کتابخانه تفاسیر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 36
بتقديم الهمزة وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) كثير
قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ أي القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كما قال النبي ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أي لا أحد أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ خلاف بَعِيدٍ (52) عن الحق، أوقع هذا موقع منكم بيانا لحالهم
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ أقطار السماوات و الأرض من النيرات و النبات و الأشجار وَ فِي أَنْفُسِهِمْ من لطيف الصنعة و بديع قوله: فَذُو دُعاءٍ أي فهو ذو دعاء، و قوله: كثير إشارة إلى أن العرب تطلق الطول و العرض في الكثرة. يقال: أطال فلان في الكلام و أعرض في الدعاء إذا أكثر فهو مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة، و الاستعارة تخييلية شبه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد ثم أثبت له العرض اه كرخي.
و الطول أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله اه أبو السعود.
فإنت قلت: كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبل هذا بأنه يؤوس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع و الرجاء، و قد اعتبر في القنوط أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه قلت: يمكن دفع المنافاة بحمله على عدم اتحاد الأوقات و الأحوال اه شهاب.
و في أبي السعود: و لعل هذا شأن بعض غير البعض الذي حكي عنه اليأس و القنوط أو شأن الكل في بعض الأوقات اه.
قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ أي: أخبروني عن حالتكم العجيبة و استعمال أرأيتم بمعنى الأخبار مجاز و وجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سببا للاخبار عنه أو إبصاره به طريقا إلى الإحاطة به علما، و إلى صحة الأخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الأبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب، ففيه مجازان استعمال رأى التي بمعنى علم أو أبصر الأخبار و استعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الأخبار اه شهاب.
و مفعول رأى الأول محذوف تقديره أرأيتم أنفسكم، و الثاني هو الجملة الاستفهامية اه كرخي.
و الجملة الشرطية اعتراض بين المفعولين و جواب الشرط محذوف تقديره: فأنتم أضل من غيركم أو فلا أحد أضل منكم اه.
قوله: (كما قال النبي) صوابه كما قلتم، و بعد ذلك تقدير هذا ليس ضروريا اه شيخنا.
قوله: (أوقع هذا) أي: قوله: ممن هو في شقاق بعيد اه.
قوله: فِي الْآفاقِ حال من الآيات، و قوله: من النيرات أي: الشمس القمر و النجوم اه شيخنا.
و في السمين: الآفاق جمع أفق و هو الناحية و هو كأعناق في عنق أبدلت همزته ألفا، و نقل الراغب أنه يقال أفق بفتح الهمزة و الفاء فيكون كجبل و أجبال، و أفق فلان أي: ذهب في الآفاق و الآفاق الذي بلغ نهاية الكرم تشبيها في ذلك بالذاهب في الآفاق، و النسبة إلى الأفق أفقي بفتحهما. قلت:
و يحتمل أنه نسبة إلى المفتوح و استغنوا بذلك عن النسبة إلى المضموم و له نظائر اه.
قوله: (من النيرات الخ) يرد على هذا التفسير ما يقال أن قوله: سنريهم الخ يقتضي أنه إلى الآن
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 37
الحكمة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ أي القرآن الْحَقُ المنزل من اللّه بالبعث و الحساب و العقاب، فيعاقبون على كفرهم به، و بالجاني به أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ فاعل يكف أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ ما أطلعهم على تلك الآيات و سيطلعهم عليها بعد ذلك، مع أن الآيات المذكورة قد أطلعوا عليها و هي منهم نصب العين، و الجواب: أن المراد على هذا سنريهم أسرار آياتنا الخ. فالآيات و إن اطلعوا عليها بالفعل لكن سرها و حكمتها لم يطلعوا عليه اه من الكرخي.
و في البيضاوي: سنريهم آياتنا في الآفاق يعني ما أخبرهم به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الحوادث الآتية و آثار النوازل الماضية، و ما يسر اللّه له و لخلفائه من الفتوح و الظهور على ممالك الشرق و الغرب على وجه خارق للعادة اه.
