کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 82

الامتناع و التعاصي و التوحش لو لا تسخير اللّه و إذلاله إنما يتأتى في الدواب و أما السفن فهي عن عمل ابن آدم فليس لها امتناع بقوتها كامتناع الدابة اه شيخنا.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال: «بسم اللّه» فإذا استوى على الدابة قال: «الحمد للّه على كل حال‏ سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا إلى قوله: وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ» اه بيضاوي.

و في القرطبي: علمنا سبحانه و تعالى ما نقول إذا ركبنا الدواب و عرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السّلام ما نقول إذا ركبنا السفن و هو قوله تعالى: وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏ [هود: 41] فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقيحت أو طاح عن ظهرها فهلك، و كم من راكب سفينة انكسرت به فغرق، فلما كان الركوب مباشرة أمرا مخوفا و اتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر أن لا ينسى عند اتصاله به موته و أنه هالك لا محالة فمنقلته إلى اللّه غير منفلت من قضائه و لا يدع ذكر ذلك بقلبه و لسانه حتى يكون مستعدا لقضاء اللّه بإصلاحه من نفسه، و الحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم اللّه و هو غافل عنه، و قال ابن العربي: ما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا و ليس بواجب ذكره باللسان، و إنما الواجب اعتقاده بالقلب أما إنه يستحب له ذكره باللسان فيقول: متى ما ركب و خصوصا في السفر إذا تذكر: سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل و المال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب، و الحور بعد الكور، و سوء المنظر في الأهل و المال، يعني بالحور بعد الكور تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه اه.

قوله: وَ ما كُنَّا أي: و الحال ما كنا له مقرنين: قال الواحدي: كأن اشتقاقه من قولك صرت قرنا لفلان أي: مثله في الشدة، و المعنى ليس عندنا من القوة و الطاقة ما نقارن و نساوي به هذه الدواب، فسبحان من سخرها لنا بقدرته و حكمته اه خطيب.

و في السمين: و المقرن المطيق للشي‏ء الضابط له من أقرنه أي: أطاقه اه.

و في المختار: و قرن الشي‏ء بالشي وصله به و بابه ضرب و نصر اه.

و في القرطبي: ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم أي: ركبتم عليه، و ذكر النعمة هو الحمد على تسخير ذلك لنا في البر و البحر و تقولوا: سبحان الذي سخر لنا هذا أي: ذلل لنا هذا المركوب، و في قراءة علي بن أبي طالب: سبحان من سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين أي: مطيقين في قول ابن عباس و الكلبي. و قال الأخفش و أبي عبيدة: مقرنين ضابطين، و قيل: مماثلين في الأيدي و القوة من قولهم:

هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة، و يقال: فلان مقرن لفلان أي: ضابط له، و أقرنت كذا أي:

أطلقته، و أقرن له أطاقه و قوي عليه كأنه صار له قرنا قال اللّه تعالى: وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ‏ أي: مطيقين، و المقرن أيضا الذي غلبته ضيعته تكون له إبل أو غنم و لا معين له عليها. و في أصله قولان، أحدهما:

أنه مأخوذ من الإقران يقال: أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق أو أقرنت كذا إذا أطقته و أحكمته كأنه جعله في‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 83

وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً حيث قالوا: الملائكة بنات اللّه تعالى لأن الولد جزء الوالد، و الملائكة من عباد اللّه‏ إِنَّ الْإِنْسانَ‏ القائل ما تقدم‏ لَكَفُورٌ مُبِينٌ‏ (15) بين ظاهر الكفر

أَمِ‏ بمعنى همزة الإنكار، و القول مقدر أي أتقولون‏ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ‏ لنفسه‏ وَ أَصْفاكُمْ‏ أخلصكم‏ بِالْبَنِينَ‏ (16) اللازم من قولكم السابق، فهو من جملة المنكر

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما قرن و هو الحبل فأوثقه به و شده. و الثاني: أنه مأخوذ من المقارنة و هو أن يقرن بعضها ببعص في حبل تقول: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به و جعلته قرينة اه.

