کتابخانه تفاسیر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 167
طَيِّباتِكُمْ باشتغالكم بلذتكم فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ تمتعتم بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي الهوان بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ تتكبرون فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) به و تعذبون بها قوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ أي: أصبتموها و استوفيتموها فقوله: و استمتعتم بها عطف تفسير، و قول الشارح: باشتغالكم الخ الباء فيه للتصوير، فالاذهاب هو الاشتغال، و الطيبات هي المستلذات.
و عبارة الخطيب: و المعنى أن ما قدم لكم من الطيبات و الدرجات فقد استوفيتموه في الدنيا، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظوظكم في الدنيا شيء في الآخرة، انتهت.
و في القرطبي: و معنى أذهبتم طيباتكم أي: تمتعتم بالطيبات في الدنيا و اتبعتم الشهوات و اللذات يعني المعاصي، و قيل: أذهبتم طيباتكم أي أفنيتم شبابكم في الكفر و المعاصي. قال ابن بحر: الطيبات الشباب و القوة مأخوذة من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه و قوته قال الماوردي: و وجدت الضحاك قاله أيضا: قلت: القول الأول أظهر اه.
قوله: (بهمزة الخ) في كلامه أربع قراءات، فقوله: بهمزة أي: لما عدا ابن عامر، و ابن كثير من السبعة، و قوله: و بهمزتين أي: محققين من غير إدخال ألف بينهما لابن ذكوان. روى ابن عامر: و قوله و بهمزة و مدة في هذه العبارة نقص و حقها بهمزتين محققتين و مدّ بينهما أي: ألف لهشام راوي ابن عامر، و قوله: و بهما أي: بالهمزة و المدة، و تسهيل الثانية في قوة قوله: و بهمزتين ثانيتهما مسهلة و إدخال ألف بينهما و هذه أيضا لهشام، فقرأ هشام بالوجهين أي: تحقيق الثانية و تسهيلها مدخلا بينهما ألفا على الوجهين، و بقيت قراءة خامسة سبعية أيضا لم يذكرها الشارح و هي لابن كثير تسهيل الثانية من غير إدخال ألف اه شيخنا.
و في السمين: قوله: أذهبتم قرأ ابن كثير أذهبتم بهمزتين الأولى محققة و الثانية مسهلة بين بين، و لم يدخل بينهما ألفا و هذا على قاعدته في أأنذرتهم و نحوه، و ابن عامر قرأ أيضا بهمزتين، لكن اختلف راوياه عنه، فهشام سهل الثانية و حققها و أدخل ألفا في الوجهين و ليس على أصله فإنه من أهل التحقيق، و ابن ذكوان بالتحقيق فقط دون إدخال ألف، و الباقون بهمزة واحدة فيكون إما خبرا و إما استفهاما سقطت أداته للدلالة عليها و الاستفهام معناه التقريع و التوبيخ اه.
و حاصل الخمسة تحقيق الهمزتين و تسهيل الثانية مع إدخال ألف بينهما على الوجهين و تركه فهذه أربعة، و الخامسة الاقتصار على همزة واحدة تأمل.
قوله: (أي الهوان) أي: فهو من إضافة الموصوف لصفته اه شيخنا.
قوله: (به) متعلق بتستكبرون و تفسقون، و أشار بتقديره إلى أن ما موصولة و إن عائدها محذوف و غيره جعلها مصدرية و هو أحسن اه شيخنا.
و في الكرخي: قوله: تفسقون به أي: بسبب الاستكبار الباطل فما مصدرية، و الحاصل أنه تعالى علل ذلك العذاب بأمرين، أحدهما: الاستكبار و الترفع و هو ذنب القلب. و الثاني: الفسق و هو ذنب الجوارح، و قدم الأول على الثاني لأن أحوال القلب أعظم وقعا من أعمال الجوارح، و يمكن أن يكون المراد من الاستكبار أنهم يتكبرون عن قبول الدين الحق و يستكبرون عن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و المراد بالفسق المعاصي اه.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 168
* وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ هو هود عليه السّلام إِذْ الخ بدل اشتمال أَنْذَرَ قَوْمَهُ خوّفهم بِالْأَحْقافِ قوله: (و يعذبون بها) معطوف على يعرض الذين كفروا على النار عطف تفسير كما ذكره القاري فهو تفسير آخر غير الذي قدمه، و لو ذكره هناك لكان أحسن، و سيقتصر على هذا التفسير في قوله الآتي: وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ الخ اه شيخنا.
