کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 111

لكن ثبت أن لا ولد له تعالى، فانتفت عبادته‏

سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ‏ الكرسي‏ عَمَّا يَصِفُونَ‏ (82) يقولون من الكذب بنسبة الولد إليه‏

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا في باطلهم‏ وَ يَلْعَبُوا في دنياهم‏ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏ (83) فيه العذاب و هو يوم القيامة

وَ هُوَ الَّذِي‏ هو فِي السَّماءِ إِلهٌ‏ بتحقيق الهمزتين و إسقاط الأولى و تسهيلها كالياء أي معبود وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ‏ و كل من الظرفين ولدا من الملائكة، و هددهم بقوله تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ‏ [الزخرف: 19] أمر للّه نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقول لهم: قل إن كان للرحمن ولد الخ اه خطيب.

قوله: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ أي: إن صح و ثبت ذلك ببرهان صحيح، فإنا أول من يعظم ذلك الولد و يسبقكم إلى طاعته كما يعظم الرجل ولد الملك، و من المعلوم أن اللازم منتف فينتفي الملزوم اه زاده.

قوله: (لكن ثبت أن لا ولد له الخ) إيضاحه: أنه علق العبادة بكينونة الولد و هي محالة في نفسها، فكان المعلق بها محالا مثلها، فصورة الكلام و ظاهره إثبات الكينونة و العبادة و المقصود منه نفيهما على أبلغ الوجوه و أقواها ذكره الزمخشري اه سمين.

و أشار الشارح بقوله: لكن ثبت الخ إلى أن هذا قياس استثنائي، و قد استثنى فيه نقيض المقدم بقوله لكن ثبت الخ فأنتج نقيض التالي و هو قوله: فانتفت عبادته، لكن هذا الإنتاج إنما هو لخصوص المادة، و إلّا بالمقرر أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئا، لأن رفع الملزوم لا يوجب رفع اللازم لجواز كونه أعم من الملزوم اه.

قوله: (الكرسي) تقدم له هذا الصنيع غير مرة و هو معترض بما هو معلوم مشهور أن العرش غير الكرسي اه شيخنا.

قوله: يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا مجزومان في جواب الأمر اه شيخنا.

قوله: (العذاب) مفعول ثان ليوعدون و فيه متعلق بالعذاب، و قوله: و هو يوم القيامة الأظهر و هو يوم الموت فإن خوضهم و لعبهم إنما ينتهي بيوم الموت اه كرخي.

قوله: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ‏ في السماء متعلق بإله لأنه بمعنى معبود أي معبود في السماء و معبود في الأرض، و حينئذ فيقال الصلة لا تكون إلا جملة أو ما فيه تقديرها و هو الظرف و عديله و لا شي‏ء منهما هنا. و الجواب: أن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه، و ذلك المحذوف هو العائد تقديره:

و هو الذي هو في السماء إله و هو في الأرض إله، و إنما حذف لطول الصلة بالمعمول، فإن الجار متعلق بإله، و نظيره: ما أنا بالذي قائل لك سوءا، و لا يجوز أن يكون الجار و المجرور خبرا مقدما و إله مبتدأ مؤخرا، و لئلا تعرى الجملة من رابط، إذ تصير نظير: جاء الذي في الدار زيدا اه سمين.

قوله: (بتحقيق الهمزتين) هذه قراءة واحدة، و قوله: و إسقاط الأولى أي: مع القصر بقدر ألف و المد بقدر ألفين أو ألف و نصف، و قوله: و تسهيلها أي: مع المد و القصر أيضا، ففي عبارته التنبيه على ثلاث قراءات و لكنها ترجع لخمس كما علمت و بقي قراءتان لم ينبه عليهما و هما تسهيل الثانية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 112

متعلق بما بعده‏ وَ هُوَ الْحَكِيمُ‏ في تدبير خلقه‏ الْعَلِيمُ‏ (84) بمصالحهم‏

وَ تَبارَكَ‏ تعظم‏ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ متى تقوم‏ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏ (85) بالياء و التاء

وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ‏ يعبدون أي الكفار مِنْ دُونِهِ‏ أي اللّه‏ الشَّفاعَةَ لأحد إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ‏ أي قال لا إله إلا اللّه‏ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ (86) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم و هو: عيسى و عزير و الملائكة، فإنهم يشفعون للمؤمنين‏

وَ لَئِنْ‏ لام قسم‏ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ حذف منه و إبدالها ياء مع القصر لا غير، فالقراءات سبعة و كلها سبعية اه شيخنا.

