کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 111

ضَعْفاً وَ شَيْبَةً ضعف الكبر و شيب الهرم، و الضعف في الثلاثة بضم أوله و فتحه‏ يَخْلُقُ ما يَشاءُ من الضعف و القوة و الشباب و الشيبة وَ هُوَ الْعَلِيمُ‏ بتدبير خلقه‏ الْقَدِيرُ (54) على ما يشاء

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ‏ يخلف‏ الْمُجْرِمُونَ‏ الكافرون‏ ما لَبِثُوا مكثوا في القبور غَيْرَ ساعَةٍ قال تعالى‏ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ‏ (55) يصرفون عن الحق البعث، كما صرفوا عن الحق الصدق في مدة اللبث‏

وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ‏ من الملائكة و غيرهم‏ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ‏ فيما كتبه قوله: وَ شَيْبَةً أي: شيبا و هو بياض الشعر الأسود، و يحصل أوله في الغالب في السنة الثالثة و الأربعين و هو أول سن الاكتهال، و الأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة و الستين و هو أول سن الشيخوخة، و يقوي الضعف إلى ما شاء اللّه تعالى اه خطيب.

قوله: (بضم أوله و فتحه) سبعيتان. و في المصباح: الضعف بفتح الضاد في لغة تميم و بضمها في لغة قريش خلاف القوة و الصحة، فالمضموم مصدر ضعف مثال قرب قربا، و المفتوح مصدر ضعف ضعفا من باب قتل، و منهم من يجعل المفتوح في الرأي و المضموم في الجسد و هو ضعيف و الجمع ضعفاء و ضعاف أيضا اه.

قوله: وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أي: توجد و تحصل الساعة أي: القيامة و هي النفخة الثانية، و سميت ساعة لحصولها في آخر ساعة من ساعات الدنيا، و لفظ يوم منصوب بيقسم. و قوله: (يحلف) أي: حلفا كاذبا مخالفا للواقع أوقعهم فيه الدهشة و الحيرة، قوله: غَيْرَ ساعَةٍ أي: قطعة يسيرة من الزمان اه شيخنا.

قوله: (الكافرون) أي: المنكرون للبعث. قوله: ما لَبِثُوا (في القبور) قاله مقاتل و الكلبي أو في الدنيا، و قدمه القاضي على ما قبله كالكشاف اه كرخي.

و في الخطيب: ما لَبِثُوا أي: في الدنيا غير ساعة استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة. و قال مقاتل، و الكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الأحقاف: 35] و قيل: فيما بين فناء الدنيا و البعث. و في حديث رواه الشيخان:

«ما بين النفختين أربعون» و هو محتمل للساعات و الأيام و الأعوام اه.

قوله: (يصرفون عن الحق) أن عن الإقرار و الاعتراف به في الدنيا، و قوله: الْبَعْثِ‏ بدل من الحق و هذا بيان للمشبه. و قوله: (كما صرفوا الخ) بيان للمشبه به الذي هو المراد باسم الإشارة اه شيخنا.

قوله: (في مدة اللبث) أي: في القبور أو في الدنيا على ما تقدم.

قوله: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏ الخ أي: قالوا ردا على هؤلاء الكفرة و تكذيبا لهم، و قوله:

(و غيرهم) أي: من الأنبياء و المؤمنين، و قوله: لَقَدْ لَبِثْتُمْ‏ أي: في القبور، و قوله: فِي كِتابِ اللَّهِ‏ أي لبثم فيها بحسب ما علمه اللّه و قدره، و قوله: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ‏ معطوف على لقد لبثم فهو من جملة المقول اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 112

في سابق علمه‏ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ‏ الذي أنكرتموه‏ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏ (56) وقوعه‏

فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ‏ بالياء و التاء الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ‏ في إنكارهم له‏ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ (57) لا يطلب منهم العتبى، أي الرجوع إلى ما يرضي اللّه‏

وَ لَقَدْ ضَرَبْنا جعلنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ‏ تنبيها لهم‏ وَ لَئِنْ‏ لام قسم‏ جِئْتَهُمْ‏ يا محمد بِآيَةٍ مثل العصا و اليد لموسى‏ لَيَقُولَنَ‏ حذف منه نون الرفع لتوالي النونات، و الواو ضمير الجمع لالتقاء و في البيضاوي: و الفاء في قوله: فهذا جواب شرط محذوف تقديره إن كنتم منكرين للبعث، فهذا يومه أي: فقد تبين بطلان إنكاركم اه.

