کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 36

بتقديم الهمزة وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ‏ (51) كثير

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ‏ أي القرآن‏ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ كما قال النبي‏ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ‏ أي لا أحد أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ‏ خلاف‏ بَعِيدٍ (52) عن الحق، أوقع هذا موقع منكم بيانا لحالهم‏

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ‏ أقطار السماوات و الأرض من النيرات و النبات و الأشجار وَ فِي أَنْفُسِهِمْ‏ من لطيف الصنعة و بديع قوله: فَذُو دُعاءٍ أي فهو ذو دعاء، و قوله: كثير إشارة إلى أن العرب تطلق الطول و العرض في الكثرة. يقال: أطال فلان في الكلام و أعرض في الدعاء إذا أكثر فهو مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة، و الاستعارة تخييلية شبه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد ثم أثبت له العرض اه كرخي.

و الطول أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله اه أبو السعود.

فإنت قلت: كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبل هذا بأنه يؤوس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع و الرجاء، و قد اعتبر في القنوط أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه قلت: يمكن دفع المنافاة بحمله على عدم اتحاد الأوقات و الأحوال اه شهاب.

و في أبي السعود: و لعل هذا شأن بعض غير البعض الذي حكي عنه اليأس و القنوط أو شأن الكل في بعض الأوقات اه.

قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ‏ أي: أخبروني عن حالتكم العجيبة و استعمال أرأيتم بمعنى الأخبار مجاز و وجه المجاز أنه لما كان العلم بالشي‏ء سببا للاخبار عنه أو إبصاره به طريقا إلى الإحاطة به علما، و إلى صحة الأخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الأبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب، ففيه مجازان استعمال رأى التي بمعنى علم أو أبصر الأخبار و استعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الأخبار اه شهاب.

و مفعول رأى الأول محذوف تقديره أرأيتم أنفسكم، و الثاني هو الجملة الاستفهامية اه كرخي.

و الجملة الشرطية اعتراض بين المفعولين و جواب الشرط محذوف تقديره: فأنتم أضل من غيركم أو فلا أحد أضل منكم اه.

قوله: (كما قال النبي) صوابه كما قلتم، و بعد ذلك تقدير هذا ليس ضروريا اه شيخنا.

قوله: (أوقع هذا) أي: قوله: ممن هو في شقاق بعيد اه.

قوله: فِي الْآفاقِ‏ حال من الآيات، و قوله: من النيرات أي: الشمس القمر و النجوم اه شيخنا.

و في السمين: الآفاق جمع أفق و هو الناحية و هو كأعناق في عنق أبدلت همزته ألفا، و نقل الراغب أنه يقال أفق بفتح الهمزة و الفاء فيكون كجبل و أجبال، و أفق فلان أي: ذهب في الآفاق و الآفاق الذي بلغ نهاية الكرم تشبيها في ذلك بالذاهب في الآفاق، و النسبة إلى الأفق أفقي بفتحهما. قلت:

و يحتمل أنه نسبة إلى المفتوح و استغنوا بذلك عن النسبة إلى المضموم و له نظائر اه.

قوله: (من النيرات الخ) يرد على هذا التفسير ما يقال أن قوله: سنريهم الخ يقتضي أنه إلى الآن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 37

الحكمة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ‏ أي القرآن‏ الْحَقُ‏ المنزل من اللّه بالبعث و الحساب و العقاب، فيعاقبون على كفرهم به، و بالجاني به‏ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ‏ فاعل يكف‏ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ما أطلعهم على تلك الآيات و سيطلعهم عليها بعد ذلك، مع أن الآيات المذكورة قد أطلعوا عليها و هي منهم نصب العين، و الجواب: أن المراد على هذا سنريهم أسرار آياتنا الخ. فالآيات و إن اطلعوا عليها بالفعل لكن سرها و حكمتها لم يطلعوا عليه اه من الكرخي.

و في البيضاوي: سنريهم آياتنا في الآفاق يعني ما أخبرهم به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الحوادث الآتية و آثار النوازل الماضية، و ما يسر اللّه له و لخلفائه من الفتوح و الظهور على ممالك الشرق و الغرب على وجه خارق للعادة اه.

