کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 270

قالت اليهود: ليست النصارى على شي‏ء، و قالت النصارى: ليست اليهود على شي‏ء فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ ما زادَهُمْ‏ مجيئه‏ إِلَّا نُفُوراً (42) تباعدا عن الهدى‏

اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ‏ عن الإيمان مفعول له‏ وَ مَكْرَ العمل‏ السَّيِّئِ‏ من الشرك و غيره‏ وَ لا يَحِيقُ‏ يحيط الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ و هو الماكر، و وصف المكر بالسيى‏ء أصل، و إضافته إليه قبل استعمال آخر قدر فيه مضاف حذرا من الإضافة إلى الصفة فَهَلْ يَنْظُرُونَ‏ ينتظرون‏ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ‏ سنة اللّه فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم‏ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أي لا يبدل و في البيضاوي: و ذلك أن قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن اللّه اليهود و النصارى لو أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم أي: واحدة من أمم اليهود و النصارى و غيرهم أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها في الهدى و الاستقامة اه.

قوله: ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً جواب لما فيه دليل على أنها حرف لا ظرف، إذ لا يعمل ما بعد ما النافية فيما قبلها و تقدمت له نظائر، و إسناد الزيادة للنذير مجاز لأنه سبب في ذلك قوله: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏ [التوبة: 125] اه سمين.

قوله: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ‏ يجوز أن يكون مفعولا له أي: لأجل الاستكبار، و أن يكون بدلا من نفور أو أن يكون حالا أي: حال كونهم مستكبرين قاله الأخفش اه سمين.

قوله: (و وصف المكر) أي: في التركيب الثاني و هو قوله: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ و قوله: (أصل) أي: جاء على الأصل من استعمال الصفة تابعة، و قوله: (قبل). هذا التركيب أي: في التركيب الذي قبله و هو قوله: وَ مَكْرَ السَّيِّئِ‏ و قوله: (آخر) أي: جاء على خلاف الأصل حيث أضيفت فيه الصفة للموصوف. و قوله: (قدر فيه مضاف) أي: مضاف إليه، و قوله: (حذرا من الإضافة) أي: إضافة المكر الذي هو الموصوف إلى السيى‏ء الذي هو صفته، فيتخلص من هذا بجعل المكر مضافا لمحذوف هو مضاف إليه و موصوف بالسيى‏ء اه.

و في السمين قوله: وَ مَكْرَ السَّيِّئِ‏ فيه و جهان، أظهرهما: أنه عطف على استكبارا. و الثاني:

أنه عطف على نفورا، و هذا من إضافة الموصوف إلى صفته في الأصل، إذ الأصل و المكر السيى‏ء، و البصريون يؤولونه على حذف موصوف أي العمل السيى‏ء اه.

قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ‏ المعنى: فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار اه خطيب.

قوله: إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ‏ مصدر مضاف لمفعوله تارة كما هنا و لفاعله أخرى، كقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا الخ. و في السمين: إلّا سنّة الأولين مصدر مضاف لمفعوله، و سنّة اللّه مضاف لفاعله، لأنه تعالى سنّها بهم فصحت إضافتها إلى الفاعل و المفعول اه.

قوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا الخ الفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب، و نفي‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 271

بالعذاب غيره، و لا يحول إلى غير مستحقه‏

أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً فأهلكهم اللّه بتكذيبهم رسلهم‏ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ يسبقه و يفوته‏ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً أي بالأشياء كلها قَدِيراً (44) عليها

وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا من المعاصي‏ ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها أي الأرض‏ مِنْ دَابَّةٍ نسمة تدب عليها وجدان التبديل و التحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني و تخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما اه أبو السعود.

قوله: (أي لا يبدل بالعذاب غيره الخ) هذا جواب عن سؤال تقديره التبديل تغيير الشي‏ء عما كان عليه مع بقاء مادته، و التحويل نقله من مكان إلى آخر، فكيف قال ذلك مع أن سنّة اللّه لا تبدل و لا تحول، و إيضاحه أنه أراد بالأول أن العذاب لا يبدل بغيره، و بالثاني أنه لا يحول عن مستحقه إلى غيره كما تقدم و جمع بينهما هنا تعميما لتهديد المسي‏ء لقبح مكره في قوله تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ اه كرخي.

قوله: أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ‏ الخ استشهاد على ما قبله من جريان سنته تعالى تكذيب المكذبين بما يشاهدونه في سيرهم إلى الشام و اليمن و العراق من آثار ديارهم الماضية و الهمزة للإنكار و النفي و الواو للعطف على مقدر يليق بالمقام أي: أقعدوا في مساكنهم و لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم اه أبو السعود.