قوله: (الذي أنكرتموه) أي: في الدنيا، و قوله: كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏ أي: لا تعرفون و لا تقرون بوقوعه.

قوله: فَيَوْمَئِذٍ لفظ يوم منصوب بلا تنفع و التنوين في إذ عوض عن جمل محذوفة أي: يومئذ قامت الساعة و حلف المشركون كاذبين، ورد عليهم الملائكة و المؤمنون و بينوا كذبهم لا تنفع الخ اه شيخنا.

و في الشهاب: فيومئذ تفصيل لما يفهم مما قبلها من أنه لا يفيدهم تقليل مدة اللبث و لا يفيدهم و لا النسيان أو هو جواب شرط مقدر أيضا. و قوله: مَعْذِرَتُهُمْ‏ كأنهم توهموا أن التقليل و نحوه عذر في عدم طاعتهم كقوله: أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ‏ [فاطر: 37] الآية اه.

قوله: لا يَنْفَعُ‏ (بالياء و التاء) سبعيتان و قوله: مَعْذِرَتُهُمْ‏ أي: اعتذارهم اه.

قوله: (العتبى) اسم من أعتب كالرجعى وزنا و معنى، و لذلك فسرها بقوله: (أي الرجوع إلى ما يرضي اللّه) أي: من التوبة و العمل الصالح، و ذلك لانقطاع التكليف في ذلك اليوم اه شيخنا.

و في البيضاوي: وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ لا يدعون إلى ما يقتضي أعتابهم أي: إزالة عتبهم من الطاعة و التوبة، كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي: استرضاني فأرضيته اه.

و في المصباح: عتب عليه عتبا من باب ضرب و قتل و معتبا أيضا لامه في سخطه فهو عاتب و عتاب مبالغة و به سمي، و منه عتاب بن أسيد، و عاتبه معاتبة و عتابا. قال الخليل: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال و مذاكرة الموجدة، و أعتبني: الهمزة للسلب أي: أزال الشكوى و العتاب، و استعتب طلب الإعتاب، و العتبي اسم من الأعتاب اه.

قوله: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ‏ أي: و لقد وصفنا لهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال مثل صفة المبعوثين يوم القيامة، ما يقولون و ما يقال لهم و ما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة و الاستعتاب أو بينا لهم كل مثل ينبههم على التوحيد و البعث و صدق الرسول اه بيضاوي.

قوله: مِنْ كُلِّ مَثَلٍ‏ أي: أي يرشدهم قطعا لعذرهم و كلمة من للتبعيض اه كرخي.

قوله: لَيَقُولَنَ‏ اللام مؤكدة واقعة في جواب قسم و يقولن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، فاللام مفتوحة باتفاق القراء و الفاعل هو الاسم الموصول الذي هو من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 113

الساكنين‏ الَّذِينَ كَفَرُوا منهم‏ إِنْ‏ ما أَنْتُمْ‏ أي محمد و أصحابه‏ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏ (58) أصحاب أباطيل‏

كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ (59) التوحيد كما طبع على قلوب هؤلاء

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بنصرك عليهم‏ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ‏ (60) بالبعث، أي لا يحملنك على الخفة و الطيش بترك الصبر، أي لا تتركنه.

قبيل الظاهر و هو الذين كفروا. إذا علمت هدا علمت أن قول الشارح حذف منه الخ سبق فلم، و كان الأولى إسقاط هذه العبارة لأنها توهم أن الفعل بضم اللام و أن فاعله واو محذوفة لالتقاء الساكنين و توهم أن ضم اللام قراءة، و قد علمت أنه ليس كذلك و جل من لا يسهو اه شيخنا.

قوله: (منهم) حال أن حال كون الكافرين من جملة الناس اه شيخنا.

