کتابخانه تفاسیر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 133
يقدر قبله الأمر وَ زَوَّجْناهُمْ من التزويج أو قرناهم بِحُورٍ عِينٍ (54) بنساء بيض واسعات الأعين حسانها
يَدْعُونَ يطلبون الخدم فِيها أي الجنة أن يأتوا بِكُلِّ فاكِهَةٍ منها قوله: (لدوران الأسرة) جمع سرير كأرغفة جمع رغيف اه شيخنا.
قوله: (يقدر قبله الأمر) أي: على أنه مبتدأ و الجملة اعتراضية جيء بها للتقرير، و قوله:
و زوجناهم معطوف على يلبسون اه شيخنا.
قوله: (من التزويج) أي: بالعقد و قوله: أو قرناهم أي: قرنا بينهم و بين الحور كالقران بين الزوجين في الدنيا، و استظهر بعضهم الثاني و ضعف الأول بأن العقد فائدته الحال و الجنة لا تكليف فيها اه شيخنا.
و الذي رأيناه في التفاسير الاقتصار على قوله أي: قرناهم بهن و لم نر من حكي الخلاف إلا الخازن و نصه: أي: قرناهم بهن ليس هو من عقد التزويج، و قيل: جعلناهم أزواجا لهن أي: جعلناهم اثنين اثنين اه.
فانظر قوله: أي: جعلناهم اثنين اثنين الصريح في أن المراد بالأزواج جمع زوج بمعنى الشفع ضد الوتر، و يمكن حمل كلام الشارح عليه بل هو متعين، فما قرره شيخنا كأنه فهمه بالعقل إذ لم نر له مستندا في النقل، و في القرطبي: و عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «مهور الحور العين قبضات التمر و فلق الخبز»، و عن أبي قرصافة سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين» و عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «كنس المساجد مهور الحور العين» ذكره الثعلبي رحمه اللّه تعالى، و اختلف أيهما أفضل في الجنة أنساء الآدميات أم الحور. و ذكر ابن المبارك قال: أخبرنا رشدين، عن ابن أنغم، عن حبان بن أبي جبلة قال: إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا، و روي مرفوعا: «أن الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف» و قيل:
إن الحور العين أفضل لقوله عليه الصلاة و السّلام: «فابدله زوجا خيرا من زوجه» و اللّه أعلم اه.
و قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الأحاديث مهور الحور العين الخ لا يدل على أن في الجنة عقد نكاح لجواز أن يراد بالمهور الأمور، و الأسباب التي توصل إلى نيل الحور العين.
قوله: عِينٍ جمع عيناء كحمراء على حد قوله: فعل لنحو أحمر و حمرا فعين أصله ضم العين بوزن فعل لكنها كسرت لتصح الياء، و كذا يقال في بيض اه شيخنا.
قوله: (بنساء بيض) تفسير للحور، و قوله: واسعات الأعين الخ تفسير لعين، و هذا على ما قاله القاضي من أن الحور البياض مطلقا، و جعل الزمخشري الحور بمعنى شدة بياض العين و شدة سوادها، و في القاموس: الحور بالتحريك أن يشتد بياض العين و يسود سوادها و تستدير حدقتها و ترق جفونها و يبيض ما حواليها اه كرخي.
قوله: يَدْعُونَ حال من الهاء في زوجناهم و مفعوله محذوف كما قدره اه شيخنا.
و قوله: لا يذوقون حال من الضمير في آمنين اه سمين.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 134
آمِنِينَ (55) من انقطاعها و مضرتها و من كل مخوف. حال
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى أي التي في الدنيا بعد حياتهم فيها قال بعضهم: إلا بمعنى بعد وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56)
فَضْلًا مصدر بمعنى تفضلا منصوب بتفضل مقدرا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ سهلنا القرآن بِلِسانِكَ بلغتك لتفهمه العرب منك لَعَلَّهُمْ قوله: (قال بعضهم) هو الطبري إلا بمعنى بعد، و بهذا يحصل الجواب عن السؤال المشهور كيف يصح الحمل على الاتصال، و الاستثناء المتصل هو المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلّا و أخواتها و الموتة الأولى غير داخلة في حكم الصدر ممنوعة الدخول فيه أي: كيف قال في صفة أهل الجنة ذلك مع أنهم يذوقوه فيها قطعا، و بعضهم جعله منقطعا أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها و هذا أحسن من الأول اه كرخي.
