کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 129

و بعثا، لأنه بكلمة كن فيكون‏ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ‏ يسمع كل مسموع‏ بَصِيرٌ (28) يبصر كل مبصر لا يشغله شي‏ء عن شي‏ء

أَ لَمْ تَرَ تعلم يا مخاطبا أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ‏ يدخل‏ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ يدخله‏ فِي اللَّيْلِ‏ فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌ‏ منهما يَجْرِي‏ في فلكه‏ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ هو يوم القيامة وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)

ذلِكَ‏ المذكور بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ‏ الثابت‏ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ‏ بالياء و التاء يعبدون‏ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ‏ الزائل‏ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] و قال مجاهد: لأنه يقول للقليل و الكثير كُنْ فَيَكُونُ‏ [البقرة: 117] و نزلت الآية في أبي بن خلف و جماعة قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم: إن اللّه خلقنا أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما، ثم تقول: إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة، فأنزل اللّه عز و جل‏ ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لأن اللّه تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد و خلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة اه.

قوله: (بما نقص) أي: بالجزء الذي نقص من الآخر.

قوله: وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ عطف على يولج، و الاختلاف بينهما في الصيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدد في كل حين، و أما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه و لا تجدد، و إنما التعدد و التجدد في آثاره اه أبو السعود.

قوله: إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ قاله هنا بلفظ إلى و في فاطر و الزمر بلفظ اللام، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهي إليه الخلق و هما قوله: ما خَلْقُكُمْ‏ الآية و قوله: اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً [لقمان: 33] الآية فناسب ذكر إلى الدالة على الانتهاء. و ما في فاطر و الزمر خال عن ذلك، إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق و لا انتهائه و ما في الزمر ذكر مع ابتدائه فناسب ذكر اللام، و المعنى يجري كل كما ذكر لبلوغ أجل اه كرخي.

قوله: وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عطف على أن اللّه يولج الخ داخل معه في حيز الرؤية اه أبو السعود.

قوله: ذلِكَ‏ (المذكور) أشار إلى ما تلي من الآيات الكريمة، و هو مبتدأ خبره قوله‏ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ‏ أي بسبب أنه تعالى هو الحق الثابت ألوهيته، و قوله: وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ‏ أي: و لأجل بطلان ألوهية ما يدعون من دونه اه أبو السعود.

و في البيضاوي: ذلك إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم و شمول القدرة و عجائب الصنع و اختصاص الباري بها اه.

و قوله: (بسبب أنه الثابت) الخ أشار إلى أن الحق الثابت المحقق، و معنى ثباته وجوده، و معنى كونه في ذاته أن ذلك ليس باستناده إلى شي‏ء آخر فيكون واجب الوجود لذاته، فلذا فسره بقوله الواجب من جميع جهاته فهو عطف بيان له، و المراد بالجهات الوجوه أي: في ذاته و صفاته و غيرهما مما يليق بجنابه اه شهاب.

قوله: (بالياء و التاء) سبعيتان.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 130

وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُ‏ على خلقه بالقهر الْكَبِيرُ (30) العظيم‏

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ‏ السفن‏ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ‏ يا مخاطبين بذلك‏ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ‏ عبرا لِكُلِّ صَبَّارٍ عن معاصي اللّه‏ شَكُورٍ (31) لنعمته‏

وَ إِذا غَشِيَهُمْ‏ أي علا الكفار مَوْجٌ كَالظُّلَلِ‏ كالجبال التي تظل من تحتها دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي الدعاء بأن ينجيهم، أي لا يدعون معه غيره‏ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ متوسط بين الكفر و الإيمان، و منهم باق على كفره‏ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا و منها الإنجاء من الموج‏ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ غدار كَفُورٍ (32) لنعم اللّه تعالى‏

يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ أي قوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ‏ الخ استشهاد آخر على باهر قدرته و غاية حكمته و شمول إنعامه اه أبو السعود.

و الباء للصلة أو للحال اه بيضاوي.

و قوله: (للصلة) أي: للتعدية أو للسببية، و قوله: (أو للحال) أي: للملابسة و المصاحبة واقعة مع متعلقها حالا أي: مصحوبة أي: بنعمته اه شهاب.

قوله: بِنِعْمَتِ اللَّهِ‏ أي: بإحسانه في تهيئة أسباب الجري. قوله: (عبرا) لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ فبعث نفسه في التفكر في عدم غرقه، و في سيره إلى البلاد الشاسعة و الأقطار البعيدة، و في كون سيره ذهابا و إيابا تارة بريحين و تارة بريح واحدة، و في إنجاء أبيه نوح عليه السّلام، و من أراد اللّه تعالى من خلقه و إغراق غيرهم من جميع أهل الأرض و في غير ذلك من شؤونه و أموره اه خطيب.