قوله: (متعلق بما بعده) و هو إله لأنه بمعنى معبود، و تقديره: هو معبود في السماء معبود في الأرض، و بما تقرر من أن المراد بإله معبود اندفع ما قيل هذا يقتضي تعدد الآلهة، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة تعود كقولك: أنت طالق و طالق، و إيضاح الاندفاع أن الإله بمعنى المعبود و هو تعالى معبود فيهما و المغايرة إنما هي بين معبوديته في السماء و معبوديته في الأرض، لأن المعبودية من الأمور الإضافية فيكفي التغاير فيها من أحد الطرفين، فإذا كان العابد في السماء غير العابد في الأرض صدق أن معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض مع أن المعبود واحد و فيه دلالة على اختصاصه باستحقاق الألوهية فإن التقديم يدل على الاختصاص اه كرخي.

قوله: وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي: علم وقت قيامها كما أشار له بقوله متى تقوم اه شيخنا.

قوله: (و التاء) أي: على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لتهديدهم و تقريعهم و توبيخهم اه شيخنا.

قوله: وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ‏ الذين: فاعل بيملك و هي عبارة عن مطلق المعبودات من دون اللّه أو عن خصوص الأصنام، فعلى الأول يكون الاستثناء متصلا، و على الثاني يكون منقطعا لأن المستثنى و هو قوله: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ‏ عبادة عن ثلاثة فقط كما بينها الشارح بقوله: و هم عيسى الخ.

و الظاهر من صنيع الشارح أنه متصل حيث لم يقصر الذين على الأصنام بل أبقاها على عمومها، و قوله:

يدعون صلة الموصول العائد محذوف و إن لم يقدره الشارح، و قوله: أي الكفار تفسير للواو في يدعون، و قوله: لأحد أشار به إلى أن مفعول الشفاعة محذوف، و قوله: إلا من شهد بالحق مستثنى من الذين أي: إلا معبود شهد بالحق، و قوله: هم يعلمون الضمير عائد على من و الجمع باعتبار معناها، و كذا الجمع في قول الشارح و هم عيسى الخ اه شيخنا.

قوله: وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ (بقلوبهم الخ) و قيل: و هم يعلمون أن اللّه عز و جل خلق عيسى و العزيز و الملائكة يعلمون أنهم عباده اه خازن.

قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ‏ أي: العابدين مع ادعائهم الشريك من خلقهم أي: العابدين و المعبودين معا اه خطيب.

قوله: لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ جواب القسم و جواب الشرط محذوف على القاعدة، و إنما يجيبون بذلك لتعذر الإنكار لغاية بطلانه، و الاسم الكريم فاعل بدليل‏ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ [الزخرف: 9]

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 113

نون الرفع و واو الضمير فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏ (87) يصرفون عن عبادة اللّه‏

وَ قِيلِهِ‏ أي قول محمد النبي، و نصبه على المصدر بفعله المقدر أي و قال‏ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ‏ (88) قال تعالى‏

فَاصْفَحْ‏ فأعرض‏ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ‏ منكم، و هذا قبل أن يؤمر بقتالهم‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (89) بالياء و التاء، تهديد لهم.

فما قيل من أنه مبتدأ خلاف الصواب اه كرخي.

قوله: (أي قوله محمد النبي) تفسير لكل من المضاف و المضاف إليه، فالقليل بمعنى القول و الضمير عائد على محمد، و قوله: و نصبه على المصدر فالقول و القيل و القال و المقالة كلها مصادر بمعنى واحد جاءت على هذه الأوزان، و قوله: أي و قال يا رب الأوضح أن يقول و قال قيله يا رب و النداء و ما بعده معمول للقيل أي: قال محمد قوله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، و قيل: إن النصب بالعطف على سرهم و نجواهم، و قيل: إنه بالعطف على محل الساعة كأنه قيل إنه يعلم الساعة و يعلم قيله يا رب. و قرأ حمزة، و عاصم بالجر و هو على وجهين، أحدهما: العطف على الساعة. و الثانى:

أن الواو للقسم، و الجواب إما محذوف أي: لافعلن بهم ما أريد أو مذكور و هو قوله: إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ذكره الزمخشري. و قرأ الأعرج، و أبو قلابة، و مجاهد، و الحسن بالرفع و فيه أوجه، أحدها:

الرفع عطفا على علم الساعة بتقدير مضاف أي: و عنده علم قيله ثم حذف و أقيم هذا مقامه. الثانى: أنه مرفوع بالابتداء، و الجملة من قوله يا رب إن هؤلاء الخ هو الخبر. الثالث: أنه مبتدأ و خبره محذوف تقديره: و قيله كيت و كيت مسموع أو متقبل اه من السمين.

