کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 145

ليلة الإسراء وَ جَعَلْناهُ‏ أي موسى أو الكتاب‏ هُدىً‏ هاديا لِبَنِي إِسْرائِيلَ‏ (23)

وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً بتحقيق الهمزتين، و إبدال الثانية ياء، قادة يَهْدُونَ‏ الناس‏ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا على دينهم و على البلاء من عدوهم‏ وَ كانُوا بِآياتِنا الدالة على قدرتنا و وحدانيتنا يُوقِنُونَ‏ (24) و في قراءة بكسر اللام و تخفيف الميم‏

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ (25) من أمر الدين‏

أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ‏ أي يتبين لكفار مكة إهلاكنا أي: التقيا في الأرض عند الكثيب الأحمر و في السماء السادسة. روى البخاري عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «أتيت على موسى ليلة المعراج على الكثيب الأحمر و هو قائم يصلي في قبره» فإن قلت: قد صح في حديث المعراج أنه رآه في السماء السادسة، فكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ قلت: يحتمل أن تكون رؤيته في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعوده إلى السماء، ثم صعد إلى السماء السادسة فوجده هناك قد سبقه لما يريده اللّه و هو على كل شي‏ء قدير اه خازن.

قوله: أَئِمَّةً و هم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل، و قيل: هم أتباع الأنبياء اه خازن.

قوله: (و إبدال الثانية ياء) هذا الوجه جائز عربية لا قراءة، ففي كلام الشارح الناس و في شرح العقائد أصله أأممة لأنها جمع إمام، و لكن لما اجتمع المثلان و هما الميمان أدغمت الأولى في الثانية و نقلت حركتها على الهمز، فصار أئمة بهمزتين فأبدل من الهمزة المكسورة ياء كراهة اجتماع الهمزتين اه.

و قوله: (قادة) جمع قائد مثل سيد و سادة اه.

قوله: بِأَمْرِنا أي: بأمرنا إياهم بذلك أو بتوفيقنا لهم اه أبو السعود.

قوله: لَمَّا صَبَرُوا بفتح اللام و تشديد الميم في قراءة الجمهور على أن لما هنا هي التي فيها معنى الجزاء، و هي ظرف بمعنى حين أي: جعلناهم أئمة حين صبروا نحو: أحسنت إليك لما جئتني، و الضمير للأئمة، و جوابها محذوف دل عليه: و جعلنا منهم أو هو نفسه هو الجواب، و التقدير: و لما صبروا جعلنا منهم أئمة، و في قراءة لحمزة و الكسائي بكسر اللام و تخفيف الميم على جعل اللام جارة تعليلية، و ما مصدرية، و الجار متعلق بالجعل أي: جعلناهم كذلك لصبرهم و إيقانهم اه كرخي بزيادة.

قوله: وَ كانُوا معطوف على صبروا و قوله: بِآياتِنا أي: التي في تضاعيف الكتاب لإمعانهم النظر فيها اه أبو السعود.

قوله: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ‏ أي: بين الأنبياء و أممهم، و قيل: بين المؤمنين و المشركين اه شيخنا.

قوله: (من أمر الدين) بيان لما.

قوله: أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ‏ الهمز للإنكار، و الواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي: أغفلوا و لم يتبين لهم، و الفاعل مأخوذ من قوله: أَهْلَكْنا، و المفعول مأخوذ من كم فقوله: (إهلاكنا) إشارة للفاعل، و قوله: (كثيرا) إشارة لكم التي هي المفعول و من في قوله: مِنَ الْقُرُونِ‏ بيانية لكم و من قبلهم حال من القرون اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 146

كثيرا مِنَ الْقُرُونِ‏ الأمم بكفرهم‏ يَمْشُونَ‏ حال من ضمير لهم‏ فِي مَسْكَنِهِمْ‏ في أسفارهم إلى الشام و غيرها فيعتبروا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ‏ دلالات على قدرتنا أَ فَلا يَسْمَعُونَ‏ (26) سماع تدبر و اتعاظ

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ اليابسة التي لا نبات فيها فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ‏ (27) هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم‏

وَ يَقُولُونَ‏ للمؤمنين‏ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ بيننا و بينكم‏ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (28)

قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ‏ بإنزال العذاب قوله: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ‏ جملة مستأنفة بيان لوجه هدايتهم، أو حال من ضمير لهم، أو من القرون اه شهاب.