قوله: (أي على الكفار) أي: أحاط بهم اه.

قوله: (أي لا يدعون معه غيره) أي: لزوال ما ينازع الفطرة الإيمانية من الهوى و لتقليد بما دهاهم من الشدائد اه أبو السعود.

قوله: (غيره) كالأصنام. قوله: (متوسط بين الكفر و الإيمان) أي: لانزجاره بعض الانزجار، و منهم باق على كفره لأن بعضهم كان أشد قولا و أعلى في الافتراء من بعض. قال الأصفهاني: فمنهم مقتصد أي: عدل موف في البر بما عاهد اللّه عليه في البحر من التوحيد له، يعني: ثبت على إيمانه اه.

قال الرازي: المقتصد المتوسط بين السابق بالخيرات، و الظالم لنفسه و هو الذي تساوت سيئاته و حسناته اه.

و ما قاله الشيخ المصنف تبع فيه الكشاف و عبارته: فمنهم مقتصد متوسط في الظلم و الكفر لأنه انزجر بعض الانزجار اه كرخي.

و في الخازن: قيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل، و ذلك أنه هرب عام الفتح إلى البحر فجاءتهم ريح عاصف فقال عكرمة: لئن أنجانا اللّه من هذا لأرجعن إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و لأضعن يدي في يده فسكنت الريح، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم و حسن إسلامه، و منهم من لم يوف بما عاهد و هو المراد بقوله:

وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا الخ اه.

قوله: (غدار) أي: لأنه نقض العهد الفطري و رفض ما كان عليه في البحر و هذا في مقابلة صبار

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 131

أهل مكة اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي‏ يغني‏ والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ‏ فيه شيئا وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ‏ فيه‏ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ بالبعث‏ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الإسلام‏ وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ‏ في حلمه و إمهاله‏ الْغَرُورُ (33) الشيطان‏

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ متى تقوم‏ وَ يُنَزِّلُ‏ بالتخفيف و التشديد الْغَيْثَ‏ بوقت يعلمه‏ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ‏ أذكر أم أنثى، و لا كما أن كفور في مقابلة شكور اه شيخنا.

و في القاموس: الختر الغدر و الخديعة أو أقبح الغدر كالختور، و الفعل كضرب و نصر و هو خاتر و ختار و ختير و ختور اه.

قوله: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ الخ كل من الجملتين نعت ليوما، و العائد في كل منهما مقدر قدره الشارح بقوله (فيه) اه شيخنا.

و في الخازن: و معنى الآية أن اللّه ذكر شخصين في غاية الشفقة و المحبة و هما أي: الوالد و الولد، فنبه بالأعلى على الأدنى و بالأدنى على الأعلى، فالوالد يجزي عن ولده في الدنيا لكمال شفقته عليه، و الولد يجزي عن والده لما له عليه من حق التربية و غيرها، فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول نفسي و لا يهتم بقريب و لا بعيد، و قال ابن عباس: كل امرى‏ء تهمه نفسه اه.

قوله: وَ لا مَوْلُودٌ مبتدأ و هو مبتدأ ثان و جاز خبره، و الجملة خبر مولود و جاز الابتداء به و هو نكرة لأنه في سياق النفي اه كرخي.

و في السمين: قوله: وَ لا مَوْلُودٌ جوزوا فيه وجهين، أحدهما: أنه مبتدأ و ما بعده الخبر.

و الثاني: أنه معطوف على والد، و تكون الجملة صفة اه.

قوله: شَيْئاً تنازع فيه العاملان أن يجزي و جاز فأعمل الثاني و حذف من الأول، فلذلك قدره الشارح في الأول اه شيخنا.

قوله: وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ بأن يرجئكم التوبة و المغفرة فيجسركم على المعاصي اه بيضاوي.

و قوله: بِاللَّهِ‏ أي: بسبب اللّه و في الكلام حذف المضاف أي: بسبب حلم اللّه كما أشار له بقوله (في حلمه و إمهاله) اه شيخنا.

قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ نزلت لما قال الحارث بن عمرو للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم: متى الساعة؟ و أنا قد ألقيت الحب في الأرض فمتى السماء تمطر؟ و امرأتي حامل فهل حملها ذكر أم أنثى؟ و أي شي‏ء أعمله غدا؟ و لقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ اه خازن بتصرف.