و في القرطبي: سنريهم آياتنا في الآفاق أي: علامات وحدانيتنا و قدرتنا في الآفاق. يعني خراب منازل الأمم الماضية، و في أنفسهم بالبلايا و الأمراض. و قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء، و في أنفسهم حوادث الأرض، و قال مجاهد: في الآفاق فتح القرى فيسر اللّه عز و جل لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و للخلفاء من بعده و أنصار دينه في آفاق الدنيا و بلاد المشرق و المغرب عموما، و في ناحية المغرب خصوصا من الفتوحات التي لم يتيسر مثلها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، أو من الإظهار على الجبابرة و الأكاسرة و تغليب قليلهم على كثيرهم و تسليط ضعفائهم على أقويائهم و إجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات، و في أنفسهم فتح مكة و هو اختيار الطبري. و قال المنهال بن عمرو، و السدي، و قال قتادة و الضحاك: و في الآفاق وقائع اللّه في الأمم و في أنفسهم في يوم بدر. و قال عطاء، و ابن زيد أيضا: و في الآفاق يعني أقطار السموات و الأرض من الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الرياح و الأمطار و الرعد و البرق و الصواعق و النبات و الأشجار و الجبال و البحار و غيرها. و في الصحاح: الآفاق النواحي واحدها أفق و أفق مثل عسر و عسر، و رجل أفقي بفتح الهمزة و الفاء إذا كان من آفاق الأرض حكاه أبو نصر، و بعضهم يقول أفقي بضمهما و هو القياس و في أنفسهم من لطيف الصنعة و بديع الحكمة حتى في سبيل الغائط و البول، فإن الرجل يأكل و يشرب من مكان واحد و يتميز ذلك خارجا من مكانين، و حتى في عينيه اللتين ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، و في أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة و غير ذلك من بديع حكمة اللّه فيه. و قيل: في أنفسهم في كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في المؤمنون بيانه، و قيل: المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الفتن و أخبار الغيوب اه بحروفه.
قوله: (من لطيف الصنعة) كالأطوار المذكورة في قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون: 12] الخ اه شيخنا.
قوله: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ الخ استئناف وارد لتوبيخهم على ترددهم في شأن القرآن و عنادهم المحوج إلى إيراد الآيات و عدم اكتفائهم بأخباره تعالى، و الهمزة للإنكار، و الواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي: ألم يغنهم و لم يكفهم ربك، و الياء مزيدة للتوكيد، و لا تكاد تزاد إلا مع كفى اه أبو السعود.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 38
شَهِيدٌ (53) بدل منه، أي أو لم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما
أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ لانكارهم البعث أَلا إِنَّهُ تعالى بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) علما و قدرة، فيجازيهم بكفرهم.
و في السمين: قوله: أو لم يكف بربك فيه و جهان، أحدهما: أن الباء مزيدة في الفاعل و هذا هو الراجح و المفعول محذوف أي: أو لم يكف ربك، و في قوله: أنه على كل شيء شهيد و جهان، أحدهما: أنه يدل من بربك فيكون مرفوع المحل مجرور اللفظ كمتبوعه. و الثاني: أن الأصل بأنه تم حذف الجار، فجرى الخلاف. الثاني: من الوجهين الأولين أن يكون بربك هو المفعول، و أنه و ما بعده هو الفاعل أي لم يكف بربك شهادته، و قرئ إنه بالكسر و هو على إضمار القول أو على الاستئناف، و قرأ عبد الرحمن و الحسن في مرية بضم الميم و قد تقدم أنها لغة في مكسورة الميم اه.
قوله: (فاعل) أي: بزيادة الباء، و المفعول محذوف كما قدره بقوله: أي: أو لم يكفهم اه شيخنا.
قوله: (بدل منه) أي: بدل كل من كل، و في الشهاب: أنه بدل اشتمال اه شيخنا.
قوله: (علما و قدرة) عبارة البيضاوي: إلا أنه بكل شيء محيط عالم يجعل الأشياء و تفاصيلها مقتدرا عليها لا يفوته شيء منها اه.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 39
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة الشورى مكية إلا قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ الآيات الأربع. و هي ثلاث و خمسون آية
حم (1)
عسق (2) اللّه أعلم بمراده به
كَذلِكَ أي مثل ذلك الإيحاء يُوحِي إِلَيْكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و تسمى سورة حم عسق، و تسمى سورة عسق و سورة حم سق اه بيضاوي.
