کتابخانه تفاسیر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 111
ضَعْفاً وَ شَيْبَةً ضعف الكبر و شيب الهرم، و الضعف في الثلاثة بضم أوله و فتحه يَخْلُقُ ما يَشاءُ من الضعف و القوة و الشباب و الشيبة وَ هُوَ الْعَلِيمُ بتدبير خلقه الْقَدِيرُ (54) على ما يشاء
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ يخلف الْمُجْرِمُونَ الكافرون ما لَبِثُوا مكثوا في القبور غَيْرَ ساعَةٍ قال تعالى كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) يصرفون عن الحق البعث، كما صرفوا عن الحق الصدق في مدة اللبث
وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ من الملائكة و غيرهم لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ فيما كتبه قوله: وَ شَيْبَةً أي: شيبا و هو بياض الشعر الأسود، و يحصل أوله في الغالب في السنة الثالثة و الأربعين و هو أول سن الاكتهال، و الأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة و الستين و هو أول سن الشيخوخة، و يقوي الضعف إلى ما شاء اللّه تعالى اه خطيب.
قوله: (بضم أوله و فتحه) سبعيتان. و في المصباح: الضعف بفتح الضاد في لغة تميم و بضمها في لغة قريش خلاف القوة و الصحة، فالمضموم مصدر ضعف مثال قرب قربا، و المفتوح مصدر ضعف ضعفا من باب قتل، و منهم من يجعل المفتوح في الرأي و المضموم في الجسد و هو ضعيف و الجمع ضعفاء و ضعاف أيضا اه.
قوله: وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أي: توجد و تحصل الساعة أي: القيامة و هي النفخة الثانية، و سميت ساعة لحصولها في آخر ساعة من ساعات الدنيا، و لفظ يوم منصوب بيقسم. و قوله: (يحلف) أي: حلفا كاذبا مخالفا للواقع أوقعهم فيه الدهشة و الحيرة، قوله: غَيْرَ ساعَةٍ أي: قطعة يسيرة من الزمان اه شيخنا.
قوله: (الكافرون) أي: المنكرون للبعث. قوله: ما لَبِثُوا (في القبور) قاله مقاتل و الكلبي أو في الدنيا، و قدمه القاضي على ما قبله كالكشاف اه كرخي.
و في الخطيب: ما لَبِثُوا أي: في الدنيا غير ساعة استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة. و قال مقاتل، و الكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الأحقاف: 35] و قيل: فيما بين فناء الدنيا و البعث. و في حديث رواه الشيخان:
«ما بين النفختين أربعون» و هو محتمل للساعات و الأيام و الأعوام اه.
قوله: (يصرفون عن الحق) أن عن الإقرار و الاعتراف به في الدنيا، و قوله: الْبَعْثِ بدل من الحق و هذا بيان للمشبه. و قوله: (كما صرفوا الخ) بيان للمشبه به الذي هو المراد باسم الإشارة اه شيخنا.
قوله: (في مدة اللبث) أي: في القبور أو في الدنيا على ما تقدم.
قوله: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الخ أي: قالوا ردا على هؤلاء الكفرة و تكذيبا لهم، و قوله:
(و غيرهم) أي: من الأنبياء و المؤمنين، و قوله: لَقَدْ لَبِثْتُمْ أي: في القبور، و قوله: فِي كِتابِ اللَّهِ أي لبثم فيها بحسب ما علمه اللّه و قدره، و قوله: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ معطوف على لقد لبثم فهو من جملة المقول اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 112
في سابق علمه إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الذي أنكرتموه وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) وقوعه
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ بالياء و التاء الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ في إنكارهم له وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) لا يطلب منهم العتبى، أي الرجوع إلى ما يرضي اللّه
وَ لَقَدْ ضَرَبْنا جعلنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ تنبيها لهم وَ لَئِنْ لام قسم جِئْتَهُمْ يا محمد بِآيَةٍ مثل العصا و اليد لموسى لَيَقُولَنَ حذف منه نون الرفع لتوالي النونات، و الواو ضمير الجمع لالتقاء و في البيضاوي: و الفاء في قوله: فهذا جواب شرط محذوف تقديره إن كنتم منكرين للبعث، فهذا يومه أي: فقد تبين بطلان إنكاركم اه.