قوله: فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ أي: على أي حالة كان أخذهم ليعلموا أنهم ما أخذوا إلا بتكذيب الرسل فيخافوا أن يفعلوا مثل أفعالهم فيكون حالهم كحالهم، فإنهم كانوا يمرون على ديارهم و يرون آثارهم و أملهم فوق أملهم و عملهم فوق عملهم، و كانوا أطول منهم أعمارا و أشد اقتدارا و مع هذا لم يكذبوا مثل محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و أنتم يا أهل مكة كفرتم بمحمد و بمن قبله اه خطيب.

قوله: وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي: و أطول أعمارا فما نفعهم طول المدى و ما أغنى عنهم شدة القوة و محل الجملة النصب على الحالية اه أبو السعود.

أو معطوفة على الصلة أو مستأنفة اه سمين.

قوله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ‏ الخ تقرير لما يفهم قبله من استئصال الأمم السابقة، و قوله: إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً تعليل لذلك التقدير اه أبو السعود.

قوله: مِنْ شَيْ‏ءٍ (يسبقه و يفوته) هذا يفيد أن يكون المراد بيان أن الأولين مع شدة قوتهم ما أعجزوا اللّه و ما فاتوه، فهؤلاء أولى بأن لا يعجزوه اه كرخي.

قوله: ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ أي: لأجل شؤم معاصيهم اه بيضاوي.

و أشار بهذا إلى وجه الملاءمة بين الشرط و الجزاء و إيضاحه أنه تعالى إذا كان يؤاخذ الناس بما كسبوا كان يقطع عنهم النعم التي من جملتها المطر، فإذا لم يستحقوه بسبب المعاصي و انقطع عنهم انقطع النبات فيموت جميع الحيوانات جوعا بطريق التبعية لهم، فهذا كناية أريد بها الملزوم، فالمعنى‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 272

وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ أي يوم القيامة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) فيجازيهم على أعمالهم بإثابة المؤمنين و عقاب الكافرين.

لو يؤاخذ اللّه الناس بما كسبوا انقطع عنهم ما هو سبب معاشهم فيموتون اه زاده.

و في السمين: قوله: ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها تقدم نظيرها في النحل إلّا أنه هناك لم يجر للأرض ذكر، بل عاد الضمير على ما فهم من السياق، و هنا قد صرح بها في قوله: فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ، و هنا على ظهرها استعارة من ظهر الدابة دلالة على التمكن و التقلب عليها، و المقام هنا يناسب ذلك لأنه حث على السير للنظر و الاعتبار، و اللّه سبحانه و تعالى أعلم بالصواب اه.

و في زاده: قوله: عَلى‏ ظَهْرِها فيه استعارة مكنية شبه الأرض بالدابة التي يركب الإنسان عليها من جهة تمكنه عليها، ثم أثبت لها ما هو من لوازم المشبه به و هو الظهر.

فإن قيل: كيف يقال لما عليه الخلق من الأرض وجه الأرض و ظهر الأرض مع أن الظهر مقابل الوجه فهو من قبيل إطلاق الضدين على شي‏ء واحد؟ قلت: صح ذلك باعتبارين فإنه يقال لظاهرها ظهر الأرض من حيث إن الأرض كالدابة الحاملة للأثقال، و يقال له وجه الأرض لكون الظاهر منها كالوجه للحيوان، و إن غيره كالبطن و هو الباطن منها اه.

و في القرطبي: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا يعني من الذنوب ما ترك على ظهرها من دابة.

قال ابن مسعود: يريد جميع الحيوان مما دب و درج. قال قتادة: و قد فعل ذلك في زمن نوح، و قال الكلبي: من دابة يريد الجن و الإنس دون غيرهما لأنهما مكلفان بالعقل، و قال ابن جريج، و الأخفش، و الحسن بن الفضل: أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم قلت: و الأول أظهر لأنه عن صحابي كبير. قال ابن مسعود: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم، و قال يحيى بن أبي كثير: أمر رجل بالمعروف و نهى عن المنكر، فقاله له رجل: عليك بنفسك، فإن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال أبو هريرة: كذبت و اللّه الذي لا إله إلا هو، ثم قال: و الذي نفسي بيده إن الحبار لتموت هزلا في و كرها بظلم الظالم، و قال اليماني و يحيى بن سلام في هذه الآية: يحبس اللّه المطر فيهلك كل شي‏ء، و قد مضى في البقرة نحو هذا من عكرمة و مجاهد في تفسير: وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ هم الحشرات و البهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنوهم، و ذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله: وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ [البقرة: 159] قال: «دواب الأرض و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى» قال مقاتل: الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ، و قال يحيى: هو يوم القيامة اه.