و تسمى سورة شورى من غير ألف و لام اه شيخنا.
قوله: (إلا قل لا أسألكم الخ) عبارة الخازن و هي مكية في قول ابن عباس و الجمهور، و حكي عن ابن عباس: إلا أربع آيات نزلت بالمدينة أولها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً [الأنعام: 90] و قيل:
فيها من المدني ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى قوله تعالى: بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 119] و قوله: الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ إلى قوله: مِنْ سَبِيلٍ [التوبة: 91].
قوله: حم و قوله: عسق لعل هذين اسمان للسورة، و لذلك فصل بينهما في الخط وعدا آيتين، و قيل: هما اسم واحد فالفصل بينهما ليطابق سائر الحواميم اه بيضاوي.
و قوله: و لذلك فصل بينهما الخ جواب عما يقال أنهم أجمعوا على أنه لا يفصل بين كهيعص، و على أنه يفصل ههنا بين حم و بين عسق فما السبب فيه؟ و عما يقال أنهما عدا آيتين و أخواتهما مثل كهيعص و المص و المر عدت آية واحدة فما السبب فيه أيضا؟ اه زاده.
و قال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا و قد أوحي إليه حم عسق، فلذلك قال اللّه كذلك يوحي إليك الخ اه خازن.
و في القرطبي: قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل لم قطع حم من عسق و لم يقطع كهيعص و المر و المص؟ فقال: لأن حم عسق بين سور أولها حم فجرت مجرى نظائرها قبلها و بعدها، فكان حم مبتدأ، و عسق خبره و لأنهما عدتا آيتين وعدت أخواتهن اللواتي كتبت جملة آية واحدة، و قيل: إن الحروف المعجمة كلها في المعنى واحد من حيث أنها أس البيان و قاعدة الكلام. ذكره الجرجاني و كتب حم عسق منفصلا و كهيعص متصلا كأنه قيل: حم أي حم ما هو كائن ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل و بين ما لا يقدر انتهى.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 40
وَ أوحى إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ فاعل الإيحاء الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ (3) في صنعه
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ملكا و خلقا و عبيدا وَ هُوَ الْعَلِيُ على خلقه الْعَظِيمُ (4) الكبير
تَكادُ بالتاء و الياء السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ بالنون، و في قراءة بالتاء و التشديد مِنْ فَوْقِهِنَ أي قوله: كَذلِكَ الخ كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعيف سائر الكتب المنزلة على الرسل المتقدمة في الدعوة إلى التوحيد و الإرشاد إلى الحق. أي: مثل ما في هذه السورة من المعاني أوحي إليك أوحي إلى سائر الرسل اه أبو السعود.
و الكاف في محل نصب على المفعولية المطلقة، فقوله: أي مثل بالنصب، و قوله: يوحي استعمل المضارع في حقيقته و مجازه فهو مستعمل في المستقبل بالنظر لما لم ينزل عليه من القرآن إذ ذاك، و في الماضي بالنظر لما أنزل بالفعل و بالنظر لما أنزل على الرسل السابقين، و قد أشار الشارح لهذا بقوله: و أوحي إلى الذين من قبلك هذا و المشبه به في كذلك هو هذه السورة أي؛ كما أوحي إليك هذه السورة يوحي إليك غيرها من القرآن، و يوحي إلى الذين من قبلك الكتب القديمة، و وجه الشبه أن الموحى به في الكل يرجع لأمور ثلاثة: التوحيد و النبوة و البعث، فهذا القدر موجود في القرآن و في غيره من الكتب اه شيخنا.
و في زاده: و وجه المشابهة الاشتراك في الدعوة إلى التوحيد و النبوة و المعاد و تقبيح أحوال الدنيا و الترغيب في أمور الآخرة اه.