قوله: وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ هو هود بن عبد اللّه بن رباح عليه السّلام كان أخاهم في النسب لا في الدين إذ أنذر قومه بالأحقاف أي: اذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها، و قيل: أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به و يهون عليه تكذيب قومه له، و الأحقاف: ديار عاد و هي الرمال العظام في قول الخليل و غيره، و كانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم، و الأحقاف: جمع حقف و هو ما استطال من الرمل العظيم و أعوج و لم يبلغ أن يكون جبلا، و الجمع حقاف و أحقاف و أحقوقف الرمل و الهلال أي: أعوج، و قيل: الحقف جمع حقاف و الأحقاف جمع الجمع، و يقال: حقف و أحقف، و في المراد بالأحقاف هنا خلاف، فقال ابن زيد: هي رمال مشرفة على البحر مستطيلة كهيئة الجبال و لم تبلغ أن تكون جبالا و شاهد ما ذكرناه، و قال قتادة: هي جبال مشرفة بالشحر و الشحر قريب من عدن، و عنه أيضا ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر، و قال مجاهد: هي أرض حسمى تسمى بالأحقاف، و قال ابن عباس، و الضحاك: الأحقاف جبل بالشام، و عن ابن عباس أيضا: هو واد بين عمان و مهرة، و قال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع ياقل له مهرة، و إليه تنسب الإبل المهرية، فيقال: إبل مهرية و مهاري اه قرطبي.
و في القاموس: الشجر كمنع فتح الفم و ساحل البحر بين عمان و عدن و بكسر اه.
قوله: وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ الخ آخره هو قوله: حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [هود: 8] و قوله: بدل اشتمال أي: لأن أخا عاد و هو هود يلابس وقت إنذاره و ما وقع له معهم، فإذا ظرف للماضي بمعنى الوقت مضافة لما بعدها اه شيخنا.
قوله: بِالْأَحْقافِ ليس صلة لانذر كما قد يتوهم، بل هو حال من عاد أي: حال كونهم كائنين بالأحقاف أي: نازلين به أو صفة أي: أخا عاد الكائنين بالأحقاف: أي: الوادي المعلوم اه شيخنا.
و أما صلة أنذر فهي قوله الآتي: أن لا تعبدوا إلا اللّه كما سيأتي. قوله: (مضت الرسل) المضي بالنسبة لزمن محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، فهذا كلام مستقبل على سبيل الاعتراض كما قال الشارح، و حينئذ خوطب به محمد و أخبر به لبيان أن إنذار هود لعاد وقع مثله للرسل السابقين عليه و المتأخرين عنه، فأنذروا أممهم كما أنذر هود أمته فصح قوله: من بين يديه و من خلفه، و قوله: أي: من قبل هود الخ لف و نشر مرتب، فالذي قبله أربعة آدم و شيث و إدريس و نوح، و الذي بعده كصالح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و كذا سائر أنبياء بني إسرائيل، فلا يحتاج إلى تكلف في قوله الشارح و من بعده بأن يراد به من هم في زمانه كما قال بعضهم، لأنه لا يحتاج إليه إلا على إعراب جملة و قد خلت حالا، و الشارح جعلها اعتراضية فاستغنى عن التكلف اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 169
واد باليمن به منازلهم وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مضت الرسل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أي من قبل هود و من بعده إلى أقوامهم (أن) أي بأن قال أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ و جملة و قد خلت معترضة إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ إن عبدتم غير اللّه عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا لتصرفنا عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على عبادتها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) في أنه يأتينا
قالَ هود إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ هو الذي يعلم متى يأتيكم العذاب وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم وَ لكِنِّي و عبارة الكرخي: قوله: أي من قبل هود و من بعده أفاد به أن المراد من بين يديه من تقدمه و من خلفه من في زمانه، و معنى من خلفه أي: من بعد إنذاره و هو على تنزيل الآتي منزلة الماضي كما في قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ [الأعراف: 48] لكن فيه شائبة الجمع بين الحقيقة و المجاز في خلت، و يجوز أن يقال ذلك باعتبار الثبوت في علم اللّه تعالى أي: و قد خلت النذر في علم اللّه تعالى أي: و تحقق في علمه خلو الماضين منهم و الآتين اه.