قوله: عِلْمُ السَّاعَةِ أي: علم وقت قيامها كما أشار له بقوله: (متى تقوم) اه شيخنا.

قوله: وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ‏ معطوف على عنده علم الساعة الواقع خبر إن، أي: و إن اللّه ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و قوله: (بوقت) أي: في وقت يعلمه أي: و في مكان يعلمه اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 132

يعلم واحدا من الثلاثة غير اللّه تعالى‏ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً من خير أو شر، و يعلمه اللّه تعالى‏ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏ و يعلمه اللّه تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ‏ بكل شي‏ء خَبِيرٌ (34) بباطنه كظاهره، روى البخاري عن ابن عمر حديث مفاتح الغيب خمسة

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ إلى آخر السورة.

و هذا من حيث ظاهر التركيب و أما من حيث المعنى فهو معطوف على الساعة فيكون العلم مسلطا أي: و عنده علم ينزل الغيث أي: علم وقت نزوله يشير لهذا التقدير قول الشارح بوقت أي: في وقت يعلمه و يشير إلى العطف المذكور، قوله: (و لا يعلم واحدا) من الثلاثة غير اللّه فهذا يقتضي أن كلّا من الثلاثة في حيز العلم، و أن العلم مسلط على ينزل تأمل. قوله: (بالتخفيف و التشديد) سبعيتان.

قوله: ما ذا تَكْسِبُ غَداً يجوز أن تكون ما استفهامية فتعلق الدراية و أن تكون موصولة فتنصب بها اه سمين.

و قوله: (يجوز أن تكون) ما استفهامية و على هذا الاحتمال فتكون مبتدأ، و ذا اسم موصول خبره، قوله: و أن تكون موصولة هذا الاحتمال لا يستقيم لأن ذا بعدما تمنع من ذلك إذ هي الأحق بأن تكون موصولة، فالأولى إبدال هذا الاحتمال باحتمال أن تكون ما مع ذا ركبا و جعلا اسم استفهام، و يكون مفعولا للفعل بعده أي ما تدري نفس تكسب غدا أي شي‏ء، و جملة تكسب سادة مسد مفعول تدري و هي بمعنى العرفان فتنصب مفعولا واحدا تأمل. قوله: بِأَيِّ أَرْضٍ‏ متعلق بتموت و هو معلق للدراية، فالجملة في محل نصب، و الباء ظرفية بمعنى أي في أي أرض نحو: زيد بمكة أي: فيها، فإن قيل: لم قال ذلك و لم يقل بأي وقت تموت مع أن كلّا منهما غير معلوم لغيره، بل نفي العلم بالزمان أولى لأن من الناس من يدعي علمه بخلاف المكان؟ فالجواب: أنه إنما خص المكان بنفي علمه، لأن الكون في مكان دون مكان في وسع الإنسان و اختياره، فاعتقاده علم مكان موته أقرب بخلاف الزمان، و لأن للمكان دون الزمان تأثيرا في جلب المصلحة و السقم و تأثيرهما فيه أكثر.

تنبيه‏

أضاف في الآية العلم إلى نفسه في الثلاثة من الخمسة المذكورة و نفي العلم عن العباد في الأخيرتين منها. مع أن الخمسة سواء في اختصاص اللّه تعالى بعلمها و انتفاء علم العباد بها، كما أشار إليه الشيخ المصنف في التقرير بقوله: (و يعلمه اللّه)، لأن الثلاثة الأولى أمرها أعظم و أفخم فخصت بالإضافة إليه تعالى، و الأخيرتان من صفات العباد فخصتا بالإضافة إليهم مع أنه إذا انتفى عنهم علمهما كان انتفاء علم ما عداهما من الخمسة أولى اه كرخي.

قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ‏ (بكل شي‏ء الخ) يشير إلى أن اللّه تعالى لما خصص أولا علمه بالأشياء المذكورة بقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الخ ذكر أن علمه غير مختص بها بل هو عليم مطلقا بكل شي‏ء و ليس علمه بظواهر الأشياء فقط، بل هو خبير بظواهر الأشياء و بواطنها اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 133

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة السجدة مكية و هي ثلاثون آية

