کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 240

تَرى‏ يا محمد إِذْ فَزِعُوا عند البعث لرأيت أمرا عظيما فَلا فَوْتَ‏ لهم منا، أي لا يفوتونا وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ‏ (51) أي القبور

وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ‏ بمحمد أو القرآن‏ وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ‏ موصولة أي: بسبب الذي يوحيه فعائدها محذوف اه سمين.

قوله: إِنَّهُ سَمِيعٌ‏ (للدعاء) عبارة البيضاوي: يسمع قول كل من المهتدي و الضال و فعله و إن بالغ في إخفائهما و هي أنسب بالسياق، انتهت.

قوله: وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ‏ ذكر أحوال أهل الكفر في وقت يضطرون فيه إلى معرفة الحق، و المعنى: لو ترى إذ فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس اللّه تعالى بهم. روي معناه عن ابن عباس، و عن الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة، و عنه أن ذلك الفزع إنما هو إذا خرجوا من قبورهم و قاله قتادة. و قال ابن معقل: إذا عاينوا عقاب اللّه جل جلاله يوم القيامة. و قال السدي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارا إلى التوبة. و قال سعيد بن جبير: هو الجيش الذي يخسف به في البيداء فيبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون، فهذاهو فزعهم فلا فوت فلا نجاة قاله ابن عباس. و قال مجاهد: فلا مهرب و أخذوا من مكان قريب أي: من القبور، قيل: من حيث كانوا فهم من اللّه قريبون لا يبعدون عنه و لا يفوتونه. و قال ابن عباس: نزلت في ثمانين ألفا يغزون في آخر الزمان الكعبة ليخربوها، فلما يدخلون البيداء يخسف بهم فهو الأخذ من مكان قريب اه قرطبي.

قوله: (لرأيت أمرا عظيما) أشار به إلى أن جواب لو محذوف، و يجوز أن تكون إذ مفعول ترى أي و لو ترى وقت فزعهم على المجاز العقلي، و يجوز أن يكون ظرفا له اه كرخي.

و الأولى من هذا أن مفعول ترى محذوف أي: و لو ترى حالهم وقت أن فزعوا الخ.

قوله: (أي لا يفوتوننا) أي: لا بهرب و لا بحصن اه كرخي.

قوله: وَ أُخِذُوا و قوله: وَ قالُوا و قوله: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ‏ الثلاثة معطوفة على فزعوا و الأربعة بمعنى الاستقبال و عبّر فيها بالماضي لتحقق الوقوع اه شيخنا.

قوله: (أي القبور) و هي قريبة من مساكنهم في الدنيا كما قاله أبو حيان، أو قريبة من اللّه أي: لا يبعد عليه أخذهم منها كما قاله غيره اه شيخنا.

و قيل: أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ‏ أي: قبضت أرواحهم في أماكنهم، فلم يمكنهم الفرار من الموت. و هذا على قول من يقول: هذا الفزع عند النزع، و يجوز أن يكون هذا الفزع الذي هو بمعنى الإجابة يقال: فزع الرجل إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف. قال: أراد الخسف أو القتل في الدنيا كيوم بدر قال: أخذوا في الدنيا قبل أن يأخذوا في الآخرة، و من قال هو فزع يوم القيامة قال: أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها: و قيل: أخذوا من مكان قريب أي: من جهنم فألقوا فيها اه قرطبي.

قوله: وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ‏ أي: قالوا ذلك وقت النزع و هو وقت نزول العذاب بهم عند الموت‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 241

بالواو و بالهمزة بدلها أي تناول الإيمان‏ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) عن محله إذ هم في الآخرة و محله الدنيا

وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ‏ في الدنيا وَ يَقْذِفُونَ‏ يرمون‏ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) أي بما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة حيث قالوا في النبي ساحر شاعر كاهن، و في القرآن سحر شعر كقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ‏ [غافر: 84] أو عند البعث فإن الكفار كلهم يؤمنون حينئذ، و نفى اللّه عنهم نفع الإيمان عنهم بقوله: وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ‏ اه زاده.

