کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 83

و أما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ بمعنى الحياة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ (64) ذلك ما آثروا الدنيا عليها

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي الدعاء، أي لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ‏ (65) به‏

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ‏ من النعمة وَ لِيَتَمَتَّعُوا باجتماعهم على عبادة الأصنام، قوله: (و أما القرب) كالصلاة و الصوم و الحج الاستغفار و التسبيح اه.

قوله: لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ قدر أبو البقاء و غيره قبل المبتدأ مضافا أي: و أن حياة الدار الآخرة و إنما قدروا ذلك ليتطابق المبتدأ و الخبر و المبالغة أحسن، و واو الحيوان عن ياء عند سيبويه و أتباعه، و إنما أبدلت واوا شذوذا، و كذا في حياة علما. و قال أبو البقاء: لئلا يلتبس بالتثنية يعني لو قيل حييان، قال:

و لم تقلب ألفا لتحركها و انفتاح ما قبلها لئلا تحذف إحدى الألفين. و غير سيبويه حمل ذلك على ظاهره فالحياة عنده لامها واو و لا دليل لسيبويه في حي، لأن الواو متى انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو عرى و رعى و رضى اه سمين.

قوله: (بمعنى الحياة) أي: الدائمة الخالدة التي لا موت فيها اه خازن.

قوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ (ذلك) أي: أن الحياة هي حياة الآخرة و قوله: (ما آثروا الدنيا عليها) جواب لو.

قوله: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ‏ قال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله‏ فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ؟ قلت: اتصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به و شرح من أمرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك و العناد، فإذا ركبوا الخ اه سمين.

و ذلك لأنهم كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر و قالوا: يا رب يا رب و دعوا اللّه مخلصين أي: صورة لا حقيقة، لأن قلوبهم مشحونة بالشرك اه من الخازن.

قوله: إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ‏ جواب لما أي فاجأ التنجية إشراكهم باللّه أي: لم يتأخر عنها، و اللام في ليكفروا لام كي و ليتمتعوا عطف عليه، و المعنى عادوا إلى شركهم ليكفروا أي: الحامل لهم على الشرك كفرهم بما أعطاهم اللّه و تلذذهم بما متعوا به من عرض الدنيا بخلاف المؤمنين فلم يقابلوها إلا بالشكر للّه تعالى على ذلك، ثم ذكرهم تعالى نعمه حيث أسكنهم بلدة آمنوا فيها لا يغزوهم أحد من كونهم قليلي العدد قارين في مكان غير ذي زرع، و هذه من أعظم النعم التي كفروا بها و هي نعمة لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى اه من النهر.

و قوله: (لام كي) فيه شي‏ء لأنه ليس الحامل لهم على الإشراك قصد الكفر، و الظاهر أنها لام العاقبة و المآل كما أشار له الشهاب.

قوله: بِما آتَيْناهُمْ‏ من نعمة الإنجاء. قوله: (أمر تهديد) أي: في الفعلين و بعضهم جعل اللام لام كي فيهما، و محله في الثانية عند كسر اللام. أما على قراءة تسكينها فهي لام الأمر اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 84

و في قراءة بسكون اللام أمر تهديد فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (66) عاقبة ذلك‏

أَ وَ لَمْ يَرَوْا يعلموا أَنَّا جَعَلْنا بلدهم مكة حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ قتلا و سبيا دونهم‏ أَ فَبِالْباطِلِ‏ الصنم‏ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ‏ (67) بإشراكهم‏

وَ مَنْ‏ أي لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن أشرك به‏ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ‏ النبي أو الكتاب‏ لَمَّا جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً‏ مأوى‏ لِلْكافِرِينَ‏ (68) أي فيها ذلك و هو منهم‏

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا في حقنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي طرق السير إلينا قوله: وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ الجملة حال بتقدير مبتدأ أي: و هم يتخطف الناس الخ اه شيخنا.