الم‏ (1) اللّه أعلم بمراده به‏

تَنْزِيلُ الْكِتابِ‏ القرآن مبتدأ لا رَيْبَ‏ شك‏ فِيهِ‏ خبر بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: (مكية) أي غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة قاله الكلبي و مقاتل، و قال غيرهما، إلا خمس آيات من قوله: تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ‏ [السجدة: 16] إلى‏ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ [السجدة: 20] و في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ‏ السجدة، و هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان: 1] الحديث. و خرّج الدارمي أبو محمد في مسنده، عن جابر بن عبد اللّه قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ‏ السجدة، تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏ [الملك: 1]. قال الدارمي: و أخبرنا أبو المغيرة قال: حدثنا عبدة عن خالد بن معدان قال: اقرؤوا المنجية و هي‏ الم تَنْزِيلُ، فإنه بلغني أن رجلا كان يقرؤها ما يقرأ شيئا غيرها، و كان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه و قالت: رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتي، فشفعه الرب فيه و قال: اكتبوا له بكل خطيئة حسنة و ارفعوا له درجة اه قرطبي.

قوله: (ثلاثون آية) و قيل: تسع و عشرون بناء على الاختلاف في أن آخر الآية لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أو هو كافرون، فعلى الأولى تكون ثلاثين و على الثاني تكون تسعا و عشرين اه شيخنا.

قوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ‏ فيه أوجه خمسة، أحدها: أنه خبر عن‏ الم‏ لأن ألم يراد به السورة و بعض القرآن، و تنزيل بمعنى منزل و الجملة من قوله: لا رَيْبَ فِيهِ‏ حال من الكتاب، و العامل فيها تنزيل لأنه مصدر، و من رب العالمين متعلق به أيضا، و يجوز أن يكون حالا من الضمير فيه لوقوعه خبرا و العامل فيه الظرف أو الاستقرار. و الثاني: أن يكون تنزيل مبتدأ، و لا ريب فيه خبره، و من رب العالمين حال من الضمير في فيه، و لا يجوز حينئذ أن يتعلق بتنزيل لأن المصدر أخبر عنه فلا يعمل و من يتسع في الجار لا يبالي بذلك. الثالث: أن يكون تنزيل مبتدأ أيضا، و من رب خبره، و لا ريب حال أو معترض. الرابع: أن يكون لا ريب و من رب العالمين خبرين لتنزيل. الخامس: أن يكون تنزيل خبر مبتدأ مضمر، و كذلك لا ريب، و كذلك من رب فيكون كل جملة مستقلة برأسها و يجوز أن يكونا حالين من تنزيل، و أن يكون من رب و هو الحال و لا ريب معترض، و تقدم في أول البقرة ما يرشد لهذا، و إنما أعدته تطرئة اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 134

أول‏ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) خبر ثان‏

أَمْ‏ بل‏ يَقُولُونَ افْتَراهُ‏ محمد؟ لا بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ به‏ قَوْماً ما نافية أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏ (3) بإنذارك‏

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ أولها الأحد، و آخرها الجمعة ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ و هو قوله: أَمْ يَقُولُونَ‏ أم مقطعة و هي عند البصريين تقدر ببل الإضرابية و همزة الاستفهام الإنكاري، و الشارح هنا قدرها ببل فقط، و قال بعده: لا إشارة إلى أن الاستفهام إنكاري مع أنه لم يذكر الهمزة و لعلها سقطت من قلم النساخ، و قوله: (لا) أي لا ينبغي و لا يليق منهم هذا القول اه شيخنا.

قوله: بَلْ هُوَ الْحَقُ‏ إضراب ثان، و لو قيل: بأنه إضراب إبطال لنفس افتراه وحده لكان صوابا و على هذا يقال كل ما في القرآن إضراب فهو انتقال إلا هذا فإنه يجوز أن يكون إبطالا لأنه إبطال لقولهم أي: ليس هو كما قالوا مفترى بل هو الحق اه سمين.

قوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً ينصب مفعولين، و الثاني محذوف قدره بقوله. و في السمين: الظاهر أن المفعول الثاني للإنذار محذوف و قوما هو الأول إذ التقدير لتنذر قوما العقاب، و ما أتاهم جملة منفية في محل نصب صفة لقوما. يريد الذين في الفترة بين عيسى و محمد عليهما الصلاة و السّلام. و جعله الزمخشري كقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ‏ [يس: 6] فعلى هذا يكون من نذير هو فاعل أتاهم، و من مزيدة فيه و من قبلك صفة لنذير، و يجوز أن يتعلق من قبلك بأتاهم، و جوز الشيخ أن تكون ما موصولة في الموضعين، و التقدير لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك، و من نذير متعلق بأتاهم أي: أتاهم على لسان نذير من قبلك و بواسطته، و كذلك‏ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ‏ أي:

العقاب الذي أنذره آباؤهم، فما مفعولة في الموضعين، و أنذر متعد إلى اثنين. قوله تعالى: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: 13] و هذا القول جار على ظواهر القرآن. قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: 24] أن تقولوا ما جاءنا من بشير و لا نذير فقد جاءكم بشير و نذير. قلت: و هذا الذي قاله ظاهر اه.