و في السمين: قوله: إلا الموتة الأولى فيه أوجه، أحدها: استثناء منقطع أي: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها. الثاني: أنه متصل و تأولوه بأمن المؤمن عند موته في الدنيا بمنزلته في الجنة لمعاينة ما يعطاه منها أو لما يتيقنه من نعيمها. الثالث: أن إلا بمعنى سوى نقله الطبري و ضعفه. قال ابن عطية: و ليس تضعيفه بصحيح، بل كونها بمعنى سوى مستقيم متسق. الرابع: أن إلا بمعنى بعد، و اختاره الطبري و أباه الجمهور، لأن مجيء إلا بمعنى بعد لم يثبت. و قال الزمخشري: فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها في الجنة. قلت: و هذا عند علماء البيان يسمى نفي الشيء بدليله، و قال ابن عطية: بعد ما قدمت حكايته عن الطبري: فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت، فإنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا يعني أنه كلام محمول على معناه اه.
قوله: (منصوب بتفضل) أي: على أنه مفعول مطلق اه شيخنا.
و في السمين: قوله: فضلا مفعول من أجله و هو مراد مكي حيث قال: مصدر عمل فيه يدعون، و قيل: العامل فيه و وقاهم، و قيل: آمنين، فهذا إنما يظهر على كونه مفعولا من أجله، على أنه يجوز أن يكون مصدرا لأن يدعون و ما بعده من باب التفضيل فهو مصدر ملاق لعامله في المعنى، و جعله أبو البقاء منصوبا بمقدر أي: تفضلنا بذلك فضلا أي تفضلا اه.
قوله: الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي: لأنه خلاص عن المكاره و ظفر بالمطالب اه.
قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ الباء للمصاحبة، و هذا فذلكة للسورة أي: إجمال لما فيها من التفصيل، و قد مرّ أنه من قول الحساب فذلك كذا فيكون تذكيرا أو شرحا لما مضى اه شهاب.
لأنه تعالى بعد ما أقسم بالكتاب المبين على أنه أنزله في ليلة مباركة و بيّن ما يقتضي إنزاله بأن شأنه إرسال الرسل مؤيدين بالكتب السماوية رحمة لعباده ببيان ما يسعدهم عما يشقيهم، ثم فصل ذلك و شرحه إلى آخر السورة، ثم أجمل ذلك بما معناه ذكر الكتاب المبين قومك، فإنا سهلنا عليك تلاوته
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 135
يَتَذَكَّرُونَ (58) يتعظون فيؤمنون، لكنهم لا يؤمنون
فَارْتَقِبْ انتظر هلاكهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) هلاكك، و هذا قبل نزول الأمر بجهادهم.
و تبليغه إليهم منزلا بلغتك و لغتهم اه زاده.
قوله: (لكنهم لا يؤمنون) دخول على قوله: فارتقب، و عبارة الخطيب: فإن لم يتعظوا و لم يؤمنوا به فارتقب الخ، انتهت.
قوله: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ أشار الشارح إلى أن مفعول كل منهما محذوف اه كرخي.
قوله: (و هذا قبل نزول الأمر بجهادهم) أي: فهو منسوخ تأمل. هكذا قال بعضهم و ليس بصحيح، لأن رفع الإباحة الأصلية ليس نسخا إنما النسخ رفع حكم ثبت في الشرع بحكم آخر، كذلك فقول الشارح و هذا قبل الأمر أو قبل النهي لا يريد به النسخ لأن الشيء قبل الأمر به أو النهي عنه ليس فيه حكم شرعي حتى يرفع بالنسخ فتأمل.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 136
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة الجاثية مكية إلا قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و تسمى: الشريعة اه خازن.
