کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 202

الحجر به حتى وقف بين ملإ من بني إسرائيل، فأدركه موسى فأخذ ثوبه فاستتر به، فرأوه لا أدرة به و هي نفخة في الخصية وَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) ذا جاه. و مما أوذي به نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قسم قسما، فقال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه اللّه تعالى، فغضب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من ذلك و قال:

يرحم اللّه موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر، رواه البخاري.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) صوابا

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ‏ يتقبلها وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) نال غاية مطلوبه‏

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الصلوات و غيرها مما في فعلها من الثواب قوله: وَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (ذا جاه) يقال: وجه الرجل يوجه وجاهة، فهو وجيه إذا كان ذا جاه و قدر، و العامة على قراءة عند الظرفية المحازية، و ابن مسعود، و الأعمش، و أبو حيوة عبدا من العبودية للّه جار و مجرور و هي حسنة اه كرخي.

قوله: (يتقبلها) أو يوفقكم للأعمال الصالحة اه بيضاوي.

قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ‏ قال ابن عباس: أراد بالأمانة الطاعة و الفرائض التي فرضها اللّه تعالى على عباده عرضها على السموات و الأرض و الجبال على أنهم إن أدوها أثابهم و إن ضيعوها عذبهم. و قال ابن مسعود: الأمانة أداء الصلوات و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت و صدق الحديث و قضاء الدين و العدل في المكيال، و أشد من هذا كله الودائع. و قيل: هي جميع ما أمروا به و نهوا عنه، و قيل: هي الصوم و غسل الجنابة و ما يخفى من الشرائع. و قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: أول ما خلق اللّه من الإنسان الفرج، و قال: هذه الأمانة استودعكها، فالفرج أمانة و الأذنان أمانة و العين أمانة و اليد أمانة و الرجل أمانة، و لا إيمان لمن لا أمانة له. و في رواية عن ابن عباس: هي أمانات الناس و الوفاء بالعهود، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا و لا معاهدا في شي‏ء لا في قليل و لا في كثير، فعرض اللّه هذه الأمانة على أعيان السموات و الأرض و الجبال، و هذا قول جماعة من التابعين و أكثر السلف فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة بما فيها؟ قلن: و ما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن و إن عصيتن عوقبتن. قلن: لا يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا و لا عقابا، و قلن ذلك خوفا و خشية و تعظيما لدين اللّه تعالى، لئلا يقوموا بها لا معصية و لا مخالفة لأمره، و كان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما و لو ألزمهن لم يمتنعن من حملها، و الجمادات كلها خاضعة للّه تعالى مطيعة لأمره ساجدة له. قال بعض أهل العلم: ركب اللّه تعالى فيهن العقل و الفهم حين عرض عليهن الأمانة حتى عقلن الخطاب و أجبن بما أجبن. و قيل: المراد من العرض على السموات و الأرض و الجبال هو العرض على أهلها من الملائكة دون أعيانها، و القول الأول أصح و هو قول العلماء: فأبين أن يحملنها و أشفقن منها أي: خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، و حملها الإنسان يعني آدم. قال اللّه عز و جل لآدم: إني عرضت الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها؟ قال يا رب و ما فيها؟ قال: إن أحسنت جوزيت و إن أسأت عوقبت، فحملها آدم فقال:

بين أذني و عاتقي، قال اللّه تعالى: أما إذا تحملت فسأعينك و أجعل لبصرك حجابا، فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل فارخ عليه حجابه و أجعل للسانك لحيين و غلاما، فإذا خشيت فاغلق عليه و أجعل‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 203