و عبارة أبي السعود: يَمْشُونَ‏ أي: يمرون في أسفارهم إلى التجارة على ديارهم و بلادهم و يشاهدون آثار هلاكهم، و قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ‏ أي: فيما ذكر من كثرة إهلاكنا الأمم الخالية اه أبو السعود.

قوله: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ أي: التي جرز نباتها أي: قطع و أزيل بالمرة، و قيل: هو اسم موضع باليمن اه شيخنا.

و في المختار: أرض جرز و جرز كعسر و عسر لا نبات بها و جرز و جرز كنهر و نهر كله بمعنى اه.

و في المصباح: الجرزة القبضة من القت و نحوه أو الحزمة و الجمع جرز مثل غرفة و غرف، و أرض جرز بضمتين قد انقطع الماء عنها فهي يابسة لا نبات فيها اه.

قوله: تَأْكُلُ مِنْهُ‏ أي: من ذلك الزرع أنعامهم كالتبن و القصل و الورق و بعض الحبوب المخصوصة بها و أنفسهم كالحبوب التي يعتادها الإنسان و الثمار اه أبو السعود.

و قدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على النبات، و لأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر و يخرج سنبله، و جعلت الفاصلة يبصرون لأن الزرع مرئي و فيما قبله يسمعون لأن ما قبله مسموع، أو ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير و دفع العذر اه شهاب.

قوله: وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ الخ كان المسلمون يقولون: إن اللّه سيفتح لنا على المشركين و يفصل بيننا و بينهم، و كان أهل مكة إذا سمعوه يقولون بطريق الاستعجال تكذيبا و استهزاء: مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ أي: النصر و الفصل بالحكم اه أبو السعود.

و عبارة زاده: وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ. الفتح إما القضاء و الفصل بالحكومة بين المحق و المبطل، و إما نصر المؤمنين و إظهارهم على الكفار، لأن المؤمنين كانوا يقولون: يبعث اللّه الخلائق أجمعين و يحكم بين المطيع و العاصي فيثيب المطيع و يعاقب العاصي، فيقولون: متى هذا الفتح و الحكم. و كذا كان المؤمنون يقولون: إن اللّه ينصرنا عليكم اه.

قوله: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ‏ المراد به يوم القيامة الذي هو يوم الفصل بين المؤمنين و أعدائهم و العدول عن تطبيق الجواب على ظاهر سؤالهم للتنبيه على أنه ليس مما ينبغي أن يسأل عنه لكونه أمرا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 147

بهم‏ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ (29) يمهلون لتوبة أو معذرة

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ أنزل العذاب بهم‏ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ‏ (30) بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك، و هذا قبل الأمر بقتالهم.

بينا، و إنما المحتاج إلى البيان عدم نفع إيمانهم في ذلك اليوم، كأنه قيل: لا تستعجلوا فكأني بكم قد آمنتم فلم ينفعكم و استنظرتم فلم تنتظروا اه أبو السعود.

و في البيضاوي: و مناسبة الجواب لسؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم، فإنهم لما أرادوا الاستعجال تكذيبا و استهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال اه.

قوله: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ‏ إن عم غير المستهزئين فهو تعميم بعد تخصيص، و إن خص بهم فهو إظهار في مقام الإضمار تسجيلا عليهم بالكفر و بيانا، لعلة عدم النفع و عدم إمهالهم اه شهاب.

و عبارة زاده: قوله: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ‏ هذا ظاهر على تقدير أن يراد بيوم الفتح يوم القيامة، لأن الإيمان المقبول هو الذي يكون في دار الدنيا و لا يقبل بعد خروجهم منها و لا هم ينظرون أي: يمهلون بالإعادة إلى الدنيا ليؤمنوا، و من حمل يوم الفتح على يوم بدر أو يوم فتح مكة قال: معناه‏ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ‏ إذا جاءهم العذاب و قتلوا، لأن إيمانهم حال القتل إيمان اضطرار، وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ أي: يمهلون بتأخير العذاب عنهم، و لما فتحت مكة هربت قوم من بني كنانة فلحقهم خالد بن الوليد فأظهروا الإسلام فلم يقبله منهم خالد و قتلهم، فلذلك قوله تعالى: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ‏ اه.