قوله: وَ أَنَّى لَهُمُ‏ أي: من أين لهم، أي: كيف يقدرون على الظفر بالمطلوب، و ذلك لا يكون إلا في الدنيا و هم في الآخرة، و الدنيا من الآخرة بعيدة، فأنى هنا للاستبعاد، فإن قيل: كيف قال في كثير من المواضع إن الآخرة من الدنيا قريبة و سمى الساعة قريبة، فقال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر: 1] اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ‏ [الأنبياء: 1] لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ‏ [الشورى: 17]؟ فالجواب أن الماضي كالأمس الدابر و هو أبعد ما يكون إذ لا وصول إليه، و المستقبل و إن كان بينه و بين الحاضر سنين فإنه آت، فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيها و يوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه اه كرخي.

قوله: التَّناوُشُ‏ مبتدأ، و أنّى خبره، أي: كيف لهم التناوش و لهم حال، و يجوز أن يكون لهم رافعا للتناوش لاعتماده على الاستفهام، أي: كيف استقر لهم التناوش و فيه بعد اه سمين.

و في المصباح: ناشه نوشا من باب قال تناوله، و التناوش التناول يهمز و لا يهمز، و تناوشوا بالرماح تطاعنوا بها اه.

و في القرطبي: قال ابن عباس، و الضحاك: التناوش الرجعة أي: يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا و هيهات من ذلك. و قال السدي: هو التوبة أي: طلبوها و قد بعدت لأنه إنما تقبل التوبة في الدنيا. و قيل: التناوش التناول. قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه و لحيته ناشه ينوشه نوشا، و منه المناوشة في القتال و ذلك إذا تدانى الفريقان اه.

قوله: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و هو الآخرة بدليل قوله: (عن محله الخ) اه شيخنا.

قوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ‏ الخ أي: و يرجمون بالظن و يتكلمون بما لم يظهر لهم في الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم من المطاعن، أو في العذاب من البت على نفيه من مكان بعيد من جانب بعيد من أمره و هو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول و حال الآخرة كما حكاه من قبل، و لعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه اه بيضاوي.

و هذا استعارة تمثيلية تقريرها أنه شبه حالهم في ذلك أي: في قولهم آمنا به حيث لا ينفعهم الإيمان بحال من رمى شيئا من مكان بعيد و هو لا يراه، فإنه لا يتوهم إصابته و لا لحوقه لخفائه عنه و غاية بعده، فالباء في بالغيب بمعنى في أي في محل غائب عن نظرهم أو للملابسة اه شهاب.

قوله: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ المكان البعيد و هو و همهم الفاسد و ظنهم الخاطى‏ء، و هو بعيد عن رتبة العلم و رتبة الصدق و التحقيق اه شيخنا.

قوله: (أي بما غاب) و هو قولهم ساحر الخ. و قوله: (بعيدة) أي: عن الصدق و التحقق اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 242

كهانة

وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ‏ من الإيمان أي قبوله‏ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ‏ أشباههم في الكفر مِنْ قَبْلُ‏ أي قبلهم‏ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ‏ (54) موقع في الريبة لهم فيما آمنوا به الآن و لم يعتدوا بدلائله في الدنيا.

قوله: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ‏ أي: في الآخرة، و قوله: (أي: قبوله) أي نفعه بحيث يخلصهم من الخلود في النار اه شيخنا.

و حيل: فعل مبني للمفعول و إذا بني للفاعل يقال فيه حال و هو فعل لا يتعدى، و نائب الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل كأنه قيل: و حيل هو أي الحول. و جعل بعضهم نائب الفاعل الظرف و هو بينهم، و اعترض بأنه كان ينبغي أن يرفع. و أجيب بأنه إنما بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، ورد بأن المضاف إلى غير متمكن لا يبنى مطلقا، فلا يجوز قام غلامك و لا مررت بغلامك بالفتح، و تقدم في قوله: لقد تقطع بينكم ما يغنينا عن إعادته اه من البحر و السمين.

