کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 255

دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا فرضا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ‏ ما أجابوكم‏ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ‏ بإشراككم إياهم مع اللّه، أي يتبرؤون منكم و من عبادتكم إياهم‏ وَ لا يُنَبِّئُكَ‏ بأحوال الدارين‏ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) عالم و هو اللّه تعالى‏

* يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ‏ بكل حال‏ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُ‏ عن خلقه‏ الْحَمِيدُ (15) المحمود في صنعه بهم‏

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) و في القرطبي: و القطمير القشرة الرقيقة البيضاء التي بين التمرة و النواة قاله أكثر المفسرين، و قال ابن عباس: هو شق النواة و هو اختيار المبرد قاله قتادة و عن قتادة أيضا: أن القطمير القمع الذي على رأس النواة، و قال الجوهري: و يقال هو النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة اه.

قوله: (ما أجابوكم) أي: بجلب نفع و لا دفع ضرر اه قرطبي.

قوله: (بإشراككم إياهم) أي: فالمصدر مضاف لفاعله و قوله: (أي يتبرؤون منكم) أي: بقولهم ما كانوا إيانا يعبدون اه أبو السعود.

و في القرطبي: ثم يجوز أن يرجع هذا إلى المعبودين، ممن يعقل كالملائكة و الجن و الأنبياء و الشياطين أي: يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا و أنهم أمروكم بعبادتهم، كما أخبر اللّه عن عيسى بقوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ‏ [المائدة: 116] و يجوز أن يندرج فيه الأصنام أيضا أي: يحييها اللّه حتى تخبر بأنها ليست أهلا للعبادة اه.

قوله: وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ يعني اللّه بذلك نفسه أي: لا ينبئك أحد مثلي لأني عالم بالأشياء و غيري لا يعلمها اه خازن.

و المراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم و نفي ما يدعون لها من الألوهية اه أبو السعود.

و هذا الخطاب يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون خطابا للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم. و الثاني: أن ذلك الخطاب غير مختص بأحد أي: هذا الذي ذكر هو ما ذكر و لا ينبئك أيها السامع كائنا من كنت مثل خبير اه كرخي.

قوله: أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ‏ أي: في أنفسكم و فيما يعرض لكم من سائر الأمور و تعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم، كأنهم لشدة افتقارهم و كثرة احتياجهم هم الفقراء، و أن افتقار سائر الخلائق بالإضافة إلى فقرهم غير معتد به، و لذلك قال تعالى: وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً [النساء: 28] اه بيضاوي.

قوله: الْحَمِيدُ فإن قلت: قد قوبل الفقير بالغني فما فائدة الحميد؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه و غناه عنهم، و ليس كل غني نافعا إلا إذا كان جوادا منعما، و إذا جاد و أنعم حمده المنعم عليه و استحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه اه كشاف.

قوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ‏ الآية. هذا بيان لغناه و فيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ‏ أي: ليس إذهابكم موقوفا إلا على مشيئته، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله:

وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك كمال و عظمة، فلو أذهبه لزال ملكه‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 256

بدلكم‏

وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) شديد

وَ لا تَزِرُ نفس‏ وازِرَةٌ آثمة أي لا تحمل‏ وِزْرَ نفس‏ أُخْرى‏ وَ إِنْ تَدْعُ‏ نفس‏ مُثْقَلَةٌ بالوزر إِلى‏ حِمْلِها منه أحد ليحمل بعضه‏ لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ وَ لَوْ كانَ‏ المدعو ذا قُرْبى‏ قرابة كالأب و الابن و عدم الحمل في الشقين حكم من اللّه و عظمته فهو قادر على أن يخلق خلقا جديدا أحسن من هذا و أجمل، و ما ذلك أي: الإذهاب و الإتيان على اللّه بعزيز اه كرخي.

قوله: بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أي: بقوم آخرين أطوع منكم أو بعالم آخر غير ما تعرفونه اه بيضاوي.

قوله: (شديد) عبارة البيضاوي: بمتعذر أو متعسر و عبارة الكشاف: بممتنع اه.

قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ الخ و أما قوله تعالى: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ‏ [العنكبوت: 13] الآية فهي في الضالين المضلين، فيحملون أثقال ضلالتهم و أثقال إضلالهم لغيرهم، فما حملوا إلا أثقال وزر أنفسهم اه أبو السعود.

و في الخازن: قال ابن عباس، يلقي الأب و الأم الابن فيقولان له: يا بني أحمل عنا بعض ذنوبنا.

فيقول: لا أستطيع حسبي ما علّي اه.

قوله: وازِرَةٌ أي: نفس وازرة، فحذف الموصوف للعلم به، و معنى تزر تحمل أي: لا تحمل نفس حامله حمل نفس أخرى اه سمين.

و في المصباح: و الوزر الإثم و الوزر الثقل، و منه يقال: وزر يزر من باب وعد إذا حمل الإثم، و في التنزيل‏ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ أي: لا تحمل عنها حملها من الإثم و الجمع أوزار مثل حمل و أحمال، و يقال: وزر بالبناء للمفعول من الإثم فهو موزور اه.

قوله: وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ أي: نفس مثقلة بالذنوب نفسا إلى حملها فحذف المفعول به للعلم، و العامة لا يحمل مبنيا للمفعول و شي‏ء قائم مقام فاعله، و أبو السماك و طلحة. و تروى عن الكسائي: لا تحمل بفتح التاء من فوق و كسر الميم أسند الفعل إلى ضمير النفس المحذوفة التي جعلتها مفعولة لتدع، أي: لا تحمل تلك النفس المدعوة شيئا مفعول بلا تحمل اه سمين.

قوله: مِنْهُ‏ صفة لحلمها بمعنى المحمول، و الضمير راجع للوزر أي: إلى محمولها الكائن من الوزر اه شيخنا.

و في المصباح: الحمل بالكسر ما يحمل على الظهر و نحوه، و الجمع أحمال و حمول، و حملت المتاع حملا من باب ضرب. فأنا حامل و الأنثى حاملة بالتاء لأنها صفة مشتركة اه.

و في المختار: قال ابن السكيت: الحمل بالفتح و ما كان في البطن أو على رأس شجرة، و الحمل بالكسر ما كان على ظهر أو رأس. قال الأزهري: و هذا هو الصواب و هو قول الأصمعي، و قال: امرأة حامل أو حاملة إذا كانت حبلى، فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون إلا للإناث، و من قال حاملة بناه على حملت فهي حاملة. و ذكر ابن دريد: أن حمل الشجرة فيه لغتان الفتح و الكسر اه.

قوله: وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‏ أي: و لو كان المدعو ذا قربى. و قيل: التقدير و لو كان الداعي ذا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 257

تعالى‏ إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ‏ أي يخافونه و ما رأوه لأنهم المنتفعون بالإنذار وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أداموها وَ مَنْ تَزَكَّى‏ تطهر من الشرك و غيره‏ فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ‏ فصلاحه مختص به‏ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) المرجع فيجزي بالعمل في الآخرة

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ (19) الكافر و المؤمن‏

وَ لَا الظُّلُماتُ‏ الكفر وَ لَا النُّورُ (20) الإيمان‏

وَ لَا الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ (21) الجنة و النار

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ‏ المؤمنون و لا الكفار، و زيادة لا في الثلاثة قربى. و المعنيان حسنان، و قرى‏ء ذو بالرفع على أنها التامة أي: و لو حضر ذو قربى نحو: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة: 280] قال الزمخشري: و نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة، لأن المعنى على أن المثقلة إذا دعت أحدا إلى حملها لا يحمل منه و لو كان مدعوها ذا قربى و هو ملتئم و لو قلت و لو وجد ذو قربى لخرج عن التئامه. قال الشيخ: و هو ملتئم على المعنى الذي ذكرناه. قلت: و الذي قاله هو أي: و لو حضر إذ ذاك ذو قربى، ثم قال: و تفسيره كان هو مبني للفاعل بوجد و هو مبني للمفعول تفسير معنى، و الذي يفسر النحوي به كان التامة نحو حدث و حضر و وقع اه سمين.