قوله: لا يَعْلَمُونَ‏ (التوحيد) عبارة البيضاوي: لا يطلبون العلم و يصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق و يوجب تكذيب المحق اه.

قوله: فَاصْبِرْ الفاء فصيحة أي: إذا علمت حالهم و طبع اللّه على قلوبهم فاصبر الخ اه شهاب.

قوله: لا يُوقِنُونَ‏ (بالبعث) أي: لا يصدقون به. قوله: (و الطيش) عطفه على الخفة مرادف و هو من باب باع يبيع اه شيخنا.

و في المصباح: الطيش الخفة و هو مصدر من باب باع اه.

قوله: (أي لا تتركنه) أي: الصبر بسبب تكذيبهم و إيذائهم فإنهم ضالون شاكون لا يستغرب منهم ذلك اه بيضاوي.

و في القرطبي: يقال: استخف فلان فلانا إذا استجهله حتى حمله على اتباعه في الغي اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 114

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة لقمان مكية إلا وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ‏ الآيتان فمدنيتان و هي أربع و ثلاثون آية

الم‏ (1) اللّه أعلم بمراده به‏

تِلْكَ‏ أي هذه الآيات‏ آياتُ الْكِتابِ‏ القرآن‏ الْحَكِيمِ‏ (2) ذي الحكمة و الإضافة بمعنى من هو

هُدىً وَ رَحْمَةً بالرفع‏ لِلْمُحْسِنِينَ‏ (3) و في قراءة العامة بالنصب حالا من الآيات العامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بيان للمحسنين‏ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ (4) هم الثاني تأكيد

أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ (5) الفائزون‏

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ‏ أي ما يلهي منه عما بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: (إلّا و لو أن ما في الأرض) في نسخة أو إلّا و لو أن ما في الأرض الخ يشير إلى قولين، قيل: مكية كلها، و قيل: إلا الآيتين. و في البيضاوي: و قيل: إلا ثلاث آيات من قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ‏ [لقمان: 27] الخ و هذا قول ثالث. قوله: (ذي الحكمة) زاد في الكشاف أو وصف بصفة اللّه تعالى على الإسناد المجازي قال: و يجوز أن يكون الأصل الحكيم قائله، فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و هو الضمير المجرور، فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة و هو من حسن الصناعة اه كرخي.

قوله: (بمعنى من) أي: آيات من الكتاب أي: هي بعضه. قوله: (بالرفع) هذه قراءة حمزة على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدره فهدى مرفوع بضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين كفتى، و رحمة مرفوع بضمة ظاهرة. و قوله: (و في قراءة العامة) المراد بهم ما عدا حمزة من بقية السبعة، و قوله: (حالا) منصوب على الحال أي: حالة كون كل منهما حالا و في نسخة حالان، و قوله:

(العامل) مبتدأ، و قوله: (ما في تلك الخ) خبره اه شيخنا.

قوله: (بيان للمحسنين) أي: بيان لهم بأشهر أوصافهم.

قوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ مبتدأ خبره يوقنون.

قوله: مَنْ يَشْتَرِي‏ من مفرد لفظا جمع معنى و روعي لفظها أولا في ثلاثة ضمائر يشتري و يضل و يتخذ و روعي معناها ثانيا في موضعين و هما أولئك لهم، رجع إلى مراعاة اللفظ في خمسة ضمائر

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 115

يعني‏ لِيُضِلَ‏ بفتح الياء و ضمها عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ طريق الإسلام‏ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها بالنصب عطفا على يضل و بالرفع عطفا على يشتري‏ هُزُواً مهزوءا بها أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ (6) ذو إهانة

وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا أي القرآن‏ وَلَّى مُسْتَكْبِراً متكبرا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً

و هي‏ وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ‏ الخ اه شيخنا.

قوله: لَهْوَ الْحَدِيثِ‏ اللهو مصدر لها يلهو، و المراد به هنا اسم الفاعل أي: ما يلهي و يشغل، و الإضافة على معنى من و لذلك قال: أي ما يلهي أي: يشغل منه عما يعني أي: عما يعني الإنسان و يهمه من طاعة ربه اه شيخنا.