قوله: (أشباههم في الكفر) في المختار: و شيعة الرجل أتباعه و أنصاره و كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع و قوله تعالى: كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ‏ أي: بأمثالهم اه.

قوله: مِنْ قَبْلُ‏ متعلق بفعل أو بأشياعهم أي الذين شايعوهم قبل ذلك الحين اه سمين.

و عبارة البحر: من قبل يصح أن يكون متعلقا بأشياعهم أي من أتصف بصفاتهم من قبل أي: في الزمان الأول، و يؤيده أن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد و يصح أن يكون متعلقا بفعل إذا كانت الحيلولة في الدنيا، انتهت.

قوله: (أي قبلهم) أي: الذين كانوا قبلهم في الدنيا أي: كانوا فيها سابقين عليهم في الزمان، فالظرف و هو قوله: مِنْ قَبْلُ‏ نعت لأشياعهم تأمل.

قوله: إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ‏ أي: من أمر الرسل و البعث و الجنة و النار، و قيل: في الدين و التوحيد و المعنى واحد، يقال: أراب الرجل أي: صار ذا ريبة فهو مريب، و من قال هو من الريب الذي هو الشك و التهمة قال: يقال شك مريب كما يقال عجب عجيب و شعر شاعر في التأكيد اه قرطبي.

قوله: (موقع الريبة لهم) أي: فهو من أرابه أوقعه في ريبة و تهمة فالهمزة للتعدية اه شهاب.

و إسناد الإرابة إلى الشك مجاز قصد به المبالغة في الشك، و قال ابن عطية: الشك المريب أقوى ما يكون من الشك و أشده اه سمين.

و في الكرخي: قوله: (مع الريبة لهم) أو ذي ريبة منقول من المشكك أو الشاك نعت به الشك للمبالغة قاله القاضي. و إيضاحه، قول الكشاف: مريب إما من أرابه إذا أوقعه في الريبة و التهمة، أو من أراب الرجل إذا صار ذا ريبة، و دخل فيها و كلاهما أي: المعنيين مجاز إلا أن بينهما فرقا و هو أن الريب من الأول أي: المتعدي منقول ممن يصبح أن يكون مريبا من الأعيان إلى المعنى، و المريب من الثاني أي: اللازم منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول شعر شاعر اه.

قوله: (و لم يعتدوا بدلائله) حال من الواو في آمنوا به في الآخرة و الحال أنهم لم يعتدوا في الدنيا بدلائله الواضحة و في نسخة و لم يهتدوا لدلائله اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 243

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة فاطر مكية و هي خمس أو ست و أربعون آية

الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ حمد اللّه تعالى نفسه بذلك، كما بين في أول سبأ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ خالقهما على غير مثال سبق‏ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا إلى الأنبياء أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

و تسمى أيضا سورة الملائكة كما في البيضاوي و غيره و هذه السورة ختام السور المفتتحة بالحمد التي فصلت فيها النعم الأربع التي هي أمهات النعم المجموعة في الفاتحة، و هي الإيجاد الأول ثم الإبقاء الأول، ثم الإيجاد الثاني المشار إليه بسورة سبأ، ثم الإبقاء الثاني الذي هو أنهاها و أحكمها، و هو الختام المشار إليه بهذه السورة المفتحة بالابتداء خطيب.

قوله: (حمد تعالى نفسه) أي: تعظيما لها و تعليما لعباده كيفية الثناء عليه تعالى و باعتبار الثاني جعل الشارح هذه الجملة في سورة الحمد معمولة لقول محذوف حيث قدره هناك بقوله: قولوا الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ و قوله: (بذلك) أي: بذلك التركيب فهو صادر من جهته تعالى، و حينئذ فالظاهر أن أل فيه جنسية أو استغراقية أي: جنس الحمد أو جميع أفراده مملوك أو مملوكة لي و مختصة بي، و لا يضر أن تكون عهدية إلا في الحمد الصادر من الخلق، لأنهم في تقرير العهدية يجعلون المعهود و المعلوم هو الصادر منه تعالى كالمذكور هنا، فلو جعلت هنا عهدية لم يكن هناك شي‏ء معهود معلوم غير الحاصل بهذه الجملة فليتأمل اه شيخنا.

