کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 415

قبل أن حجبت الشياطين عن السماء

وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ (224) في شعرهم فيقولون به و يروونه عنهم فهم مذمومون‏

أَ لَمْ تَرَ تعلم‏ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ من أودية الكلام و فنونه‏ يَهِيمُونَ‏ (225) يمضون فيجاوزون الحد مدحا و هجاء

وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏ فعلنا ما لا يَفْعَلُونَ‏ (226) قوله: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ قال أهل التفسير: أراد شعراء الكفار الذي كانوا يهجون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم عبد اللّه بن الزبعرى السهمي، و هبيرة بن أبي وهب المخزومي، و مسافع بن عبد مناف، و أبو عزة عمرو بن عبد اللّه الجمحي، و أمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب و الباطل و قولوا: نحن نقول مثل ما يقول محمد و قالوا الشعر، و اجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه و يروون عنهم قولهم فذلك قوله تعالى: يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ أي: الذين يروون هجاء المسلمين، و قيل: الغاوون هم الشياطين، و قيل: هم السفهاء الضالون. و في رواية أن رجلين أحدهما من الأنصار تهاجيا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و مع كل واحد غواة من قومه و هم السفهاء، فنزلت هذه الآية اه خازن.

قوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ الوادي معروف، و المراد به هنا فنون القول و طرقه، و الهيام أن يذهب المرء على وجهه من عشق أو غيره و هو تمثيل كما في الكشاف، و المعنى يخوضون في كل لغو من هجو و مدح اه شهاب.

و في البيضاوي: أ لم تر أنهم في كل واد يهيمون لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها، و أغلب كلماتهم في التشبيب بالحرم و الغزل و الابتهار و تمزيق الأعراض و القدح في الأنساب و الوعد الكاذب و الافتخار الباطل و مدح من لا يستحقه و الإطراء فيه اه.

قوله: يَهِيمُونَ‏ يجوز أن تكون هذه الجملة خبر أن، و هذا هو الظاهر لأنه محط الفائدة. و في كل واد متعلق به، و يجوز أن يكون في كل واد هو الخبر، و يهيمون حال من الضمير في الخبر، و العامل ما تعلق به هذا الخبر أو نفس الجار كما تقدم في نظيره غير مرة، و يجوز الجملة خبر أن بعد خبر عند من يرى تعدد الخبر مطلقا، و هذا من باب الاستعارة البليغة و التمثيل الرائع شبه جولانهم في أفانين القول بطريق المدح و الذم و التشبب و أنواع الشعر بهيام الهائم في كل وجه و طريق، و الهائم هو الذي يخبط في طريقه و لا يقصد موضعا معينا يقال: هام على وجهه أي: ذهب. و الهائم: العاشق من ذلك و الهيمان العطشان، و الهيام داء يأخذ الإبل من العطش، و جمل أهيم و ناقة هيماء و الجمع فيهما قال تعالى:

فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏ [الواقعة: 55] اه سمين.

قوله: (يمضون) أي: يذهبون و يخوضون. قوله: (أي يكذبون) تفسير لقوله: يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ‏ اه شيخنا.

و في الخطيب: وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ‏ أي: لأنهم لا يقصدونه، و إنما ألجأهم إليه الفن الذي سلكوه فأكثر أقوالهم لا حقائق لها، و قيل: إنهم يمدحون الجود و الكرم و يحثون عليه و لا يفعلونه، و يذمون البخل و يصرون عليه و يهجون الناس بأدنى شي‏ء صدر منهم اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 416

أي يكذبون‏

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ من الشعراء وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر وَ انْتَصَرُوا بهجوهم الكفار مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين فليسوا مذمومين، قال اللّه تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا من الشعراء و غيرهم‏ أَيَّ مُنْقَلَبٍ‏ مرجع‏ يَنْقَلِبُونَ‏ (227) يرجعون بعد الموت.

قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا الخ استثناء مما قدره أولا بقوله: (فهم مذمومون) بدليل قوله آخرا فليسوا مذمومين. و في الخازن: ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الكفار و يهجوهم و ينافحون عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه منهم حسان بن ثابت، و عبد اللّه بن رواحة و كعب بن مالك فقال: إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات. روي أن كعب بن مالك قال للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم: قد أنزل في الشعر، فقال صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن المؤمن يجاهد بسيفه و لسانه و الذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل».

فصل في مدح الشعر روى البخاري، عن أبي بن كعب رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إن من الشعر حكمة». و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فجعل يتكلم بكلام فقال: «إن من البيان سحرا و إن من الشعر حكمة» أبو داود.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها: الشعر كلام فمنه حسن و منه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح.

و قال الشعبي: كان أبو بكر يقول الشعر، و كان عمر يقول الشعر، و كان عثمان يقول الشعر، و كان علي أشعر من الثلاثة. و روي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر في المسجد و يستنشده، فروي أنه دعا عمر ابن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده قصيدة فأنشده إياها و هي قريب من تسعين بيتا، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها و كان حفظها من مرة واحدة اه.

قوله: (قال اللّه تعالى) هذا استدلال على جواز ما فعلوه من هجوهم للكفار في مقابلة هجو الكفار لهم، و قوله: فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏ الخ استدلال على اشتراط المماثلة في المقابلة، فلا يجوز للمظلوم أن يزيد في الذم على ما ظلم به من الهجو اه شيخنا.

قوله: أَيَّ مُنْقَلَبٍ‏ معمول لينقلبون الذي بعده لا لما قبله لأن الاستفهام له الصدر و هو مفعول مطلق أي: ينقلبون. أي انقلابا و الجملة سادة مسد مفعولي يعلم اه شيخنا.

و في السمين: أي منصوب على المصدر و الناصب له ينقلبون و قدم لتضمنه معنى الاستفهام و هو معلق لسيعلم سادّ مسد مفعوليه، و قال أبو البقاء: أي منقلب صفة لمصدر محذوف أي ينقلبون انقلابا أي: منقلب، و لا يعمل فيه سيعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و هذا الذي قاله مردود بأن أيا الواقعة صفة لا تكون استفهامية، و كذلك الاستفهامية لا تكون صفة لشي‏ء بل هما قسمان كل منهما قسم برأسه، و أي: تنقسم إلى أقسام كثيرة اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 417

و في القرطبي: و معنى أي منقلب ينقلبون أي: أي مصير يصيرون، و أي مرجع يرجعون، لأن مصيرهم إلى النار و هو أقبح مصير، و مرجعهم إلى العذاب و هو أشر مرجع، و الفرق بين المنقلب و المرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، و المرجع: العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها فصار كل مرجع منقلبا و ليس كل منقلب مرجعا ذكره الماوردي. و أي منصوب بينقلبون و هو بمعنى المصدر، و لا يجوز أن يكون منصوبا بسيعلم لأن أيا و سائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها كما ذكره النحويون. قال النحاس: و حقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى و ما قبله معنى آخر، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض، و اللّه أعلم.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 418

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة النمل مكية و هي ثلاث أو أربع أو خمس و تسعون آية

طس‏ اللّه أعلم بمراده بذلك‏ تِلْكَ‏ أي هذه الآيات‏ آياتُ الْقُرْآنِ‏ آيات منه‏ وَ كِتابٍ مُبِينٍ‏ (1) مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة هو

هُدىً‏ أي هاد من الضلالة وَ بُشْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (2) المصدقين به بالجنة

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يأتون بها على وجهها وَ يُؤْتُونَ‏ يعطون‏ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ (3) يعلمونها بالاستدلال و أعيدهم لما فصل بينه و بين الخبر

إِنَ‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: (ثلاث أو أربع الخ) في نسخة سورة النمل مكية و هي ثلاث الخ اه شيخنا.

قوله: (اللّه أعلم بمراده بذلك) و على هذا القول ليس لهذا اللفظ محل من الإعراب لأن الإعراب فرع معرفة المعنى و هي آية مستقلة اه شيخنا.