و تركها من العقاب‏ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ‏ بأن خلق فيها فهما و نطقا فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ‏ خفن‏ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ آدم بعد عرضها عليه‏ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً لنفسه بما حمله لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك. قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها و بين أن أخرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر إلى العصر. إنه كان ظلوما جهولا. قال ابن عباس: ظلوما لنفسه جهولا بأمر ربه و ما تحمل من الأمانة. و قيل: ظلوما حين عصى ربه جهولا أي لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة. و قيل: ظلوما جهولا حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها و ضمنها و لم يف بضمانها: و قيل في تفسير الآية قول آخر، و هو أن اللّه تعالى ائتمن السموات و الأرض على شي‏ء و ائتمن آدم و أولاده على شي‏ء، و الأمانة في حق الاجرام العظام هي الخضوع و الطاعة لما خلقن له. و قوله: (فأبين أن يحملنها) أي: أدين الأمانة و لم يخن فيها، و أما الأمانة في حق بني آدم فهو ما ذكر من الطاعة و القيام بالفرائض، و قوله: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ أي: خان فيها، و على هذا القول حكي عن الحسن أنه قال: الإنسان هو الكافر و المنافق حملا الأمانة و خانا فيها، و القول الأول قول السلف و هو الأول في تفسير الآية اه خازن.

قوله: (مما في فعلها) من بمعنى مع أي مع ما في فعلها أي: الأمانة التي هي التكاليف، و قوله:

(من الثواب) بيان لما أي: عرضناها مع الثواب و العقاب على السموات اه شيخنا.

قوله: (بأن خلق فيها فهما) أي: حتى عقلت الخطاب. و قوله: (و نطقا) أي: حتى أجابت بما تقدم اه خازن.

قوله: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها أتى بضمير هذه كضمير الإناث لأن جمع التكسير غير العاقل يجوز فيه ذلك و إن كان مذكرا، و إنما ذكرنا ذلك لئلا يتوهم أنه قد غلب المؤنث و هو السموات على المذكر و هو الجبال، و اعلم أنه لم يكن إباؤهن كإباء إبليس في قوله تعالى: أَبى‏ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ‏ [الحجر: 31] لأن السجود هناك كان فرضا، و ههنا الأمانة كانت عرضا و الإباء هناك كان استكبارا و ههنا كان استصغارا لقوله تعالى: وَ أَشْفَقْنَ مِنْها أي: خفن من الأمانة أن لا يؤدينها كما أشار إليه الشيخ المصنف في التقرير اه كرخي.

قوله: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ معطوف على مقدر أي: فعرضناها على الإنسان فحملها كما أشار له بقوله: (بعد عرضها عليه)، و هذا المقدر هو المشار إليه بقوله: (متعلقة بعرضنا المترتب عليه حمل آدم) أي: متعلقة بعرضنا المقدر اه شيخنا.

و لا حاجة إلى هذا كله بل كان يكفي أن يقول متعلقة بحملها اه.

و في القرطبي: و اللام متعلقة بحملها أي: حملها ليعذب العاصي و يثيب المطيع، و قيل: متعلقة بعرضنا أي: عرضنا الأمانة على الجميع ثم قلدناها الإنسان ليظهر شرك المشرك و نفاق المنافق ليعذبهم اللّه، و إيمان المؤمن ليثيبه اللّه اه.

قوله: ظَلُوماً (لنفسه) المراد بظلمه لها إتعابه إياها كما أشار له بقوله: (بما حمله) و هذا الظلم‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 204

جَهُولًا (72) به‏

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ‏ اللام متعلقة بعرضنا المترتب عليه حمل آدم‏ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ‏ المضيعين الأمانة وَ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ‏ المؤدين الأمانة وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً للمؤمنين‏ رَحِيماً (73) بهم.

ممدوح من الأنبياء و من توقف فيه، فهم أن المراد بالظلم حقيقته و هي مجاوزة حد الشرع اه شيخنا.

قوله: جَهُولًا (به) أي: بعاقبته و أن النفس لا تطيق الدوام عليه اه شيخنا.

قوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ‏ الخ أي: حملها الإنسان ليعذب اللّه بعض أفراده الذين لم يراعوها على أن اللام للعاقبة، فإن التعذيب و إن لم يكن غرضا حاملا على تحملها، لكن لما ترتب الأغراض على الأفعال المعلل بها أبرز في معرض الغرض أي: كان عاقبة حمل الإنسان أن يعذب اللّه من أفراده من لم يقم بهذه الأمانة، و أن يثيب من قام بها و الالتفات إلى الاسم الجليل أولا لتهويل الخطب و تربية المهابة و الإظهار في موضع الإضمار ثانيا في قوله: وَ يَتُوبَ اللَّهُ‏ لإبراز مزيد الاعتناء بأمر المؤمنين توفية لكل من مقامي الوعيد و الوعد حقه، و اللّه أعلم اه أبو السعود.