قوله: (مكية) عبارة القرطبي: مكية في قول الحسن، و جابر، و عكرمة، و قال ابن عباس، و قتادة: إلا آية لِلَّذِينَ آمَنُوا إلى أَيَّامَ اللَّهِ نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. ذكره الماوردي، و قال المهدوي، و النحاس، عن ابن عباس: إنها نزلت في عمر رضي اللّه عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به فأنزل اللّه: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية ثم نسخت بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5] فالسورة كلها مكية على هذا من غير استثناء اه.
قوله: (الآية) أي: إلى قوله: أَيَّامَ اللَّهِ كما تقدم في عبارة القرطبي قوله: (أي في خلقهما) القرينة على تقدير هذا المضاف التصريح به في سورة البقرة في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [البقرة: 164] و أيضا التصريح به في المعطوف و هو قوله: وَ فِي خَلْقِكُمْ و حاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة على ثلاث فواصل، الأولى: للمؤمنين. و الثانية: يوقنون. و الثالثة: يعقلون.
و وجه التغاير بينها أن المنصف من نفسه إذا نظر في السموات و الأرض و أنه لا بد لهما من صانع آمن، و إذا نظر في خلق نفسه و نحوها ازداد إيمانا فأيقن، و إذا نظر في سائر الحوادث عقل و استحكم علمه اه من الخطيب.
و في البيضاوي: و لعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة و الظهور اه.
فأظهرها السموات و الأرض، و النظر الصحيح فيها يفيد العلم بأنها مصنوعة لا بد لها من صانع فيؤدي إلى الإيمان باللّه و أدق منها خلق الإنسان و انتقاله من حال إلى حال، و خلق ما على الأرض من صنوف الحيوانات من حيث إن التفكر فيها و أحوالها يستلزم ملاحظة السموات و الأرض لكونها من أسباب تكون الحيوانات و انتظام أحوالهم، و لما كانت هذه الآية أدق بالنسبة إلى الأولى كان التفكر فيها مؤديا إلى مرتبة اليقين و أدق منها سائر الحوادث المتجددة في كل وقت من نزول المطر و حياة الأرض بعد موتها، و غير ذلك من حيث إن استقصاء النظر في أحوال هذه الحوادث يتوقف على ملاحظة
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 137
حم (1) اللّه أعلم بمراده به
تَنْزِيلُ الْكِتابِ القرآن مبتدأ مِنَ اللَّهِ خبره الْعَزِيزِ في ملكه الْحَكِيمِ (2) في صنعه
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي في خلقهما لَآياتٍ دالة على قدرة اللّه تعالى و وحدانيته لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
وَ فِي خَلْقِكُمْ أي في خلق كل منكم من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن صار إنسانا وَ خلق ما يَبُثُ يفرق في الأرض مِنْ دابَّةٍ هي ما يدب على الأرض من الناس و غيرهم آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) بالبعث
وَ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ ذهابهما و مجيئهما وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ مطر لأنه سبب الرزق فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ السموات و الأرض لكونها من أسباب هذه الحوادث و محالها، و على ملاحظة الحيوانات المبثوثة على الأرض من حيث إن تجدد هذه الحوادث إنما هو لانتظام أحوالها و تحقق أسباب معاشها، و لما كانت هذه أدق بالنسبة إلى الأوليين و كانت متجددة حينا فحينا بحيث تبعث على النظر و الاعتبار كلما تجددت كان النظر فيها مؤديا إلى استحكام العلم و قوة اليقين، و ذلك لا يكون إلا بالعقل الكامل، فظهر بهذا التقدير أن المراد بالمؤمنين و الموقنين و العاملين من يؤول حالهم إلى هذه الأوصاف اه زاده.