قوله: (لمنصرفون) أي: من الدنيا و مراكبها إلى دار الاستقرار و البقاء، و يتذكر بالحمل على السفينة و الدابة الحمل على الجنازة، و عبارة الخطيب: أي لصائرون بالموت و ما بعده إلى الدائر الآخرة انقلابا لا رجوع بعده إلى هذه الدار، فالآية منبهة بالسير الدنيوي على السير الأخروي ففيه إشارة إلى الرد عليهم في إنكار البعث، انتهت.

قوله: وَ جَعَلُوا لَهُ‏ الخ متصل بقوله: و لئن سألتهم الخ أي: و قد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف كما قاله القاضي، و في الكشاف: منع ذلك الاعتراف أي: اعترافهم بأن الخالق هو اللّه، و ذلك لأن جملة و جعلوا له حالية و الحال مقارنة لصاحبها سيما و هي هنا جملة ماضوية و سمي الولد الذي أثبتوه للّه جزءا دلالة على استحالته على الواحد في ذاته، و المركب لا يكون واحد الذات أيضا ما كان كذلك فإنه يقبل الاتصال و الانفصال و الاجتماع و الافتراق، و ما كان كذلك فهو محدث فلا يكون إلها قديما اه كرخي.

قوله: جُزْءاً مفعول أول للجعل و الجعل تصيير قولي أي: حكموا و أثبتوا، و يجوز أن يكون بمعنى سموا و اعتقدوا اه سمين.

قوله: (بين) أشار بهذا إلى أن مبين من أبان اللازم و لا مانع أن يكون من المتعدي أي: مظهر لكفره اه كرخي.

قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي: و التقريع و التوبيخ و قدرها بعضهم ببل التي للانتقال و بعضهم بهما، و كل صحيح لأن فيها مذاهب ثلاثة كما نقله أبو حيان اه شيخنا.

قوله: (لنفسه) متعلق باتخذ. قوله: (أخلصكم) أي: خصكم. قوله: (اللازم) بالنصب نعت لقوله و أصفاكم إذ هو معطوف على اتخذ الذي هو مقول القول لكن المعطوف عليه قالوه صريحا و المعطوف لم يقولوه، لكنه من قولهم: الملائكة بنات اللّه فكأنهم قالوا البنات له و البنون لنا، فلذلك قال اللازم من قولهم السابق أي: الملائكة بنات اللّه، و قوله: فهو من جملة المنكر أي: لأنه معطوف على اتخذ الداخل عليه أم التي بمعنى همزة الإنكار اه شيخنا.

و يصح كونه حالا مع تقدير قد اه كرخي.

قوله: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ‏ الخ استئناف مقرر لما قبله، و قيل: حال على معنى أنهم نسبوا إليه ما ذكر، و من حالهم أن إذا بشر به اغتم، و الالتفات إلى الغيبة للإيذان بأن قبائحهم اقتضت أن يعرض‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 84

ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا جعل له شبها بنسبة البنات إليه لأن الولد يشبه الوالد، المعنى: إذا أخبر أحدهم بالبنت تولد له‏ ظَلَ‏ صار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا متغيرا تغير مغتم‏ وَ هُوَ كَظِيمٌ‏ (17) ممتلى‏ء غما، فكيف ينسب البنات إليه؟ تعالى عن ذلك‏

أَ وَ همزة الإنكار، و واو العطف بجملة أي يجعلون للّه‏ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ الزينة وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ (18) مظهر الحجة لضعفه عنها بالأنوثة

وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا حضروا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ‏ عنهم و تحكى لغيرهم ليتعجب منها اه أبو السعود.

قوله: بِما ضَرَبَ‏ ما موصولة معناها البنات، و ضرب بمعنى جعل، و المفعول الأول الذي هو عائد الموصول محذوف أي: ضربه و مثلا هو المفعول الثاني، و قوله شبها أي: فالمثل بمعنى الشبه أي: المشابه لا بمعنى الصفة الغريبة العجيبة اه شيخنا.

قوله: وَ هُوَ كَظِيمٌ‏ الواو للحال.