قوله: (في الشقين) أي: الحمل القهري المذكور بقوله: وَ لا تَزِرُ الخ و الاختياري المذكور بقوله: وَ إِنْ تَدْعُ‏ الخ، فالأول نفي للحمل إجبارا، و الثاني نفي للحمل اختيارا. و قوله: (حكم من اللّه تعالى) أي: و حكمه تعالى لا يخلو عن حكمة، فعدم الحمل في الشقين لا يخلو عن حكمة اه شيخنا.

قوله: (و ما رأوه) أي: و الحال أنهم ما رأوه فهو غائب عنهم بمعنى عدم رؤيتهم له، و هذا يشير إلى أن بالغيب حال من المفعول و إن كان يصح جعله حالا من الفاعل و لا يأباه صنيع الشارح، و قوله:

(لأنهم الخ) تعليل للقصر المذكور: إنما قصر إنذاره على أهل الخشية لأنهم المنتفون به، فالمعنى إنما ينفع إنذارك أهل الخشية اه شيخنا.

قوله: (أداموها) في نسخة أدوها.

قوله: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ استوى من الأفعال التي لا يكتفي فيها بواحد، فلو قلت:

استوى زيد لم يصح، فمن ثم لزم العطف على الفاعل أو تعدد اه سمين.

و هذا شروع في ضرب مثل للمؤمن و الكافر، و قد قررنا ببيان التنافي أولا بين ذاتيهما، و ثانيا بين وصفيهما، و ثالثا بين مستقريهما و داريهما في الآخرة، و قوله: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ الخ تقرير لمثل آخر لهما و هو أبلغ من الأول لكمال التنافي بين الحي و الميت، و لذلك أعيد الفعل، و أما التنافي بين الأعمى و البصير فليس تاما لإمكان اشتراكهما في كثير من الإدراكات اه شيخنا.

قوله: وَ لَا الْحَرُورُ هو شدة حر الشمس اه سمين.

و في المصباح: الحر بالفتح خلاف البرد يقال: حر اليوم و الطعام يحر من باب تعب، و حر حرا و حرورا من بابي ضرب و قعد لغة، و الاسم الحرارة فهو حار و حرت النار تحر من باب تعب توقدت و أسعرت، و الحرة بالفتح أرض ذات حجارة سود، و الجمع حرار مثل كلبة و كلاب، و الحرور و زان‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 258

تأكيد إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ هدايته فيجيبه بالإيمان‏ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) أي الكفار، شبههم بالموتى فيجيبون‏

إِنْ‏ ما أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) منذر لهم‏

إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ‏ بالهدى‏ بَشِيراً من أجاب إليه‏ وَ نَذِيراً من لم يجب إليه‏ وَ إِنْ‏ ما مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا سلف‏ فِيها نَذِيرٌ (24) نبي ينذرها

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ‏ أي أهل مكة فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ‏ رسول الريح الحارة. قال الفراء: تكون ليلا و نهارا. و قال أبو عبيدة: أخبرنا رؤبة أن الحرور بالنهار و السموم بالليل، و قال أبو عمرو بن العلاء: الحرور السموم بالليل و النهار و الحرور مؤنثة اه.

قوله: (و زيادة لا في الثلاثة) أي: في المواضع الثلاثة أي: في الجمل الثلاث، أولاها: وَ لَا الظُّلُماتُ وَ لَا النُّورُ الثانية: وَ لَا الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ و الثالثة: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ‏ و قد زيدت في هذه الثلاثة خمس مرات اثنتين في الأولى، و اثنتين في الثانية، و واحدة في الثالثة، و الكل لتأكيد نفي الاستواء، فالزيادة في عبارته شاملة لأصل زيادتها كالأولى من الجملة الأولى، و لتكريرها كالثانية منها اه شيخنا.

قوله: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ الخ شروع في تسليته صلّى اللّه عليه و سلّم و تنتهي بقوله: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ و المراد من قوله: يُسْمِعُ‏ الخ أي: يهدي و يوصل من يشاء وصوله كما أشار له بقوله: (فيجيبه بالإيمان) اه شيخنا.