قوله: غَفُوراً (للمؤمنين) أي: حيث عفا عن فرطاتهم رحيما بهن حيث أثابهم بالعفو على طاعتهم، مكرما لهم بأنواع الكرم و اللّه أعلم اه خطيب.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 205

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة سبإ مكية إلا وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏ الآية. و هي أربع أو خمس و خمسون آية

الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ حمد تعالى نفسه بذلك، و المراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد، و هو الوصف بالجميل للّه تعالى‏ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ ملكا و خلقا وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ كالدنيا يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة وَ هُوَ الْحَكِيمُ‏ في فعله‏ الْخَبِيرُ (1) بخلقه‏

يَعْلَمُ ما يَلِجُ‏ يدخل‏ فِي الْأَرْضِ‏ كماء و غيره‏ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها كنبات و غيره‏ وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

بالصرف و تركه كما سيأتي في الشرح. قوله: (حمد تعالى نفسه) من باب فهم كما في المختار، و قوله: (بذلك) أي: بذلك القول و هو الجملة المذكورة، و قوله: (المراد به) نعت لذلك، و قوله: (من ثبوت الحمد الخ) بيان للمضمون، و قوله: (للّه) متعلق بثبوت اه شيخنا.

قوله: (ملكا و خلقا) تمييزان عن نسبة ما في السموات اه كرخي.

قوله: (كالدنيا يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة) يقولون: الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن، الحمد للّه الذي صدقنا وعده فله الحمد في الدارين فحذف الدنيا لدلالة الآخرة عليها، لأن النعم فيهما كله منه. فإن قلت: الحمد مدح النفس و مدحها مستقبح فيما بين الخلق فما وجه ذلك؟ فالجواب: إنه دليل على أن حاله تعالى بخلاف حال الخلق، و أنه يحسن منه ما يقبح من الخلق، و ذلك يدل على أنه تعالى أن تقاس أفعاله على أفعال العباد و هذا يهدم أصول المعتزلة بالكلية قاله الفخر الرازي اه كرخي.

قوله: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ‏ الخ تفصيل لبعض ما يحيط به علمه تعالى من الأمور التي نيطت بها مصالحهم الدينية و الدنيوية اه أبو السعود.

قوله: ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ‏ أي: من المطر و الكنوز و الأموات و ما يخرج منها أي: من النبات و الأشجار و العيون و المعادن و الأموات إذا بعثوا وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أي: من الثلج و البرد و المطر و أنواع البركات و الملائكة، وَ ما يَعْرُجُ فِيها: أي: في السماء من الملائكة و أعمال العباد، وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ أي: للمفرطين في أداء ما وجب عليهم من شكر نعمه اه خازن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 206

رزق و غيره‏ وَ ما يَعْرُجُ‏ يصعد فِيها من عمل و غيره‏ وَ هُوَ الرَّحِيمُ‏ بأوليائه‏ الْغَفُورُ (2) لهم‏

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ القيامة قُلْ‏ لهم‏ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ‏ بالجر صفة، و الرفع خبر مبتدإ، و علام بالجر لا يَعْزُبُ‏ يغيب‏ عَنْهُ مِثْقالُ‏ وزن‏ ذَرَّةٍ أصغر نملة فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ (3) بيّن هو اللوح المحفوظ

لِيَجْزِيَ‏ فيها الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ‏ (4) قوله: (كماء و غيره) أي: كالكنوز و الدفائن و الأموات، و عورض هذا بأنها مما يوضع فيها لا مما يلج فيها. فالجواب: بأن الوضع هو الإيلاج و الولوج مطاوعة اه كرخي.

قوله: وَ ما يَعْرُجُ فِيها ضمن العروج معنى الاستقرار فعداه بفي دون إلى و السماء جهة العلو مطلقا اه شهاب.

قوله: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أرادوا بضمير التكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط، كما أرادوا بنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر، و إنما عبروا بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها اه أبو السعود.

قوله: قُلْ‏ (لهم) بَلى‏ رد لكلامهم و إثبات لما نفوه على معنى ليس الأمر إلا إتيانها.

