کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 289

برعاية المعنى المذكور

وَ إِنْ‏ نافية أو مخففة كُلٌ‏ أي كل الخلائق مبتدأ لَمَّا بالتشديد بمعنى إلّا، أو بالتخفيف، فاللام فارقة، و ما زائدة جَمِيعٌ‏ خبر المبتدإ، أي مجموعون‏ لَدَيْنا عندنا في الموقف بعد بعثهم‏ مُحْضَرُونَ‏ (32) للحساب خبر ثان‏

وَ آيَةٌ لَهُمُ‏ على البعث خبر مقدم‏ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ بالتشديد و التخفيف‏ أَحْيَيْناها بالماء مبتدأ وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا كالحنطة فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ‏ (33)

وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ‏ بساتين‏ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ‏ قوله: وَ إِنْ كُلٌ‏ الخ بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا اه أبو السعود.

قوله: (و إن نافية) و على هذا الاحتمال تكون لما بالتشديد، و قوله: (أو مخففة) و عليه تكون لما بالتخفيف و أن مهملة عن العمل، و كل مبتدأ و ما بعده خبره و لزمت اللام في الخبر فرقا بين المخففة و النافية. و في السمين: فمن شدد لما جعلها بمعنى إلّا و إن نافية، و من خفف لما جعل أن مخففة من الثقيلة و اللام فارقة و ما مزيدة هذا قول البصريين، و الكوفيون يقولون أن إن نافية و لما بالتخفيف بمعنى إلّا اه.

قوله: (أي كل الخلائق) أي: فالتنوين عوض عن المضاف إليه اه شيخنا.

قوله: (أي مجموعون) فسره بهذه إشارة إلى أن فعيلا بمعنى مفعول، و إلى أنه غير مستدرك مع كل لأنه لا يستدرك معها إلا لو كان مستعملا على وجه التوكيد.

و الحاصل أن كل أشير بها لاستغراق الأفراد و شمولهم، و جميع أشير بها لاجتماع الكل في مكان واحد و هو المحشر اه شيخنا.

قوله: لَدَيْنا متعلق بجميع أو بمحضرون اه شيخنا.

قوله: (على البعث) أي: و على التوحيد، فالأول يناسبه قوله: الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها و الثاني يناسبه قوله: وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا إلى قوله: أَ فَلا يَشْكُرُونَ‏ أي: فيرجعون عن عبادة غير اللّه. هكذا يستفاد من الرازي اه شيخنا.

قوله: (خبر مقدم) أي: و لهم صفة له.

قوله: أَحْيَيْناها يحتمل الاستئناف و هو ظاهر، و يحتمل أن يكون نعتا و هو المتبادر من صنيع الشارح حيث أخر قوله: (مبتدأ عنه) اه شيخنا.

و في السمين: قوله: أَحْيَيْناها يجوز أن يكون خبر الأرض، و يجوز أن يكون حالا من الأرض إذا جعلناها مبتدأ و آية خبرا مقدما، و جوز الزمخشري في أحييناها و في نسلخ أن يكونا صفتين للأرض و الليل، و إن كانا معرفتين بأل لأنه تعريف بأل الجنسية فهما في قوة النكرة اه.

قوله: وَ جَعَلْنا معطوف على أحييناها. قوله: مِنْ نَخِيلٍ‏ في المختار: النخيل و النخيل بمعنى و الواحد نخلة اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 290

الْعُيُونِ‏ (34) أي بعضها

لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ‏ بفتحتين و بضمتين، أي ثمر المذكور من النخيل و غيره‏ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ‏ أي لم تعمل الثمر أَ فَلا يَشْكُرُونَ‏ (35) أنعمه تعالى عليهم؟

سُبْحانَ‏ و في المصباح: النخل اسم جمع الواحدة نخلة، و كل جمع يفرق بينه و بين واحده بالتاء فأهل الحجاز يؤنثونه، و أهل نجد و تميم يذكرونه، و أما النخيل بالياء فمؤنثه. قال ابن حاتم: لا اختلاف في ذلك اه.

و بهذا تعلم أن قول الشارح و غيره ليس على ما ينبغي لأنه أعاد الضمير على النخل مذكرا فكان الأولى أن يقول و غيرها فتأمل، و قوله: وَ أَعْنابٍ‏ الأعناب جم عنب و العنبة الواحدة من العنب اه مصباح.