و في الخازن: المراد بالقوم العرب لأنهم كانوا أمة لم يأتهم نذير قبل محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و قال ابن عباس: يعني أهل الفترة الذين كانوا بين عيسى و محمد عليهما الصلاة و السّلام اه.

قوله: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏ متعلق بقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً، و الترجي معتبر من جهته عليهم السّلام، أي لتنذرهم راجيا لاهتدائهم أو لرجاء اهتدائهم اه أبو السعود.

قوله: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ أي: على التوزيع كما يأتي في سورة فصلت فخلق الأرض أولا في الأحد و الاثنين، و خلق ما فيها ثانيا في الثلاثاء و الأربعاء، و خلق السموات ثالثا في الخميس و الجمعة اه شيخنا.

و في القرطبي: قال الحسن: في ستة أيام أي: من أيام الدنيا، و قال ابن عباس: إن اليوم من الأيام الستة التي خلق اللّه فيها مقداره ألف سنة من سني الدنيا، و قال الضحاك: في ستة آلاف سنة أي:

في مدة ستة أيام من أيام الآخرة، و ليست ثم للترتيب و إنما هي بمعنى الواو اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 135

في اللغة سرير الملك، استواء يليق به‏ ما لَكُمْ‏ يا كفار مكة مِنْ دُونِهِ‏ أي غيره‏ مِنْ وَلِيٍ‏ اسم ما بزيادة من أي ناصر وَ لا شَفِيعٍ‏ يدفع عذابه عنكم‏ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ‏ (4) هذا فتؤمنون‏

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ‏ مدّة الدنيا ثُمَّ يَعْرُجُ‏ يرجع الأمر و التدبير إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ قوله: (و هو في اللغة سرير الملك) و المراد به هنا الجسم النوراني المحيط بالعالم كله اه شيخنا.

قوله: (استواء يليق به) اختلف العلماء في هذه الآية و نظائرها على قولين، أحدهما: ترك التعرض إلى بيان المراد. و الثاني: التعرض إليه، و الأول أسلم كما جرى عليه الشيخ المصنف، لأن صفة الاستواء مما لا يجب العلم بها، فمن لم يتعرض إليه لم يترك واجبا و من تعرض إليه فقد يخطى‏ء فيعتقد خلاف ما هو عليه، فالأول غاية ما يلزمه أنه لا يعلم، و الثاني يكاد يقع في أن يكون جاهلا، و عدم العلم و الجهل المركب كالسكوت و الكذب، و لا شك أن السكوت خير من الكذب اه كرخي.

قوله: (اسم ما) فيه أن الترتيب مفقود هنا إلا أن يقال إنه جرى على رأي ضعيف لا يشترطه في عملها اه شيخنا.

قوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أي: أمر الدنيا أي: شأنها و حالها و الأمور التي تقع فيها، و المراد بتدبير أمرها القضاء السابق الذي هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص، و جعل القضاء مبتدأ من جانب السماء لكون القضاء منوطا بأسباب سماوية منتهيا إلى الأرض لانتهاء آثار تلك الأسباب إلى الأرض، و عروج أمر الدنيا إليه تعالى مجاز عن ثبوته في علمه اه زاده.

فإلى متعلقة بيدبر لتضمنه معنى ينزل، و من ابتدائية و إلى انتهائية اه.

و في القرطبي: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض قال ابن عباس: ينزل القضاء و القدر، و قيل:

ينزل الوحي مع جبريل. و روى عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبر أمر الدنيا أربعة:

جبريل، و ميكائيل، و ملك الموت، و إسرافيل صلوات اللّه عليهم أجمعين، فأما جبريل عليه السّلام فموكل بالرياح و الجنود، و أما ميكائيل فموكل بالقطر و الماء، و أما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح، و أما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، و قد قيل: إن العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل. قال اللّه تعالى: ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ يدبر الأمر: يفصل الآيات و ما دون السموات موضع التصريف. قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا [الفرقان: 50] اه.

قوله: (مدة الدنيا) و هي سبعة آلاف سنة كما ورد من عدة طرق، و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعث في الألف السادس، و دلت الآثار على أن مدة أمته صلّى اللّه عليه و سلّم تزيد على ألف سنة و لا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة اه من كتاب للسيوطي سماه الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف.

صفحه بعد