قوله: لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ بالنصب بالكسرة باتفاق القراء، لأنه اسم إن، و أما قوله: آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، و قوله: آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ففي كل منهما قراءتان سبعيتان الرفع و النصب بالكسرة. فأما الرفع فله و جهان، أحدهما: أن يكون في خلقكم خبرا مقدما، و آيات مبتدأ مؤخرا، و الجملة معطوفة على جملة إن في السموات الخ، فالمعطوف غير مؤكد و المعطوف عليه مؤكد بإن. الثاني: أن يكون آيات معطوفا على آيات الأولى باعتبار المحل قبل دخول الناسخ عند من يجوز ذلك. و أما النصب فمن وجهين أيضا، أحدهما: أن يكون آيات معطوفا على آيات الأول الذي هو اسم إن و قوله: و في خلقكم الخ معطوفا على خبر إن كأنه قيل: و إن في خلقكم و ما يبث من دابة آيات. و الثاني: أن يكون آيات كررت تأكيدا لآيات الأولى، و يكون و في خلقكم معطوفا على في السموات كرر معه حرف الجر توكيدا اه من السمين.
قوله: وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ فيه و جهان، أظهرهما: أنه معطوف على خلقكم المجرور بفي على تقدير مضاف كما قدره الشارح. الثاني: أنه معطوف على الضمير المخفوض بالخلق على مذهب من يجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار اه من السمين.
و صنيع الشارح محتمل لكل من الوجهين اه شيخنا.
قوله: (هي ما يدب) أي: يتحرك على الأرض.
قوله: وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أشار الشارح إلى أن قوله: و اختلاف الليل ليس مجرورا بواو العطف على إن في السموات، بل مجرور بفي المقدرة كما في قراءة عبد اللّه مصرحا بها و حسن حذفها تقدمها في قوله: و في خلقكم و هذا ما جرى عليه أبو حيان اه كرخي.
قوله: بَعْدَ مَوْتِها أي: بعد يبسها. قوله: (و باردة و حارة) لف و نشر مشوش، و ترك اثنين و هما الصبا و الدبور، لأن الرياح أربعة بحسب جهات الأفق اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 138
تقليبها مرة جنوبا و مرة شمالا و باردة و حارة آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) الدليل فيؤمنون
تِلْكَ الآيات المذكورة آياتُ اللَّهِ حججه الدالة على وحدانيته نَتْلُوها نقصها عَلَيْكَ بِالْحَقِ متعلق بنتلو فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ أي حديثه و هو القرآن وَ آياتِهِ حججه يُؤْمِنُونَ (6) أي كفار مكة أي لا يؤمنون، و في قراءة بالتاء
وَيْلٌ كلمة عذاب لِكُلِّ أَفَّاكٍ كذاب أَثِيمٍ (7) كثير الإثم
يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ القرآن تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ على كفره مُسْتَكْبِراً متكبرا عن الإيمان كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) مؤلم
وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا أي القرآن شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أي مهزوءا بها أُولئِكَ أي قوله: (الآيات المذكورة) و هي السموات و الأرض و ما بعدها، فلذلك قال حججه أي: دلائله، و يصح أن يراد بها الآيات القرآنية المذكورة من أول السورة كما أشار إليه في الكشاف اه كرخي.
قوله: نَتْلُوها عَلَيْكَ الخ يجوز أن يكون خبرا لتلك، و آيات اللّه بدل أو عطف بيان، و يجوز أن يكون تلك آيات مبتدأ و خبرا و نتلوها حال. قال الزمخشري: و العامل فيها ما دل عليه تلك من معنى الإشارة اه سمين.
قوله: (متعلق بنتلو) أي: على أنه عامل فيه مع كونه حالا من الفاعل أو المفعول، و الباء للملابسة اه شيخنا.
قوله: (و هو القرآن) و سمي حديثا لقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر: 23].
قوله: (أي لا يؤمنون) أي: فالاستفهام إنكاري، و قوله: و في قراءة أي: سبعية بالتاء أي: مناسبة لقوله: و في خلقكم اه كرخي.