قوله: (أي ما يلهي منه) فيه ميل إلى ما ذكره الحسن من أن لهو الحديث كل ما يشغل عن عبادة اللّه و ذكره من السمر و الأضاحيك و الخرافات و المغنيات و المزامير و المعازف، و في كلام الشيخ المصنف إشارة إلى الإضافة بمعنى من أي: اللهو من الحديث، لأن اللهو يكون حديثا و غيره فهو كثوب خز، و هذا أبلغ من حذف المضاف اه كرخي.

و قوله: (عما يعني) بفتح الياء التحتية أي: ينفع في الآخرة و هو استماع القرآن و العمل به اه.

قوله: (بفتح الياء) أي: ليستمر و يدوم و يثبت على الضلال و قوله: (و ضمها) أي: ليضل غيره فهو ضال مضل و هما سبعيتان اه شيخنا.

قال الزمخشري: فإن قلت: القراءة بالضم بينة لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام و استماع القرآن و يضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: له معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه و لا يصد عنه و يزيد فيه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين و صد الناس عنه. الثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل لما قيل إن من أصل كان ضلالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف اه سمين.

قوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ أي: علم بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن اه بيضاوي.

فاستفيد منه أن قوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ متعلق بيشتري على أنه حال من فاعله، أي يشتري غير عالم بحال ما يشتريه الخ. و في الكرخي: فإن قلت ما معنى قوله تعالى‏ بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ قلت: لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال يشتري بغير علم بالتجارة و بغير بصيرة بها حيث يستبدل الضلال بالهدى و الباطل بالحق، و نحوه قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ‏ [البقرة: 16] للتجارة أي: لصوابها اه كرخي.

قوله: وَ يَتَّخِذَها أي: الآيات أو السبيل.

قوله: وَلَّى‏ أي: أعرض، و قوله: مُسْتَكْبِراً حال. قوله: (و الثانية بيان للأولى) عبارة السمين: قوله: كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً حال ثانية، أو بدل مما قبلها، أو حال من فاعل يسمعها، أو تبيين لما قبلها. و جوز الزمخشري أن تكون جملتا التشبيه استئنافيتين اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 116

صمما، و جملتا التشبيه حالان من ضمير ولى، أو الثانية بيان للأولى‏ فَبَشِّرْهُ‏ أعلمه‏ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ (7) مؤلم، و ذكر البشارة تهكم به و هو النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم و يحدث بها أهل مكة و يقول: إن محمدا يحدثكم أحاديث عاد و ثمود، و أنا أحدثكم أحاديث فارس و الروم، فيستملحون حديثه، و يتركون استماع القرآن‏

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ (8)

خالِدِينَ فِيها حال مقدرة أي مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أي وعدهم اللّه ذلك و حقه حقا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلبه شي‏ء فيمنعه من إنجاز وعده و وعيده‏ الْحَكِيمُ‏ (9) الذي لا يضع شيئا إلا في محله‏

خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها أي العمد جمع عماد و هو الأسطوانة، و هو صادق بأن لا عمد أصلا وَ أَلْقى‏ فِي‏ قوله: (و هو) أي: من يشتري لهو الحديث النضر بن الحارث بن كلدة كان صديقا لقريش اه شيخنا.

قوله: (كان يأتي الحيرة) بكسر الحاء مدينة بقرب الكوفة كما في المختار اه شيخنا.

قوله: (فيستملحون حديثه) أي: يعدونه مليحا حسنا.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا الخ بيان لحال المؤمنين بآياته تعالى أثر بيان حال الكافرين بها اه أبو السعود.

قوله: (حال مقدرة) أي: المجرور باللام في لهم اه.

قوله: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا قال السمين: وعد مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ في معنى وعدهم اللّه ذلك، و حقا مصدر مؤكد لغيره أي: لمضمون تلك الجملة الأولى و عاملهما مختلف، فتقدير الأولى وعد اللّه ذلك وعدا، و تقدير الثانية و حقه حقا اه.

