کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 79

يشاء وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ (50) مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية

أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ‏ فيما طلبوا أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ‏ القرآن‏ يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ فهو آية مستمرة لا انقضاء لها، بخلاف ما ذكر من الآيات‏ إِنَّ فِي ذلِكَ‏ الكتاب‏ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى‏ عظة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ (51)

قُلْ كَفى‏ بِاللَّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً بصدقي‏ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ و منه حالي و حالكم‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ‏ و هو ما يعبد من دون اللّه‏ وَ كَفَرُوا بِاللَّهِ‏ منكم‏ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ‏ (52) في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان‏

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى‏ له‏ لَجاءَهُمُ الْعَذابُ‏ عاجلا وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ (53) بوقت إتيانه‏ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ‏ في الدنيا

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ‏ (54)

يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ‏ فيه بالنون أي نأمر قوله: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ‏ كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردا على اقتراحهم و بيانا لبطلانه، و الهمزة للإنكار و النفي، و الواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي: أقصر محمد و لم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات اه أبو السعود.

و في القرطبي: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ هذا جواب لقولهم: لولا أنزل عليه آيات في ربه أي: أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحداهم بأن يأتوا بمثله أو سورة منه فعجزوا، و لو أتيتهم بآيات موسى و عيسى لقالوا سحر و نحن لا نعرف السحر، و الكلام مقدور لهم و مع ذلك عجزوا عن المعارضة اه.

قوله: أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ‏ في محل رفع فاعل يكف. قوله: (فهو آية مستمرة) أي: باقية على ممر الدهور و السنين بخلاف ناقة صالح و غيرها و أخذ الاستمرار من المضارع في قوله‏ يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ اه شيخنا.

قوله: وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى‏ (له) أي: للعذاب. قوله: وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً كوقعة بدر فإنها أتتهم بغتة و هم لا يشعرون على ما يشهد له كتب السير. و قوله: وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ يحتمل وجهين، أحدهما: تأكيد معنى قوله‏ بَغْتَةً كما يقول القائل أتيته على غفلة منه بحيث لم يدر، فقوله: (بحيث لم يدر) أكد معنى الغفلة. و الثاني: أنه يفيد فائدة مستقلة و هي أن العذاب يأتيهم بغتة و هم لا يشعرون هذا الأمر و يظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا اه كرخي.

قوله: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ‏ في الدنيا ذكر هذا للتعجب، لأن من توعد بأمر فيه ضرر يسير كلطمة أو لكمة قد يوري من نفسه الجلد و يقول باسم اللّه هات، و أما من وعد بإغراق أو إحراق و يقطع بأن المتوعد قادر لا يخلف الميعاد فلا يخطر بباله أن يقول هات ما توعدتني به، فقال ههنا:

يستعجلونك أولا إخبارا عنهم، و ثانيا تعجبا منهم اه كرخي.

قوله: لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ‏ أي: ستحيط بهم فعبر عن الاستقبال بالحال للدلالة على التحقيق و المبالغة، أو يراد بجهنم أسبابها الموصلة إليها فلا تأويل في قوله محيطة اه كرخي.

قوله: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ‏ ظرف لقوله محيطة اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 80

بالقول، و بالياء أي يقول الموكل بالعذاب‏ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ (55) أي جزاءه فلا تفوتونا

يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ‏ (56) في أي أرض تيسرت فيها العبادة، بأن تهاجروا إليها من أرض لم تتيسر فيها. نزل في ضعفاء مسلمي مكة كانوا في ضيق من إظهار الإسلام بها

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ‏ (57) بالتاء و الياء بعد البعث‏

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏ ننزلهم و في قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء الإقامة و تعديته إلى غرفا قوله: مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ‏ فإن قيل: لم خص الجانبين و لم يذكر اليمين و لا الشمال و لا الخلف و لا الأمام؟ فالجواب: أن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا تحيط بالجوانب الأربع، فإن من دخلها تكون الشعلة قدامه و خلفه و يميينه و شماله، و أما النار من فوق فلا تنزل و إنما تصعد من أسفل في العادة و تحت الأقدام لا تبقى الشعلة التي تحت القدم بل تطفأ، و نار جهنم تنزل من فوق و لا تطفأ بالدوس عليها بوضع القدم اه رازي.