قوله: وَ فَجَّرْنا العامة على التشديد تكثيرا، لأن فجّر بالتخفيف متعد، و قرأ جناح بن حبيش بالتخفيف و المفعول محذوف على كل من القراءتين أي ينبوعا في آية سبحان اه سمين.

قوله: (أي بعضها) أشار به إلى أن من تبعيضية. و قيل: إنها زائدة اه كرخي.

قوله: (بفتحتين الخ) سبعيتان. قوله: (أي ثمر المذكور) جواب عما يقال المقام يقتضي تثنية الضمير، فأجاب عنه بأنه راجع لما يشتمل الأمرين بتأويلهما بالمذكور، فقوله: (و غيره) الغير هو الأغناب اه شيخنا.

قوله: وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ‏ في ما هذه أربعة أوجه، أحدها: أنها موصولة أي: و من عدي عملته أيديهم من الغرس و المعالجة و فيه تجوز على هذا. و الثاني: أنها نافية أي لم يعملوه هم بل الفاعل له هو اللّه تعالى. الثالث: أنها نكرة موصوفة و الكلام فيها كالذي في الموصولة. الرابع: أنها مصدرية أي: و من عمل أيديهم و المصدر واقع موقع المفعول به، فيعود المعنى إلى معنى الموصولة أو الموصوفة اه سمين.

و عبارة الخطيب: و ما عملته أيديهم عطف على الثمر، و المراد ما يتخذ منه كالعصير و الدبس.

فما موصولة أي من الذي عملته أيديهم، و يؤيد هذا قراءة حمزة و الكسائي و شعبة بحذف الهاء من عملته، و نافية على قراءة الباقين بإثباتها أي وجدوها معمولة و لم تعملها أيديهم و لا صنع لهم فيها، و قيل: أراد العيون و الأنهار التي لم تعملها يد مخلوق مثل دجلة و الفرات و النيل اه.

قوله: أَ فَلا يَشْكُرُونَ‏ إنكار و استقباح لعدم شكرهم للنعم المعدودة، و الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي: يرون هذه النعم أو أيتنعمون بهذه النعم فلا يشكرونها اه أبو السعود.

قوله: (أنعمه) جمع نعمة بالكسر و نعماء بالفتح و المد فكل منهما يجمع على أنعم. و في المصباح: و جمع النعمة نعم مثل سدرة و سدر، و أنعم أيضا مثل أفلس، و جمع النعماء أنعم مثل بأساء و أبؤس اه.

قوله: سُبْحانَ الَّذِي‏ الخ استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره على النعم المذكورة، فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به مما فعلوه اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 291

الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ‏ الأصناف‏ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ‏ من الحبوب و غيرها وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ من الذكور و الإناث‏ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ‏ (36) من المخلوقات العجيبة الغريبة

وَ آيَةٌ لَهُمُ‏ على القدرة العظيمة اللَّيْلُ نَسْلَخُ‏ نفصل‏ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ‏ (37) داخلون في الظلام‏

وَ الشَّمْسُ تَجْرِي‏ إلى آخره من جملة الآية لهم، أو آية أخرى، و القمر كذلك‏ لِمُسْتَقَرٍّ لَها إليه أي لا و في القرطبي: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها نزه نفسه سبحانه عن قول الكفار إذ عبدوا غيره مع ما رأوا من نعمه و آثار قدرته، و فيه تقدير معنى الأمر أي سبحوه و نزهوه عما لا يليق به، و قيل:

فيه معنى التعجب أي عجبا لهؤلاء في كفرهم مع ما يشاهدونه من هذه الآيات، و من تعجب من شي‏ء قال: سبحان اللّه، و الأزواج الأنواع و الأصناف فكل زوج صنف لأنه مختلف في الألوان و الطعوم و الأشكال و الصغر و الكبر فاختلافها هو ازدواجها. و قال قتادة: يعني الذكر و الأنثى، و قوله: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ‏ يعني من النبات لأنه أصناف، و من أنفسهم يعني و خلق منهم أولادا أزواجا ذكورا و إناثا. و مما لا يعلمون، أي: من أصناف خلقه في البر و البحر و السماء و الأرض، ثم يجوز أن يكون ما يخلقه لا يعلمه البشر و تعلمه الملائكة، و يجوز أن لا يعلمه مخلوق، و وجه الاستدلال في هذه الآية أنه إذا انفرد بالخلق فلا ينبغي أن يشرك به اه.