قوله: (أي فيها ذلك) أشار به إلى أن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي صار إيجابا فيرجع إلى معنى التقرير اه كرخي.

قوله: (و هو) أي من افترى على اللّه كذبا و كذب بالحق و قوله: (منهم) أي من الكافرين اه.

قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا أي: أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دل عليه بالمفاعلة فينا، أي: بسبب حقنا و مراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار و غيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول و الفعل في الشدة و الرخاء، و مخالفة الهوى عند هجوم الفتن، و شدائد المحن مستحضرين لعظمتنا لنهدينهم سبلنا أي: طرق السير إلينا، و هي الطريق المستقيمة، و الطريق المستقيمة هي التي توصل إلى رضا اللّه عز و جل. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإن اللّه تعالى قال: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. و قال الحسن: الجهاد مخالفة الهوى، و قال الفضيل بن عياض: و الذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. و قال سهل بن عبد اللّه:

و الذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. و قال أبو سليمان الداراني: و الذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا. و عن بعضهم من عمل بما علم وفق لعلم ما لم يعلم، و قيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لم نعلم إنما هو من تقصيرنا فيما نعلم، و قيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعة اه خطيب.

و عبارة القرطبي: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا أي: جاهدوا الكفار فينا أي لطلب مرضاتنا. قال السدي و غيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال، و قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، و إنما هو جهاد عام في دين اللّه و طلب مرضاته. قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد. و قال عياش، و إبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون. و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من عمل بما علم علمه اللّه ما لم يعلم». و قال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا و لو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ‏ [البقرة:

282]. و قال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين و الرد على المبطلين و قمع الظالمين و أعظمه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و منه مجاهدة النفوس في طاعة اللّه تعالى و هو الجهاد الأكبر. قال ابن عيينة: مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم فكذلك من لزم السنة في الدنيا سلم. قال عبد اللّه بن سلام: و الذين جاهدوا في طاعتنا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 85

وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ (69) المؤمنين بالنصر و العون.

لنهدينهم سبل ثوابنا و هذا يتناول جميع الطاعات اه.

قوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ‏ أي: لنزيدنهم هدى، و قوله: (أي طرق السير إلينا) أي: طرق الوصول إلى مرضاتنا. قوله: لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ فيه إقامة الظاهر مقام المضمر إظهارا لشرفهم بوصف الإحسان اه سمين.

و اللام للتوكيد و في مع قولان قيل: اسم، و قيل: حرف. فدخول اللام عليها ظاهر على القول الأول و لام التوكيد إنما تدخل على الأسماء، و كذا على الثاني من حيث إن فيها معنى الاستقرار كما في نحو: إن زيدا لفي الدار، و مع إذا سكنت عينها فهي حرف لا غير، و إذا فتحت جاز أن تكون اسما و أن تكون حرفا و الأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى اه من القرطبي و اللّه أعلم.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 86

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة الروم مكية و هي ستون أو تسع و خمسون آية

الم‏ (1) اللّه أعلم بمراده بذلك‏

غُلِبَتِ الرُّومُ‏ (2) و هم أهل كتاب، غلبتها فارس و ليسوا أهل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: (مكية) أي: إلا قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ‏ [الروم: 17] الآية اه بيضاوي.

و في القرطبي: إنها مكية كلها من غير خلاف.

قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ‏ الروم اسم قبيلة و سميت باسم جدها و هو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم اه من تفسير ابن جزي.

و سمي عيصو لأنه كان مع يعقوب في بطن فعند خروجهما تزاحما و أراد كل أن يخرج قبل صاحبه، فقال عيصو ليعقوب: إن لم أخرج قبلك و إلّا خرجت من جنبها فتأخر يعقوب شفقة منه، فلذا كان أبا الأنبياء، و عيصو أبا الجبارين اه شيخنا.

و سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس و الروم قتال، و كان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن فارس كانوا مجوسا أميين، و المسلمون يودون غلبة الروم لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشا إلى الروم و استعمل عليهم رجلا يقال له شهريزان، و بعث قيصر جيشا و أمّر عليهم رجلا يدعى بخنس، فالتقيا بإذرعات و بصرى و هي أدنى الشام إلى أرض العرب و العجم فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم و فرح به كفار مكة و قالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب و النصارى أهل كتاب و نحن أميون، و قد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم و إنكم أن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال: فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فو اللّه لتظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم. فقام إليه أبي بن خلف الجمحي و قال: كذبت. فقال له الصديق: أنت أكذب يا عدو اللّه، فقال: اجعل أجلا أناحبك عليه، و المناحبة: بالحاء المهملة القمار و المراهنة أي: أراهنك على عشر قلائص مني و عشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت لك، و إن ظهرت فارس على الروم غرمت لي.

ففعلوا و جعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأخبره بذلك و كان ذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع فزايده في الخطر و مادده‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 87

كتاب بل يعبدون الأوثان، ففرح كفار مكة بذلك و قالوا للمسلمين: نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم‏

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏ أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة، التقى فيها الجيشان، و البادى‏ء بالغزو الفرس‏ وَ هُمْ‏ أي الروم‏ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ‏ أضيف المصدر إلى المفعول، أي غلبة فارس إياهم‏ سَيَغْلِبُونَ‏ (3) فارس‏

فِي بِضْعِ سِنِينَ‏ هو ما بين الثلاث إلى التسع أو في الأجل». فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال: لعلك ندمت فقال: لا فتعال أزايدك في الخطر و أماددك في الأجل، فجعلها مائة قلوص و مائة قلوص إلى تسع سنين و قيل إلى سبع، فقال: قد فعلت. فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه و لزمه و قال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفله ابنه عبد اللّه بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد اللّه بن أبي بكر فلزمه و قال:

لا و اللّه لا أدعك حتى تعطيني كفيلا ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة و مات بها من جراحته التي جرحه إياها النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حين بارزه، و ظهرت الروم على فارس يوم الحديبية و ذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم، و قيل: كان يوم بدر، و ربطت الروم خيولهم بالمدائن و بنوا بالعراق مدينة و سموها رومية فقمر أبو بكر أبيا و أخذ مال الخطر من ورثته، و جاء به إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و ذلك قبل أن يحرم القمار فقال له النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «تصدق به» اه خازن.

قوله: (و هم أهل كتاب) أي: نصارى، فهم أقرب إلى الإسلام، و قوله: (و ليسوا أهل كتاب) أي: ليس الفرس أهل كتاب بل مجوس فهم أقرب إلى كفار قريش اه.

قوله: (غلبتها فارس) اسم أعجمي علم على تلك القبيلة فهو ممنوع من الصرف للعلمية و التأنيث بل و العجمة اه.

قوله: فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏ متعلق بغلبت. قوله: (أي أقرب أرض الروم) فأدنى أفعل تفضيل بمعنى أقرب، و أل في الأرض بدل من المضاف إليه، و المراد بالجزيرة ما بين دجلة و الفرات، و ليس المراد بها جزيرة العرب وحدها على ما روي عن الأصمعي أنها من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا، و من جدة و ما والاها إلى أطراف الشام عرضا، و سبب تسميتها جزيرة إحاطة البحار و الأنهار العظيمة بها كبحر الحبشة و بحر فارس و دجلة و الفرات اه زاده.

و قال ابن جزي في تفسيره: الجزيرة بين الشام و العراق و هي أول الروم إلى فارس اه.

و في الخازن: في أدنى الأرض يعنى أقرب أرض الشام إلى فارس، و قيل: هي أذرعات، و قيل:

الأردن، و قيل: الجزيرة اه.