قوله: وَ يَقُولُ‏ معطوف على يغشاهم، و قوله: (فيه) أي في ذلك اليوم اه.

قوله: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ‏ إياي منصوب بفعل مضمر، أي: فاعبدوا إياي فاعبدون فاستغنى بأحد الفعلين عن الثاني، و الفاء في قوله: فَإِيَّايَ‏ بمعنى الشرط أي إن ضاق بكم موضع فإياي فاعبدوا لأن الأرض واسعة اه قرطبي.

قوله: (كانوا في ضيق من إظهار الإسلام) أي: و أما اليوم فإنا بحمد اللّه لم نجد أعون على قهر النفس و أجمع للقلب و أحث على القناعة و أطرد للشيطان و أبعد من الفتن و أظهر لأمر الدين من مكة حرسها اللّه اه قاري.

قوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏ لما أمر اللّه المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان و مفارقة الإخوان فخوفهم بالموت، فالأولى أن يكون أي كل أحد ميت فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت، فإن كان نفس ذائقة الموت، فالأولى أن يكون ذلك في سبيل اللّه فيجازيكم عليه فلا تخافوا من بعد الوطن. ثم ذكر ثواب المهاجر فقال: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ الخ اه زاده.

قوله: ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏ أي: مرارته و مشاقه.

قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ الخ بين ما يكون للمؤمنين وقت الرجوع إليه كما بين قبل ما يكون للكافرين بقوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ‏ [التوبة: 49] فبين أن للمؤمنين الجنات في مقابلة أن للكافرين النيران، و بيّن أن فيها غرفا تحتها الأنهار في مقابلة أن تحت الكافرين النار، و بيّن أن ذلك أجر عملهم بقوله: نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏ في مقابلة ما تقدم للكفار قوله: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ و لم يذكر ما فوق المؤمنين لأن المؤمنين في أعلى عليين فلم يذكر فوقهم شيئا إشارة إلى علو مرتبتهم و ارتفاع منزلتهم و لم يجعل الماء من تحت أقدامهم بل من غرفهم لأن الماء يكون ملتذا به في أي جهة كان، و على أي بعد كان تحت الغرفة اه رازي.

قوله: (و في قراءة بالمثلثة) أي: الساكنة بعد النون و ياء مفتوحة بعد الواو المكسورة المخففة من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 81

بحذف في‏ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ‏ مقدرين الخلود فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏ (58) هذا الأجر هم‏

الَّذِينَ صَبَرُوا أي على أذى المشركين و الهجرة لإظهار الدين‏ وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏ (59) فيرزقهم من حيث لا يحتسبون‏

وَ كَأَيِّنْ‏ كم‏ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا لضعفها اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ‏ أيها المهاجرون و إن لم يكن معكم زاد و لا نفقة وَ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوالكم‏ الْعَلِيمُ‏ (60) بضمائركم‏

وَ لَئِنْ‏ لام قسم‏ سَأَلْتَهُمْ‏ أي الكفار مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الثواء و هو الإقامة، و غرفا على هذه القراءة مفعول به بتضمين نثوي معنى ننزل فيتعدى لاثنين بسبب التضمين، لأن ثوي قاصر و أكسبته الهمزة التعدي لواحد إما على تشبيه الظرف المختص بالمبهم و إما على إسقاط الخافض اتساعا أي: في غرف. و أما على القراءة الأولى بالباء الموحدة فغرفا مفعول ثان لأن بوأ يتعدى لاثنين، قال تعالى: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ‏ [آل عمران: 121] و يتعدى تارة باللام كما قال تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ‏ [الحج: 26] و قوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لغرفا اه سمين.