قوله: (شبههم بالموتى) أي: في عدم التأثر بدعوته، و قوله: (فيجيبون) الضمير راجع لمن باعتبار معناها لأنه فسرها بالكفار اه شيخنا.

قوله: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أي: لا استقلالا بل بإرسالنا إليك كما بين بقوله: إِنَّا أَرْسَلْناكَ، و قوله: بِالْحَقِ‏ حال من الكاف كما يشير إليه قوله: (بالهدى)، و يصح أن يكون حالا من الفاعل أي: أرسلناك حال كوننا محققين في إرسالك اه شيخنا.

قوله: إِلَّا نَذِيرٌ أي: رسول منذر فليس عليك إلا التبليغ، و ليس لك من الهدي شي‏ء إنما الهدي بيد اللّه عز و جل اه قرطبي.

قوله: (سلف) في المصباح: سلف سلوفا من باب قعد مضى و انقضى فهو سالف، و الجمع سلف و سلاف مثل خدم و خدام، ثم جمع السلف على أسلاف مثل سبب و أسباب اه.

و في المختار: يقال سلف بفتح اللام يسلف بضمها إذا مضى و انقضى اه.

قوله: (نبي ينذرها) أي: أو عالم ينذر عنه فلا ترد الفترة و اكتفى به عن البشير لأنه المقصود من البعثة اه كرخي.

تنبيه:

الأمة: للجماعة الكثيرة، و تقال لكل أهل عصر، و المراد هنا أهل العصر، فإن قيل: كم من أمة في الفترة بين عيسى و محمد لم يرسل إليا رسول ينذرها؟ أجيب: بأن آثار النذارة إذا كانت باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس و حين اندرست آثار نذارة عيسى بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم اه خطيب و خازن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 259

بِالْبَيِّناتِ‏ المعجزات‏ وَ بِالزُّبُرِ كصحف إبراهيم‏ وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) هو التوراة و الإنجيل، فاصبر كما صبروا

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتكذيبهم‏ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) إنكاري عليهم بالعقوبة و الإهلاك، أي هو واقع موقعه‏

أَ لَمْ تَرَ تعلم‏ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا فيه و هذا يقتضي أن أهل الفترة مكلفون لبقاء آثار الرسل المتقدمة فيهم، و هو خلاف ما في ابن حجر على الهمزية و نصه: و من المقرر أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل و إن إسماعيل انتهت رسالته بموته فما بين إسماعيل و محمد من العرب من أهل الفترة و هم ناجون في الآخرة من الخلود في النار، و كذا كل من بين كل رسولين بنص الآية وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] فما بين إسماعيل و محمد من العرب أهل فترة فهذا الزمن فترة في حق خصوص العرب إذ لم يرسل إليهم قبل محمد غير إسماعيل، و أما ما بين عيسى و محمد فهو فترة في حق العرب و غيرهم كبني إسرائيل: إذ لم يرسل بعد عيسى رسولا أصلا.

و الحاصل أن أهل الفترة من أهل الجنة و إن غيروا و بدلوا و عبدوا غير اللّه، لأنه لم يرسل إليهم رسولا لأن من قبلهم من الرسل انتهت رسالته بموته، إذ لم يعلم لأحد من الرسل استمرار رسالته بعد الموت إلا نبينا، فهم غير مكلفين بما يفعلون و لو كان صورة معصية، لكن ورد النص بتعذيب بعض أهل الفترة كعمرو بن لحي فيتلقى و يعتقد فيمن ورد بخصوصهم لا لأن ما فعلوه كفر بل لحكمة يعلمها اللّه تعالى لم نطلع عليها اه ملخصا.

و حينئذ فالظاهر أنه لا يحصل الانفصال بين الآية و بين ما تقرر إلا بأن يلتزم أن جملة العرب أمة و يصدق سبق و تقدم النذير فيها بتقدم إسماعيل و أن بني إسرائيل أمة، و يصدق تقدم النذير فيهم بتقدم عيسى و من قبله فتأمل.