قوله: (الذي أنكرتموه) أي: في الدنيا، و قوله: كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي: لا تعرفون و لا تقرون بوقوعه.
قوله: فَيَوْمَئِذٍ لفظ يوم منصوب بلا تنفع و التنوين في إذ عوض عن جمل محذوفة أي: يومئذ قامت الساعة و حلف المشركون كاذبين، ورد عليهم الملائكة و المؤمنون و بينوا كذبهم لا تنفع الخ اه شيخنا.
و في الشهاب: فيومئذ تفصيل لما يفهم مما قبلها من أنه لا يفيدهم تقليل مدة اللبث و لا يفيدهم و لا النسيان أو هو جواب شرط مقدر أيضا. و قوله: مَعْذِرَتُهُمْ كأنهم توهموا أن التقليل و نحوه عذر في عدم طاعتهم كقوله: أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ [فاطر: 37] الآية اه.
قوله: لا يَنْفَعُ (بالياء و التاء) سبعيتان و قوله: مَعْذِرَتُهُمْ أي: اعتذارهم اه.
قوله: (العتبى) اسم من أعتب كالرجعى وزنا و معنى، و لذلك فسرها بقوله: (أي الرجوع إلى ما يرضي اللّه) أي: من التوبة و العمل الصالح، و ذلك لانقطاع التكليف في ذلك اليوم اه شيخنا.
و في البيضاوي: وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لا يدعون إلى ما يقتضي أعتابهم أي: إزالة عتبهم من الطاعة و التوبة، كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي: استرضاني فأرضيته اه.
و في المصباح: عتب عليه عتبا من باب ضرب و قتل و معتبا أيضا لامه في سخطه فهو عاتب و عتاب مبالغة و به سمي، و منه عتاب بن أسيد، و عاتبه معاتبة و عتابا. قال الخليل: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال و مذاكرة الموجدة، و أعتبني: الهمزة للسلب أي: أزال الشكوى و العتاب، و استعتب طلب الإعتاب، و العتبي اسم من الأعتاب اه.
قوله: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ أي: و لقد وصفنا لهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال مثل صفة المبعوثين يوم القيامة، ما يقولون و ما يقال لهم و ما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة و الاستعتاب أو بينا لهم كل مثل ينبههم على التوحيد و البعث و صدق الرسول اه بيضاوي.
قوله: مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي: أي يرشدهم قطعا لعذرهم و كلمة من للتبعيض اه كرخي.
قوله: لَيَقُولَنَ اللام مؤكدة واقعة في جواب قسم و يقولن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، فاللام مفتوحة باتفاق القراء و الفاعل هو الاسم الموصول الذي هو من
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 113
الساكنين الَّذِينَ كَفَرُوا منهم إِنْ ما أَنْتُمْ أي محمد و أصحابه إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) أصحاب أباطيل
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59) التوحيد كما طبع على قلوب هؤلاء
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرك عليهم حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) بالبعث، أي لا يحملنك على الخفة و الطيش بترك الصبر، أي لا تتركنه.
قبيل الظاهر و هو الذين كفروا. إذا علمت هدا علمت أن قول الشارح حذف منه الخ سبق فلم، و كان الأولى إسقاط هذه العبارة لأنها توهم أن الفعل بضم اللام و أن فاعله واو محذوفة لالتقاء الساكنين و توهم أن ضم اللام قراءة، و قد علمت أنه ليس كذلك و جل من لا يسهو اه شيخنا.
قوله: (منهم) حال أن حال كون الكافرين من جملة الناس اه شيخنا.