و قول الشارح: و تعديته إلى غرف الخ يعني على القراءة الثانية، و هذا الحذف ليس بلازم لأن ثوى يتعدى بنفسه الحرف. و في المختار: ثوى بالمكان يثوي بالكسر ثواء و ثويا أيضا بوزن بوزن مضى أي أقام به. و يقال: ثوى البصرة و ثوى بالبصرة و أثوى بالمكان لغة في ثوى و أثوى غيره يتعدى و يلزم و ثوى غيره أيضا تثوية اه.

قوله: خالِدِينَ فِيها أي: الغرف.

قوله: الَّذِينَ صَبَرُوا صفة للعاملين أو منصوب على المدح أو خبر لمبتدأ محذوف كما أشار إليه الشارح اه.

قوله: (لإظهار الدين) متعلق بالهجرة.

قوله: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ هذا شروع في بيان ما يعين على التوكل اه رازي.

و في الخازن: و ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال للمؤمنين الذي كانوا بمكة و قد آذاهم المشركون: هاجروا إلى المدينة فقالوا: كيف نخرج إلى المدينة و ليس لنا بها دار و لا مال فمن يطعمنا بها و يسقينا، فأنزل اللّه تعالى‏ وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ أي: ذات حاجة إلى غذاء لا تحمل رزقها أي: لا ترفع رزقها معها لضعفها و لا تدخر شيئا لغد مثل البهائم و الطير. قال سفيان بن عيينة: ليس شي‏ء من الخلق يخبأ إلا الإنسان و الفأرة و النملة اه.

و كأين مبتدأ، و قوله: لا تَحْمِلُ‏ صفة لها و اللّه يرزقها خبره، و من دابة تمييز لكأين اه سمين.

قوله: اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ‏ سوّى بين الحريص و المتوكل في الرزق، و بين الراغب و القانع، و بين الجلد و العاجز يعني: أن الجلد لا يتصور أنه مرزوق بجلده، و لا يتصور العاجز أنه ممنوع من الرزق بعجزه اه قرطبي.

قوله: السَّمِيعُ‏ (لأقوالكم) مقول القول محذوف أي: قولكم نخشى الفقر.

قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ أتى بشيئين، أحدهما: يتعلق بالذوات و هو

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 82

الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏ (61) يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك‏

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ‏ يوسعه‏ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ امتحانا وَ يَقْدِرُ يضيق‏ لَهُ‏ بعد البسط، أي لمن يشاء ابتلاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ (62) و منه محل البسط و التضييق‏

وَ لَئِنْ‏ لام القسم‏ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ فكيف يشركون به‏ قُلِ‏ لهم‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ على ثبوت الحجة عليكم‏ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ‏ (63) تناقضهم في ذلك‏

وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ‏ خلق السموات و الأرض. و الثاني: يتعلق بالصفات و هو تسخير الشمس و القمر اه شيخنا.

قوله: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏ الاستفهام للإنكار و التوبيخ، و الفاء في قوله (فأنى) في جواب شرط مقدر أي: أن صرفهم الهوى و الشيطان فأنى يؤفكون اه شهاب.

قوله: (بعد إقرارهم بذلك) أي: ما ذكر من الخلق و التسخير اه.

قوله: وَ يَقْدِرُ لَهُ‏ الضمير راجع لمن على حد قولك: عندي درهم و نصفه أي و نصف درهم آخر اه كرخي.

قوله: فَأَحْيا بِهِ‏ أي: بالنبات الأرض الخ. و قوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها أي: جدبها و قحط أهلها اه قرطبي.

قوله: (فكيف يشركون به) أي: بعد هذا الإقرار. و عبارة القرطبي: أي: فإذا أقررتم بذلك فلم تشركون به و تنكرون الإعادة و إذا قدر على ذلك فهو القادر على إغناء المؤمنين فكرر تأكيدا اه.