قوله: (بذلك) أي: بهذا اللفظ المذكور، و قوله: (كما بين في أول سبأ) عبارته هناك حمد تعالى نفسه بذلك المراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد و هو الوصف بالجميل للّه اه.

قوله: (خالقهما) أصل الفطر الشق مطلقا. و قيل: الشق طولا فكأنه شق العدم بإخراجهما منه اه أبو السعود.

و بابه نصر كما في المختار، و قول الشارح: على غير مثال سبق أي: و على غير مادة، و الظاهر أن هذا ليس من معنى الفطر لغة، و إنما أخذه من المعنى و سياق الكلام تأمل.

قوله: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ أي: بعضهم، إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم، و قوله: أُولِي أَجْنِحَةٍ نعت لرسلا و هو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا أو للملائكة و هو جيد معنى: إذ كل الملائكة لها

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 244

الْخَلْقِ‏ في الملائكة و غيرها ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (1)

ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ كرزق أجنحة فهي صفة كاشفة، و المسوغ للتخالف في التعريف جعل أل جنسية، و قوله: مَثْنى‏ الخ القصد به التكثير و اختلافهم في عدد الأجنحة لا الحصر، و إلّا فبعضهم له ستمائة و غير ذلك، و مثنى مجرور بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر نيابة عن الكسرة لأنه غير منصرف للوصف، و العدل عن المكرر أي: اثنين اثنين و هو بدل من أجنحة، فإن قلت: لا يخلو إما أن يكون جاعل بمعنى الماضي أو غيره. فإن كان الأول لزم أن لا يعمل مع أنه عامل رسلا، و إن كان الثاني لزم أن تكون إضافته غير محضة، فلا يصح أن يكون صفة للمعرفة. قلنا: صرح الطيبي بأن جاعل هنا للاستمرار فباعتبار أنه يدل على المضي يصلح كونه للمعرفة، و باعتبار أنه يدل على الحال و الاستقبال يصلح للعمل اه كازروني.

قوله: رُسُلًا (إلى الأنبياء) عبارة البيضاوي: جاعل الملائكة رسلا و سائط بين اللّه تعالى و بين أنبيائه و الصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي و الإلهام و الرؤيا الصالحة، أو بينه و بين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه اه.

قوله: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ‏ مستأنف و ما يشاء هو المفعول الثاني للزيادة و الأول لم يقصد فهو محذوف اقتصارا، لأن ذكر قوله: فِي الْخَلْقِ‏ يغني عنه اه سمين.

قوله: (في الملائكة و غيرها) أي: يزيد صورة و معنى كملاحة الوجه و حسن الصوت وجودة العقل و متانته، فقد رأى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل ليلة المعراج بستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق و المغرب أخرجه الشيخان اه كرخي.

و في الخطيب: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ أي: يزيد في خلق الأجنحة و في غيره ما تقتضيه مشيئته و حكمته، و الأصل الجناحان لأنهما بمنزلة اليدين ثم الثالث و الرابع زيادة على الأصل، و ذلك أقوى للطيران و أعون عليه. فإن قيل: قياس الشفع من الأجنحة أن يكون في كل شق نصفه فما صورة الثلاثة؟ أجيب: بأن الثالث لعله يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة أو لعله لغير الطيران.

قال الزمخشري: فقد مرّ بي في بعض الكتب أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة، فجناحان يلفون بهما اجسادهم، و جناحان للطيران يطيرون بهما في الأمر من أمور اللّه تعالى، و جناحان على وجوههم حياء من اللّه تعالى.