و كانت هذه الوقعة قبل الهجرة بخمس سنين على القول بأن الوقعة الثانية كانت في السنة الثانية من الهجرة في يوم بدر كما يؤخذ من قول الشارح الآتي: فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول مع قوله: و علموا به يوم وقوعه يوم بدر، و قيل: إن الوقعة الثانية كانت عام الحديبية سنة ست، و عليه تكون الوقعة الأولى قبل الهجرة بسنة. قوله: (بالجزيرة) صفة لأرض الروم متعلق بمحذوف أي:

أرض الروم الكائنة بالجزيرة. قوله: وَ هُمْ‏ مبتدأ، و قوله: (من بعد غلبهم) مصدر الفعل المبني للمجهول فهو مضاف للمفعول أي: و هم من بعد كونهم مغلوبين أو من بعد مغلوبيتهم، و قوله:

سَيَغْلِبُونَ‏ خبر المبتدأ و من بعد غلبهم متعلق به اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 88

العشر، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول، و غلبت الروم فارس‏ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ أي من قبل غلب الروم و من بعده، المعنى أن غلبة فارس أولا و غلبة الروم ثانيا، بأمر اللّه أي إرادته‏ وَ يَوْمَئِذٍ أي يوم تغلب الروم‏ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‏ (4)

بِنَصْرِ اللَّهِ‏ إياهم قوله: فِي بِضْعِ سِنِينَ‏ أبهم البضع و لم يبينه و إن كان معلوما لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم لإدخال الرعب و الخوف عليهم في كل وقت كما يؤخذ ذلك من الرازي. قوله: (فالتقى الجيشان) أي: جيش قيصر ملك الروم فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي إلى الفرس و غلبوهم و قتلوهم و مات كسرى ملك الفرس اه.

قوله: مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ العامة على بنائهما لقطعهما عن الإضافة و ارادتها أي: من قبل الغلب و من بعده أو من قبل كل أمر و من بعده، و حكى الفراء كسرهما من غير تنوين و غلطه النحاس و قال:

إنما يجوز من قبل و من بعد يعني مكسورا منونا. قلت: و قد قرى‏ء بذلك و وجهه إنه لم ينو إضافتهما فأعربهما، و حكي من قبل بالتنوين و الجر و من بعد بالبناء على الضم، و قد خرج بعضهم ما حكاه الفراء على أنه قدر أن المضاف إليه موجود فترك الأول بحاله اه سمين.

قوله: (أي من قبل غلب الروم) أي: من قبل كونهم غالبين، و هذا القبل هو وقت كونهم مغلوبين، و قوله: (و من بعده) أي بعد غلب الروم بمعنى كونهم مغلوبين و بعد كونهم مغلوبين هو وقت كونهم غالبين، فكأنه قال: من وقت المغلوبية و وقت الغالبية فهو لف و نشر مرتب على الآية. و عبارة أبي السعود: للّه الأمر من قبل و من بعد أي: في أول الوقتين و في آخرهما حين غلبوا و حين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين، و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين، و المعنى أن كلّا من كونهم مغلوبين أولا و غالبين آخرا ليس إلا بأمر اللّه تعالى و قضائه، و تلك الأيام نداولها بين الناس اه.

قوله: (و المعنى أن غلبة فارس أولا و غلبة الروم ثانيا الخ) المصدر مضاف لفاعله في كل منهما أشار به إلى جواب ما قيل أي: فائدة في ذكر قوله‏ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ، لأن قوله‏ سَيَغْلِبُونَ‏ بعد قوله غلبت الروم لا يكون إلا من بعد الغلبة. و إيضاح الجواب: أن فائدته إظهار القدرة و بيان أن ذلك بأمر اللّه لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفا، فلو كان غلبتهم بشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم، فإذا غلبوا بعد ما غلبوا دل على أن ذلك بأمر اللّه فقال من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم و يتذكروا أنه ليس بقوتهم، و إنما ذلك بأمر هو من اللّه تعالى، و قوله: (في أدنى الأرض) لبيان شدة ضعفهم أي: انتهى بعضهم إلى أن وصل عدوهم إلى طرف بلادهم و كسروهم و هم في بلادهم، ثم غلبوا حتى وصلوا إلى المدائن و بنواهناك الرومية لبيان أن هذه الغلبة العظيمة بعد ذلك الضعف العظيم بإذن اللّه تعالى اه كرخي.