قوله: تِلْكَ‏ مبتدأ أو قوله: آياتُ الْقُرْآنِ‏ خبره، و قوله: (أي هذه الآيات) أي آيات هذه السورة اه شيخنا.

قوله: (مظهر للحق من الباطل) عبارة أبي السعود: مظهر لما في تضاعيفه من الحكم و الأحكام و أحوال الآخرة التي من جملتها الثواب و العقاب، أو لسبيل الرشد و الغي، أو فارق بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام، أو ظاهر الاعجاز على أنه من أبان بمعنى بان اه.

قوله: (عطف بزيادة صفة) جواب عما يقال إن الكتاب و القرآن بمعنى واحد، فما فائدة العطف؟

و حاصل الجواب: أن المعطوف لما كان فيه صفة زائدة على مفهوم المعطوف عليه كان مفيدا بهذا الاعتبار اه شيخنا.

قوله: وَ هُمْ‏ مبتدأ و قوله: يُوقِنُونَ‏ خبره و بالآخرة متعلق بالخبر، و لما فصل بينه و بين المبتدأ بالمتعلق الذي هو بالآخرة أعيد المبتدأ ثانيا ليتصل بخبره في الصورة. هذا ما أشار إليه بقوله:

و أعيدهم اه شيخنا.

و الجملة من تتمة الصلة و الواو للحال أو للعطف و تغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم و ثباته و أنهم الأوحدون فيه اه بيضاوي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 419

الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ‏ القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة فَهُمْ يَعْمَهُونَ‏ (4) يتحيرون لقبحها عندنا

أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ‏ أشده في الدنيا القتل و الأسر وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ‏ (5) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم‏

وَ إِنَّكَ‏ خطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ‏ أي يلقى عليك بشدة مِنْ لَدُنْ‏ من عند حَكِيمٍ عَلِيمٍ‏ (6) في ذلك اذكر

إِذْ قالَ مُوسى‏ لِأَهْلِهِ‏ زوجته أي: الكاملون في الاتصاف باليقين اه شهاب.

قال زاده: و لما كان إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة مما يتكرر و يتجدد في أوقاتهما أتى بهما فعلين، و لما كان الإيقان بالآخرة أمرا ثابتا مطلوبا دوامه أتى به جملة اسمية و جعل خبرها مضارعا للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد اه.

قوله: (بتركيب الشهوة) أي: بسبب تركيبها فيهم. و في البيضاوي: زينا لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلناها مشتهاة بالطبع محبوبة للنفس اه.

قوله: (يتحيرون فيها) أي: في الاستمرار عليها و تركها لعدم إدراكهم قبحها في الواقع، و لذلك قال لقبحها عندنا أي: لا عندهم لأنهما رأوها حسنة اه شيخنا.

لكن فيه أنهم رأوها حسنة لا يتحيرون بل يعكفون و يستمرون عليها، فهذا التفسير غير واضح، و الأولى تفسير غيره بأن يعمهون معناه يستمرون و يداومون و ينهمكون فيها كما ذكره أبو السعود. و في القرطبي: و عن ابن عباس، و أبي العالية: يتمادون، و عن قتادة: يلعبون، و عن الحسن: يتحيرون اه.

قوله: (القتل و الأسر) تفسير للأشد. قوله: وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ‏ في إعرابه ما تقدم.

قوله: هُمُ الْأَخْسَرُونَ‏ المفضل عليه هو أنفسهم لكن باعتبار حالهم في الدنيا أي: أن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا اه شيخنا.

و في السمين: قوله: الْأَخْسَرُونَ‏ في أفعل هنا قولان، أحدهما: و هو الظاهر أنها على بابها من التفضيل و ذلك بالنسبة إلى الكفار من حيث اختلاف الزمان و المكان يعني: أنهم أكثر خسرانا في الآخرة منهم في الدنيا أي: أن خسرانهم في الآخرة أكثر من خسرانهم في الدنيا، و قال جماعة منهم الكرماني: هي هنا للمبالغة لا للتشريك، لأن المؤمن لا خسران له في الآخرة البتة، و قد تقدم جواب ذلك و هو أن الخسران راجع إلى شي‏ء واحد باعتبار اختلاف زمانه و مكانه اه.