و روى ابن ماجه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «رأيت جبريل عند سدرة المنتهى و له ستمائة جناح ينتثر من رأسه الدر و الياقوت». و روي أنه سأل جبريل أن يتراءى له في صورته فقال: إنك لن تطيق ذلك فقال: «إني أحب أن تفعل»، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في ليلة مقمرة فأتاه جبريل في صورته فغشي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، ثم أفاق و جبريل عليه السّلام مسنده و إحدى يديه على صدره و الأخرى بين كتفيه فقال:

«سبحان اللّه ما كنت أرى شيئا من الخلق هكذا». فقال جبريل: فكيف لو رأيت إسرافيل له اثنا عشر ألف جناح جناح منها بالمشرق و جناح بالمغرب و إن العرش على كاهله، و أنه ليتضاءل الأحايين لعظمة اللّه حتى يعود مثل الوصع و هو العصفور الصغير. و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ «هو الوجه الحسن و الصوت الحسن و الشعر الحسن»، و قيل: هو الخط الحسن. عن قتادة: الملاحة في العينين. و الآية كما قال الزمخشري مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 245

و مطر فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ‏ من ذلك‏ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ‏ أي بعد إمساكه‏ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب على أمره‏ الْحَكِيمُ‏ (2) في فعله‏

يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ أي أهل مكة اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏

و اعتدال صورة و تمام في الأعضاء و قوة في البطش و متانة في العقل و جزالة في الرأي و جرأة في القلب و سماحة في النفس و ذلالة في اللسان و لباقة في التكلم و حسن تأن في مزاولة الأمور، و ما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف اه.

و الوصع: بفتح الصاد المهملة و سكونها و بالعين المهملة كما في القاموس.

قوله: ما يَفْتَحِ اللَّهُ‏ ما: اسم شرط جازم منصوبة المحل بفعل الشرط، و من رحمة بيان لها و روعي معناها في قوله: فَلا مُمْسِكَ لَها. و روعي لفظ الأخرى في قوله: فَلا مُرْسِلَ لَهُ‏ اه شيخنا.

و في السمين: وَ ما يُمْسِكْ‏ يجوز أن يكون على عمومه أي: أي شي‏ء أمسكه من رحمة أو غيرها. فعلى هذا التذكير في قوله له ظاهر لأنه عائد على ما يمسك، و يجوز أن يكون قد حذف المبين من الثاني لدلالة الأولى عليه تقديره: و ما يمسك من رحمة، فعلى هذا التذكير في قوله له على لفظ ما في قوله أولا: فَلا مُمْسِكَ لَها التأنيث فيه حمل على معنى ما لأن المراد به الرحمة، فحمل أولا على المعنى و في الثاني على اللفظ و الفتح و الإمساك استعارة حسنة اه.

و في أبي السعود: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ عبّر عن إرسالها بالفتح إيذانا بأنها أنفس الخزائن التي يتنافس فيها المتنافسون، و أعزها منالا و تنكيرها للإشاعة و الإبهام أي: أي شي‏ء يفتح اللّه من خزائن رحمة كانت من نعمة و صحة و أمن و علم و حكمة إلى غير ذلك مما لا يحاط به اه.

قوله: مِنْ رَحْمَةٍ تبيين أو حال من اسم الشرط، و لا يكون صفة لما لأن اسم الشرط لا يوصف. قال الزمخشري: و تنكير الرحمة للأشاعة و الإبهام كأنه قيل: أي رحمة كانت سماوية أو أرضية. قال الشيخ: و العموم مفهوم من اسم الشرط، و من رحمة بيان لذلك العام من أي صنف هو، و هو مما اجتزى‏ء فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعروف المطابق في العموم لاسم الشرط، و تقديره:

من الرحمات و من في موضع الحال انتهى اه سمين.

قوله: (من ذلك) أي: من رحمة. ففي الكلام حذف من الثاني لدلالة الأول هذا ما سلكه الشارح، و بعضهم جعل ما عامة في الرحمة و غيرها كالغضب، و يؤيده عدم تبيينها و تبيين الأولى اه شيخنا.