قوله: (إلى أقوامهم) متعلق بمضت على سبيل التضمين أي: حال كونهم مرسلين إلى أقوامهم، و قوله: أي بأن قال أشار به إلى أن مصدرية أو مخففة من الثقيلة، و أن الباء مقدرة معها، و أن الباء للتصوير و التفسير أي: صورة إنذار أن قال لا تعبدوا الخ و لا ناهية، و قوله: معترضة أي: بين المفسر بفتح السين و هو إنذار و المفسر بكسرها و هو قوله: أن لا تعبدوا، و القصد بالاعتراض بها الإشارة إلى أن الإنذار لم يكن خاصا بهود عليه السّلام اه شيخنا.
و إنما كان هذا إنذارا لأن النهي عن الشيء إنذار و تخويف من مضرته اه بيضاوي.
فصح أن قوله أن لا تعبدوا مفسر للإنذار و متعلق به اه شهاب.
قوله: إِنِّي أَخافُ تعليل لقوله أن لا تعبدوا. قوله: عَظِيمٍ أي: هائل بسبب شرككم قاله القاضي، و فيه إشارة إلى أن عظيم مجاز عن هائل لأنه يلزم العظم، و يجوز أن يكون من قبيل الإسناد إلى الزمان مجازا و أن يكون الجر على الجوار اه كرخي.
قوله: قالُوا أَ جِئْتَنا الخ أي: قالوه جوابا لإنذاره اه شيخنا.
قوله: إِنَّمَا الْعِلْمُ أي: علم وقت إتيان العذاب كما أشار له لقوله متى يأتيكم اه شيخنا.
و في الكرخي: قوله: قال إنما العلم عند اللّه أي: لا علم لي بوقت عذابكم و لا مدخل لي فيه فاستعجل به، و فيما ذكر إشارة إلى أن نفي العلم عن نفسه و إثباته للّه تعالى على ما يدل عليه القصر كناية عن نفي مدخليته فيه و استقلال اللّه تعالى به بهذا يظهر مطابقة قوله: إنما العلم عند اللّه جوابا لقوله: فأتنا بما تعدنا فلا حاجة إلى ما ذكره الزمخشري، فإنه يجر إلى سد باب الدعاء اه.
قوله: وَ أُبَلِّغُكُمْ أي: و أما أنا فإنما وظيفتي التبليغ لا الإتيان بالعذاب إذ ليس من مقدرتي بل هو من مقدرات اللّه تعالى اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 170
أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) باستعجالكم العذاب
فَلَمَّا رَأَوْهُ أي ما هو العذاب عارِضاً سحابا عرض في أفق السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا أي ممطر إيانا، قال تعالى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ بدل من ما فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) مؤلم
فائدة:
قرأ أبو عمرو: و أبلغكم بسكون الباء الموحدة و تخفيف اللام، و الباقون بفتح الباء و تشديد اللام، و قرأ نافع، و البزي، و أبو عمرو بفتح الباء من لكني، و الباقون بسكونها، و أمال الألف بعد الراء ورش بين بين و أمالها أبو عمرو، و حمزة، و الكسائي محضة، و الباقون بالفتح اه خطيب.