قوله: أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا يجوز في من و جهان، أحدهما: أن تكون في محل نصب مفعولا بفعل مقدر أي: أو يجعلون من ينشأ في الحلية. و الثاني: أنه مبتدأ و خبره محذوف تقديره أو من ينشأ جزءا و ولد، و قرأ العامة ينشأ بفتح الياء و سكون النون من نشأ في كذا ينشأ فيه، و الأخوان و حفص بضم الياء و فتح النون و تشديد الشين مبنيا للمفعول أي: يربي، و قرأ الجحدري كذلك إلا أنه خفف الشين أخذه من أنشأه، و الحسن يناشأ كيقاتل مبنيا للمفعول و المفاعلة تأتي بمعنى الإفعال كالمعالاة بمعنى الإعلاء اه سمين.

قوله: (همزة الإنكار الخ) أي اللفظ كلمتان همزة الإنكار و واو العطف لا كلمة واحدة التي هي أو العاطفة و قوله: بجملة متعلق بالعطف و الباء بمعنى اللام أي: لجملة أي: جملة مقدرة ذكرها بقوله:

أي يجعلون، و حاصل هذه الإعراب أنه جعل من معمولة لمقدر معطوف بواو العطف لكنه لم ينبه على المعطوف عليه، و تقديره: أيجترئون و يبلغون الغاية في إساءة الأدب و يجعلون للّه من ينشأ في الحلية، و من عبارة عن الأنثى أي: يجعلون للّه الأنثى التي تتربى في الزينة لنقصها، إذ لو كملت في نفسها لما تكملت بالزينة، و أيضا هي ناقصة العقل لا تقدر على إقامة حجة عند الخصام اه شيخنا.

قوله: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ الجملة حال، و في الخصام يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده تقديره و هو لا يبين في الخصام، و يجوز أن يتعلق بمبين، و جاز للمضاف إليه أن يعمل فيما قبل المضاف لأن غير بمعنى لا، و قدم تقدم تحقيق هذا في أول هذا الموضوع آخر الفاتحة اه سمين.

و في أبي السعود: غير مبين أي: غير قادر على تقرير دعواه و إقامة حجته لنقصان عقله و ضعف رأيه، و إضافة غير لا تمنع عمل ما بعدها في الجار المتقدم عليها لأنها بمعنى النفي اه.

و قال قتادة: قلما تكلمت امرأة تريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها اه خازن.

قوله: (مظهر الحجة) أشار بهذا إلى أن مبين هنا من أبان المتعدي اه كرخي.

قوله: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الخ الجعل هنا بمعنى القول و الحكم تقول: جعلت زيدا أعلم الناس أي: حكمت له بذلك اه قرطبي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 85

بأنهم إناث‏ وَ يُسْئَلُونَ‏ (19) عنها في الآخرة فيترتب عليها العقاب‏

وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ‏ أي الملائكة، فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها، قال تعالى‏ ما لَهُمْ بِذلِكَ‏ المقول من الرضا بعبادتها مِنْ عِلْمٍ إِنْ‏ ما هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ (20) يكذبون فيه، فيترتب عليهم العقاب به‏

أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ‏ أي القرآن بعبادة غير اللّه‏ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ‏ (21) أي لم يقع ذلك‏

بَلْ‏ و هذا بيان لنوع آخر من كفرياتهم، فالقول بأن الملائكة أناث كفر لأن فيه جعل أكمل العباد و أكرمهم على اللّه أنقصهم رأيا و أخسهم صنفا اه كرخي.

قال الكلبي و مقاتل: لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: «ما يدريكم أنهم إناث»؟ قالوا:

سمعنا من آبائنا و نحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال اللّه تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ‏ أي: عنها في الآخرة: هذا يدل على أن القول بغير دليل منكر، و أن التقليد حرام يوجب الذم العظيم.