قوله: (أو معذرة) أي: اعتذار. قوله: (و هذا) أي قوله: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏ قبل الأمر الخ أي:

فهو منسوخ بآية السيف اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 148

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة الأحزاب مدنية و هي ثلاث و سبعون آية

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ‏ دم على تقواه‏ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ‏ فما يخالف شريعتك‏ إِنَّ اللَّهَ‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

قوله: (مدينة) أي: في قول جميعهم نزلت في المنافقين و إيذائهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و طعنهم في مناكحته و غيرها، و هي ثلاث و سبعون آية. و كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة، و كانت فيها آية الرجم الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم. ذكره أبو بكر بن الأنباري، عن أبي بن كعب، و هذا يحمله أهل العلم على أن اللّه تعالى رفع أي: نسخ من سورة الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا مما هي عليه الآن، و أن آية الرجم نسخ لفظها و بقي حكمها.

و أما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة و الروافض اه قرطبي.

قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُ‏ لم يقل في ندائه يا محمد كما قال في نداء غيره يا موسى يا عيسى يا داود بل عدل إلى يا أيها النبي إجلالا له و تعظيما، كما قال: يا أيها الرسول، و إن عدل عن وصفه إلى اسمه في الإخبار عنه في قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ‏ [الفتح: 29] و قوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ‏ [آل عمران: 144] ليعلم الناس أنه رسول اللّه ليلقبوه بذلك و يدعوه به اه كرخي.

قوله: (دم على تقواه) أي: فالمراد بالتقوى المأمور بها الثبات عليها و الازدياد منها، فإن لها بابا واسعا و عرضا عريضا لا ينال مداه اه أبو السعود.

و في الكرخي: قوله: (دم على تقواه) جواب عما يقال: ما الفائدة في الأمر لمن هو مشتغل بشي‏ء بالاشتغال بذلك الشي‏ء فإنه لا يقال للجالس مثلا اجلس، و فيه إشارة إلى ما روي أن أهل مكة طلبوا من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يرجع عن دينه و يعطوه شطر أموالهم، و يزوجه شيبة بن ربيعة ابنته، و خوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع فنزلت اه.

و في الخازن: نزلت في أبي سفيان بن حرب، و عكرمة بن أبي جهل، و أبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي، و ذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد اللّه بن أبي رأس المنافقين بعد قتال أحد، و قد أعطاهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، و طعمة بن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 149

كانَ عَلِيماً بما يكون قبل كونه‏ حَكِيماً (1) فيما يخلقه‏

وَ اتَّبِعْ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ أي القرآن‏ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) و في قراءة بالفوقانية

وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏ في أمرك‏ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) حافظا لك، و أمته تبع له في ذلك كله‏

ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏ ردا على من قال من الكفار: إن له قلبين يعقل بكل منهما أفضل من عقل محمد وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي‏ بهمزة و ياء و بلا ياء تُظْهِرُونَ‏ بلا ألف قبل الهاء و بها، و التاء الثانية في أبيرق فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم و عنده عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ارفض ذكر آلهتنا اللات و العزى و مناة و قل إن لها شفاعة لمن عبدها و ندعك و ربك، فشق ذلك على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال عمر: يا رسول اللّه ائذن لنا في قتلهم، فقال: «إني أعطيتهم الأمان»، فقال عمر: اخرجوا في لعنة اللّه و غضبه، فأمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عمر أن يخرجهم من المدينة، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ‏ اه.

قوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً هذه الجملة تعليل للأمر و النهي مؤكدة لمضمون وجوب الامتثال اه أبو السعود: و الواو ضمير الكفرة و المنافقين على قراءة التحتية أي: أن اللّه خبير بمكائدهم فيدفعها عنك اه بيضاوي.