قوله: لا يَعْلَمُونَ (التوحيد) عبارة البيضاوي: لا يطلبون العلم و يصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق و يوجب تكذيب المحق اه.
قوله: فَاصْبِرْ الفاء فصيحة أي: إذا علمت حالهم و طبع اللّه على قلوبهم فاصبر الخ اه شهاب.
قوله: لا يُوقِنُونَ (بالبعث) أي: لا يصدقون به. قوله: (و الطيش) عطفه على الخفة مرادف و هو من باب باع يبيع اه شيخنا.
و في المصباح: الطيش الخفة و هو مصدر من باب باع اه.
قوله: (أي لا تتركنه) أي: الصبر بسبب تكذيبهم و إيذائهم فإنهم ضالون شاكون لا يستغرب منهم ذلك اه بيضاوي.
و في القرطبي: يقال: استخف فلان فلانا إذا استجهله حتى حمله على اتباعه في الغي اه.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 114
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة لقمان مكية إلا وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآيتان فمدنيتان و هي أربع و ثلاثون آية
الم (1) اللّه أعلم بمراده به
تِلْكَ أي هذه الآيات آياتُ الْكِتابِ القرآن الْحَكِيمِ (2) ذي الحكمة و الإضافة بمعنى من هو
هُدىً وَ رَحْمَةً بالرفع لِلْمُحْسِنِينَ (3) و في قراءة العامة بالنصب حالا من الآيات العامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بيان للمحسنين وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) هم الثاني تأكيد
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) الفائزون
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ أي ما يلهي منه عما بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله: (إلّا و لو أن ما في الأرض) في نسخة أو إلّا و لو أن ما في الأرض الخ يشير إلى قولين، قيل: مكية كلها، و قيل: إلا الآيتين. و في البيضاوي: و قيل: إلا ثلاث آيات من قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ [لقمان: 27] الخ و هذا قول ثالث. قوله: (ذي الحكمة) زاد في الكشاف أو وصف بصفة اللّه تعالى على الإسناد المجازي قال: و يجوز أن يكون الأصل الحكيم قائله، فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و هو الضمير المجرور، فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة و هو من حسن الصناعة اه كرخي.
قوله: (بمعنى من) أي: آيات من الكتاب أي: هي بعضه. قوله: (بالرفع) هذه قراءة حمزة على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدره فهدى مرفوع بضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين كفتى، و رحمة مرفوع بضمة ظاهرة. و قوله: (و في قراءة العامة) المراد بهم ما عدا حمزة من بقية السبعة، و قوله: (حالا) منصوب على الحال أي: حالة كون كل منهما حالا و في نسخة حالان، و قوله:
(العامل) مبتدأ، و قوله: (ما في تلك الخ) خبره اه شيخنا.
قوله: (بيان للمحسنين) أي: بيان لهم بأشهر أوصافهم.
قوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ مبتدأ خبره يوقنون.
قوله: مَنْ يَشْتَرِي من مفرد لفظا جمع معنى و روعي لفظها أولا في ثلاثة ضمائر يشتري و يضل و يتخذ و روعي معناها ثانيا في موضعين و هما أولئك لهم، رجع إلى مراعاة اللفظ في خمسة ضمائر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 115
يعني لِيُضِلَ بفتح الياء و ضمها عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ طريق الإسلام بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها بالنصب عطفا على يضل و بالرفع عطفا على يشتري هُزُواً مهزوءا بها أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) ذو إهانة
وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا أي القرآن وَلَّى مُسْتَكْبِراً متكبرا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً
و هي وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ الخ اه شيخنا.
قوله: لَهْوَ الْحَدِيثِ اللهو مصدر لها يلهو، و المراد به هنا اسم الفاعل أي: ما يلهي و يشغل، و الإضافة على معنى من و لذلك قال: أي ما يلهي أي: يشغل منه عما يعني أي: عما يعني الإنسان و يهمه من طاعة ربه اه شيخنا.