تنبيه:

ذكر في السموات و الأرض الخلق، و في الشمس و القمر التسخير، لأن مجرد خلق الشمس و القمر ليس حكمة، فإن الشمس لو كانت مخلوقة بحيث تكون في موضع واحد لا تتحرك ما حصل الليل و النهار و لا الصيف و الشتاء، فحينئذ الحكمة إنما هو في تحريكهما و تسخيرهما اه كرخي.

قوله: (على ثبوت الحجة عليكم) عبارة القرطبي: قال الحمد للّه على ما أوضح من الحجج و البراهين على قدرته، و قيل: قل الحمد للّه على إقرارهم بذلك، و قيل: قل الحمد للّه على إنزال الماء و إحياء الأرض بالنبات اه.

قوله: (تناقضهم في ذلك) أي حيث يقرون بأنه المبدى‏ء لك ما عداه ثم يشركون به الصنم اه بيضاوي.

قوله: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إشارة إلى التحقير و التصغير لأمرها، و كيف لا يصغرها و هي لا تزن عند اللّه جناح بعوضة اه كرخي.

قوله: إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ‏ اللهو: هو الاستمتاع بلذات الدنيا، و قيل: هو الاشتغال بما لا يعنيه و ما لا يهمه و اللعب: هو العبث و في هذا تصغير للدنيا و ازدراء بها، و معنى الآية أن سرعة زوال الدنيا عن أهلها و تقلبهم فيها و موتهم عنها كما يلعب الصبيان ساعة ثم ينصرفون اه خازن.

و قيل: اللهو هو الإعراض عن الحق بالكلية، و اللعب الإقبال على الباطل اه رازي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 83

و أما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ بمعنى الحياة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ (64) ذلك ما آثروا الدنيا عليها

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي الدعاء، أي لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ‏ (65) به‏

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ‏ من النعمة وَ لِيَتَمَتَّعُوا باجتماعهم على عبادة الأصنام، قوله: (و أما القرب) كالصلاة و الصوم و الحج الاستغفار و التسبيح اه.

قوله: لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ قدر أبو البقاء و غيره قبل المبتدأ مضافا أي: و أن حياة الدار الآخرة و إنما قدروا ذلك ليتطابق المبتدأ و الخبر و المبالغة أحسن، و واو الحيوان عن ياء عند سيبويه و أتباعه، و إنما أبدلت واوا شذوذا، و كذا في حياة علما. و قال أبو البقاء: لئلا يلتبس بالتثنية يعني لو قيل حييان، قال:

و لم تقلب ألفا لتحركها و انفتاح ما قبلها لئلا تحذف إحدى الألفين. و غير سيبويه حمل ذلك على ظاهره فالحياة عنده لامها واو و لا دليل لسيبويه في حي، لأن الواو متى انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو عرى و رعى و رضى اه سمين.

قوله: (بمعنى الحياة) أي: الدائمة الخالدة التي لا موت فيها اه خازن.

قوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ (ذلك) أي: أن الحياة هي حياة الآخرة و قوله: (ما آثروا الدنيا عليها) جواب لو.

قوله: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ‏ قال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله‏ فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ؟ قلت: اتصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به و شرح من أمرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك و العناد، فإذا ركبوا الخ اه سمين.

و ذلك لأنهم كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر و قالوا: يا رب يا رب و دعوا اللّه مخلصين أي: صورة لا حقيقة، لأن قلوبهم مشحونة بالشرك اه من الخازن.

قوله: إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ‏ جواب لما أي فاجأ التنجية إشراكهم باللّه أي: لم يتأخر عنها، و اللام في ليكفروا لام كي و ليتمتعوا عطف عليه، و المعنى عادوا إلى شركهم ليكفروا أي: الحامل لهم على الشرك كفرهم بما أعطاهم اللّه و تلذذهم بما متعوا به من عرض الدنيا بخلاف المؤمنين فلم يقابلوها إلا بالشكر للّه تعالى على ذلك، ثم ذكرهم تعالى نعمه حيث أسكنهم بلدة آمنوا فيها لا يغزوهم أحد من كونهم قليلي العدد قارين في مكان غير ذي زرع، و هذه من أعظم النعم التي كفروا بها و هي نعمة لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى اه من النهر.

