله: وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏ في المصباح: الثرى وزان الحصى ندى الأرض، و أثرت الأرض بالألف كثر ثراها، و الثرى أيضا التراب الندي، فإن لم يكن نديا فهو تراب و لا يقال له حينئذ ثرى اه.

و فيه أيضا: نديت الأرض ندى من باب تعب فهي ندية مثل تعبة، و يعدى بالهمزة و التضعيف و أصابها نداوة و ندوة بالضم و التثقيل اه.

قوله: (و المراد) أي: بما تحت الثرى. قوله: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ‏ الخ المقصود من هذا السياق إما النهي عن الجهر كقوله: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ‏ [الأعراف: 205] الآية و قد أشار لهذا الشارح بقوله: (فلا تجهد نفسك بالجهر)، و إما إرشاد العباد إلى أن الجهر ليس لإسماعه تعالى، بل لغرض آخر كحضور القلب و دفع الشواغل و الوسوسة اه أبو السعود.

و عبارة البيضاوي: و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى أي: و إن تجهر بذكر اللّه و دعائه، فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه تعالى يعلم السر و أخفى منه و هو ضمير النفس، و فيه تنبيه على أن شرع الذكر و الدعاء و الجهر فيهما ليس لإعلام اللّه، بل لتصوير النفس بالذكر و رسوخه فيها و منعها عن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 55

ذكر أو دعاء فاللّه غني عن الجهر به‏ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ (7) منه أي ما حدثت به النفس و ما خطر و لم تحدث به، فلا تجهد نفسك بالجهر

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ (8) التسعة و التسعون الوارد بها الحديث، و الحسنى مؤنث الأحسن‏

وَ هَلْ‏ قد أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ (9) الاشتغال بغيره و هضمها بالتضرع و الجؤار اه.

قوله: (فاللّه غني الخ) أشار به الشارح إلى أن جواب الشرط و هو أن محذوف، و قوله: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ‏ الخ تعليل لهذا المحذوف اه.

قوله: وَ أَخْفى‏ أي: و الذي هو أخفى من السر، فأخفى أفعل تفضيل و تنكيره للمبالغة في الخفاء اه أبو السعود.

و في السمين: قوله: وَ أَخْفى‏ جوزوا فيه وجهين، أحدهما: أنه أفعل تفضيل أي و أخفى من السر. و الثاني: أنه فعل ماض أي و أخفى اللّه عن عباده غيبه، كقوله: لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:

110] و الجلالة إما مبتدأ و الجملة المنفية خبرها، و إما خبر لمبتدأ محذوف أي: هو اللّه اه.

قوله: (أي ما حدثت به النفس الخ) عبارة القرطبي: قال ابن عباس: السر ما حدث الإنسان به غيره في خفاء و أخفى منه ما أضمره في نفسه مما لم يحدث به غيره. و عنه أيضا: السر حديث نفسك و أخفى من السر ما ستحدث به نفسك مما لم يكن و هو كائن تعلم ما تسر به نفسك اليوم و لا تعلم ما تسر به غدا و اللّه يعلم ما أسررت اليوم و ما تسر غدا، و المعنى اللّه يعلم السر و أخفى من السر. و قال ابن عباس أيضا: السر ما أسره ابن آدم في نفسه، و أخفى ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله و هو لا يعلمه فاللّه يعلمه، فاللّه يعلم ذلك كله، و علمه فيما مضى من ذلك و ما يستقبل علم واحد و جميع الخلائق في علمه كنفس واحدة. و قال قتادة و غيره: السر ما أضمره الأنسان فس نفسه، و أخفى منه ما لم يكن و لا أضمره أحد، و قال أبو زيد: السر سر الخلائق، و أخفى منه سره عز و جل، و أنكر ذلك الطبري و قال:

إن الذي هو أخفى ما ليس في سر الإنسان و سيكون في نفسه كما قال ابن عباس انتهت.

قوله: (فلا تجهد نفسك) بفتح التاء و الهاء و بضم التاء و كسر الهاء لأنه يقال جهده و أجهده اه شيخنا.