و قوله: (و في قراءة) أي سبعية.

قوله: وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا باللّه في موضع رفع لأنه فاعل كفى، و وكيلا نصب على البيان أو الحال اه كرخي.

قوله: (تبع له في ذلك) أي: ما ذكر من قوله: اتَّقِ اللَّهَ‏ إلى هنا اه شيخنا.

قوله: مِنْ قَلْبَيْنِ‏ من زائدة في المفعول و قوله: فِي جَوْفِهِ‏ أي: لأنه معدن الروح الحيواني المتعلق للنفس الإنساني و منبع القوى بأسرها فيمتنع تعدده لأنه يؤدي إلى التناقض و هو أن يكون كل منهما أصلا لكل القوى و غير أصل لها اه كرخي.

قوله: (ردا على من قال من الكفار الخ) تعليل لمحذوف أي: نزل ردا على من قال من الكفار الخ. فنزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري كان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا من أجل أن له قلبين و كان هو يقول: لي قلبان أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم اللّه المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فلقيه أبو سفيان و إحدى نعليه بيده و الأخرى برجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال: انهزموا. فقال: ما بال إحدى نعليك في يديك و الأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده اه خازن.

قوله: تُظْهِرُونَ‏ بفتح التاء و الهاء و تشديد الظاء و الهاء دون ألف، و الأصل تتظهرون بتاءين فسكنت التاء الثانية و قلبت ظاء و أدغمت في الظاء، فهذه قراءة واحدة، و قوله: (و بها) أي: بالألف بعد الظاء إما مع فتح التاء و فتح الهاء و تشديد الظاء مضارع تظاهر، و الأصل تتظاهرون بتاءين فسكنت التاء الثانية و قلبت ظاء و أدغمت في الظاء، و إما فتح التاء و الهاء مع تخفيف الظاء و الأصل أيضا بتاءين‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 150

الأصل مدغمة في الظاء مِنْهُنَ‏ بقول الواحد مثلا لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي‏ أُمَّهاتِكُمْ‏ أي كالأمهات في تحريمها بذلك، لعد ذلك في الجاهلية طلاقا، و إنما تجب به الكفارة بشرطه كما ذكر في سورة المجادلة وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ‏ جمع دعيّ و هو من يدعى لغير أبيه ابنا له‏ أَبْناءَكُمْ‏ حذفت إحداهما، و أما بضم التاء و كسر الهاء مع تخفيف الظاء مضارع ظاهر، فالحاصل أن فيها أربع قراءات واحدة بلا ألف و ثلاثة مع الألف كما يؤخذ من السمين و متن الشاطبية، و في الماضي ثلاث لغات تظهر كتكلم و تظاهر كتقاتل و ظاهر كقاتل. و هذا القراءات الأربعة واردة في الموضعين بقدر سمع، إلا واحدة من هذه الأربع و هي فتح التاء و الهاء مع تخفيف الظاء و عدم تأتيها هناك لعدم اجتماع تاءين، لأن المضارع هناك مبدوء بالياء، و قوله: (و التاء الثانية) أي على قراءتين من الأربع و هما تشديد الظاء بدون ألف و مع الألف، و القراءتان الباقيتان ليس فيهما تاء ثانية حتى تدغم في الظاء تأمل اه شيخنا.

و في السمين: و أخذ هذه الأفعال من لفظ الظهر كأخذ لبى من التلبية، و إنما عدى بمن لأنه ضمن معنى التباعد كأنه قيل متباعدين من نسائهم بسبب الظاهر كما تقدم في تعدية الإيلاء بمن في البقرة اه.

قوله: (مثلا) متعلق بما بعده أي: أو يقول صيغة أخرى، كأنت عليّ كأختي أو كبنتي أو غير ذلك، و ضابطه أن يشبه زوجته بأنثى محرم له اه.

قوله: أُمَّهاتِكُمْ‏ مفعول ثان لجعل. قوله: (بشرطه) و هو العود كما ذكر في سورة المجادلة بقوله: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة: 3] أي: فيه بأن يخالفوه بإمساك المظاهر منها زمن يمكنه أن يفارقها فيه و لا يفارقها، لأن مقصود المظاهر وصف المرأة بالتحريم و إمساكها بخالفه اه كرخي.

