کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 133

يقدر قبله الأمر وَ زَوَّجْناهُمْ‏ من التزويج أو قرناهم‏ بِحُورٍ عِينٍ‏ (54) بنساء بيض واسعات الأعين حسانها

يَدْعُونَ‏ يطلبون الخدم‏ فِيها أي الجنة أن يأتوا بِكُلِّ فاكِهَةٍ منها قوله: (لدوران الأسرة) جمع سرير كأرغفة جمع رغيف اه شيخنا.

قوله: (يقدر قبله الأمر) أي: على أنه مبتدأ و الجملة اعتراضية جي‏ء بها للتقرير، و قوله:

و زوجناهم معطوف على يلبسون اه شيخنا.

قوله: (من التزويج) أي: بالعقد و قوله: أو قرناهم أي: قرنا بينهم و بين الحور كالقران بين الزوجين في الدنيا، و استظهر بعضهم الثاني و ضعف الأول بأن العقد فائدته الحال و الجنة لا تكليف فيها اه شيخنا.

و الذي رأيناه في التفاسير الاقتصار على قوله أي: قرناهم بهن و لم نر من حكي الخلاف إلا الخازن و نصه: أي: قرناهم بهن ليس هو من عقد التزويج، و قيل: جعلناهم أزواجا لهن أي: جعلناهم اثنين اثنين اه.

فانظر قوله: أي: جعلناهم اثنين اثنين الصريح في أن المراد بالأزواج جمع زوج بمعنى الشفع ضد الوتر، و يمكن حمل كلام الشارح عليه بل هو متعين، فما قرره شيخنا كأنه فهمه بالعقل إذ لم نر له مستندا في النقل، و في القرطبي: و عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «مهور الحور العين قبضات التمر و فلق الخبز»، و عن أبي قرصافة سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين» و عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «كنس المساجد مهور الحور العين» ذكره الثعلبي رحمه اللّه تعالى، و اختلف أيهما أفضل في الجنة أنساء الآدميات أم الحور. و ذكر ابن المبارك قال: أخبرنا رشدين، عن ابن أنغم، عن حبان بن أبي جبلة قال: إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا، و روي مرفوعا: «أن الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف» و قيل:

إن الحور العين أفضل لقوله عليه الصلاة و السّلام: «فابدله زوجا خيرا من زوجه» و اللّه أعلم اه.

و قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الأحاديث مهور الحور العين الخ لا يدل على أن في الجنة عقد نكاح لجواز أن يراد بالمهور الأمور، و الأسباب التي توصل إلى نيل الحور العين.

قوله: عِينٍ‏ جمع عيناء كحمراء على حد قوله: فعل لنحو أحمر و حمرا فعين أصله ضم العين بوزن فعل لكنها كسرت لتصح الياء، و كذا يقال في بيض اه شيخنا.

قوله: (بنساء بيض) تفسير للحور، و قوله: واسعات الأعين الخ تفسير لعين، و هذا على ما قاله القاضي من أن الحور البياض مطلقا، و جعل الزمخشري الحور بمعنى شدة بياض العين و شدة سوادها، و في القاموس: الحور بالتحريك أن يشتد بياض العين و يسود سوادها و تستدير حدقتها و ترق جفونها و يبيض ما حواليها اه كرخي.

قوله: يَدْعُونَ‏ حال من الهاء في زوجناهم و مفعوله محذوف كما قدره اه شيخنا.

و قوله: لا يذوقون حال من الضمير في آمنين اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 134

آمِنِينَ‏ (55) من انقطاعها و مضرتها و من كل مخوف. حال‏

لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏ أي التي في الدنيا بعد حياتهم فيها قال بعضهم: إلا بمعنى بعد وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ‏ (56)

فَضْلًا مصدر بمعنى تفضلا منصوب بتفضل مقدرا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ (57)

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ‏ سهلنا القرآن‏ بِلِسانِكَ‏ بلغتك لتفهمه العرب منك‏ لَعَلَّهُمْ‏ قوله: (قال بعضهم) هو الطبري إلا بمعنى بعد، و بهذا يحصل الجواب عن السؤال المشهور كيف يصح الحمل على الاتصال، و الاستثناء المتصل هو المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلّا و أخواتها و الموتة الأولى غير داخلة في حكم الصدر ممنوعة الدخول فيه أي: كيف قال في صفة أهل الجنة ذلك مع أنهم يذوقوه فيها قطعا، و بعضهم جعله منقطعا أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها و هذا أحسن من الأول اه كرخي.