و في القرطبي: سنريهم آياتنا في الآفاق أي: علامات وحدانيتنا و قدرتنا في الآفاق. يعني خراب منازل الأمم الماضية، و في أنفسهم بالبلايا و الأمراض. و قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء، و في أنفسهم حوادث الأرض، و قال مجاهد: في الآفاق فتح القرى فيسر اللّه عز و جل لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و للخلفاء من بعده و أنصار دينه في آفاق الدنيا و بلاد المشرق و المغرب عموما، و في ناحية المغرب خصوصا من الفتوحات التي لم يتيسر مثلها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، أو من الإظهار على الجبابرة و الأكاسرة و تغليب قليلهم على كثيرهم و تسليط ضعفائهم على أقويائهم و إجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات، و في أنفسهم فتح مكة و هو اختيار الطبري. و قال المنهال بن عمرو، و السدي، و قال قتادة و الضحاك: و في الآفاق وقائع اللّه في الأمم و في أنفسهم في يوم بدر. و قال عطاء، و ابن زيد أيضا: و في الآفاق يعني أقطار السموات و الأرض من الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الرياح و الأمطار و الرعد و البرق و الصواعق و النبات و الأشجار و الجبال و البحار و غيرها. و في الصحاح: الآفاق النواحي واحدها أفق و أفق مثل عسر و عسر، و رجل أفقي بفتح الهمزة و الفاء إذا كان من آفاق الأرض حكاه أبو نصر، و بعضهم يقول أفقي بضمهما و هو القياس و في أنفسهم من لطيف الصنعة و بديع الحكمة حتى في سبيل الغائط و البول، فإن الرجل يأكل و يشرب من مكان واحد و يتميز ذلك خارجا من مكانين، و حتى في عينيه اللتين ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، و في أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة و غير ذلك من بديع حكمة اللّه فيه. و قيل: في أنفسهم في كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في المؤمنون بيانه، و قيل: المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الفتن و أخبار الغيوب اه بحروفه.

قوله: (من لطيف الصنعة) كالأطوار المذكورة في قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ‏ [المؤمنون: 12] الخ اه شيخنا.

قوله: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ‏ الخ استئناف وارد لتوبيخهم على ترددهم في شأن القرآن و عنادهم المحوج إلى إيراد الآيات و عدم اكتفائهم بأخباره تعالى، و الهمزة للإنكار، و الواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي: ألم يغنهم و لم يكفهم ربك، و الياء مزيدة للتوكيد، و لا تكاد تزاد إلا مع كفى اه أبو السعود.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 38

شَهِيدٌ (53) بدل منه، أي أو لم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شي‏ء ما

أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ شك‏ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ‏ لانكارهم البعث‏ أَلا إِنَّهُ‏ تعالى‏ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ (54) علما و قدرة، فيجازيهم بكفرهم.

و في السمين: قوله: أو لم يكف بربك فيه و جهان، أحدهما: أن الباء مزيدة في الفاعل و هذا هو الراجح و المفعول محذوف أي: أو لم يكف ربك، و في قوله: أنه على كل شي‏ء شهيد و جهان، أحدهما: أنه يدل من بربك فيكون مرفوع المحل مجرور اللفظ كمتبوعه. و الثاني: أن الأصل بأنه تم حذف الجار، فجرى الخلاف. الثاني: من الوجهين الأولين أن يكون بربك هو المفعول، و أنه و ما بعده هو الفاعل أي لم يكف بربك شهادته، و قرئ إنه بالكسر و هو على إضمار القول أو على الاستئناف، و قرأ عبد الرحمن و الحسن في مرية بضم الميم و قد تقدم أنها لغة في مكسورة الميم اه.

قوله: (فاعل) أي: بزيادة الباء، و المفعول محذوف كما قدره بقوله: أي: أو لم يكفهم اه شيخنا.

قوله: (بدل منه) أي: بدل كل من كل، و في الشهاب: أنه بدل اشتمال اه شيخنا.

قوله: (علما و قدرة) عبارة البيضاوي: إلا أنه بكل شي‏ء محيط عالم يجعل الأشياء و تفاصيلها مقتدرا عليها لا يفوته شي‏ء منها اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 39

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الشورى مكية إلا قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ‏ الآيات الأربع. و هي ثلاث و خمسون آية

حم‏ (1)

عسق‏ (2) اللّه أعلم بمراده به‏

كَذلِكَ‏ أي مثل ذلك الإيحاء يُوحِي إِلَيْكَ‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و تسمى سورة حم عسق، و تسمى سورة عسق و سورة حم سق اه بيضاوي.