و في السمين: كذلك يوحي الخ جمهور القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيا للفاعل و هو اللّه تعالى، و العزيز الحكيم نعتان، و الكاف منصوبة المحل إما نعتا لمصدر أو حالا من ضميره أي يوحي إيحاء مثل ذلك الإيحاء، و قرأ ابن كثير و يروى عن أبي عمر و يوحى بفتح الحاء مبنيا للمفعول. و في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه، أحدها: ضمير مستتر يعود على كذلك لأنه مبتدأ و التقدير مثل ذلك الإيحاء يوحي هو إليك، فمثل ذلك: مبتدأ، و يوحي هو إليك: خبره. الثاني: أن القائم مقام الفاعل إليك و الكاف منصوب المحل على الوجهين المتقدمين. الثالث: أن القائم مقام الفاعل الجملة من قول اللّه العزيز أي يوحي إليك هذا اللفظ، و أصول البصريين لا تساعد عليه لأن الجملة لا تكون فاعلا و لا قائمة مقامه. و قرأ أبو حيوة، و الأعمش، و أبان: نوحي بالنون و هي موافقة للعامة، و يحتمل أن تكون الجملة من قوله: اللّه العزيز منصوبة المحل مفعولة بنوحي أي نوحي إليك هذا اللفظ، إلا أن فيه حكاية الجمل بغير القول الصريح، و يوحى على اختلاف قراءاته يجوز أن يكون على بابه من الحال أو الاستقبال فيتعلق قوله: و إلى الذين من قبلك بمحذوف لتعذر ذلك تقديره و أوحي إلى الذين، و أن يكون بمعنى الماضي وجيء به على صورة المضارع لغرض و هو تصوير الحال اه.
قوله: (فاعل الإيحاء) هذا على قراءة كسر الحاء مبنيا للفاعل، و أما على قراءة فتحها مبنيا للمفعول فنائب الفاعل الظرف و هو إليك، و قوله: اللّه فاعل بفعل محذوف كأنه قيل: من يوحيه؟
فقيل: اللّه يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ [النور: 36] اه سمين.
قوله: (بالنون) أي بعد الياء، و قوله: بالتاء أي: بعد الياء، و قوله: و التشديد أي: تشديد الطاء
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 41
تنشق كل واحدة فوق التي تليها، من عظمة اللّه تعالى وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي ملابسين المفتوحة، و ظاهر صنيعه أن القراءات أربعة من ضرب اثنتين في اثنتين و ليس كذلك بل هي ثلاثة فقط، لأن من يقرأ تكاد بالتاء الفوقية يجوز الوجهين في ينفطرن، و من يقرأ يكاد بالياء التحتية لا يقرأ يتفطرن إلا بالتاء الفوقية، فقوله بالنون أي: على قراءة التاء الفوقية، و قوله: و في قراءة الخ. أي: على كل من القراءتين في تكاد و الثلاثة سبعية اه شيخنا.
قوله: مِنْ فَوْقِهِنَ أي يبتدأ الانفطار من جهتهن الفوقية و تخصيصها بالذكر لما أن أعظم الآيات و أدلها على العظمة و الجلال هو الانفطار من تلك الجهة، و يعلم انفطار السفلى بالطريق الأولى، لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض لما أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت بالطريق الأولى اه أبو السعود.
و الكلمة الشنعاء هي قولهم: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً [مريم: 88] كما تقدم في سورة مريم.
قوله: (فوق التي تليها) متعلق بمحذوف أي: و تسقط فوق الخ. و هذا يقتضي أن الضمير عائد على السموات و هو أحد الاحتمالات ذكرها السمين فقال: قوله: من فوقهن في هذا الضمير ثلاثة أوجه، أحدها: أنه عائد على السموات أي يبتدأ انفطارهن من هذه الجهة فمن لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها.
الثاني: أنه عائد على الأرضين لتقدم ذكر الأرض قبل ذلك. الثالث: أنه عائد على فرق الكفار و الجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير اه.
قوله: وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ الخ كلام مستأنف. قوله: وَ يَسْتَغْفِرُونَ أي يشفعون لمن في الأرض من المؤمنين، فالمراد بالاستغفار الشفاعة كما في قوله: وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7] أو يطلبون هدايتهم اه كرخي.
و بعضهم أبقى من في الأرض على عمومه بحيث يشمل الكفار كالبيضاوي و نصه: و يستغفرون لمن في الأرض أي: بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة و الإلهام و إعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة، و ذلك في الجملة يعم المؤمن و الكافر، بل فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع لعم الحيوان بل الجماد اه.