قوله: (أي يلقى عليك بشده) عبارة القرطبي أي: يلقى إليك فتتلقاه و تعلمه و تأخذه من لدن حكيم عليم اه.

و في السمين: لقي مخففا يتعدى لواحد و مضعفا يتعدى لاثنين فأقيم أولهما هنا مقام الفاعل، و الثاني القرآن اه.

قوله: (بشدة) أي: لما فيه من التكاليف الشاقة. قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ‏ الجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم و دلالة الحكمة على إتقان الفعل و الإشعار بأن علوم القرآن منها

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 420

عند مسيره من مدين إلى مصر إِنِّي آنَسْتُ‏ أبصرت من بعيد ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ عن حال الطريق و كان قد ضلها أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ‏ بالإضافة للبيان و تركها أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ‏ (7) و الطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام و فتحها تستدفئون من البرد

فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ‏ أي بأن‏ بُورِكَ‏ أي بارك اللّه‏ مَنْ فِي النَّارِ أي موسى‏ وَ مَنْ‏ ما هو حكمة كالعقائد و الشرائع، و منها ما ليس كذلك كالقصص و الإخبار عن المغيبات اه بيضاوي.

و قوله: مع أن العلم داخل الخ فإن الحكمة اتقان الفعل بأن يفعله على وفق العلم، فإن من يعلم أمرا و لا يأتي بما يناسب علمه لا يقال له حكيم، فلما وصف نفسه بكونه حكيما علم كونه عليما فما وجه الجمع بينهما؟ و تقرير الجواب أن العلم الذي يدخل في الحكمة هو العلم العملي و هو الذي يتعلق بكيفية عمل و العلم أعم منه، فكأنه قيل مصيب في أفعاله لا يفعل شيئا إلا على وفق علمه عليم بكل شي‏ء سواء كان ذلك العلم مؤديا إلى العمل أم لا اه زاده.

قوله: (في ذلك) متعلق بكل من حكيم و عليم، أي: في تنزيل القرآن و إلقائه على محمد أي: في غير ذلك كما هو ظاهر اه شيخنا.

قوله: إِذْ قالَ مُوسى‏ لِأَهْلِهِ‏ الخ اشتملت هذه السورة على قصص خمس، الأولى هذه و يليها قصة النملة و يليها قصة بلقيس، و يليها قصة صالح، و يليها قصة لوط اه شيخنا.

قوله: (زوجته) أي: بنت شعيب، أي: و ولده و خادمه و قوله: (عند مسيره) أي: سيره من مدين، و كان في ليلة مظلمة باردة مثلجة و قد أضل الطريق و أخذ زوجته الطلق اه شيخنا.

و الحامل له على هذا السفر أن يجتمع بأمه و أخيه بمصر كما سبق عن أبي السعود في سورة طه.

قوله: أَوْ آتِيكُمْ‏ أي: مانعة خلو. قوله: (بالإضافة للبيان) أي: لأن الشهاب يكون قبسا و غيره كالكواكب فهو من إضافة النوع إلى جنسه كخاتم فضة و ثوب خز و هي بمعنى من أي شهاب قبس، و قوله: (و تركها) أي: مع تنوين شهاب، و على هذا فقبس بدل أو نعت على تأويله بالمفعول أي:

شهاب مقتبس أي: مأخوذ من نار، و قوله: (أي شعلة نار) تفسير لكل من المضاف إليه فالشهاب:

الشعلة، و القبس: النار اه شيخنا.

قوله: (بدل من تاء الافتعال) أي: لوقوعها أي: التاء بعد حرف الإطباق و هو الصاد فقلبت طاء على القاعدة، و قوله: (من صلي) كعمي، و قوله: (و فتحها) كرمى اه شيخنا.