قوله: (نسمة) بفتحتين أي: ذي روح من التنسم و هو التنفس اه شهاب.

قوله: (فيجازيهم) هذا في الحقيقة هو جزاء الشرط و هو العامل في إذا على القاعدة فيها من أنها تخفض شرطها بالإضافة و تنصب بجوابها اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 273

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة يس مكية أو إلا قوله‏ وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا الآية أو مدنية و هي اثنتان و ثمانون آية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

عن معقل بن يسار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «اقرأوا يس على موتاكم». و ذكر الآجري من حديث أم الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «ما من ميت يقرأ عليه يس إلّا هوّن اللّه عليه». و في مسند الدارمي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه اللّه غفر اللّه له في تلك الليلة» خرجه أبو نعيم الحافظ. و روى الترمذي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن لكل شي‏ء قلبا و قلب القرآن يس، و من قرأ يس كتب اللّه له بها قراءة القرآن عشر مرات». و عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إن في القرآن لسورة تشفع لقارئها و تغفر لمستمعها ألا و هي سورة يس تدعى في التوارة المعمة. قيل: يا رسول اللّه ما المعمة» قال: «تعم صاحبها بخير الدنيا و تدفع عنه أهوال الآخرة و تدعى أيضا الدافعة و القاضية». قيل: يا رسول اللّه و كيف ذلك؟ قال: «تدفع عن صاحبها كل سوء و تقضي له كل حاجة». و في حديث الدارمي، عن شهر بن حوشب قال: قال ابن عباس: «من قرأ يس حين أصبح يعطى يسر يومه حتى يمسي، و من قرأها في صدر ليلة أعطي يسر ليلته حتى يصبح». و روى الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرؤون شيئا سوى طه و يس». و عن أبي جعفر قال: من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جام أي: إناء بزعفران ثم يشربه».

و ذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له».

و عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من دخل المقبرة فقرأ سورة يس خفف العذاب عن أهلها ذلك اليوم و كان له بعدد من فيها حسنات». و قال يحيى بن أبي كثير: بلغني أن من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح و من قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، و قد حدثني بهذا من جربها، ذكره الثعلبي و ابن عطية، و قال ابن عطية: و يصدق ذلك التجربة اه قرطبي.

و في البيضاوي: و عن ابن عباس أنه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إن لكل شي‏ء قلبا و قلب القرآن يس. من قرأها يريد بها وجه اللّه غفر له و أعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن عشر مرات و أيما مسلم قرى‏ء عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه، و يستغفرون له، و يشهدون غسله، و يتبعون جنازته، و يصلون عليه، و يشهدون دفنه. و أيما مسلم قرأ

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 274

يس‏ (1) اللّه أعلم بمراده به‏

وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ‏ (2) المحكم بعجيب النظم و بديع المعاني سورة يس و هو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها و هو على فراشه فيقبض روحه و هو ريان، و يمكث في قبره و هو ريان و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة و هو ريان» اه.

قوله: (أو مدنية) لم نر من ذكر هذا الخلاف غيره من المفسرين، و قوله: (اثنتان و ثمانون آية) الذي ذكره غيره من المفسرين ثلاث و ثمانون آية.

قوله: يس‏ قرأ العامة بسكون السين و أدغم النون في الواو بعدها ابن كثير، و أبو عمرو، و حمزة، و قالون، و حفص و ورش بخلاف عنه، و كذلك النون من ن و القلم و أظهرهما الباقون. فمن أدغم فللخفة و لأنه لما وصل و التقى متقاربان من كلمتين، أولهما ساكن وجب الإدغام و من أظهرهما فللمبالغة في تفكيك هذه الحروف بعضها من بعض لأنه بنية الوقف. و قرأ عيسى و ابن أبي إسحاق بفتح النون، إما على البناء على الفتح تخفيفا كأين و كيف، و إما على أنه مفعول باتل مقدرا، و إما على أنه مجرور بحرف القسم و هو على الوجهين غير منصرف للعلمية و التأنيث. و قرأ الكلبي بضم النون فقيل:

إنه خبر مبتدأ مضمر أي هذه يس و منع من الصرف لما تقدم، و قيل: بل هي حركة بناء كحيث، و قرأ ابن أبي إسحاق أيضا و أبو السماك يس بكسر النون، و ذلك على أصل التقاء الساكنين، و لا يجوز أن تكون حركة إعراب اه سمين.