و قوله: فيما يستدعي مغفرتهم الخ جواب عما يقال أن من في الأرض يعم الكفار فكيف نستغفر لهم الملائكة و قد ثبت أنهم يلعنونهم كما قال: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران: 87] و لا وجه لكونهم لاعنين لهم و مستغفرين. و تقرير الجواب أنه لا منافاة لأن استغفارهم بمعنى السعي فيما يستدعي مغفرتهم و هو الإيمان، فإن استغفارهم في حق الكفار بطلب الإيمان لهم، و في حق المؤمنين بالتجاوز عن سيئاتهم فيكون استغفارهم في حق عامة من في الأرض محمولا على عموم المجاز اه زاده.
و في القرطبي: و يستغفرون لمن في الأرض قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين، و قال السدي: بيانه في سورة المؤمن وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7]، و على هذا يكون المراد بالملائكة هنا حملة العرش، و قيل: جميع ملائكة السماء و هو الظاهر من قول الكلبي. و قال وهب بن
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 42
للحمد وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لأوليائه الرَّحِيمُ (5) بهم
وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أي الأصنام أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ محص عَلَيْهِمْ ليجازيهم وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) تحصل المطلوب منهم، ما عليك إلا البلاغ
وَ كَذلِكَ مثل ذلك الإيحاء أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ تخوّف أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها أي أهل مكة و سائر الناس وَ تُنْذِرَ الناس يَوْمَ الْجَمْعِ أي يوم القيامة، تجمع فيه الخلائق لا رَيْبَ شك فِيهِ فَرِيقٌ منهم فِي الْجَنَّةِ منبه: هو منسوخ و يستغفرون للذين آمنوا، و قال المهدوي: و الصحيح أنه ليس بمنسوخ لأنه خبر و هو خاص بالمؤمنين، قال أبو الحسن بن الحصار: و قد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت هاروت و ماروت، و أنها منسوخة بالآية التي في المؤمن و ما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفاره للمؤمنين خاصة و للّه و ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. قال الماوردي: و في استغفارهم لهم قولان، أحدهما: من الذنوب و الخطايا و هو ظاهر قاله مقاتل. الثاني: أنه طلب الرزق لهم و السعة عليهم قال الكلبي. قلت: و هو الأظهر لأن من في الأرض يعم الكافر و غيره، و على قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر، و قال مطرف. وجدنا أنصح عباد اللّه لعباد اللّه الملائكة، و وجدنا أغش عباد اللّه لعباد اللّه الشياطين اه.
قوله: (أي الأصنام) تفسير للمفعول الأول فهو محذوف، و الثاني مذكور و هو أولياء و كذا يقال فيما سيأتي اه شيخنا.
قوله: (محص) أي: محص أعمالهم أي حافظها و ضابطها لا يغيب عنه منها شيء اه شيخنا.
قوله: (تحصل المطلوب منهم) في البيضاوي: و ما أنت عليهم بوكيل بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم اه.
قوله: (ما عليك إلا البلاغ) هذا منسوخ بآية السيف. قوله: (مثل ذلك الإيحاء) أي: المذكور في قوله: يوحى إليك الخ. و رجوع الإشارة إلى المصدر المذكور أحد احتمالين و الآخر أنها ترجع إلى الآية المتقدمة قريبا في قوله: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ [الشورى: 6] الخ. و عبارة أبي السعود: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا و محل الكاف النصب على المصدرية، و قرآنا عربيا مفعول لأوحينا أي: و مثل ذلك الإيحاء البديع البين المفهم أوحينا إليك قرآنا عربيا لا لبس فيه عليك و لا على قومك، و قيل: إشارة إلى معنى الآية المتقدمة من أنه تعالى هو الحفيظ عليهم و إنما أنت نذير فحسب، فالكاف مفعول به لأوحينا، و قرآنا عربيا حال من المفعول به أي: أوحيناه إليك و هو قرآن عربي اه.
قوله: قُرْآناً عَرَبِيًّا فيه و جهان، أحدهما: أنه مفعول أوحينا، و الكاف في محل نصب على المفعولية المطلقة. الثاني: أنه حال من الكاف و الكاف هي المفعول لأوحينا أي: أوحينا مثل ذلك الإيحاء و هو قرآن عربي اه سمين.