و تسمى سورة شورى من غير ألف و لام اه شيخنا.

قوله: (إلا قل لا أسألكم الخ) عبارة الخازن و هي مكية في قول ابن عباس و الجمهور، و حكي عن ابن عباس: إلا أربع آيات نزلت بالمدينة أولها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً [الأنعام: 90] و قيل:

فيها من المدني‏ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ‏ إلى قوله تعالى: بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 119] و قوله: الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ‏ إلى قوله: مِنْ سَبِيلٍ‏ [التوبة: 91].

قوله: حم‏ و قوله: عسق‏ لعل هذين اسمان للسورة، و لذلك فصل بينهما في الخط وعدا آيتين، و قيل: هما اسم واحد فالفصل بينهما ليطابق سائر الحواميم اه بيضاوي.

و قوله: و لذلك فصل بينهما الخ جواب عما يقال أنهم أجمعوا على أنه لا يفصل بين كهيعص، و على أنه يفصل ههنا بين حم و بين عسق فما السبب فيه؟ و عما يقال أنهما عدا آيتين و أخواتهما مثل كهيعص و المص و المر عدت آية واحدة فما السبب فيه أيضا؟ اه زاده.

و قال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا و قد أوحي إليه حم عسق، فلذلك قال اللّه كذلك يوحي إليك الخ اه خازن.

و في القرطبي: قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل لم قطع حم من عسق و لم يقطع كهيعص و المر و المص؟ فقال: لأن حم عسق بين سور أولها حم فجرت مجرى نظائرها قبلها و بعدها، فكان حم مبتدأ، و عسق خبره و لأنهما عدتا آيتين وعدت أخواتهن اللواتي كتبت جملة آية واحدة، و قيل: إن الحروف المعجمة كلها في المعنى واحد من حيث أنها أس البيان و قاعدة الكلام. ذكره الجرجاني و كتب حم عسق منفصلا و كهيعص متصلا كأنه قيل: حم أي حم ما هو كائن ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل و بين ما لا يقدر انتهى.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 40

وَ أوحى‏ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ‏ فاعل الإيحاء الْعَزِيزُ في ملكه‏ الْحَكِيمُ‏ (3) في صنعه‏

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ ملكا و خلقا و عبيدا وَ هُوَ الْعَلِيُ‏ على خلقه‏ الْعَظِيمُ‏ (4) الكبير

تَكادُ بالتاء و الياء السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ‏ بالنون، و في قراءة بالتاء و التشديد مِنْ فَوْقِهِنَ‏ أي قوله: كَذلِكَ‏ الخ كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعيف سائر الكتب المنزلة على الرسل المتقدمة في الدعوة إلى التوحيد و الإرشاد إلى الحق. أي: مثل ما في هذه السورة من المعاني أوحي إليك أوحي إلى سائر الرسل اه أبو السعود.

و الكاف في محل نصب على المفعولية المطلقة، فقوله: أي مثل بالنصب، و قوله: يوحي استعمل المضارع في حقيقته و مجازه فهو مستعمل في المستقبل بالنظر لما لم ينزل عليه من القرآن إذ ذاك، و في الماضي بالنظر لما أنزل بالفعل و بالنظر لما أنزل على الرسل السابقين، و قد أشار الشارح لهذا بقوله: و أوحي إلى الذين من قبلك هذا و المشبه به في كذلك هو هذه السورة أي؛ كما أوحي إليك هذه السورة يوحي إليك غيرها من القرآن، و يوحي إلى الذين من قبلك الكتب القديمة، و وجه الشبه أن الموحى به في الكل يرجع لأمور ثلاثة: التوحيد و النبوة و البعث، فهذا القدر موجود في القرآن و في غيره من الكتب اه شيخنا.

و في زاده: و وجه المشابهة الاشتراك في الدعوة إلى التوحيد و النبوة و المعاد و تقبيح أحوال الدنيا و الترغيب في أمور الآخرة اه.