قوله: (أي ما هو العذاب) أشار به إلى ضمير رأوه عائد على ما في قوله: ما تعدنا، و أجاز الزمخشري أن يكون مبهما و قد رفع أمره بقوله عارضا تمييزا كان أو حالا قال: و هذا الوجه أعرب و أفصح أي: لما فيه البيان بعد الإبهام، و الإيضاح بعد التعمية، و عدل الشيخ المصنف عنه بأن رد الضمير الذي يفسره ما بعده محصور في أبواب ليس هذا منها و هي رب و نعم و بئس، و لا أحد يقول أن الحال أو التمييز يفسران الضمير، و في كلام الشيخ المصنف دفع لما قيل كيف يجوز عوده إلى ما في ما تعد، و لا يصح أن يقال فلما رأوا تعدنا عارضا، و إيضاح ما ذكره أن المراد معنى ما تعدنا و هو العذاب اه كرخي.
قوله: (سحابا عرض الخ) قال في المختار: العارض السحاب يعرض في الأفق و منه قوله تعالى:
قوله: مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ أي: متوجها و سائرا إليها اه بيضاوي.
قوله: (أي ممطر إيانا) أي: يأتينا بالمطر و أشار بهذا إلى أن إضافة كل من مستقبل و ممطر لفظية فلم تفده التعريف، و لذلك وقع المضاف نعتا للنكرة و هي عارضا و عارض اه كرخي.
و في السمين: قوله: مستقبل أوديتهم صفة لعارضا و إضافته غير محضة، فمن ثم ساغ أن يكون نعتا للنكرة، و كذلك ممطرنا وقع نعتا لعارض اه.
قوله: (قال تعالى) بَلْ هُوَ الخ جعل القائل هو اللّه تعالى، و يحتمل أنه هود عليه السّلام بدليل القراءة الأخرى قال هود بل هو الخ كما في الكشاف و غيره، و يدل لهذا الوجه أن الخطاب فيما سبق بين هود و بينهم و لو قدر قال تعالى: بل هو ما استعجلتم به كما قدره الشيخ المصنف تبعا لما قاله محيي السنة لانفك النظم، لكن يؤيد هذا القول فاء التعقيب في قوله: فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم لأنه ليس ثمة قول، بل هو عبارة عن سرعة استئصالهم و حصول دمارهم من غير ريب، و على تقدير الزمخشري و غيره الفاء فصيحة أي: قال هود ذلك ثم أدركتهم الريح فأبادتهم، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، و لا ارتياب في أن ذلك القول أبلغ و أجرى على قوانين البلاغة و أنسب للفصاحة التنزيلية قاله القرطبي اه كرخي.
قوله: (بدل ما) أي: أو خبر مبتدأ محذوف أي: هي ريح، و قوله: فيها عذاب أليم الجملة صفة ريح و كذا قوله تدمر، أن يكون استئنافا بل هو أحسن اه كرخي.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 171
شَيْءٍ مرت عليه بِأَمْرِ رَبِّها بإرادته أي كل شيء أراد إهلاكه بها، فأهلكت رجالهم و نساءهم و صغارهم و أموالهم، بأن طارت بذلك بين السماء و الأرض و مزقته، و بقي هود و من آمن معه فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ كما جزيناهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) غيرهم
وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما في الذي إِنْ نافية أو زائدة مَكَّنَّاكُمْ يا أهل مكة فِيهِ من القوة و المال وَ جَعَلْنا قوله: (فأهلكت رجالهم الخ) قدر ليعطف عليه، و قوله فأصبحوا الخ فهو معطوف على هذا المقدر اه شيخنا.
روي أن هودا لما أحس بالريح أعتزل بالمؤمنين في الحظيرة، و جاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة فكانوا تحتها سبع ليال و ثمانية أيام، ثم كشفت عنهم الرمل و احتملتهم فقذفتهم في البحر اه بيضاوي.
و قوله: و جاءت الريح فرأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال و المواشي تطيرهم الريح بين السماء و الأرض، فدخلوا بيوتهم و أغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت الأبواب و صرعتهم، و أمالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال و ثمانية أيام لهم أنين، ثم أمر اللّه الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم و رمتهم في البحر اه زاده.