و في السمين: قوله: إلا الموتة الأولى فيه أوجه، أحدها: استثناء منقطع أي: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها. الثاني: أنه متصل و تأولوه بأمن المؤمن عند موته في الدنيا بمنزلته في الجنة لمعاينة ما يعطاه منها أو لما يتيقنه من نعيمها. الثالث: أن إلا بمعنى سوى نقله الطبري و ضعفه. قال ابن عطية: و ليس تضعيفه بصحيح، بل كونها بمعنى سوى مستقيم متسق. الرابع: أن إلا بمعنى بعد، و اختاره الطبري و أباه الجمهور، لأن مجي‏ء إلا بمعنى بعد لم يثبت. و قال الزمخشري: فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها في الجنة. قلت: و هذا عند علماء البيان يسمى نفي الشي‏ء بدليله، و قال ابن عطية: بعد ما قدمت حكايته عن الطبري: فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت، فإنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا يعني أنه كلام محمول على معناه اه.

قوله: (منصوب بتفضل) أي: على أنه مفعول مطلق اه شيخنا.

و في السمين: قوله: فضلا مفعول من أجله و هو مراد مكي حيث قال: مصدر عمل فيه يدعون، و قيل: العامل فيه و وقاهم، و قيل: آمنين، فهذا إنما يظهر على كونه مفعولا من أجله، على أنه يجوز أن يكون مصدرا لأن يدعون و ما بعده من باب التفضيل فهو مصدر ملاق لعامله في المعنى، و جعله أبو البقاء منصوبا بمقدر أي: تفضلنا بذلك فضلا أي تفضلا اه.

قوله: الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ أي: لأنه خلاص عن المكاره و ظفر بالمطالب اه.

قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ‏ الباء للمصاحبة، و هذا فذلكة للسورة أي: إجمال لما فيها من التفصيل، و قد مرّ أنه من قول الحساب فذلك كذا فيكون تذكيرا أو شرحا لما مضى اه شهاب.

لأنه تعالى بعد ما أقسم بالكتاب المبين على أنه أنزله في ليلة مباركة و بيّن ما يقتضي إنزاله بأن شأنه إرسال الرسل مؤيدين بالكتب السماوية رحمة لعباده ببيان ما يسعدهم عما يشقيهم، ثم فصل ذلك و شرحه إلى آخر السورة، ثم أجمل ذلك بما معناه ذكر الكتاب المبين قومك، فإنا سهلنا عليك تلاوته‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 135

يَتَذَكَّرُونَ‏ (58) يتعظون فيؤمنون، لكنهم لا يؤمنون‏

فَارْتَقِبْ‏ انتظر هلاكهم‏ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ‏ (59) هلاكك، و هذا قبل نزول الأمر بجهادهم.

و تبليغه إليهم منزلا بلغتك و لغتهم اه زاده.

قوله: (لكنهم لا يؤمنون) دخول على قوله: فارتقب، و عبارة الخطيب: فإن لم يتعظوا و لم يؤمنوا به فارتقب الخ، انتهت.

قوله: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ‏ أشار الشارح إلى أن مفعول كل منهما محذوف اه كرخي.

قوله: (و هذا قبل نزول الأمر بجهادهم) أي: فهو منسوخ تأمل. هكذا قال بعضهم و ليس بصحيح، لأن رفع الإباحة الأصلية ليس نسخا إنما النسخ رفع حكم ثبت في الشرع بحكم آخر، كذلك فقول الشارح و هذا قبل الأمر أو قبل النهي لا يريد به النسخ لأن الشي‏ء قبل الأمر به أو النهي عنه ليس فيه حكم شرعي حتى يرفع بالنسخ فتأمل.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 136

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الجاثية مكية إلا قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و تسمى: الشريعة اه خازن.