قوله: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ‏ أجمع أهل التفسير على أن هذا القول أنزل في زيد بن حارثة. روى الأئمة عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه، و كان زيد فيما روي عن أنس بن مالك و غيره مسبيا من الشام بستة خيل من تهامة، فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد، فوهبه لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته خديجة للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأعتقه و تبناه فأقام عنده مدة، ثم جاء عنده أبوه و عمه في فدائه فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء» فاختار الرق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على حريته و قومه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عند ذلك: «يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني و أرثه» و كان يطوف على خلق قريش يشهدهم على ذلك فرضي ذلك عمه و أبوه و انصرفا اه قرطبي.

قوله: (جمع دعي) بمعنى مدعو فعيل بمعنى مفعول و أصله دعيو فأدغم و لكن جمعه على أدعياء غير مقيس لأن أفعلاء إنما يكون جمعا لفعيل المعتل اللام إذا كان بمعنى فاعل نحو: تقي و أتقياء و غني و أغنياء، و هذا و إن كان فعيلا معتل اللام إلا أنه بمعنى مفعول، فكان القياس جمعه على فعلى كقتيل و قتلى و جريح و جرحى، و نظير هذا في الشذوذ قولهم: أسير و أسارى و القياس أسرى، و قد سمع في الأصل اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 151

حقيقة ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ‏ أي اليهود و المنافقين قالوا لما تزوج النبي صلّى اللّه عليه و سلّم زينب بنت جحش التي كانت امرأة زيد بن حارثة الذي تبناه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قالوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فأكذبهم اللّه تعالى في ذلك‏ وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَ‏ في ذلك‏ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏ (4) سبيل الحق لكن‏

ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ أعدل‏ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ‏ بنو عمكم قوله: ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ‏ مبتدأ و خبر، و قوله: بِأَفْواهِكُمْ‏ أي: فقط من غير أن يكون له مصداق و حقيقة في الخارج اه أبو السعود.

و الإشارة إلى ما ذكر من الأمور الثلاثة أو إلى الأخير منها فقط و هو المتبادر من صنيع الشارح و من السياق لقوله فيما يأتي: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ‏ اه شيخنا.

و في أبي السعود: ذلكم إشارة إلى ما يفهم مما ذكر من الظهار و الدعاء أو إلى الأخير الذي هو المقصود من مساق الكلام أي: دعاؤكم بقولكم: هذا ابني قولكم الخ اه.

قوله: (أي اليهود) تفسير للكاف في أفواهكم اه.

قوله: (قالوا لما تزوج الخ) أعيد تأكيدا فهم مما قبله اه.

قوله: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ‏ الخ نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه، و في قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد دليل على أن التبني كان معمولا في الجاهلية و الإسلام يتوارث به و يتناصر، إلى أن نسخ اللّه بقوله: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏ أعدل، فرفع اللّه حكم التبني و منع من إطلاق لفظه و أرشد بقوله: أَقْسَطُ إلى الأولى و الأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا.

و قال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني و هو من نسخ السنّة بالقرآن، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى و لائه، فإن لم يكن له و لاء معروف قيل يا أخي يعني في الدين، قال اللّه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] فلو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ و هو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم و لا مؤاخذة لقوله تعالى: وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏ و كذلك لو دعوت رجلا لغير أبيه و أنت ترى أنه أبوه ليس عليك بأس قاله قتادة بخلاف الحال في زيد بن حارثة، فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد، فإن قاله متعمدا عصى لقوله، وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏ أي: فعليكم الجناح، و لذلك قال بعده:

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أي: غفورا للعمد رحيما برفع إثم الخطأ اه قرطبي.

قوله: هُوَ أي: دعاؤهم لآبائهم، فالضمير لمصدر ادعوهم كما في قوله: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ [المائدة: 8] و أقسط: أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل أي: الدعاء لآبائهم بالغ في العدل و الصدق في حكم اللّه تعالى و قضائه اه أبو السعود.

صفحه بعد