و عبارة الخطيب: و اختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة، و الثاني مطلق يتناولها و يتناول الغضب، و في ذلك أشعار بأن رحمته سبقت غضبه، انتهت.

قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ‏ أي: لا تنسوها. و في كلام الكشاف إشارة إلى ذلك حيث قال: ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، و لكن المراد ذكرها به و بالقلب اه كرخي.

و في القرطبي: و معنى هذا الذكر الشكر اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 246

بإسكانكم الحرم و منع الغارات عنكم‏ هَلْ مِنْ خالِقٍ‏ من زائدة و خالق مبتدأ غَيْرُ اللَّهِ‏ بالرفع و الجر، نعت لخالق لفظا و محلا و خبر المبتدأ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ المطر وَ من‏ الْأَرْضِ‏ النبات و الاستفهام للتقرير، أي لا خالق رازق غيره‏ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ (3) من أين قوله: نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏ النعمة: هنا بمعنى الإنعام بدليل تقدير المتعلق الذي ذكره هذا ما درج عليه الجلال اه شيخنا.

و في البيضاوي: إنها بمعنى المنعم به حيث قال: احفظوها بمعرفة حقها و الاعتراف بها و طاعة موليها اه.

قوله: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ‏ قرأ الأخوان غير بالجر نعتا لخالق على اللفظ و من خالق مبتدأ زيدت فيه من و في خبره قولان، أحدهما: هو الجملة من قوله: يَرْزُقُكُمْ. و الثاني: أنه محذوف تقديره لكم و نحوه. و في يرزقكم على هذا و جهان، أحدهما: أنه صفة أيضا لخالق فيجوز أن يحكم على موضعه بالجر اعتبارا باللفظ، و بالرفع اعتبارا بالموضع. الثاني: أنه مستأنف. و قرأ الباقون بالرفع و فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه خبر المبتدأ. و الثاني: أنه صفة لخالق على الموضع، و الخبر إما محذوف و إما يرزقكم. الثالث: أنه مرفوع باسم الفاعل على جهة الفاعلية، لأن اسم الفاعل قد اعتمد على أداة الاستفهام، إلا أن الشيخ توقف في مثل هذا من حيث إن اسم الفاعل و إن اعتمد إلا أنه لم يحفظ فيه زيادة من قال، فيحاج مثله إلى سماع و لا يظهر التوقف، فإن شروط الزيادة و العمل موجودة، و على هذا الوجه فيرزقكم إما صفة أو مستأنف. و جعل الشيخ استئنافه أولى قال: لانتفاء صدق خالق على غير اللّه بخلاف كونه صفة، فإن الصفة تقيد فيكون ثم خالق غير اللّه لكنه ليس برازق. و قرأ الفضل بن إبراهيم النحوي غير بالنصب على الاستثناء، و الخبر يرزقكم أو محذوف، و يرزقكم مستأنف أو صفة اه سمين.

قوله: (بالرفع و الجر) سبعيتان، و قوله: (لفظا و محلا) لف و نشر مشوش اه.

قوله: (و الاستفهام للتقرير) أي: و التوبيخ، و في البيضاوي: أنه للإنكار اه.

قوله: (أي لا خالق رازق غيره) هذا حل معنى، و إلّا فلو جرى على أسلوب الإعراب الذي ذكره لقال: أي: لا خالق غيره رازق اه شيخنا.

و في نسخة أي: لا خالق و لا رازق غيره. قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ استئناف مسوق لتقرير النفي المستفاد مما قبله اه أبو السعود.

قوله: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ من الأفك بالفتح و هو الصرف يقال: ما أفكك عن كذا، أي: ما صرفك عنه، و قيل: هو من الإفك بالكسر و هو الكذب، و يرجع هذا أيضا إلى ما تقدم لأنه قول مصروف عن الصدق و الصواب أي: من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد اللّه اه قرطبي.

صفحه بعد