قوله: وَ قُلْ سَلامٌ‏ سلام خبر مبتدأ محذوف أي: أمري سلام أي: ذو سلامة منكم. و في الخطيب: و قل سلام أي: شأني الآن متاركتكم بسلامتكم مني و سلامتي منكم اه.

فهذا تباعد و تبرّ منهم فليس في الآية مشروعية السّلام على الكفار كما قيل، فقول الشارح منكم رد لهذا القيل، و قوله: و هذا أي: أي المذكور و هو قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ‏ و قوله: قبل أن يؤمر بقتالهم أي: فهو منسوخ بآية السيف، و قوله: تهديد لهم أي: قوله فسوف يعلمون تهديد لهم أي:

و تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم. و في الشهاب: هذا سلام متاركة لا سلام تحية، فإن أريد الكف عن القتال فهي منسوخة، و أن أريد الكف عن مقابلتهم بالكلام فلا نسخ اه.

قوله: (و التاء) أي: لزيادة التهديد و التقريع و اللّه أعلم اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 114

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الدخان مكية و قيل إلا إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ‏ الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية

حم‏ (1) اللّه أعلم بمراده به‏

وَ الْكِتابِ‏ القرآن‏ الْمُبِينِ‏ (2) المظهر الحلال من‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و في مسند الدارمي، عن أبي رافع قال: «من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له، و زوج من الحور العين» رفعه الثعلبي. من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك». و عن أبي أمامة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى اللّه بيتا له الجنة» اه قرطبي.

و عبارة الشهاب: في سورة الواقعة، و لم يذكر البيضاوي في فضائل السور حديثا غير موضوع من أول القرآن إلى هنا غير ما هنا و ما مرّ في سورة يس و الدخان اه.

و الذي ذكره البيضاوي في سورة يس هو قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن لكل شي‏ء قلبا و قلب القرآن يس من قرأها يريد بها وجه اللّه غفر اللّه له و أعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين و عشرين مرة، و أيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه و يستغفرون له و يشهدون غسله و يتبعون جنازته و يصلون عليه و يشهدون دفنه، و أيما مسلم قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها و هو على فراشه فيقبض روحه، و هو ريان و يمكث في قبره و هو ريان، و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة هو ريان» اه.

و الذي ذكر في الواقعة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا» اه.

قوله: (الآية) أي: إلى قوله: عائِدُونَ.

قوله: وَ الْكِتابِ‏ (القرآن) عبارة الخطيب: تنبيه و يجوز أن يكون المراد بالكتاب هنا الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ‏ [الحديد: 25] و يجوز أن يكون المراد به اللوح المحفوظ قال اللّه تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ‏ [الرعد: 39] و قال تعالى: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏ [الزخرف: 4]

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 115

الحرام‏

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ هي ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، نزل فيها من أم يجوز أن يكون المراد به القرآن، و اقتصر على ذلك البيضاوي، و تبعه الجلال المحلي، و على هذا فقد أقسم بالقرآن أنه أنزل القرآن في ليلة مباركة، و هذا النوع من الكلام يدل على غاية تعظيم القرآن، فقد يقول الرجل إذا أراد تعظيم الرجل له إليه حاجة: أتشفع بك إليك و أقسم بحقك عليك و جاء في الحديث: «أعوذ برضاك من سخطك و بعفوك من عقوبتك و بك منك لا أحصي ثناء عليك» اه.

قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ‏ يجوز أن يكون جواب القسم و أن يكون اعتراضا، و الجواب قوله: إنا كنا منذرين، و اختاره ابن عطية و قيل: إنا كنا مستأنف أو جواب ثان من غير عاطف اه سمين.

و في الكرخي: قوله: إنا أنزلناه قال الزمخشري و غيره: هذا جواب القسم، و قال ابن عطية: هو اعتراض متضمن تفخيم الكتاب، و الجواب إنا كنا منذرين، و رجح الأول بالسبق بكونه من البدائع و بسلامته من الفك اللازم لما اختاره ابن عطية، فإن قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏ من بقية الاعتراض و قد تخلل بينهما المقسم عليه اه.