و قوله: وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ‏ تأكيد له على أتم الوجوه و أكملها، و قوله: عالِمِ الْغَيْبِ‏ الخ تقوية للتأكيد لأن تعقيب القسم بجلائل نعوت المقسم به يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه و قوة إثباته و صحته لما أن ذلك في حكم الاستشهاد على الأمر اه أبو السعود.

قوله: (بالجر صفة الخ) و القراءات الثلاث سبعيات اه شيخنا.

قوله: لا يَعْزُبُ عَنْهُ‏ بضم الزاي في قراءة الجمهور، و قرأ الكسائي بكسرها اه بيضاوي.

و في المصباح: و عزب الشي‏ء من باب قتل و ضرب غاب و خفي اه.

قوله: وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ‏ جملة من مبتدأ و خبر مؤكدة لنفي العزوب اه أبو السعود.

و في السمين: قوله: وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ‏ العامة على رفع أصغر و أكبر و فيه وجهان، أحدهما:

الابتداء و الخبر إلا في كتاب. و الثاني: النسق على مثقال و على هذا فيكون قوله: إِلَّا فِي كِتابٍ‏ تأكيدا للنفي في لا يعزب كأنه قال: لكنه في كتاب مبين و يكون في محل الحال. و قرأ قتادة، و الأعمش، و رويم، عن أبي عمرو، و نافع أيضا: بفتح الراءين و فيه و جهان، أحدهما: أن لا هي لا التبرئة بني اسمها معها، و الخبر قوله: إِلَّا فِي كِتابٍ. و الثاني: النسق على ذرة اه.

قوله: وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ‏ إشارة إلى أن مثقال لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب أيضا فإن قيل: فأي حاجة إلى ذكر الأكبر، فإن من علم الأصغر من الذرة لا بد و إن يعلم الأكبر؟ فالجواب:

لما كان اللّه تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب، فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر لكونها محل النسيان، و أما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال: الإثبات في الكتاب ليس كذلك، فإن الأكبر مكتوب فيه أيضا اه كرخي.

قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا علة لقوله لتأتينكم و بيان لما يقتضيه إتيانها اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 207

حسن في الجنة

وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي‏ إبطال‏ آياتِنا القرآن‏ مُعاجِزِينَ‏ و في قراءة و فيما يأتي معاجزين، أي مقدرين عجزنا أو مسابقين لنا فيفوتونا لظنهم أن لا بعث و لا عقاب‏ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ سيى‏ء العذاب‏ أَلِيمٌ‏ (5) مؤلم بالجر و الرفع، صفة لرجز و عذاب‏

وَ يَرَى‏ و قد أشار له للشارح بقوله: (فيها) أي: الساعة اه شيخنا.

قوله: (حسن في الجنة) أي: محمود العاقبة.

قوله: وَ الَّذِينَ سَعَوْا يجوز فيه و جهان، أظهرهما: أنه مبتدأ، و أولئك و ما بعده خبره.

و الثاني: أنه عطف على الذين قبله أي: و يجزي الذين سعوا و يكون أولئك بعده مستأنفا، و أولئك الذين قبله و ما في حيزه معترضا بين المتعاطفين اه أبو السعود.

قوله: فِي‏ (إبطال) آياتِنا (القرآن) أي: بالطعن فيها و نسبتها إلى السحر و الشعر و غير ذلك لأن المكذب آت بإخفاء آيات بينات، فيحتاج إلى السعي العظيم و الجد البليغ ليروج كذبه لعله يعجز المتمسك به اه كرخي.

قوله: (و في قراءة) أي: سبعية. و قوله: (و فيما يأتي) أي: آخر السورة. قوله: (أي مقدرين الخ) لف و نشر مرتب، فالأول توجيه للقراءة الأولى، و الثاني للثانية. و قد تقدم نظير ذلك مع زيادة في سورة الحج اه كرخي.

و في البيضاوي: معجزين أي: مثبطين عن الإيمان من أراده اه.