قوله: (اللّه أعلم بمراده به) جرى رضي اللّه عنه على أن هذا اللفظ من الحروف المقطعة كحم و طس. و في البيضاوي: يس كآلم في المعنى و الإعراب، و قيل: معناه يا إنسان بلغة طيى‏ء على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به، و قرى‏ء بالكسر كجير، و بالفتح على البناء كأين أو الإعراب على تقدير: اتل، أو اقرأ يس، أو بإضمار حرف القسم و الفتحة لمنع الصرف للعلمية و التأنيث، فإنه علم على السورة و بالضم بناء كحيث أو إعرابا على تقدير مبتدأ أي: هذه يس اه.

و قوله: (فاقتصر على شطره) أي: شطر الاسم و هو سين، و ضم لذلك الشطر حروف النداء و هو الياء، مقتضى هذا أن يبنى على الضم لا غير، و عليه فيكون تسكينه في القراءة للتخفيف تأمل. و قيل:

معناه يا سيد البشر، و قيل: هو اسم القرآن اه خازن.

قوله: وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ‏ قسم و جوابه‏ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ فهو مستأنف لا محل له من الإعراب اه شيخنا.

قوله: (المحكم) فعيل بمعنى مفعل، كقولهم: عقدت العسل فهو عقيد بمعنى معقد و ليس بمعنى مفعول كشيطان رجيم بمعنى مرجوم، و ليس هو في الآية بمعنى ذلك لأنه إنما يقال محكوم به و نحو ذلك، و لا بمعنى فاعل أي: حاكم لأن الحاكم الحقيقي هو اللّه تعالى، فظهر بذلك أن القرآن الحكيم منظوم لا ناظم محكوم فيه لا حاكم، و أن الحاكم المطلق هو اللّه تعالى أو على معنى النسب أي: ذي الحكم أو لأنه دليل ناطق بالحكمة بطريق الاستعارة و المتصف بها على الإسناد المجازي اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 275

إِنَّكَ‏ يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ (3)

عَلى‏ متعلق بما قبله‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (4) أي طريق الأنبياء قبلك، التوحيد و الهدى و التأكيد بالقسم و غيره، رد لقول الكفار له: لست مرسلا

تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ في ملكه‏ الرَّحِيمِ‏ (5) بخلقه خبر مبتدأ مقدر، أي القرآن‏

لِتُنْذِرَ به‏ قَوْماً متعلق بتنزيل‏ ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ‏ أي لم ينذروا في زمن الفترة فَهُمْ‏ أي القوم‏ غافِلُونَ‏ (6) عن الإيمان و الرشد

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ‏ وجب‏ عَلى‏ أَكْثَرِهِمْ‏ بالعذاب‏ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ (7) أي الأكثر

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ‏ قوله: (متعلق بما قبله) أي: بالمرسلين أي: بالمرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة أو خبر ثان لإن و هو الأحسن في العربية، و المعنى إنك لمن المرسلين إنك على صراط مستقيم، و قال القاضي: يجوز أن يكون حالا من المستكن في الجار و المجرور، و فائدته وصف الشرع بالاستقامة صريحا، و إن دل عليه أي: وصف الشرع بالاستقامة لمن المرسلين التزاما اه كرخي.

قوله: (و غيره) أي: إن و اللام و إسمية الجملة اه كرخي.

قوله: (خبر مبتدأ الخ) أي: هذا تنزيل العزيز الرحيم، و هذا على قراءة الرفع. و قرأ حمزة، و الكسائي، و ابن عامر، و حفص بالنصب مفعولا مطلقا لمقدر أي: نزل القرآن تنزيلا، و أضيف لفاعله أو بأمدح و باق برفع كما مرت الإشارة إليه اه كرخي.

قوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً أي: العرب و غيرهم، و قوله: آباؤُهُمْ‏ أي: الأقربون، و إلّا فآباؤهم لا يعدون قد أنذروا فآباء العرب الأقدمون أنذروا بإسماعيل و آباء غيرهم الأقدمون أنذروا بعيسى و من قبله، و قوله: (في زمن الفترة) هو بالنسبة للعرب ما بين إسماعيل و محمد و بالنسبة لغيرهم ما بين عيسى و محمد اه شيخنا.

قوله: (أي لم ينذروا) أشار به إلى أن ما نافية، لأن قريش لم يبعث إليهم نبي قبل نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم فالجملة صفة لقوما أي: قوما لم ينذروا، و يصح كونها موصولة أو نكرة موصوفة، و العائد على هذين الوجهين مقدر أي: ما أنذره آباؤهم فتكون ما وصلتها أو وصفتها منصوبة المحل على المفعول الثاني لتنذر، و التقدير لتنذر قوما الذي أنذره آباؤهم من العذاب، أو لتنذر قوما عذابا أنذره آباؤهم اه كرخي.