قوله: (هي ليلة القدر الخ) عبارة الخطيب: اختلف في قوله تعالى: في ليلة مباركة فقال قتادة، و ابن زيد، و أكثر المفسرين هي ليلة القدر، و قال عكرمة، و طائفة أنها ليلة البراءة، و هي ليلة النصف من شعبان. و احتج الأولون بوجوه، الأول: قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] فقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة يجب أن تكون هي تلك الليلة المسماة بليلة القدر لئلا يلزم التناقض.

ثانيها: قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏ [البقرة: 185] فقوله تعالى هنا إنا أنزلناه في ليلة مباركة يجب أن تكون هذه الليلة المباركة في رمضان، فثبت أنها ليلة القدر. ثالثها: قوله تعالى:

في صفة ليلة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4] و قال تعالى هنا:

فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، و قال ههنا: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، و قال تعالى في ليلة القدر: سَلامٌ هِيَ‏ [القدر: 5] و إذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هي الأخرى. رابعها: نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، و التوراة بست ليال منه، و الزبور لاثنتي عشرة ليلة مضت منه، و القرآن لأربع و عشرين ليلة مضت من رمضان، و الليلة المباركة هي ليلة القدر. خامسها: أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم لأن قدرها و شرفها عند اللّه عظيم و معلوم أن قدرها و شرفها ليس بسبب نفس الزمان، لأن الزمان شي‏ء واحد من الذات و الصفات، فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته، فثبت أن تشريفه و قدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم، و من المعلوم أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا و أعظم الأشياء و أشرفها شعبا في الدين هو القرآن. لأنه ثبت به نبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و به ظهر الفرق بين الحق و الباطل، كما قال تعالى في صفته: وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ‏ [المائدة: 48] و به ظهرت درجات أرباب السعادات و دركات أرباب الشقاوات، فعلى هذا لا شي‏ء إلا و القرآن أعظم منه قدرا و أعلى ذكرا و أعظم منصبا، و حيث أطبقوا على أن ليلة القدر هي التي وقعت في رمضان علمنا أن القرآن إنما أنزل في تلك الليلة و هذا أدلة ظاهرة واضحة. و احتج الآخرون على أنها ليلة النصف من شعبان بوجوه، أولها: أن لها أربعة أسماء الليلة المباركة، و ليلة البراءة، و ليلة الصك، و ليلة الرحمة. ثانيها: أنها مختصة بخمس خصال، الأولى: قوله‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 116

الكتاب من السماء السابعة إلى السماء الدنيا إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ‏ (3) مخوّفين به‏

فِيها أي في ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان‏ يُفْرَقُ‏ يفصل‏ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏ (4) محكم من الأرزاق و الآجال تعالى‏ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. و الثانية: فضيلة العبادة فيها روى الزمخشري أنه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل اللّه تعالى إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة، و ثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، و ثلاثون يدفعون عنه أفات الدنيا و عشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان». ثالثها: نزول الرحمة قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن اللّه يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب». رابعها: حصول المغفرة فيها قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إن اللّه يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا الكاهن و الساحر و مدمن الخمر و عاق والديه و المصر على الزنا». خامسها: أنه تعالى أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الليلة تمام الشفاعة في أمته. قال الزمخشري: و ذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر عن شعبان في أمته فأعطي الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد عن اللّه شرود البعير اه.

و في القرطبي: و عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا يومها فإن اللّه ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا يقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مبتلي فأعافيه، ألا مسترزق فأرزقه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» ذكره الثعلبي اه.

قوله: (أو ليلة النصف من شعبان) قال النووي في باب صوم التطوع من شرح مسلم: أنه خطأ و الصواب: و به قال العلماء إنها ليلة القدر قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ و قال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] فالآية الثانية بيان للأولى و سميت ليلة القدر لأن اللّه يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة من أمر الموت و الأجل و الرزق، حتى يكتب حجاج البيت بأسمائهم و أسماء آبائهم، و يسلم ذلك إلى مدبرات الأمور و هم إسرافيل و ميكائيل و عزرائيل و جبريل عليهم السّلام قاله سعيد بن جبير. و عن ابن عباس: أن اللّه يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان و يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر اه كرخي.

و في القرطبي: و قيل: يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة و يقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، و نسخة الحروب إلى جبريل، و كذلك الزلازل و الصواعق و الخسف و نسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا و هو ملك عظيم، و قال ابن عادل: إلى إسرافيل و نسخة المصائب إلى ملك الموت اه.