و معنى التقدير في كلام الشارح الاعتقاد و قوله: (مسابقين) أطلق المعاجزة على المسابقة لكون كل واحد من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به و المسابقة مع اللّه و إن كانت مما لا يتصور إلا أن المكذبين بآيات اللّه لما قدروا في أنفسهم و طمعوا أن كيدهم في الإسلام يتم لهم شبهوا بمن يسابق اللّه بحسب زعمهم اه زاده.

و في الشهاب: عند الآية الآتية ما نصه قال الراغب: أصل معنى العجز التأخر لكون المتأخر خلف عجز السابق أو عنده، ثم تعورف فيما هو معروف ظاهرا، فالمراد هنا بالمعاجزة التأخر المسبوق بتقديم السابق، و معنى المفاعلة غير مقصود هنا إذ المقصود السبق و عدم قدرة غيرهم عليهم لغلبتهم، فلذا لم يقل في تفسيره مسابقين فغلبتهم إما للأنبياء و هي متصورة أو للّه و هي غير متصورة، فلذا جعلها بناء على زعمهم الفاسد و ظنهم الباطل لا أنه موضوع له اه.

قوله: (فيفوتونا) في نسخة فيفوتوننا، و في البيضاوي: كي فوتونا و عليها فحذف النون ظاهر اه.

و قوله: (لظنهم أن لا بعث الخ) علة لقوله سعوا.

قوله: وَ يَرَى الَّذِينَ‏ معطوف على يجزي فهو منصوب أو مستأنف فهو مرفوع، فقول الشارح يعلم يصح قراءته بالوجهين، و الذين: فاعل، و الذي أنزل: مفعول أول، و قوله: هُوَ (فصل) أي:

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 208

يعلم‏ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏ مؤمنو أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام و أصحابه‏ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ أي القرآن‏ هُوَ فصل‏ الْحَقَّ وَ يَهْدِي إِلى‏ صِراطِ طريق‏ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) أي اللّه ذي العزة المحمود

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي قال بعضهم على جهة التعجيب لبعض‏ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ‏ هو محمد يُنَبِّئُكُمْ‏ يخبركم أنكم‏ إِذا مُزِّقْتُمْ‏ قطعتم‏ كُلَّ مُمَزَّقٍ‏ بمعنى تمزيق‏ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ‏ ضمير فصل متوسط بين المفعولين، و الحق مفعول ثان، و يهدي معطوف على المفعول الثاني أي:

يرونه حقا و هاديا اه شيخنا.

و في أبي السعود: و يهدي عطف على الحق عطف الفعل على الاسم لأن الفعل في تأويل الاسم كأنه قيل: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ‏ و هاديا اه.

و في الشهاب: قوله: وَ يَهْدِي‏ فيه أوجه، أحدها: أنه مستأنف و فاعله إما ضمير الذين أنزل أو اللّه، فقوله: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ التفات. الثاني: أنه معطوف على الحق بتقدير، و أنه يهدي. الثالث:

أنه معطوف عليه عطف الفعل على الاسم. الرابع: أنه حال بتقدير و هو يهدي اه.

قوله: (مؤمنو أهل الكتاب الخ) عبارة القرطبي: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏ قال مقاتل: الذين أوتوا العلم هم مؤمنو أهل الكتاب، و قال ابن عباس: هم أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و قيل: أهل الكتاب، و قيل: جميع المسلمين و هو أصح لعمومه، و الرؤية بمعنى العلم و هي في موضع نصب عطفا على ليجزي أي: ليجزي و ليرى قاله الزجاج و الفراء اه.

و يرد على العطف المذكور أن المراد من الآية ثبوت العلم لهم في الدنيا، و العطف يقتضي ثبوته لهم في الآخرة و ليس مرادا فالحق هو الاستئناف اه.

قوله: (هو محمد) و نكروه سخرية به و استهزاء قاتلهم اللّه اه أبو السعود.

و في الشهاب: و التعبير عنه برجل المنكر من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل و هو عندهم أشهر من الشمس اه.

و في القرطبي: فإن قلت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مشهورا علما في قريش و كان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم فما معنى قولهم‏ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ‏ فنكروه لهم و عرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟ قلت: كانوا يقصدون بذلك السخرية و الهزء به فأخرجوه مخرج التحاكي ببعض الحكايات التي يتحاكى بها للضحك و التلهي متجاهلين به اه.

صفحه بعد