و في السمين: كذلك يوحي الخ جمهور القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيا للفاعل و هو اللّه تعالى، و العزيز الحكيم نعتان، و الكاف منصوبة المحل إما نعتا لمصدر أو حالا من ضميره أي يوحي إيحاء مثل ذلك الإيحاء، و قرأ ابن كثير و يروى عن أبي عمر و يوحى بفتح الحاء مبنيا للمفعول. و في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه، أحدها: ضمير مستتر يعود على كذلك لأنه مبتدأ و التقدير مثل ذلك الإيحاء يوحي هو إليك، فمثل ذلك: مبتدأ، و يوحي هو إليك: خبره. الثاني: أن القائم مقام الفاعل إليك و الكاف منصوب المحل على الوجهين المتقدمين. الثالث: أن القائم مقام الفاعل الجملة من قول اللّه العزيز أي يوحي إليك هذا اللفظ، و أصول البصريين لا تساعد عليه لأن الجملة لا تكون فاعلا و لا قائمة مقامه. و قرأ أبو حيوة، و الأعمش، و أبان: نوحي بالنون و هي موافقة للعامة، و يحتمل أن تكون الجملة من قوله: اللّه العزيز منصوبة المحل مفعولة بنوحي أي نوحي إليك هذا اللفظ، إلا أن فيه حكاية الجمل بغير القول الصريح، و يوحى على اختلاف قراءاته يجوز أن يكون على بابه من الحال أو الاستقبال فيتعلق قوله: و إلى الذين من قبلك بمحذوف لتعذر ذلك تقديره و أوحي إلى الذين، و أن يكون بمعنى الماضي وجي‏ء به على صورة المضارع لغرض و هو تصوير الحال اه.

قوله: (فاعل الإيحاء) هذا على قراءة كسر الحاء مبنيا للفاعل، و أما على قراءة فتحها مبنيا للمفعول فنائب الفاعل الظرف و هو إليك، و قوله: اللّه فاعل بفعل محذوف كأنه قيل: من يوحيه؟

فقيل: اللّه‏ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ‏ [النور: 36] اه سمين.

قوله: (بالنون) أي بعد الياء، و قوله: بالتاء أي: بعد الياء، و قوله: و التشديد أي: تشديد الطاء

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 41

تنشق كل واحدة فوق التي تليها، من عظمة اللّه تعالى‏ وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ‏ أي ملابسين المفتوحة، و ظاهر صنيعه أن القراءات أربعة من ضرب اثنتين في اثنتين و ليس كذلك بل هي ثلاثة فقط، لأن من يقرأ تكاد بالتاء الفوقية يجوز الوجهين في ينفطرن، و من يقرأ يكاد بالياء التحتية لا يقرأ يتفطرن إلا بالتاء الفوقية، فقوله بالنون أي: على قراءة التاء الفوقية، و قوله: و في قراءة الخ. أي: على كل من القراءتين في تكاد و الثلاثة سبعية اه شيخنا.

قوله: مِنْ فَوْقِهِنَ‏ أي يبتدأ الانفطار من جهتهن الفوقية و تخصيصها بالذكر لما أن أعظم الآيات و أدلها على العظمة و الجلال هو الانفطار من تلك الجهة، و يعلم انفطار السفلى بالطريق الأولى، لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض لما أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت بالطريق الأولى اه أبو السعود.

و الكلمة الشنعاء هي قولهم: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً [مريم: 88] كما تقدم في سورة مريم.

قوله: (فوق التي تليها) متعلق بمحذوف أي: و تسقط فوق الخ. و هذا يقتضي أن الضمير عائد على السموات و هو أحد الاحتمالات ذكرها السمين فقال: قوله: من فوقهن في هذا الضمير ثلاثة أوجه، أحدها: أنه عائد على السموات أي يبتدأ انفطارهن من هذه الجهة فمن لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها.

الثاني: أنه عائد على الأرضين لتقدم ذكر الأرض قبل ذلك. الثالث: أنه عائد على فرق الكفار و الجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير اه.

قوله: وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ‏ الخ كلام مستأنف. قوله: وَ يَسْتَغْفِرُونَ‏ أي يشفعون لمن في الأرض من المؤمنين، فالمراد بالاستغفار الشفاعة كما في قوله: وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7] أو يطلبون هدايتهم اه كرخي.

و بعضهم أبقى من في الأرض على عمومه بحيث يشمل الكفار كالبيضاوي و نصه: و يستغفرون لمن في الأرض أي: بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة و الإلهام و إعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة، و ذلك في الجملة يعم المؤمن و الكافر، بل فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع لعم الحيوان بل الجماد اه.