قوله: (أي ما يلهي منه) فيه ميل إلى ما ذكره الحسن من أن لهو الحديث كل ما يشغل عن عبادة اللّه و ذكره من السمر و الأضاحيك و الخرافات و المغنيات و المزامير و المعازف، و في كلام الشيخ المصنف إشارة إلى الإضافة بمعنى من أي: اللهو من الحديث، لأن اللهو يكون حديثا و غيره فهو كثوب خز، و هذا أبلغ من حذف المضاف اه كرخي.
و قوله: (عما يعني) بفتح الياء التحتية أي: ينفع في الآخرة و هو استماع القرآن و العمل به اه.
قوله: (بفتح الياء) أي: ليستمر و يدوم و يثبت على الضلال و قوله: (و ضمها) أي: ليضل غيره فهو ضال مضل و هما سبعيتان اه شيخنا.
قال الزمخشري: فإن قلت: القراءة بالضم بينة لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام و استماع القرآن و يضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: له معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه و لا يصد عنه و يزيد فيه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين و صد الناس عنه. الثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل لما قيل إن من أصل كان ضلالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف اه سمين.
قوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: علم بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن اه بيضاوي.
فاستفيد منه أن قوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بيشتري على أنه حال من فاعله، أي يشتري غير عالم بحال ما يشتريه الخ. و في الكرخي: فإن قلت ما معنى قوله تعالى بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ قلت: لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال يشتري بغير علم بالتجارة و بغير بصيرة بها حيث يستبدل الضلال بالهدى و الباطل بالحق، و نحوه قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة: 16] للتجارة أي: لصوابها اه كرخي.
قوله: وَ يَتَّخِذَها أي: الآيات أو السبيل.
قوله: وَلَّى أي: أعرض، و قوله: مُسْتَكْبِراً حال. قوله: (و الثانية بيان للأولى) عبارة السمين: قوله: كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً حال ثانية، أو بدل مما قبلها، أو حال من فاعل يسمعها، أو تبيين لما قبلها. و جوز الزمخشري أن تكون جملتا التشبيه استئنافيتين اه.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 116
صمما، و جملتا التشبيه حالان من ضمير ولى، أو الثانية بيان للأولى فَبَشِّرْهُ أعلمه بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) مؤلم، و ذكر البشارة تهكم به و هو النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم و يحدث بها أهل مكة و يقول: إن محمدا يحدثكم أحاديث عاد و ثمود، و أنا أحدثكم أحاديث فارس و الروم، فيستملحون حديثه، و يتركون استماع القرآن
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
خالِدِينَ فِيها حال مقدرة أي مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أي وعدهم اللّه ذلك و حقه حقا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلبه شيء فيمنعه من إنجاز وعده و وعيده الْحَكِيمُ (9) الذي لا يضع شيئا إلا في محله
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها أي العمد جمع عماد و هو الأسطوانة، و هو صادق بأن لا عمد أصلا وَ أَلْقى فِي قوله: (و هو) أي: من يشتري لهو الحديث النضر بن الحارث بن كلدة كان صديقا لقريش اه شيخنا.
قوله: (كان يأتي الحيرة) بكسر الحاء مدينة بقرب الكوفة كما في المختار اه شيخنا.
قوله: (فيستملحون حديثه) أي: يعدونه مليحا حسنا.
قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا الخ بيان لحال المؤمنين بآياته تعالى أثر بيان حال الكافرين بها اه أبو السعود.
قوله: (حال مقدرة) أي: المجرور باللام في لهم اه.
قوله: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا قال السمين: وعد مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ في معنى وعدهم اللّه ذلك، و حقا مصدر مؤكد لغيره أي: لمضمون تلك الجملة الأولى و عاملهما مختلف، فتقدير الأولى وعد اللّه ذلك وعدا، و تقدير الثانية و حقه حقا اه.