قوله: (مكية) عبارة القرطبي: مكية في قول الحسن، و جابر، و عكرمة، و قال ابن عباس، و قتادة: إلا آية لِلَّذِينَ آمَنُوا إلى‏ أَيَّامَ اللَّهِ‏ نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. ذكره الماوردي، و قال المهدوي، و النحاس، عن ابن عباس: إنها نزلت في عمر رضي اللّه عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به فأنزل اللّه: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية ثم نسخت بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏ [التوبة: 5] فالسورة كلها مكية على هذا من غير استثناء اه.

قوله: (الآية) أي: إلى قوله: أَيَّامَ اللَّهِ‏ كما تقدم في عبارة القرطبي قوله: (أي في خلقهما) القرينة على تقدير هذا المضاف التصريح به في سورة البقرة في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [البقرة: 164] و أيضا التصريح به في المعطوف و هو قوله: وَ فِي خَلْقِكُمْ‏ و حاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة على ثلاث فواصل، الأولى: للمؤمنين. و الثانية: يوقنون. و الثالثة: يعقلون.

و وجه التغاير بينها أن المنصف من نفسه إذا نظر في السموات و الأرض و أنه لا بد لهما من صانع آمن، و إذا نظر في خلق نفسه و نحوها ازداد إيمانا فأيقن، و إذا نظر في سائر الحوادث عقل و استحكم علمه اه من الخطيب.

و في البيضاوي: و لعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة و الظهور اه.

فأظهرها السموات و الأرض، و النظر الصحيح فيها يفيد العلم بأنها مصنوعة لا بد لها من صانع فيؤدي إلى الإيمان باللّه و أدق منها خلق الإنسان و انتقاله من حال إلى حال، و خلق ما على الأرض من صنوف الحيوانات من حيث إن التفكر فيها و أحوالها يستلزم ملاحظة السموات و الأرض لكونها من أسباب تكون الحيوانات و انتظام أحوالهم، و لما كانت هذه الآية أدق بالنسبة إلى الأولى كان التفكر فيها مؤديا إلى مرتبة اليقين و أدق منها سائر الحوادث المتجددة في كل وقت من نزول المطر و حياة الأرض بعد موتها، و غير ذلك من حيث إن استقصاء النظر في أحوال هذه الحوادث يتوقف على ملاحظة

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 137

حم‏ (1) اللّه أعلم بمراده به‏

تَنْزِيلُ الْكِتابِ‏ القرآن مبتدأ مِنَ اللَّهِ‏ خبره‏ الْعَزِيزِ في ملكه‏ الْحَكِيمِ‏ (2) في صنعه‏

إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ أي في خلقهما لَآياتٍ‏ دالة على قدرة اللّه تعالى و وحدانيته‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (3)

وَ فِي خَلْقِكُمْ‏ أي في خلق كل منكم من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن صار إنسانا وَ خلق‏ ما يَبُثُ‏ يفرق في الأرض‏ مِنْ دابَّةٍ هي ما يدب على الأرض من الناس و غيرهم‏ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ (4) بالبعث‏

وَ في‏ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ ذهابهما و مجيئهما وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ‏ مطر لأنه سبب الرزق‏ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ‏ السموات و الأرض لكونها من أسباب هذه الحوادث و محالها، و على ملاحظة الحيوانات المبثوثة على الأرض من حيث إن تجدد هذه الحوادث إنما هو لانتظام أحوالها و تحقق أسباب معاشها، و لما كانت هذه أدق بالنسبة إلى الأوليين و كانت متجددة حينا فحينا بحيث تبعث على النظر و الاعتبار كلما تجددت كان النظر فيها مؤديا إلى استحكام العلم و قوة اليقين، و ذلك لا يكون إلا بالعقل الكامل، فظهر بهذا التقدير أن المراد بالمؤمنين و الموقنين و العاملين من يؤول حالهم إلى هذه الأوصاف اه زاده.