تنبيه:

قال البقاعي: يجوز أن يكون في السين استعطاف إلى التوبة قبل كتابة ما قالوا و لا علم لهم به فإنه قد روى أبو أمامة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «كاتب الحسنة على يمين الرجل و كاتب السيئات على يسار الرجل، و كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا، و إذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب اليسار دعه سبع ساعات لعله يسبح اللّه أو يستغفر» اه خطيب.

قوله: وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ‏ أي: لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم، فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها، و ذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض مأمورا كان أو منهيا حسنا كان أو غيره اه بيضاوي.

و هذا بيان لنوع آخر من كفرياتهم، و الحاصل أنهم كفروا بمقالات ثلاثة هذه و التي قبلها و هي فولهم الملائكة إناث و التي قبلها و هي قولهم: الملائكة بنات اللّه اه شيخنا.

و في الخطيب: قال المحققون هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه، أولها: إثبات الولد. ثانيها: أن ذلك الولد بنت. ثالثها: الحكم على الملائكة بالأنوثة اه في صنيعه تسمح.

قوله: إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ قاله هنا بلفظ يخرصون، و في الجاثية بلفظ قوله: يَظُنُّونَ‏ لأن ما هنا متصل بقوله: و جعلوا الملائكة الآية أي: قالوا: الملائكة بنات اللّه و أن اللّه قد شاء منا عبادتنا إياهم و هذا كذب، فناسبه يخرصون و ما هناك متصل بخلطهم الصدق بالكذب، فإن قولهم: قوله:

نَمُوتُ وَ نَحْيا [المؤمنون: 37 و الجاثية: 24] صدق و كذبوا في إنكارهم البعث، و قوله: وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] فناسبه يظنون أي: يشكون فيما يقولون اه كرخي.

قوله: (يكذبون فيه) أي: في القول. و في المصباح: و خرص الكافر خرصا من باب قتل كذب فهو خارص اه.

قوله: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ‏ هذا معادل لقوله: قوله: أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ‏ [الزخرف: 69] و المعنى أحضروا خلقهم أي: آتيناهم كتابا من قبله أي: من قبل القرآن أي: بما ادعوه فهم به‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 86

قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ ملة وَ إِنَّا ماشون‏ عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏ (22) بهم و كانوا يعبدون غير اللّه‏

وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها متنعموها مثل قول قومك‏ إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا مستمسكون يعملون بما فيه اه قرطبي.

فقد جعل أم متصلة للهمزة في قوله: أشهدوا خلقهم و هو بعيد من المعنى و السياق، فالأولى الوجه الآخر الذي جرى عليه أكثر المفسرين من أنها منقطعة بمعنى همزة الاستفهام الإنكاري، و عبارة البيضاوي: ثم أضرب عنه أي: عن نفي أن يكون لهم متمسك عقلي إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل، فقال: أم آتيناهم الخ اه.

و في إشارة إلى أن أم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله: أشهدوا خلقهم كما قيل لبعده اه شهاب.

قوله: (أي لم يقع ذلك) أي: إيتاؤهم كتابا بما ذكر، و أشار بهذا إلى أن أم بمعنى همزة الإنكار اه شيخنا.

قوله: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا الخ أي: لم يأتوا بحجة عقلية و لا نقلية، بل اعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم اه أبو السعود.

قوله: عَلى‏ أُمَّةٍ أي: طريقة تؤم و تقصد اه أبو السعود.

و في البيضاوي: و هي الحالة التي يكون عليها آلآم أي: القاصد و منها الدين اه.

و في السمين: قوله: على أمة العامة على ضم الهمزة بمعنى الطريقة و الدين، و قرأ مجاهد، و قتادة، و عمر بن عبد العزيز بالكسر. قال الجوهري: هي الطريقة الحسنة لغة في أمة بالضم، و ابن عباس بالفتح و هي المرة من الأم، و المراد بها القصد و الحال اه.

قوله: (ماشون) أشار بتقدير هذا إلى أن الجار و المجرور خبر إن و عليه فيكون مهتدون خبرا ثانيا اه شيخنا.

و في أبي السعود: على آثارهم مهتدون خبر إن أو الظرف صلة لمهتدون اه.