و قوله: فيما يستدعي مغفرتهم الخ جواب عما يقال أن من في الأرض يعم الكفار فكيف نستغفر لهم الملائكة و قد ثبت أنهم يلعنونهم كما قال: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ [آل عمران: 87] و لا وجه لكونهم لاعنين لهم و مستغفرين. و تقرير الجواب أنه لا منافاة لأن استغفارهم بمعنى السعي فيما يستدعي مغفرتهم و هو الإيمان، فإن استغفارهم في حق الكفار بطلب الإيمان لهم، و في حق المؤمنين بالتجاوز عن سيئاتهم فيكون استغفارهم في حق عامة من في الأرض محمولا على عموم المجاز اه زاده.

و في القرطبي: و يستغفرون لمن في الأرض قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين، و قال السدي: بيانه في سورة المؤمن‏ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7]، و على هذا يكون المراد بالملائكة هنا حملة العرش، و قيل: جميع ملائكة السماء و هو الظاهر من قول الكلبي. و قال وهب بن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 42

للحمد وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ‏ من المؤمنين‏ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لأوليائه‏ الرَّحِيمُ‏ (5) بهم‏

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ‏ أي الأصنام‏ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ محص‏ عَلَيْهِمْ‏ ليجازيهم‏ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ‏ (6) تحصل المطلوب منهم، ما عليك إلا البلاغ‏

وَ كَذلِكَ‏ مثل ذلك الإيحاء أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ تخوّف‏ أُمَّ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها أي أهل مكة و سائر الناس‏ وَ تُنْذِرَ الناس‏ يَوْمَ الْجَمْعِ‏ أي يوم القيامة، تجمع فيه الخلائق‏ لا رَيْبَ‏ شك‏ فِيهِ فَرِيقٌ‏ منهم‏ فِي الْجَنَّةِ منبه: هو منسوخ و يستغفرون للذين آمنوا، و قال المهدوي: و الصحيح أنه ليس بمنسوخ لأنه خبر و هو خاص بالمؤمنين، قال أبو الحسن بن الحصار: و قد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت هاروت و ماروت، و أنها منسوخة بالآية التي في المؤمن و ما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفاره للمؤمنين خاصة و للّه و ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. قال الماوردي: و في استغفارهم لهم قولان، أحدهما: من الذنوب و الخطايا و هو ظاهر قاله مقاتل. الثاني: أنه طلب الرزق لهم و السعة عليهم قال الكلبي. قلت: و هو الأظهر لأن من في الأرض يعم الكافر و غيره، و على قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر، و قال مطرف. وجدنا أنصح عباد اللّه لعباد اللّه الملائكة، و وجدنا أغش عباد اللّه لعباد اللّه الشياطين اه.

قوله: (أي الأصنام) تفسير للمفعول الأول فهو محذوف، و الثاني مذكور و هو أولياء و كذا يقال فيما سيأتي اه شيخنا.

قوله: (محص) أي: محص أعمالهم أي حافظها و ضابطها لا يغيب عنه منها شي‏ء اه شيخنا.

قوله: (تحصل المطلوب منهم) في البيضاوي: و ما أنت عليهم بوكيل بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم اه.

قوله: (ما عليك إلا البلاغ) هذا منسوخ بآية السيف. قوله: (مثل ذلك الإيحاء) أي: المذكور في قوله: يوحى إليك الخ. و رجوع الإشارة إلى المصدر المذكور أحد احتمالين و الآخر أنها ترجع إلى الآية المتقدمة قريبا في قوله: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ‏ [الشورى: 6] الخ. و عبارة أبي السعود: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا و محل الكاف النصب على المصدرية، و قرآنا عربيا مفعول لأوحينا أي: و مثل ذلك الإيحاء البديع البين المفهم أوحينا إليك قرآنا عربيا لا لبس فيه عليك و لا على قومك، و قيل: إشارة إلى معنى الآية المتقدمة من أنه تعالى هو الحفيظ عليهم و إنما أنت نذير فحسب، فالكاف مفعول به لأوحينا، و قرآنا عربيا حال من المفعول به أي: أوحيناه إليك و هو قرآن عربي اه.

قوله: قُرْآناً عَرَبِيًّا فيه و جهان، أحدهما: أنه مفعول أوحينا، و الكاف في محل نصب على المفعولية المطلقة. الثاني: أنه حال من الكاف و الكاف هي المفعول لأوحينا أي: أوحينا مثل ذلك الإيحاء و هو قرآن عربي اه سمين.

صفحه بعد