و عبارة الكرخي: قوله: (وعدهم اللّه ذلك و حقه حقا) أشار إلى أن وعد اللّه حقا مصدران مؤكدان، الأول: مؤكد لنفسه لأن معنى لهم جنات النعيم وعدهم اللّه بها فأكد معنى الوعد بالوعد، و حقا دال على معنى الثبات أكد به معنى الوعد و أكد جميعا قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ اه.
قوله: (أي وعدهم اللّه ذلك) أي: أن لهم جنات النعيم اه.
قوله: خَلَقَ السَّماواتِ الخ استئناف مسوق للاستشهاد على عزته تعالى التي هي كمال القدرة و تمهيد لقاعدة التوحيد و إبطال لأمر الإشراك و تبكيت لأهله، و العمد جمع عماد كأهب جمع إهاب و هو ما يعمد به أي: يسند، يقال: عمدت الحائط إذ دعمته اه أبو السعود.
و في المصباح: الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط، و دعمت الحائط دعما من باب نفع اه.
قوله: (أي العمد) قد جعل الضمير راجعا للعمد، و عليه فجملة ترونها صفة لها. و قوله:
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج6، ص: 117
الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالا مرتفعة أَنْ لا تَمِيدَ تتحرك بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا فيه التفات عن الغيبة مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) صنف حسن
هذا خَلْقُ اللَّهِ أي مخلوقه فَأَرُونِي أخبروني يا أهل مكة ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ غيره أي آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى، و ما استفهام إنكار مبتدأ، و ذا بمعنى الذي بصلته خبره، و أروني معلق عن العمل، و ما بعده سد مسد المفعولين بَلِ للانتقال الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) بيّن بإشراكهم و أنتم منهم (الأسطوانة) بضم الهمزة و هي السارية و قوله: و هي أن النفي صادق الخ أي: و هذا هو المراد اه شيخنا.
و التقييد للعمدة المنفية بالرؤية فيه رمز إلى أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى و هي عمد القدرة اه أبو السعود.
و قوله: (جمع عماد) أي كما في القاموس و جمع عمود أيضا أي: كما فيه. و في المختار: و نص الثاني العمود جمعه في القلة أعمدة، و جمع الكثرة عمد بفتحتين و عمد بضمتين اه.
و في المصباح: و عمدت الحائط عمدا دعمته و أدعمته بالألف لغة، و العماد ما يسند به و الجمع عمد بفتحتين اه.
قوله: وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ قال ابن عباس: هي الجبال الشامخات من أوتاد الأرض و هي سبعة عشر جبلا منها قاف، و أبو قبيس، و الجودي، و لبنان، و طور سينين، و طور سيناء أخرجه ابن جرير في المبهمات للسيوطي اه ابن لقيمة على البيضاوي.
و في المختار: رسا الشيء ثبت و بابه عدا و سما، و الرواسي من الجبال الثوابت الرواسخ واحدتها راسية اه.
قوله: وَ بَثَّ فِيها أي: نشر و فرق من كل دابة. من: زائدة، و قوله: فَأَنْبَتْنا فِيها أي الأرض.
قوله: هذا أي: ما ذكر من السموات و الأرض و ما تعلق بهما من الأمور المعدودة اه أبو السعود.
قوله: فَأَرُونِي يحتاج لثلاثة مفاعيل الياء أولهما، و جملة الاستفهام سادة مسد الاثنين كما سيأتي اه شيخنا.
فقول الشارح معلق عن العمل أي: في الثاني و الثالث، و هذا الإعراب غير ما تقدم للسمين غير مرة، و هو أن أرى إذا كانت بمعنى أخبر فإنها تتعدى لمفعولين الأول: مفرد صريح و هو هنا ضمير التكلم، و الثاني: جملة استفهامية و هي هنا ماذا خلق تأمل. قوله: (و ما استفهام إنكار) أي: و توبيخ و تقريع. قوله: (معلق على العمل) أي: في لفظ جزأي هذه الجملة، و لكنه عامل في محلها النصب، فقوله: (و ما بعده) هو جملة الاستفهام اه شيخنا.