قوله: (أي يوم تغلب الروم) أشار به إلى أن التنوين في يومئذ قائم مقام الجملة التي تضاف إذ إليها اه كرخي.

قوله: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‏ أي: لموافقتهم الروم في أن الكل أهل كتاب و أعداؤهم أهل أصنام اه.

قوله: بِنَصْرِ اللَّهِ‏ متعلق بيفرح اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 89

على فارس، و قد فرحوا بذلك و عملوا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل بذلك فيه، مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه‏ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب‏ الرَّحِيمُ‏ (5) بالمؤمنين‏

وَعْدَ اللَّهِ‏ مصدر بدل من اللفظ بفعله، و الأصل وعدهم اللّه النصر لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ به‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ‏ أي كفار مكة لا يَعْلَمُونَ‏ (6) وعده تعالى بنصرهم‏

يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي معايشها من التجارة و الزراعة و البناء و الغراس و غير ذلك‏ وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ‏ (7) إعادة هم تأكيد

أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ‏ ليرجعوا عن غفلتهم‏ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ قوله: (و قد فرحوا) أي: المؤمنون، و قوله: (بذلك) أي: النصر. قوله: (يوم بدر) بدل من يوم وقوعه أو ظرف منصوب بوقوعه، و قوله (بنزول) متعلق بعلموا، فإن غلبة الروم كانت يوم غلبة المسلمين المشركين ببدر و وصل ذلك إلى المؤمنين بخبر جبريل اه رازي.

و قوله: (بذلك) أي بغلبة الروم على فارس، و قوله: (مع فرحهم) متعلق بقوله (و قد فرحوا) فهما فرحتان.

قوله: وَعْدَ اللَّهِ‏ منصوب مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت و هي قوله: سَيَغْلِبُونَ‏ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‏ اه من النهر.

فوعدهم بالنصر و بالفرح، فكأنه قال وعدهم بالنصر وعدا و وعدهم بالفرح وعدا لا يخلف اه.

و قوله: لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ مقرر لمعنى هذا المصدر، و يصح كونه حالا من المصدر الموصوف فهو مبين للنوع كأنه قيل: وعد اللّه وعدا غير مخلف اه كرخي.

قوله: (بدل من اللفظ بفعله) أي: وعدهم اللّه وعدا كقوله: (له علي ألف عرفا) لأن معناه اعترفت له بها اعترافا اه ابن جزي.

قوله: (به) أي: بالنصر. قوله: لا يَعْلَمُونَ‏ (وعده تعالى الخ) أي: لجهلهم و عدم تفكرهم نفى عنهم العلم النافع للآخرة، و قد أثبت لهم العلم بأحوال الدنيا اه من النهر.

و قوله: (بنصرهم) أي: المؤمنين.

قوله: يَعْلَمُونَ‏ الضمير للأكثر و كذا يقال فيما بعده. قوله: (أي معايشها الخ) يوضحه قول الكشاف قوله: يَعْلَمُونَ‏ بدل من قوله‏ لا يَعْلَمُونَ، و في هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه و جعله بحيث يقوم مقامه و يسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل و بين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا، و قوله: ظاهرا من الحياة الدنيا يفيد أن للدنيا ظاهرا و باطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها و التنعم بملاذها و باطنها، و حقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة و الأعمال الصالحة، و هذا أحسن من قول الحوفي إنّه مستأنف من حيث المعنى، إلى أن الصناعة لا تساعد عليه لأن بدل فعل مثبت من فعل منفي لا يصح اه كرخي.

قوله: (إعادة هم) أي: إعادة لفظ هم الثانية للتأكيد.

صفحه بعد