قوله: مُهْتَدُونَ‏ قاله هنا بلفظ مهتدون، و قال: فيما بعده مقتدون، لأن الأل وقع في محاجتهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و ادعائهم أن آبائهم كانوا مهتدين و أنهم مهتدون كآبائهم فناسبه مهتدون، و الثاني وقع حكاية عن قوم دعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء فناسبه مقتدون اه كرخي.

قوله: وَ كَذلِكَ‏ أي: و الأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة و تمسكهم بالتقليد، و قوله: ما أرسلنا الخ استئناف مبني لذلك دال على التقليد فيما بينهم ضلال قديم ليس لأسلافهم أيضا مستند غيره اه أبو السعود.

و عبارة الكرخي: قوله: و كذلك ما أرسلنا الخ تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و دلالة على أن التقاليد في نحو ذلك ضلال قديم، و أن من تقدمهم أيضا لم يكن لهم مستند منظور إليه و تخصيص المترفين للإشعار بأن التنعم هو الذي أوجب البطر و صرفهم عن النظر إلى التقليد اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 87

عَلى‏ أُمَّةٍ ملة وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏ (23) متبعون‏

* قالَ‏ لهم‏ أَ تتبعون ذلك‏ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ‏ أنت و من قبلك‏ كافِرُونَ‏ (24) قال تعالى قوله: إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها جمع مترف اسم مفعول و تفسير الشارح له باسم الفاعل تفسير باللزم، و في القاموس: و ترف كفرح تنعم، و أترفته النعمة أطغته كترفته تتريفا، و فلان أصر على البغي، و المترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء فلا يمنع، و المتنعم لا يمنع من تنعمه اه.

قوله: (مثل قول قومك) مفعول مطلق أي: نعت لمصدر محذوف هو المفعول المطلق أي: قولا مثل قول قومك، و قوله: إنا وجدنا الخ مقول القول فهو مفعول له اه شيخنا.

و هذا الصنيع من الشارح ليس بلازم، فالأولى كما جرى عليه غيره جعل قوله: إنا وجدنا آباءنا الخ مقول القول و لا تقدير في الكلام تأمل.

قوله: قالَ‏ (لهم) خطاب لمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، أي: قل لقومك أتتبعون ذلك أي: المذكور و هو آباؤكم كما قلتم: إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون اه شيخنا.

و هذا هو الذي يتبادر من صنيع الجلال و هو أحد احتمالين ذكرهما البيضاوي بقوله: و هو حكاية أمر ماض أوحي إلى النذير، أو خطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و يؤيد الأول أنه قرأ ابن عامر و حفص قال اه.

و قوله: أوحي إلى النذير يعني أن المأمور بقوله: قل يجوز أن يكون النذير فيكون قل أمرا ماضيا متعلقا بالنذير السابق حكاه اللّه لنبيه على تقديره: فقلنا له قل: و يجوز أن يكون أمرا حاليا متعلقا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم اه شهاب.

قوله: و يؤيد الأول الخ، و يؤيده أيضا ما قالوا في جوابه إنا بما أرسلتم به بلفظ الجمع، و لو كان الخطاب بقل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لكان الظاهر أن يجيبوه بأن يقولوا إنا بما أرسلت به كافرون اه زاده.

و قد أجاب عن هذا الجلال بقوله: أنت و من قبلك لكن يبعد ما جرى عليه الجلال قوله: فانتقمنا منهم، لأن الضمير فيه راجع للمترفين و لا بد، فعلى صنيع الجلال يكون الكلام مفككا غير منتظم، و عبارة أبي السعود: قال: أولو جئتكم أي: قال كل نذير من أولئك المنذرين لأممهم أو لو جئتكم أي:

أتقتدون بآبائكم و لو جئتكم بأهدى أي: بدين أهدى مما وجدتم عليه آباءكم من الضلالة التي ليست من الهداية في شي‏ء، و إنما عبّر عنها بذلك مجاراة معهم على مسلك الأنصاف، و قرئ قل على أنه حكاية أمر ماض أوحي حينئذ إلى كل نذير لا على أنه خطاب للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم كما قيل لقوله تعالى: قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، فإنه حكاية عن الأمم قطعا أي: قال كل أمة لنذيرها إنما أرسلت به الخ. و قد أجمل عند الحكاية للإيجاز كما مر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ‏ [المؤمنون: 51] و جعله حكاية عن قومه عليه الصلاة و السّلام بحمل صيغة الجمع على تغليبه على سائر المنذرين عليهم السّلام و توجيه كفرهم إلى ما أرسل به الكل من التوحيد لإجماعهم عليه كما في نظائر قوله تعالى:

كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ‏ [الشعراء: 123] تمحل بعيد يرده بالكلية قوله تعالى: فانتقمنا منهم أي:

بالاستئصال، فانظر كيف كان عاقبة المكذبين من الأمم المذكورين فلا تكترث بتكذيب قومك اه.

قوله: بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ‏ الخ أي: بدين أهدى و أوضح و أصوب مما وجدتم الخ أي: من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 88

تخويفا لهم‏

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ أي من المكذبين للرسل قبلك‏ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ (25)

وَ اذكر إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ أي بري‏ء مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ (26)

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي‏ خلقني‏ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ‏ (27) يرشدني‏

وَ جَعَلَها أي كلمة التوحيد المفهومة من قوله‏ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏ كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ ذريته فلا يزال فيهم من يوحد اللّه‏ لَعَلَّهُمْ‏ أي أهل مكة الضلالة التي ليست من الهداية في شي‏ء، و التعبير بالتفضيل المقتضي أن ما عليه آباؤهم فيه هداية لأجل التنزل معهم و إرخاء العنان اه أبو السعود.

قوله: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ أي: فلا تكترث بتكذيب قومك اه أبو السعود.

قوله: وَ (اذكر) أي: لقومك، إذ قال إبراهيم أي: الذي هو أعظم آبائهم و محط فخرهم و المجمع على محبته و حقية دينه منهم و من غيرهم لأبيه، أي: من غير أن يقلده كما قلدتم أنتم آباءكم و قومه أي: الذين كانوا هم القوم بالحقيقة لاحتوائهم على ملك جميع الأرض إنني براء مما تعبدون فتبرأ مما هم عليه و تمسك بالبرهان ليسلكوا مسلكه في الاستدلال اه خطيب و أبو السعود.

قوله: بَراءٌ العامة على فتح الباء و ألف و همزة بعد الراء، و هو مصدر في الأصل وقع موقع الصفة و هي بري‏ء، و بها قرأ الأعمش و لا يثنى و لا يجمع و لا يؤنث كالمصادر في الغالب و الزعفراني و ابن المنادى عن نافع بضم الباء بزنة طوال و كرام يقال: طويل و طوال و بري‏ء و براء، و قرأ الأعمش:

إني بنون واحدة اه سمين.

و في المختار: و تبرأ من كذا فهو براء منه بالفتح و المد لا يثنى و لا يجمع لأنه مصدر كالسماع اه.

قوله: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي‏ في هذا الاستثناء أوجه، أحدها: أنه منقطع بناء على أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط. ثانيها: أنه متصل بناء على أنهم كانوا يشركون مع اللّه الأصنام. ثالثها: أن إلا صفة بمعنى غير و ما نكرة موصوفة قاله الزمخشري اه خطيب.

قوله: فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ‏ أي: سيثبتني على الهداية أو سيهدين إلى ما وراء الذي هداني إليه الآن، و الأوجه أن السين للتأكيد دون التسويف و صيغة المضارع للدلالة على الاستمرار اه أبو السعود.

قوله: وَ جَعَلَها الضمير المستتر يعود على إبراهيم، و قوله: لعلهم يرجعون من كلام اللّه تعليل للأمر الذي قدره الشارح بقوله: و اذكر أي: اذكر لقومك ما ذكر لعلهم يرجعون. هذا هو المناسب لصنيع الشارح و غيره من الشراح جرى على أسلوب آخر فافهم الفرق بينهما اه شيخنا.

صفحه بعد