قوله: (بكسر اللام) أي: من باب تعب، و قوله: (و فتحها) أي: من باب رمى لكن معنى الثاني لا يناسب هنا. ففي المصباح: صلي بالنار و صليها صلي من باب تعب وجد حرها و الصلاء وزان كتاب حر النار، و صليت اللحم أصليه من باب رمى شويته اه.

قوله: (تستدفئون) يقال: دفى‏ء يدفأ من باب طرب و قرب اه شيخنا.

و في المصباح: دفى‏ء البيت يدفأ مهموز من باب تعب. قالوا: و لا يقال في اسم الفاعل دفي‏ء وزان كريم بل وزان تعب، و دفى‏ء الشخص فالذكر دفآن و الأنثى دفأى مثل: غضبان و غضبي إذا لبس ما

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏5، ص: 421

حَوْلَها أي الملائكة أو العكس، و بارك يتعدى بنفسه و بالحرف و يقدر بعد في مكان‏ وَ سُبْحانَ اللَّهِ‏ يدفئه، و دفؤ اليوم مثال قرب، و الدف‏ء وزان حمل خلاف البرد اه.

قوله: نُودِيَ‏ أي: ناداه اللّه أن بورك أن هذه هي الناصبة للمضارع فهي ثنائية وضعا دخلت هنا على الماضي و حرف الجر قبلها مقدر كما صنع الشارح و ما بعدها في تأويل مصدر أي: نودي ببركة من النار الخ أي: بتقديسه و تطهيره مما يشغل قلبه عن غير اللّه و تخليصه للنبوة و الرسالة أي: ناداه اللّه بأنا قدسناك و طهرناك و اخترناك للرسالة كما تقدم في طه حيث قال: و أنا اخترتك الخ اه شيخنا.

و في السمين: قوله: نُودِيَ‏ في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ضمير موسى و هو الظاهر. و في أن حينئذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنها المفسرة لتقدم ما هو بمعنى القول. و الثاني: أنها الناصبة للمضارع و لكن وصلت هنا بالماضي و تقدم تحقيق ذلك على إسقاط الخافض أي: نودي موسى بأن بورك. و الثالث: أنها المخففة و اسمها ضمير الشأن و بورك خبرها و لم يحتج هنا إلى فاصل لأنه دعاء، و قد تقدم نحوه في سورة النور في قوله: أن غضب على قراءة فعلا ماضيا.

الثاني: من الأوجه الأولى أن القائم مقام الفاعل نفس بورك على حذف حرف الجر أي: بأن بورك و أن حينئذ إما ناصبة في الأصل و إما مخففة.

الثالث: أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي: نودي النداء ثم فسر بما بعده و مثله‏ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ‏ [يوسف: 35] اه.

قوله: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ أي: أن قدس و طهر من في النار و هو موسى و ليس هو فيها حقيقة، بل في المكان القريب منها فصحة الكلام بحذف المضاف أو في مكان النار كما أشار له الشارح اه شيخنا.

و هذا أي قوله: أَنْ بُورِكَ‏ الخ تحية من اللّه تعالى لموسى و تكرمة له كما حيا إبراهيم على ألنسة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ‏ [هود: 73] اه قرطبي.

قوله: مَنْ فِي النَّارِ من قائم مقام الفاعل ببورك و بارك يتعدى بنفسه، فلذلك بني للمفعول باركك اللّه و بارك عليك و بارك فيك و بارك لك، و المراد بمن إما الباري تعالى و هو على حذف مضاف أي: من قدرته و سلطانه في النار، و قيل: المراد به موسى و الملائكة، و كذلك قوله: و من حولها.

و قيل: المراد بمن غير العقلاء و هو النور و الأمكنة التي حولها اه سمين.

قوله: (أي العكس) أي: تفسر من الأولى بالملائكة و الثاني بموسى، و قوله: بنفسه أي كما هنا، فإن قوله من في النار نائب فاعل بورك فتعدى له بنفسه كما علمت، و قوله: (و بالحرف) أي: في و على و اللام اه شيخنا.

قوله: (و يقدر بعد في مكان) لفظ مكان نائب فاعل يقدر أي: يقدر هذا اللفظ اه شيخنا.

صفحه بعد