قوله: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ‏ حال قوله: وَ بِالزُّبُرِ اسم لكل ما يكتب، و عبارة الخطيب: و الزبر الأمور المكتوبة، انتهت.

و قوله: (كصحف إبراهيم) و هي ثلاثون أي: و كصحف موسى قبل التوراة و هي عشرة، و كصحف شيث و هي ستون، فجملة الصحف مائة تضم لها الكتب الأربعة، فجملة الكتب المنزلة على الأنبياء مائة و أربعة اه شيخنا.

قوله: (فاصبر كما صبروا) أشار به إلى أن جواب الشرط محذوف و أن المذكور دليل له اه شيخنا.

قوله: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ تقدم أن النكير بمعنى الإنكار و هو تغيير المنكر، و في قوله: (أي هو واقع) موقعه إشارة إلى أن الاستفهام تقريري كما قاله الكرخي، و ينبغي أن يتأمل فيه اه شيخنا.

قوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ‏ الخ استئناف مسوق لتقرير ما قبله من اختلاف أحوال الناس، ببيان أن الاختلاف و التفاوت في الخلائق أمر مطرد في جميع المخلوقات من النبات و الجماد و الحيوان اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 260

التفات عن الغيبة بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها كأخضر و أحمر و أصفر و غيرها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ قوله: فَأَخْرَجْنا فيه التفات من الغيبة إلى التكلم، و إنما كان ذلك لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء، و مختلفا: نعت لثمرات، و ألوانها: فاعل به، و لو لا ذلك لأنث مختلفا، و لكنه لما أسند إلى جمع تكسير غير عاقل جاز تذكيره، و لو أنث فقيل مختلفة، كما تقول: اختلفت ألوانها لجاز، و به قرأ زيد بن علي اه سمين.

قوله: (فيه التفات عن الغيبة) أي: لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبى‏ء عن كمال القدرة اه أبو السعود.

قوله: مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أي: في أصل اللون كالأصفر و الأحمر، و في شدة اللون الواحد و ضعفه، فلذلك لم يذكر الشارح هذا المتعلق ليعم بخلاف قوله: فيما بعد مختلف ألوانها، فإن المراد الاختلاف بالشدة و الضعف في اللون الواحد، و لذلك ذكره الشارح، و أما الاختلاف في أصل اللون فهو مذكور بقوله: بِيضٌ وَ حُمْرٌ اه شيخنا.

قوله: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ العامة على ضم الجيم و فتح الدال جمع جدة و هي الطريقة من قولك: جددت الشي‏ء أي قطعته، و قال أبو الفضل: هي ما يخالف من الطرائق لون ما يليها، و منه جدة الحمار للخط الذي في ظهره، و قرأ الزهري: جدد بضم الجيم و الدال جمع جديدة، يقال: جديدة و جدد و جدائد، و قال أبو الفضل: جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان، و عنه أيضا جدد بفتحهما، و قد رد أبو حاتم هذه القراءة من حيث النقل، و المعنى و قد صححها غيره و قال: الجدد الطريق الواضح البين إلا أنه وضع المفرد موضع الجمع، إذ المراد الطرائق و الخطوط اه سمين.

و في البيضاوي: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ أي: ذو جدد، أي: خطط و طرائق يقال: جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره، و قرى‏ء جدد بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة، و جدد بفتحتين و هو الطريق الواضح اه.

و في الشهاب: الجدد جمع جده بالضم و هي الطريق، و من جده إذا قطعه، و قدر المضاف لأن الجبال ليست نفس الطرائق و الخطط بضم ثم فتح جمع خطة بالضم بمعنى الخط بالفتح اه.

و المعنى في الجبال ما هو ذو جدد يخالف لونها لون الجبل، فيؤول المعنى إلى أن من الجبال ما هو مختلف ألوانه فتتلاءم القرائن الثلاث، فإن ما قبلها، فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، و ما بعدها:

و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه اه زاده.