قوله: فَهُمْ غافِلُونَ‏ مرتب على نفي الإنذار، و قوله: (أي: القوم). قال أبو السعود: الضمير للفريق أي: لم تنذر آبائهم فهم جميعا غافلون اه.

قوله: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ‏ يعني قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ [هود:

119] اه بيضاوي.

و قول الشارح: بالعذاب يقتضي أن المراد بالقول الحكم و القضاء الأزلي، و هذا جواب قسم مقدر أي: و اللّه لقد ثبت و تحقق عليهم القول لكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يقتضيه، بل بسبب إصرارهم الاختياري على الكفر و الإنكار اه أبو السعود.

قيل: نزلت هذه الآية في أبي جهل بن هشام و صاحبيه المخزوميين، و ذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه ذهب فرفع حجرا ليرميه، فلما أومأ إليه رجفت يداه‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 276

أَغْلالًا بأن تضم إليها الأيدي، لأن الغل يجمع اليد إلى العنق‏ فَهِيَ‏ أي الأيدي مجموعة إِلَى الْأَذْقانِ‏ جمع ذقن و هي مجتمع اللحيين‏ فَهُمْ مُقْمَحُونَ‏ (8) رافعون رؤسهم لا يستطيعون خفضها، و هذا تمثيل، و المراد أنهم لا يذعنون للإيمان و لا يخفضون رؤوسهم له إلى عنقه و التصق الحجر بيده. فقال ابن عباس، و عكرمة و غيرهما: فهو هنا تمثيل أي: هو بمنزلة من غلت يده إلى عنقه، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى فقال الرجل الثاني: و هو الوليد بن المغيرة أنا أرضخ رأسه. فأتاه و هو يصلي على حالته ليرميه بالحجر فأعمى اللّه بصره فجعل يسمع صوته و لا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، فقال: و اللّه ما رأيته و لقد سمعت صوته، فقال الثالث:

و اللّه لأشدخن أنا رأسه، ثم أخذ الحجر و انطلق فرجع القهقهرى ينكص على عقبيه حتى خرّ على قفاه مغشيا عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم رأيت الرجل، فلما دنوت منه فإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت قط فحلا أعظم منه حال بيني و بينه فو اللات و العزى لو دنوت منه لأكلني، فأنزل اللّه تعالى:

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ‏ اه قرطبي.

قوله: (بأن تضم إليها الأيدي) وطأ بهذا لأجل إرجاع الضمير في قوله: فَهِيَ‏ (إلى الأيدي).

و حاصل ما قصده أن الأيدي و إن لم يجر لها في العبادة ذكر، لكن الغل يدل عليها لأنه يجمعها مع الأعناق. و قوله: إِلَى الْأَذْقانِ‏ جعله متعلقا بمحذوف قدره مجموعة، و لو قدره مرفوعة لكان أظهر لأن اليد ترفع تحت الذقن و يلبس الغل ضاما لها و للعنق، فظهر قوله: (رافعون رؤوسهم) أي: تكون الأيدي تحت الأذقان و محبوسة بالغل فلا يستطيعون خفضها اه شيخنا.

و عبارة البيضاوي: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا تقرير لتصميمهم على الكفر و الطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات و النذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم فهي إلى الأذقان فالأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون فهم مقمحون رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون إلى الحق و لا يعطفون أعناقهم نحوه، و لا يطأطئون رؤوسهم إليه اه.

و قوله: (واصلة إلى أذقانهم) إما لكونه غليظا عريضا يملأ ما بين الصدر و الذقن، فعلى هذا تنوين أغلالا للتعظيم، و الفاء في قوله: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ، و في قوله: فَهُمْ مُقْمَحُونَ‏ فاء النتيجة، و لأنه حينئذ يرفع الرأس إلى فوق، و إما لكون طرف الغل الذي يجمع اليدين إلى العنق يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة يدخل فيها رأس العمود خارجا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطى‏ء رأسه فلا يزال مقمحا، و المقمح الذي يرفع رأسه و يغض بصره يقال: قمح البعير فهو قامح إذا رفع رأسه بعد الشرب لارتوائه أو لبرودة الماء أو لكراهة طعمه اه زاده و كشاف.

و في المختار: الأقماح رفع الرأس و غض البصر يقال: أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه اه.

و في القاموس: و أقمح الغل الأسير ترك رأسه مرفوعا لضيقه اه.

صفحه بعد