قوله: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ‏ بيان للأزواج، و كذا قوله: وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ. فبين الأزواج بهذه الأمور الثلاثة التي لا يخرج عنها شي‏ء من أصناف المخلوقات اه شيخنا.

قوله: (الغريبة) كالتي في السموات و التي تحت الأرضين اه شيخنا.

قوله: وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ‏ جملة من خبر مقدم و مبتدأ مؤخر كما مرّ، و قوله: نَسْلَخُ‏ الخ جملة مبينة لكيفية كونه آية اه أبو السعود.

و نسلخ من بابي قطع و نصر كما في المختار قوله: (على القدرة العظيمة) أي القدرة على البعث.

قوله: (نفصل) مِنْهُ‏ من بمعنى عن أي: نزيل عنه النهار الذي هو كالساتر له، فإذا زال الساتر و هو النهار ظهر الأصل و هو الليل، فصحّ ترتب قوله: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ. و في الكرخي: نفصل منه أي نزيل عنه النهار، و ظاهره يشعر بأن النهار طارى‏ء على الليل. قال المرزوقي: الآية دلت على أن الليل قبل النهار، لأن المسلوخ منه يكون قبل المسلوخ، كما أن المعطي قبل العطاء، لكن كلامه في سورة الرعد مؤذن بأن بين الليل و النهار توالجا و تداخلا قال اللّه تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ‏ [الزمر: 5] اه.

و في القرطبي: و السلخ الكشف و النزع، يقال: سلخه اللّه من دينه ثم يستعمل بمعنى الاخراج، و قد جعل ذهاب الضوء و مجي‏ء الظلمة كالسلخ من الشي‏ء و ظهور المسلوخ فهو استعارة، و مظلمون معناه داخلون في الظلام. يقال: أظلمنا أي دخلنا في ظلام الليل، و أظهرنا أي دخلنا في وقت الظهيرة، و كذلك أصبحنا و أضحينا و أمسينا. و قيل: منه بمعنى عنه. و المعنى نسلخ عنه ضياء النهار فإذاهم مظلمون أي: في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضي‏ء فإذا خرج منه أظلم اه.

قوله: (من جملة الآية) أي: فهو معطوف على الأرض الواقع مبتدأ، و قوله: (أو آية أخرى) أي‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 292

تتجاوزه‏ ذلِكَ‏ أي جريها تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ في ملكه‏ الْعَلِيمِ‏ (38) بخلقه‏

وَ الْقَمَرَ بالرفع و النصب و هو منصوب بفعل يفسره ما بعده‏ قَدَّرْناهُ‏ من حيث سيره‏ مَنازِلَ‏ ثمانية و عشرين فهو مبتدأ خبره تجري الخ. و قوله: (و القمر كذلك) أي أنه من جملة الآية أو آية أخرى على ما تقدم اه شيخنا.

فائدة:

سئل الرملي هل القمر الموجود في كل شهر هو الموجود في الآخر أو غيره؟ فأجاب: بأن في كل شهر قمرا جديدا اه.

قوله: لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي: تنتهي في سيرها لمستقر لها فتقف فيه و لا تنتقل عنه. و مستقرها هو مكان تحت العرش تسجد فيه كل ليلة عند غروبها، فتستمر ساجدة فيه طول الليل فعند طلوع النهار يؤذن لها في أن تطلع من مطلعها أو لا، فإذا كان آخر الزمان لا يؤذن لها في الطلوع من المشرق، بل يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من المغرب و هذاهو الصحيح، و قيل: إن الشمس في الليل تسير و تشرق على عالم آخر من أهل الأرض و إن كنا لا نعرفه، و يؤيد هذا القول ما قاله الفقهاء في باب المواقيت كالشمس الرملي من أن الأوقات الخمسة تختلف باختلاف الجهات و النواحي، فقد يكون المغرب عندنا عصرا عند آخرين، و يكون الظهر صبحا عند آخرين و هكذا. و عبارة الخازن: و الشمس تجري لمستقر لها أي إلى مستقر لها. قيل: إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا و قيام الساعة، و قيل:

تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها الذي لا تجاوزه، ثم ترجع إلى أول منازلها و هو أنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع فذلك مستقرها. و قيل: مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف و نهاية هبوطها في الشتاء، و عن ابن عباس: و الشمس تجري لا مستقر لها أي لا قرار لها و لا وقوف فهي جارية أبدا إلى يوم القيامة. صح عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فيما رواه أبو ذر قال: سألت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عن قوله تعالى:

وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال: «مستقرها تحت العرش». و في رواية قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أي تذهب الشمس؟» قال: اللّه و رسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، و يوشك أن تسجد فلا يقبل منها، و تستأذن فلا يؤذن لها فيقال ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها»، فذلك قوله تعالى: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‏ أخرجاه في الصحيحين. قال الشيخ محيي الدين النووي: اختلاف المفسرون فيه فقال جماعة بظاهر الحديث. قال الواحدي: فعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع، و قيل تجري إلى مستقر لها و أصل لا تتعداه، و على هذا فمستقرها انتهاء سيرها عن انقضاء الدنيا، و أما سجود الشمس فهو تمييز و إدراك يخلقه اللّه تعالى فيها و اللّه أعلم، انتهت.

قوله: (بالرفع) أي على أنه معطوف على المبتدأ المتقدم أو على أنه مبتدأ خبره قدرناه، و قوله:

(و النصب) أي على الاشتغال كما بينه بقوله: (و هو منصوب الخ) اه شيخنا.

قوله: مَنازِلَ‏ فيه أوجه، أحدها: أنه مفعول ثان لقدرنا بمعنى صيرنا. الثاني: أنه حال و لا بد من حذف مضاف قبل منازل تقديره ذا منازل. الثالث: أنه ظرف أي قدرنا سيره في منازل اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 293

منزلا في ثمان و عشرين ليلة من كل شهر و يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما و ليلة إن كان تسعة و عشرين يوما حَتَّى عادَ في آخر منازله في رأي العين‏ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ‏ (39) أي كعود الشماريخ إذا عتق فإنه يرق و يتقوس و يصغر

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي‏ يسهل و يصح‏ لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فتجتمع معه في الليل‏ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ فلا يأتي قبل انقضائه‏ وَ كُلٌ‏ تنوينه عوض عن و إلى هذا الثالث أشار الجلال بقوله: (من حيث سيره) اه.

قوله: (أي كعود الشماريخ) جمع شمراخ و هو كالشمروخ بالضم عيدان العنقود الذي عليه الرطب و ما يجمعه مما فوقه يسمى العذق بكسر العين كذا في المصباح، و وجه الشبه مركب و هو الاصفرار و الدقة و الاعوجاج اه شهاب.

و عبارة السمين: و العرجون عود العذق ما بين الشماريخ إلى منبته من النخلة و هو تشبيه بديع مشبه به القمر في ثلاثة أشياء دقته و استقواسه و اصفراره اه.

و في المصباح: العذق بكسر العين الكباسة ثم قال: و الكباسة عنقود النخل اه.

قوله: (إذا عتق) في المختار: عتق من باب ظرف إذا قدم و من باب قعد أيضا اه.

قوله: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ الخ أي: لأن ذلك يخل بتكوين النبات و تعييش الحيوان اه أبو السعود.

و لا نافية كما يؤخذ من عبارة غيره، و كذا في قوله: وَ لَا اللَّيْلُ‏ الخ كما يؤخذ من عبارة غيره أيضا، و من عبارته هو حيث قال: فلا يأتي قبل انقضائه اه شيخنا.

أي: لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه و لا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه، بل يتعاقبان لا يجي‏ء أحدهما قبل وقته، و قيل: لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر، فلا تطلع الشمس بالليل و لا يطلع القمر بالنهار و له ضوء اه خازن.