قوله أيضا: وَ مِنَ الْجِبالِ‏ و قوله: وَ مِنَ النَّاسِ‏ الخ إيراد هاتين الجملتين اسميتين مع مشاركتهما للفعلية قبلهما في الاستشهاد بمضمون كل على تباين الناس في الأحوال، لما أن اختلاف الجبال و الناس و الدواب و الأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر، فعبّر عنه بما يدل على الاستمرار، و أما إخراج الثمرات المختلفة فأمر حادث، فعبّر عنه بما يدل على الحدوث، و لما كان فيه نوع خفاء علق الرؤية به بطريق الاستفهام التقريري بخلاف أحوال الجبال و الناس و غيرهما، فإنها مشاهد غنية عن التأمل، فلذلك جردت عن التعليق بالرؤية فتدبر اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 261

جمع جدة طريق في الجبل و غيره‏ بِيضٌ وَ حُمْرٌ و صفر مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشدّة و الضعف‏ وَ غَرابِيبُ سُودٌ (27) عطف على جدد، أي صخور شديدة السواد، يقال كثيرا: أسود غربيب، و قليلا: غربيب أسود

وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ‏ كاختلاف الثمار و الجبال‏ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ بخلاف الجهال ككفار مكة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في ملكه قوله: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها مختلف صفة لجدد أيضا، و ألوانها: فاعل به كما تقدم في نظيره، و لا جائز أن يكون مختلف خبرا مقدما، و ألوانها: مبتدأ مؤخرا، و الجملة صفة، إذ كان يجب أن يقال:

مختلفة لتحملها ضمير المبتدأ اه سمين.

قوله: وَ غَرابِيبُ سُودٌ سود بدل أو عطف بيان من غرابيب اه شيخنا.

و في أبي السعود: الغرابيب تأكيد للأسود، كالقاني تأكيد للأحمر، و من حق التوكيد أن يتبع المؤكد، و إنما قدم للمبالغة اه.

و عبارة السمين: و قوله: وَ غَرابِيبُ سُودٌ فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه معطوف على حمر عطف ذي لون على لون. الثاني: أنه معطوف على بيض. الثالث: أنه معطوف على جدد. قال الزمخشري، معطوف على بيض و على جدد كأنه قيل: و من الجبال مخطط ذو جدد، و منها ما هو على لون واحد ثم قال: و لا بد من تقدير حذف المضاف في قوله: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ. بمعنى: و من الجبال ذو جدد بيض و حمر و سود حتى يؤول إلى قولك: و من الجبال مختلفا ألوانها كما قال ثمرات مختلف ألوانها، و لم يذكر بعد غرابيب سود مختلف ألوانها كما ذكر ذلك بعد بيض و حمر، لأن الغرابيب هو البالغ في السواد فصار لونا واحدا غير متفاوت بخلاف ما تقدم، و غرابيب جمع غربيب و هو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كفاقع و ناصع و يقق، فمن ثم زعم بعضهم أنه في نية التأخير، و مذهب هؤلاء أنه يجوز تقديم الصفة على موصوفها اه.

قوله: (عطف على جدد) أي: الذي هو مبتدأ، و قوله: مِنَ الْجِبالِ‏ خبر عن المتعاطفين اه شيخنا.

قوله: وَ مِنَ النَّاسِ‏ خبر مقدم، و قوله: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ‏ نعت لمحذوف هو المبتدأ أي صنف مختلف ألوانه من الناس، و قوله: كَذلِكَ‏ نعت لمصدر محذوف معمول لمختلف أي اختلافا كذلك، و الوقف هنا تام اه شيخنا.

قوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ‏ الخ تكملة لقوله: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ‏ [الأنبياء:

49] بتعيين من يخشاه من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم و تباين مراتبهم، أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل، و أما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحد منها حقها اللائق بها من البيان. أي: إنما يخشاه تعالى بالغيب العالمون به و بما يليق به من صفاته الجليلة و أفعاله الجميلة، لما أن مدار الخشية معرفة المخشي و العلم بشؤونه اه أبو السعود.

صفحه بعد