و في المختار: الجهد بفتح الجيم و ضمها الطاقة و قرى‏ء بهما قوله تعالى‏ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏ [التوبة: 79] و الجهد: بالفتح المشقة، و يقال: جهد دابته و أجهدها أي حمل عليها في السير فوق طاقتها، و جهد الرجل في كذا أي: جد فيه و بابهما قطع اه.

قوله: (و الحسنى مؤنث الأحسن) أي: فهي اسم تفضيل يوصف به الواحد من المؤنث الجمع من المذكر اه أبو السعود.

و مراد الشارح بهذا الجواب عما يقال لم لم يقل الحسان اه شيخنا.

و في السمين: و الحسنى تأنيث الأحسن، و قد تقدم غير مرة أن جمع التكسير في غير العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 56

إِذْ رَأى‏ ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ‏ لامرأته‏ امْكُثُوا هنا و ذلك في مسيره من مدين طالبا مصر إِنِّي آنَسْتُ‏ قوله: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ استئناف مسوق لتقرير أمر التوحيد الذي إليه انتهى مساق الحديث، و بيان أنه أمر مستمر فيما بين الأنبياء كابرا عن كابر و قد خوطب به موسى عليه السّلام حيث قيل له: إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا، و به ختم موسى عليه السّلام مقالته قال: إنما إلهكم اللّه الذي لا إله إلا هو اه أبو السعود.

و هذا و إن كان على لفظ الاستفهام الذي لا يجوز على اللّه تعالى، لكن المقصود منه تقرير الخبر في قلبه. و هذه الصورة أبلغ في ذلك كقولك لصاحبك: هل بلغك عني كذا فيتطلع السامع إلى معرفة ما تومي إليه اه كرخي.

قوله: إِذْ رَأى‏ ناراً ظرف للحديث، و قيل: ظرف لمضمر مؤخر. أي: حين رأى نارا كان كيت و كيت، و قيل: مفعول لمضمر مقدم أي: اذكر وقت رؤيته نارا. روي أنه عليه الصلاة و السّلام استأذن شعيبا عليه السّلام في الخروج إلى أمه و أخيه بمصر، فخرج بأهله و أخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام، فلما وافى وادي طوى و هو بالجانب الغربي من الطور ولد له ولد في ليلة مظلمة شاتية مثلجة، و كانت ليلة الجمعة و قد ضل الطريق و تفرقت ماشيته و لا ماء عنده و قدح زنده فلم يخرج نارا.

فبينما هو في ذلك إذ رأى على يسار الطريق من جانب الطور نارا فقال لأهله: امكثوا أي أقيموا مكانكم أمرهم عليه السّلام لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر، فإنه مما لا يخطر بالبال، و الخطاب في امكثوا للمرأة و الولد و الخادم، و قيل: لها وحدها، و الجمع إما لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم كما في قول القائل:

و إن شئت حرمت النساء سواكم‏

اه أبو السعود.

قوله: لِأَهْلِهِ‏ (لامرأته) و هي بنت شعيب و اسمها صفوراء، و قيل: صفورياء، و قيل: صفورة، و اسم أختها ليا، و قيل: شرفا، و قيل: عبدا. و اختلف في التي تزوجها موسى هل هي الصغرى أو الكبرى اه من شرح الدلائل.

و روي أن اللّه لما نادى موسى بالوادي المقدس و أرسله إلى فرعون شيعته الملائكة و صافحوه و خلف أهله في الموضع الذي تركهم فيه، فلم يزالوا مقيمين فيه حتى مرّ بهم راع من أهل مدين فعرفهم فحملهم إلى شعيب، فمكثوا عنده حتى بلغهم خبر موسى بعدما جاوز ببني إسرائيل البحر و غرق فرعون و قومه، فبعثهم شعيب إلى موسى بمصر اه زاده.

قوله: (في مسيره من مدين) أي: لما قضي الأجل الذي جعله عليه شعيب، و مدين هي قرية شعيب بينها و بين مصر ثمان مراحل، و قوله: إِذْ رَأى‏ ناراً سيأتي في القصص آنس من جانب الطور نارا، و الطور قيل: هو الذي بين مصر و أيلة، و قيل: هو الذي بفلسطين اه.

صفحه بعد