قوله: (يسهل و يصح لها الخ) أي: فإنه يخل بتكون النبات و تدبير الحيوان و أفهم بإيلاء لا لها دون الفعل أن حركتها بالتسخير لا بإرادتها، و نفى تعالى الإدراك عن الشمس دون عكسه لأن مسير القمر أسرع لأنه يقطع فلكه في شهر، و الشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة، فكانت جديرة بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها، و كان القمر خليقا بأن يوصف بنفي السبق لسرعة سيره اه كرخي.

قوله: وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ لا نافية كما عرفت أي: و ليس الليل بسابق النهار فالكلام على حذف المضاف أي و لا الليل سابق انقضاء النهار كما أشار إليه بقوله: (فلا يأتي قبل انقضائه) أي لا يأتي الليل في أثناء النهار و قبل أن ينقضي كأن يأتي في وقت الظهر، و هذا لا ينافي أن الليل برمته في الوجود في النهار برمته كما ذكر في كتب اللغة اه شيخنا.

و هو أحد قولين، و الآخر أن النهار سابق في الوجود على الليل، و قد أشار القرطبي بقوله:

و استدل بعضهم بقوله: وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ على أن النهار مخلوق قبل الليل و أن الليل لم يسبقه بالخلق اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 294

المضاف إليه من الشمس و القمر و النجوم‏ فِي فَلَكٍ‏ مستدير يَسْبَحُونَ‏ (40) يسيرون نزلوا منزلة العقلاء

وَ آيَةٌ لَهُمْ‏ على قدرتنا أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ‏ و في قراءة ذرياتهم أي آباءهم الأصول و وجه الاستدلال على هذا أن المعنى و ليس الليل بسابق النهار يعني بل النهار هو السابق، و هذا ينظر إلى مقابلة جملة الليل بجملة النهار، و الآية محتملة لكل من القولين.

قوله: (فلا يأتي) أي الليل قبل انقضائه أي النهار، و إن كان سير القمر أسرع من سير الشمس، بل لا يزالان يتعاقبان لمصالحكم فلا يجتمعان حتى يبطل ما دبر اللّه و ينقضي ما ألفه و تطلع الشمس من مغربها فيجتمعان اه كرخي.

قوله: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏ قال العماد ابن كثير في البداية و النهاية: حكى ابن حزم، و ابن الجوزي و غير واحد الاجماع على أن السموات كرية مستديرة، و استدل عليه بآية كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. قال الحسن: يدورون، و قال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل. قالوا: و يدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع آخرها من المشرق. قال ابن حجر: حكى الاجماع على أن السموات مستديرة جمع و أقاموا عليه الأدلة، و خالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل.

و قال ابن العربي: السموات ساكنة لا حركة فيها جعلها اللّه تعالى ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت، و لهذا سماها السقف المرفوع اه ابن لقيمة على البيضاوي.

قوله: (النجوم) أي: المدلول عليها بذكر الشمس و القمر. قوله: (نزلوا منزلة العقلاء) أي فعبّر عنهم بضمير جمع الذكور و المسوغ له التعبير بالسباحة التي هي من أوصاف العقلاء اه شيخنا.

قوله: وَ آيَةٌ لَهُمْ‏ أي: لأهل مكة أنا حملنا ذريتهم الضمير أيضا لأهل مكة، و قوله: (أي أباءهم الأصول) أي الأقدمين و هم الذين كانوا في سفينة نوح، فهؤلاء آباء لأهل مكة بالوسائط و إطلاق الذرية على الأصول صحيح، فإن لفظ الذرية مشترك بين الضدين الأصول و الفروع، لأن الذرية من الذرء بمعنى الخلق و الفروع مخلوقون من الأصول، و الأصول خلقت منهم الفروع. و في البغوي: و اسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد اه.

و في القرطبي: هذه الآية من أشكل ما في هذه السورة لأنهم هم المحمولون، فقيل: المعنى و آية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية في الفلك المشحون، فالضميران مختلفان ذكره المهدي، و حكاه النحاس عن علي بن سليمان أنه سمعه يقوله، و قيل: الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون المراد بذرياتهم أولادهم و ضعفاءهم، فالفلك على القول الأول سفينة نوح، و على الثاني يكون اسما للجنس أخبر تعالى بلطفه و امتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يضعف عن المشي و الركوب من الذرية و الضعفاء، فيكون الضميران على هذا متفقين، و قيل: الذرية الآباء و الأجداد حملهم اللّه تعالى في سفينة نوح عليه السّلام، فالآباء ذرية و الأبناء ذرية بدليل هذه الآية قاله أبو عثمان، و سمى الآباء ذرية لأنه ذرأ منهم الأبناء، و قول رابع أن الذرية النطف حملها اللّه تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون قاله علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ذكره الماوردي اه.