و عبارة الكرخي: قوله: (وعدهم اللّه ذلك و حقه حقا) أشار إلى أن وعد اللّه حقا مصدران مؤكدان، الأول: مؤكد لنفسه لأن معنى لهم جنات النعيم وعدهم اللّه بها فأكد معنى الوعد بالوعد، و حقا دال على معنى الثبات أكد به معنى الوعد و أكد جميعا قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ اه.

قوله: (أي وعدهم اللّه ذلك) أي: أن لهم جنات النعيم اه.

قوله: خَلَقَ السَّماواتِ‏ الخ استئناف مسوق للاستشهاد على عزته تعالى التي هي كمال القدرة و تمهيد لقاعدة التوحيد و إبطال لأمر الإشراك و تبكيت لأهله، و العمد جمع عماد كأهب جمع إهاب و هو ما يعمد به أي: يسند، يقال: عمدت الحائط إذ دعمته اه أبو السعود.

و في المصباح: الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط، و دعمت الحائط دعما من باب نفع اه.

قوله: (أي العمد) قد جعل الضمير راجعا للعمد، و عليه فجملة ترونها صفة لها. و قوله:

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 117

الْأَرْضِ رَواسِيَ‏ جبالا مرتفعة أَنْ‏ لا تَمِيدَ تتحرك‏ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا فيه التفات عن الغيبة مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏ (10) صنف حسن‏

هذا خَلْقُ اللَّهِ‏ أي مخلوقه‏ فَأَرُونِي‏ أخبروني يا أهل مكة ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ‏ غيره أي آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى، و ما استفهام إنكار مبتدأ، و ذا بمعنى الذي بصلته خبره، و أروني معلق عن العمل، و ما بعده سد مسد المفعولين‏ بَلِ‏ للانتقال‏ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ (11) بيّن بإشراكهم و أنتم منهم (الأسطوانة) بضم الهمزة و هي السارية و قوله: و هي أن النفي صادق الخ أي: و هذا هو المراد اه شيخنا.

و التقييد للعمدة المنفية بالرؤية فيه رمز إلى أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى و هي عمد القدرة اه أبو السعود.

و قوله: (جمع عماد) أي كما في القاموس و جمع عمود أيضا أي: كما فيه. و في المختار: و نص الثاني العمود جمعه في القلة أعمدة، و جمع الكثرة عمد بفتحتين و عمد بضمتين اه.

و في المصباح: و عمدت الحائط عمدا دعمته و أدعمته بالألف لغة، و العماد ما يسند به و الجمع عمد بفتحتين اه.

قوله: وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ‏ قال ابن عباس: هي الجبال الشامخات من أوتاد الأرض و هي سبعة عشر جبلا منها قاف، و أبو قبيس، و الجودي، و لبنان، و طور سينين، و طور سيناء أخرجه ابن جرير في المبهمات للسيوطي اه ابن لقيمة على البيضاوي.

و في المختار: رسا الشي‏ء ثبت و بابه عدا و سما، و الرواسي من الجبال الثوابت الرواسخ واحدتها راسية اه.

قوله: وَ بَثَّ فِيها أي: نشر و فرق من كل دابة. من: زائدة، و قوله: فَأَنْبَتْنا فِيها أي الأرض.

قوله: هذا أي: ما ذكر من السموات و الأرض و ما تعلق بهما من الأمور المعدودة اه أبو السعود.

قوله: فَأَرُونِي‏ يحتاج لثلاثة مفاعيل الياء أولهما، و جملة الاستفهام سادة مسد الاثنين كما سيأتي اه شيخنا.

فقول الشارح معلق عن العمل أي: في الثاني و الثالث، و هذا الإعراب غير ما تقدم للسمين غير مرة، و هو أن أرى إذا كانت بمعنى أخبر فإنها تتعدى لمفعولين الأول: مفرد صريح و هو هنا ضمير التكلم، و الثاني: جملة استفهامية و هي هنا ماذا خلق تأمل. قوله: (و ما استفهام إنكار) أي: و توبيخ و تقريع. قوله: (معلق على العمل) أي: في لفظ جزأي هذه الجملة، و لكنه عامل في محلها النصب، فقوله: (و ما بعده) هو جملة الاستفهام اه شيخنا.

صفحه بعد