و قوله: (لام كي) فيه شي‏ء لأنه ليس الحامل لهم على الإشراك قصد الكفر، و الظاهر أنها لام العاقبة و المآل كما أشار له الشهاب.

قوله: بِما آتَيْناهُمْ‏ من نعمة الإنجاء. قوله: (أمر تهديد) أي: في الفعلين و بعضهم جعل اللام لام كي فيهما، و محله في الثانية عند كسر اللام. أما على قراءة تسكينها فهي لام الأمر اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 84

و في قراءة بسكون اللام أمر تهديد فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (66) عاقبة ذلك‏

أَ وَ لَمْ يَرَوْا يعلموا أَنَّا جَعَلْنا بلدهم مكة حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ قتلا و سبيا دونهم‏ أَ فَبِالْباطِلِ‏ الصنم‏ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ‏ (67) بإشراكهم‏

وَ مَنْ‏ أي لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن أشرك به‏ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ‏ النبي أو الكتاب‏ لَمَّا جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً‏ مأوى‏ لِلْكافِرِينَ‏ (68) أي فيها ذلك و هو منهم‏

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا في حقنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي طرق السير إلينا قوله: وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ الجملة حال بتقدير مبتدأ أي: و هم يتخطف الناس الخ اه شيخنا.

قوله: (أي فيها ذلك) أشار به إلى أن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي صار إيجابا فيرجع إلى معنى التقرير اه كرخي.

قوله: (و هو) أي من افترى على اللّه كذبا و كذب بالحق و قوله: (منهم) أي من الكافرين اه.

قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا أي: أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دل عليه بالمفاعلة فينا، أي: بسبب حقنا و مراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار و غيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول و الفعل في الشدة و الرخاء، و مخالفة الهوى عند هجوم الفتن، و شدائد المحن مستحضرين لعظمتنا لنهدينهم سبلنا أي: طرق السير إلينا، و هي الطريق المستقيمة، و الطريق المستقيمة هي التي توصل إلى رضا اللّه عز و جل. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإن اللّه تعالى قال: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. و قال الحسن: الجهاد مخالفة الهوى، و قال الفضيل بن عياض: و الذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. و قال سهل بن عبد اللّه:

و الذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. و قال أبو سليمان الداراني: و الذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا. و عن بعضهم من عمل بما علم وفق لعلم ما لم يعلم، و قيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لم نعلم إنما هو من تقصيرنا فيما نعلم، و قيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعة اه خطيب.

و عبارة القرطبي: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا أي: جاهدوا الكفار فينا أي لطلب مرضاتنا. قال السدي و غيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال، و قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، و إنما هو جهاد عام في دين اللّه و طلب مرضاته. قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد. و قال عياش، و إبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون. و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من عمل بما علم علمه اللّه ما لم يعلم». و قال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا و لو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ‏ [البقرة:

282]. و قال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين و الرد على المبطلين و قمع الظالمين و أعظمه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و منه مجاهدة النفوس في طاعة اللّه تعالى و هو الجهاد الأكبر. قال ابن عيينة: مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم فكذلك من لزم السنة في الدنيا سلم. قال عبد اللّه بن سلام: و الذين جاهدوا في طاعتنا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 85

وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ (69) المؤمنين بالنصر و العون.

لنهدينهم سبل ثوابنا و هذا يتناول جميع الطاعات اه.

قوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ‏ أي: لنزيدنهم هدى، و قوله: (أي طرق السير إلينا) أي: طرق الوصول إلى مرضاتنا. قوله: لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ فيه إقامة الظاهر مقام المضمر إظهارا لشرفهم بوصف الإحسان اه سمين.

صفحه بعد