قوله: (على قدرتنا) أي: على البعث. قوله: (المملوء) أي: و مع ذلك نجاه اللّه من الغرق، فهذا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏6، ص: 295

فِي الْفُلْكِ‏ أي سفينة نوح‏ الْمَشْحُونِ‏ (41) المملوء

وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ‏ أي مثل فلك نوح، و هو ما عملوه على شكله من السفن الصغار و الكبار بتعليم اللّه تعالى‏ ما يَرْكَبُونَ‏ (42) فيه‏

وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ‏ مع إيجاد السفن‏ فَلا صَرِيخَ‏ مغيث‏ لَهُمْ وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ‏ (43) ينجون‏

إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا الوصف له دخل في الامتنان، و كانت السفينة مملوءة بالحيوان لأنه جعلها ثلاث طبقات السفلى وضع فيها السباع و الهوام، و الوسطى وضع فيها الدواب و الأنعام، و العليا وضع فيها الآدميين و الطير اه شيخنا.

قوله: مِنْ مِثْلِهِ‏ من تبعيضية أو زائدة، و على كل منهما فمدخولها في محل نصب على الحال من المفعول المؤخر و هو ما يَرْكَبُونَ‏ اه شيخنا.

قوله: (و هو ما عملوه) الضمير للمثل أي المثل هي السفن التي عملوها على شكل فلك نوح، و هذا التفسير أحد أقوال ثلاثة. و قيل: هو خصوص الإبل، و قيل: مطلق الدواب التي تركب. و في القرطبي: و في معنى المثل ثلاثة أقوال. مذهب مجاهد و قتادة و جماعة من أهل التفسير. و روي عن ابن عباس أن معنى من مثله الإبل خلقها اللّه لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر، و العرب تشبه الإبل بالسفن. القول الثاني: أنه الإبل و الدواب و كل ما يركب. و القول الثالث: أنه السفن. قال النحاس: و هو أصحها لأنه متصل الإسناد. عن ابن عباس: و خلقنا لهم من مثله ما يركبون قال: خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها، و قال أبو مالك: إنها السفن الصغار خلقها مثل السفن الكبار. و روي عن ابن عباس أيضا، و الحسن، و قتادة، و قال الضحاك و غيره: هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح عليه السّلام. قال الماوردي، و يحيى، و علي: مقتضى تأويل علي رضي اللّه عنه في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء، و قول خامس في قوله: وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ‏ تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج لكن لم أره محكيا اه.

قوله: (بتعليم اللّه) متعلق بشكله أي: شكل سفينة نوح الكائن بتعليم اللّه إياه أي أيا نوح أو أيا التعليم أو أيا الشكل، و عل كل فغرضه بهذا الجواب عما يقال: كيف أسند خلق السفن له مع أنها من مصنوعاتهم، و العادة أن مصنوع العبد ينسب له لا للّه و إن كان بخلقه حقيقة لا يقال خلق اللّه البيت أو الثوب أو غير ذلك.

و حاصل الجواب أن أصل السفن و هو سفينة نوح لما كان بمحض تعليم اللّه تعالى و ليس لنوح فيه معلم من المخلوقات نسب خلق السفن إليه تعالى لكون أصلها بمحض إقداره و إلهامه، و عبارة أبي السعود: و جعلها مخلوقة للّه مع كونها من مصنوعات العباد ليس لمجرد كون صنعهم بأقدار اللّه تعالى بل لمزيد اختصاص أصلها و هو سفينة نوح بقدرته تعالى و عظمته، انتهت.

قوله: (مع إيجاد السفن) أي: و مع ركوبهم لها، إذ ركوبهم لا ينجي إلا بفضل اللّه تعالى اه شيخنا.

صفحه بعد