قوله: (نزل فيها) أي: جملة من أم الكتاب أي: اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، و معنى إنزاله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا أن جبريل أملاه منه على ملائكة السماء الدنيا فكتبوه في صحف، و كانت عندهم في محل من تلك السماء يمسى بيت العزة، ثم نجمته الملائكة المذكورون على جبريل في عشرين سنة ينزل بها على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بحسب الوقائع و الحوادث، و تقدم لهذا مزيد بسط في سورة البقرة، فراجعه إن شئت و سيأتي في سورة القدر أيضا.

قوله: فِيها يُفْرَقُ‏ الخ يجوز أن تكون الجملة مستأنفة، و أن تكون صفة لليلة و ما بينهما اعتراض. قال الزمخشري: فإن قلت: إنا كنا منذرين فيها يفرق ما موقع هاتين الجملتين. قلت:

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 117

و غيرهما التي تكون في السنة إلى مثل تلك الليلة

أَمْراً فرقا مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‏ (5) الرسل محمدا و من قبله‏

رَحْمَةً رأفة بالمرسل إليهم‏ مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوالهم‏ الْعَلِيمُ‏ (6) لأفعالهم‏

رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما برفع رب خبر ثالث، و بجره بدل من ربك‏ إِنْ كُنْتُمْ‏ يا أهل مكة مُوقِنِينَ‏ (7) بأنه تعالى رب السماوات و الأرض، فأيقنوا بأن محمدا رسوله‏

لا جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسّر بهما جواب القسم الذي هو إنا أنزلناه، كأنه قيل: أنزلناه لأن من شأننا الإنذار و التحذير، و كان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، و هذه الليلة يفرق فيها كل أمر حكيم. قلت: و هذا من محاسن هذا الرجل اه سمين.

و عبارة الكرخي: قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم جملة مستأنفة تبين المقتضي للإنزال فيها، و كذا إنا كنا منذرين كما قرره القاضي، و قد تقدم عن ابن عطية أنها جواب القسم، و جعل الزمخشري الأول لبيان مقتضي الإنزال، و الثاني لتخصيص إنزاله بتلك الليلة، و ما ذكره القاضي ألصق بالذهن و أعلق بالقلب، و حمل كلام القاضي على ما قاله الزمخشري محوج إلى نوع تكلف، و أجاز أبو البقاء أن يكون فيها يفرق صفة لليلة، و إنا كنا اعتراض بين الموصوف و صفته، و هو يدل على أن الليلة ليلة القدر.

له: (بفصل) أي: يبين و يظهر للملائكة الموكلين بالتصرف في العالم. قوله: (محكم) أي: مبرم لا يحصل فيه تغيير و لا نقص، بل لا بد من وقوعه فيها من الأرزاق و الآجال و النصر و الهزيمة و الخصب و القحط، و غيرهما من أقسام الحوادث و جزئياتها في أوقاتها و أماكنها، و يبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيمانا اه خطيب.

قوله: (إلى مثل تلك الليلة) فيه حذف المبتدأ كما صرح به غيره أي: من هذه الليلة إلى مثلها من قابل اه شيخنا.

قوله: (فرقا) أشار به إلى أنه منصوب على أنه مفعول مطلق باعتبار أنه يلاقي عامله في المعنى اه شيخنا.

و في السمين قوله: أمرا من عندنا فيه أوجه، أحدهما: أن ينتصب حالا من فاعل أنزلناه. الثاني:

أنه حال من مفعوله أي: أنزلناه آمرين أو مأمورا به. الثالث: أي يكون مفعولا له و ناصبه إما أنزلناه و إما منذرين و إما يفرق. الرابع: أنه مصدر من معنى يفرق أي: فرقا اه.

و قوله: من عندنا صفة لأمرا اه.

قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏ فيها خمسة أوجه، الأول: المفعول له و العامل فيه إما أنزلناه و إما أمرا و إما يفرق و إما منذرين. الثانى: أن مصدر منصوب بفعل أي: رحمنا رحمة. الثالث: أنه مفعول بمرسلين. الرابع: أنه حال من ضمير مرسلين أي: ذوي رحمة. الخامس: أنه بدل من أمرا فيجي‏ء فيه ما تقدم، و تكثر الأوجه فيها حينئذ، و من ربك متعلق برحمة أو بمحذوف على أنها صفة، و في من ربك التفات من التكلم إلى الغيبة، و لو جرى على منوال ما تقدم لقال رحمة منا اه سمين.

صفحه بعد