قوله: (و بقي هود و من آمن معه) و كانوا أربعة آلاف. و في الخازن: و قيل أن هودا عليه السّلام لما أحس بالريح خط عن نفسه و على من معه من المؤمنين خطا، فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة، و الريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة، و هذه معجزة عظيمة لهود عليه الصلاة و السّلام اه.
قوله: فَأَصْبَحُوا أي: صاروا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم اه بيضاوي.
يعني أن الخطاب له صلّى اللّه عليه و سلّم على الفرض و التقدير، و يجوز أن يكون عاما لكل من يصلح للخطاب اه شهاب.
و في الخازن: و المعنى لا ترى إلا آثار مساكنهم، لأن الريح لم تبق منها إلا الآثار و المساكن معطلة اه.
قوله: لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ قرأ حمزة، و عاصم لا يرى بضم الياء من تحت مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل، و الباقون من السبعة بفتح تاء الخطاب مساكنهم بالنصب مفعولا به، و الجحدري و الأعمش، و ابن أبي إسحاق، و السلمي، و أبو رجاء بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل اه سمين.
قوله: (كما جزيناهم) أي: عادا.
قوله: وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ أي: مكنا عادا و قوله: في الذي أشار به إلى أن ما موصولة فالمد فيها منفصل لأن إن كلمة أخرى اه شيخنا.
قوله: (نافية) أي: بمعنى ما النافية و لم يؤت بلفظ ما لئلا يجمع بين كلمتين بلفظ واحد، و قوله:
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 172
لَهُمْ سَمْعاً بمعنى أسماعا وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً قلوبا فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أي شيئا من الإغناء، و من زائدة إِذْ معمولة لأغنى و أشربت معنى التعليل كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ حججه البينة وَ حاقَ نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) أي العذاب
وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى أي من أهلها، كثمود و عاد و قوم لوط وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ كررنا الحجج البينات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)
فَلَوْ لا هلا نَصَرَهُمُ بدفع العذاب عنهم الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ و زائدة فيه شيء لأنها إذا كانت زائدة يكون المعنى مكناهم في مثل ما مكناكم فيه، فيلزم تفضيل تمكين قريش على تمكين عاد، لأن المشبه به أقوى في وجه الشبه غالبا، فالأحسن الوجه الأول، و المعنى عليه و لقد مكناهم في أمور عظيمة لم نمكنكم فيها، و هذا أبلغ في الإنذار و الموعظة اه كرخي.
و في السمين: قوله: فيما ان مكناكم فيه ما موصولة أو موصوفة، و في أن ثلاثة أوجه، شرطية و جوابها محذوف و الجملة الشرطية صلة ما، و التقدير في الذي إن مكناكم فيه طغيتم، و الثاني: أنها مزيدة تشبيها للموصولة بما النافية و التوقيتية، و الثالث: و هو الصحيح أنها نافية بمعنى مكناكم في الذي ما مكناكم فيه من القوة و البسطة، وسعة الأرزاق، و يدل له قوله في مواضع كانوا أشد منهم قوة و أمثاله، و إنما عدل عن لفظ ما النافية إلى كراهية لاجتماع متماثلي لفظ اه.
قوله: وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً الخ وحد السمع لأنه لا يدرك به إلا الصوت و ما يتبعه بخلاف البصر حيث يدرك به أشياء كثيرة بعضها بالواسطة، و الفؤاد يعم إدراكه كل شيء اه كرخي.
قوله: وَ أَفْئِدَةً أي: ليعرفوا تلك النعم و يستدلوا بها على مانحها و يواظبوا على شكرها اه كرخي.
قوله: مِنْ شَيْءٍ مفعول مطلق بزيادة من، فهو منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد، و أشار لهذا بقوله أي شيئا من الاغناء اه شيخنا.
قوله: (معمولة لأغنى) الاولى لنفي أغنى، فإن المعلل هو النفي أي: انتفى نفع هذه الحواس عنهم لأنهم يجحدون الخ اه شيخنا.