قوله: لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ بالنصب بالكسرة باتفاق القراء، لأنه اسم إن، و أما قوله: آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، و قوله: آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏ ففي كل منهما قراءتان سبعيتان الرفع و النصب بالكسرة. فأما الرفع فله و جهان، أحدهما: أن يكون في خلقكم خبرا مقدما، و آيات مبتدأ مؤخرا، و الجملة معطوفة على جملة إن في السموات الخ، فالمعطوف غير مؤكد و المعطوف عليه مؤكد بإن. الثاني: أن يكون آيات معطوفا على آيات الأولى باعتبار المحل قبل دخول الناسخ عند من يجوز ذلك. و أما النصب فمن وجهين أيضا، أحدهما: أن يكون آيات معطوفا على آيات الأول الذي هو اسم إن و قوله: و في خلقكم الخ معطوفا على خبر إن كأنه قيل: و إن في خلقكم و ما يبث من دابة آيات. و الثاني: أن يكون آيات كررت تأكيدا لآيات الأولى، و يكون و في خلقكم معطوفا على في السموات كرر معه حرف الجر توكيدا اه من السمين.

قوله: وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ فيه و جهان، أظهرهما: أنه معطوف على خلقكم المجرور بفي على تقدير مضاف كما قدره الشارح. الثاني: أنه معطوف على الضمير المخفوض بالخلق على مذهب من يجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار اه من السمين.

و صنيع الشارح محتمل لكل من الوجهين اه شيخنا.

قوله: (هي ما يدب) أي: يتحرك على الأرض.

قوله: وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أشار الشارح إلى أن قوله: و اختلاف الليل ليس مجرورا بواو العطف على إن في السموات، بل مجرور بفي المقدرة كما في قراءة عبد اللّه مصرحا بها و حسن حذفها تقدمها في قوله: و في خلقكم و هذا ما جرى عليه أبو حيان اه كرخي.

قوله: بَعْدَ مَوْتِها أي: بعد يبسها. قوله: (و باردة و حارة) لف و نشر مشوش، و ترك اثنين و هما الصبا و الدبور، لأن الرياح أربعة بحسب جهات الأفق اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 138

تقليبها مرة جنوبا و مرة شمالا و باردة و حارة آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏ (5) الدليل فيؤمنون‏

تِلْكَ‏ الآيات المذكورة آياتُ اللَّهِ‏ حججه الدالة على وحدانيته‏ نَتْلُوها نقصها عَلَيْكَ بِالْحَقِ‏ متعلق بنتلو فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ‏ أي حديثه و هو القرآن‏ وَ آياتِهِ‏ حججه‏ يُؤْمِنُونَ‏ (6) أي كفار مكة أي لا يؤمنون، و في قراءة بالتاء

وَيْلٌ‏ كلمة عذاب‏ لِكُلِّ أَفَّاكٍ‏ كذاب‏ أَثِيمٍ‏ (7) كثير الإثم‏

يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ‏ القرآن‏ تُتْلى‏ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ على كفره‏ مُسْتَكْبِراً متكبرا عن الإيمان‏ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ (8) مؤلم‏

وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا أي القرآن‏ شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أي مهزوءا بها أُولئِكَ‏ أي قوله: (الآيات المذكورة) و هي السموات و الأرض و ما بعدها، فلذلك قال حججه أي: دلائله، و يصح أن يراد بها الآيات القرآنية المذكورة من أول السورة كما أشار إليه في الكشاف اه كرخي.

قوله: نَتْلُوها عَلَيْكَ‏ الخ يجوز أن يكون خبرا لتلك، و آيات اللّه بدل أو عطف بيان، و يجوز أن يكون تلك آيات مبتدأ و خبرا و نتلوها حال. قال الزمخشري: و العامل فيها ما دل عليه تلك من معنى الإشارة اه سمين.

قوله: (متعلق بنتلو) أي: على أنه عامل فيه مع كونه حالا من الفاعل أو المفعول، و الباء للملابسة اه شيخنا.

قوله: (و هو القرآن) و سمي حديثا لقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ‏ [الزمر: 23].

قوله: (أي لا يؤمنون) أي: فالاستفهام إنكاري، و قوله: و في قراءة أي: سبعية بالتاء أي: مناسبة لقوله: و في خلقكم اه كرخي.