قوله: يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ يجوز فيه أن يكون مستأنفا أي: هو يسمع أو من غير إضمار هو و أن يكون حالا من الضمير في أثيم، و أن يكون صفة و قوله: تتلى عليه حال من آيات اللّه، و قوله: ثم يصر الخ ثم للتراخي الرتبي عند العقل أي إصراره على الكفر بعد ما قررت له الأدلة المذكورة و سمعها مستبعد في العقول، و قوله: كأن لم يسمعها مستأنف أو حال اه سمين.
قوله: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي: كأنه فخفف و حذف ضمير الشأن، و الجملة في موضع الحال أي: يصر حال كونه مثل غير السامع اه بيضاوي.
قوله: فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي: على إصراره و البشارة على الأصل، فإنها بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في بشرة الوجه سرورا أو عبوسا أو على التهكم إن أريد المعنى المتعارف و هو الخبر السار اه كرخي.
قوله: وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً أي: إذا بلغه شيء و علم أنه من آياتنا اه بيضاوي.
و في القرطبي: و إذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا نحو قوله في الزقوم: إنه الزبد و التمر، و قوله في خزنة جهنم: إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي اه.
قوله: اتَّخَذَها هُزُواً في الضمير المؤنث و جهان، أحدهما: أنه عائد على آياتنا يعني القرآن.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 139
الأفاكون لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) ذو إهانة
مِنْ وَرائِهِمْ أي أمامهم لأنهم في الدنيا جَهَنَّمُ وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا من المال و الفعال شَيْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي الأصنام أَوْلِياءَ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10)
هذا أي القرآن هُدىً من الضلالة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ حظ مِنْ رِجْزٍ أي عذاب أَلِيمٌ (11) موجع
* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ السفن فِيهِ بِأَمْرِهِ بإذنه وَ لِتَبْتَغُوا تطلبوا بالتجارة مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ من شمس و قمر و الثاني: أنه عائد على شيئا و إن كان مذكرا لأنه بمعنى الآية، و المعنى اتخذ ذلك الشيء هزوا إلا أنه تعالى قال: اتخذها للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشيء من الكلام، و علم أنه آية من جملة الآيات المنزلة على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات، و لم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد اه خطيب.
و في الكرخي: اتخذها هزوا الضمير لآياتنا و فائدة جعله له، مع أن الظاهر أن يجعل لشيئا الإشعار بأنه إذا سمع كلاما و علم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها و لم يقتصر على ما سمعه، و يجوز أن تكون فائدته الإشارة إلى أن اتخاذ واحدة منها هزوا اتخاذ للكل لما بينهما من التماثل اه.
قوله: (أي الأفاكون) فيه مراعاة معنى أفاك بعد مراعاة لفظه اه شيخنا.
قوله: (أي أمامهم) فالوراء مستعمل بمعنى الأمام، كما يستعمل بمعنى الخلف كما قدمه في سورة إبراهيم و غيرها، و هو مشترك بين المعنيين فيستعمل في الشيء و ضده كالجون يستعمل في الأبيض و الأسود على سبيل الاشتراك اه شيخنا.
قوله: وَ لا يُغْنِي أي: يدفع. قوله: وَ لا مَا اتَّخَذُوا عطف على ما كسبوا و ما فيهما إما مصدرية أو بمعنى الذي أي: لا يغني عنهم كسبهم و لا اتخاذهم أو الذي كسبوه، و لا الذي اتخذوه اه كرخي.
و الشارح جرى على الثاني حيث بين الأولى بقوله: من المال و الفعال، و الثانية بقوله الأصنام اه شيخنا.
قوله: (أي عذاب) تقدم أن الرجز أشد العذاب اه شيخنا.
قوله: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلله كالأخشاب و لا يمنع الغوص فيه اه بيضاوي.
و قوله: أملس السطح لأنه لو لم يكن أملس السطح أي: أجزاء متساوية لم يمكن جري الفلك عليه و يطغو بمعنى يرتفع و يعلو اه شهاب.