قوله: (و أشربت معنى التعليل) أشار في الكشاف إلى تحقيقه بأنه طرف أريد به التعليل كناية أو مجازا لاستواء مؤدى التعليل و الظرف في قوله: ضربته لاساءته و ضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في هذا الوقت لوجود الاساءة فيه، إلا أن إذ و حيث غلبتا ان دون سائر الظروف في ذلك حتى كاد يلحق بمعانيها الوضعية اه.
قوله: (ما حولكم) الخطاب لأهل مكة اه بيضاوي.
قوله: (الذين اتخذوا) الذين واقعة على الأصنام، فقوله: و هم الأصنام، تفسير لها، و الواو في اتخذوا عائدة على عبدة الاصنام اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 173
دُونِ اللَّهِ أي غيره قُرْباناً متقربا بهم إلى اللّه آلِهَةً معه و هم الأصنام، و مفعول اتخذ الأول ضمير محذوف يعود على الموصول أي هم و قربانا الثاني و آلهة بدل منه بَلْ ضَلُّوا غابوا عَنْهُمْ عند نزول العذاب وَ ذلِكَ أي اتخاذهم الأصنام آلهة قربانا إِفْكُهُمْ كذبهم وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) يكذبون، و ما مصدرية أو موصولة، و العائد محذوف أي فيه
وَ اذكر إِذْ صَرَفْنا أملنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ جن نصيبين باليمن أو جن نينوى، و كانوا سبعة أو تسعة، و كان قوله: (و مفعول اتخذوا الخ) عبارة السمين: قوله: قربانا آلهة فيه أوجه، أوجهها: أن المفعول الأول لاتخذوا محذوف هو عائد الموصول، و قربانا نصب على الحال، و آلهة هو المفعول الثاني للاتخاذ، و التقدير: فهلا نصرهم الذين اتخذوهم متقربا بهم آلهة. الثاني: أن المفعول الأول محذوف أيضا كما تقدم تقديره، و قربانا مفعول ثان، و آلهة بدل منه و إليه نحا ابن عطية و الحوفي و أبو البقاء.
الثالث: أن قربانا مفعول من أجله و عزاه الشيخ للحوفي. قلت: و إليه ذهب أبو البقاء أيضا، و على هذا فآلهة مفعول ثان، و الأول محذوف كما تقدم اه.
قوله: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ اضراب انتقالي عن نفي النصرة لما هو أخص منه إذ نفيها يصدق بحضورها عندهم بدون النصرة، فأفاد بالاضراب أنهم لم يحضروا بالكلية فضلا عن أن ينصروهم اه شيخنا.
قوله: إِفْكُهُمْ العامة على كسر الهمزة و سكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكا أي: كذبهم، و ابن عباس بالفتح و هو مصدر له أيضا، و عكرمة و الصباح بن العلاء أفكهم بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي:
صرفهم و أبو عياض و عكرمة أيضا كذلك إلا أنه بتشديد الفاء للتكثير، و ابن عباس أيضا آفكهم بالمد فعلا ماضيا أيضا، و هو محتمل لأن يكون بزنة فاعل فالهمزة أصلية، و أن يكون بزنة أفعل فالهمزة زائدة، و الثانية بدل من همزة، و ابن عباس أيضا آفكهم بالمد و كسر الفاء و رفع الكاف جعله اسم فاعل بمعنى صارفهم، و قرئ أفكهم بفتحتين و رفع الكاف على أنه مصدر لافك أيضا فيكون له ثلاثة مصادر: الإفك و الأفك بفتح الهمزة و كسرها مع سكون الفاء، و الأفك بفتح الهمزة و الفاء و زاد أبو البقاء أنه قرئ آفكهم بالمد و فتح الفاء و رفع الكاف قال: بمعنى أكذبهم فجعله أفعل تفضيل اه سمين.
قوله: (مصدرية) أي: و افتراؤهم، و هذا الاحتمال هو الأحسن ليعطف مصدر على مثله، و قوله:
أي فيه فحذف الجار أولا ثم اتصل الضمير ثم حذف فهو من حذف المنصوب، و لو قال أي يفترونه لكان أوضح اه شيخنا.