قوله: يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ‏ يجوز فيه أن يكون مستأنفا أي: هو يسمع أو من غير إضمار هو و أن يكون حالا من الضمير في أثيم، و أن يكون صفة و قوله: تتلى عليه حال من آيات اللّه، و قوله: ثم يصر الخ ثم للتراخي الرتبي عند العقل أي إصراره على الكفر بعد ما قررت له الأدلة المذكورة و سمعها مستبعد في العقول، و قوله: كأن لم يسمعها مستأنف أو حال اه سمين.

قوله: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي: كأنه فخفف و حذف ضمير الشأن، و الجملة في موضع الحال أي: يصر حال كونه مثل غير السامع اه بيضاوي.

قوله: فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ أي: على إصراره و البشارة على الأصل، فإنها بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في بشرة الوجه سرورا أو عبوسا أو على التهكم إن أريد المعنى المتعارف و هو الخبر السار اه كرخي.

قوله: وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً أي: إذا بلغه شي‏ء و علم أنه من آياتنا اه بيضاوي.

و في القرطبي: و إذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا نحو قوله في الزقوم: إنه الزبد و التمر، و قوله في خزنة جهنم: إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي اه.

قوله: اتَّخَذَها هُزُواً في الضمير المؤنث و جهان، أحدهما: أنه عائد على آياتنا يعني القرآن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 139

الأفاكون‏ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ (9) ذو إهانة

مِنْ وَرائِهِمْ‏ أي أمامهم لأنهم في الدنيا جَهَنَّمُ وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا من المال و الفعال‏ شَيْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي الأصنام‏ أَوْلِياءَ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ (10)

هذا أي القرآن‏ هُدىً‏ من الضلالة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ‏ حظ مِنْ رِجْزٍ أي عذاب‏ أَلِيمٌ‏ (11) موجع‏

* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ‏ السفن‏ فِيهِ بِأَمْرِهِ‏ بإذنه‏ وَ لِتَبْتَغُوا تطلبوا بالتجارة مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ (12)

وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ‏ من شمس و قمر و الثاني: أنه عائد على شيئا و إن كان مذكرا لأنه بمعنى الآية، و المعنى اتخذ ذلك الشي‏ء هزوا إلا أنه تعالى قال: اتخذها للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشي‏ء من الكلام، و علم أنه آية من جملة الآيات المنزلة على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات، و لم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد اه خطيب.

و في الكرخي: اتخذها هزوا الضمير لآياتنا و فائدة جعله له، مع أن الظاهر أن يجعل لشيئا الإشعار بأنه إذا سمع كلاما و علم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها و لم يقتصر على ما سمعه، و يجوز أن تكون فائدته الإشارة إلى أن اتخاذ واحدة منها هزوا اتخاذ للكل لما بينهما من التماثل اه.

قوله: (أي الأفاكون) فيه مراعاة معنى أفاك بعد مراعاة لفظه اه شيخنا.

قوله: (أي أمامهم) فالوراء مستعمل بمعنى الأمام، كما يستعمل بمعنى الخلف كما قدمه في سورة إبراهيم و غيرها، و هو مشترك بين المعنيين فيستعمل في الشي‏ء و ضده كالجون يستعمل في الأبيض و الأسود على سبيل الاشتراك اه شيخنا.

قوله: وَ لا يُغْنِي‏ أي: يدفع. قوله: وَ لا مَا اتَّخَذُوا عطف على ما كسبوا و ما فيهما إما مصدرية أو بمعنى الذي أي: لا يغني عنهم كسبهم و لا اتخاذهم أو الذي كسبوه، و لا الذي اتخذوه اه كرخي.

و الشارح جرى على الثاني حيث بين الأولى بقوله: من المال و الفعال، و الثانية بقوله الأصنام اه شيخنا.

قوله: (أي عذاب) تقدم أن الرجز أشد العذاب اه شيخنا.

قوله: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلله كالأخشاب و لا يمنع الغوص فيه اه بيضاوي.

و قوله: أملس السطح لأنه لو لم يكن أملس السطح أي: أجزاء متساوية لم يمكن جري الفلك عليه و يطغو بمعنى يرتفع و يعلو اه شهاب.

صفحه بعد