کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 167

طَيِّباتِكُمْ‏ باشتغالكم بلذتكم‏ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ‏ تمتعتم‏ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ‏ أي الهوان‏ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ‏ تتكبرون‏ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ‏ (20) به و تعذبون بها قوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ‏ أي: أصبتموها و استوفيتموها فقوله: و استمتعتم بها عطف تفسير، و قول الشارح: باشتغالكم الخ الباء فيه للتصوير، فالاذهاب هو الاشتغال، و الطيبات هي المستلذات.

و عبارة الخطيب: و المعنى أن ما قدم لكم من الطيبات و الدرجات فقد استوفيتموه في الدنيا، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظوظكم في الدنيا شي‏ء في الآخرة، انتهت.

و في القرطبي: و معنى أذهبتم طيباتكم أي: تمتعتم بالطيبات في الدنيا و اتبعتم الشهوات و اللذات يعني المعاصي، و قيل: أذهبتم طيباتكم أي أفنيتم شبابكم في الكفر و المعاصي. قال ابن بحر: الطيبات الشباب و القوة مأخوذة من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه و قوته قال الماوردي: و وجدت الضحاك قاله أيضا: قلت: القول الأول أظهر اه.

قوله: (بهمزة الخ) في كلامه أربع قراءات، فقوله: بهمزة أي: لما عدا ابن عامر، و ابن كثير من السبعة، و قوله: و بهمزتين أي: محققين من غير إدخال ألف بينهما لابن ذكوان. روى ابن عامر: و قوله و بهمزة و مدة في هذه العبارة نقص و حقها بهمزتين محققتين و مدّ بينهما أي: ألف لهشام راوي ابن عامر، و قوله: و بهما أي: بالهمزة و المدة، و تسهيل الثانية في قوة قوله: و بهمزتين ثانيتهما مسهلة و إدخال ألف بينهما و هذه أيضا لهشام، فقرأ هشام بالوجهين أي: تحقيق الثانية و تسهيلها مدخلا بينهما ألفا على الوجهين، و بقيت قراءة خامسة سبعية أيضا لم يذكرها الشارح و هي لابن كثير تسهيل الثانية من غير إدخال ألف اه شيخنا.

و في السمين: قوله: أذهبتم قرأ ابن كثير أذهبتم بهمزتين الأولى محققة و الثانية مسهلة بين بين، و لم يدخل بينهما ألفا و هذا على قاعدته في أأنذرتهم و نحوه، و ابن عامر قرأ أيضا بهمزتين، لكن اختلف راوياه عنه، فهشام سهل الثانية و حققها و أدخل ألفا في الوجهين و ليس على أصله فإنه من أهل التحقيق، و ابن ذكوان بالتحقيق فقط دون إدخال ألف، و الباقون بهمزة واحدة فيكون إما خبرا و إما استفهاما سقطت أداته للدلالة عليها و الاستفهام معناه التقريع و التوبيخ اه.

و حاصل الخمسة تحقيق الهمزتين و تسهيل الثانية مع إدخال ألف بينهما على الوجهين و تركه فهذه أربعة، و الخامسة الاقتصار على همزة واحدة تأمل.

قوله: (أي الهوان) أي: فهو من إضافة الموصوف لصفته اه شيخنا.

قوله: (به) متعلق بتستكبرون و تفسقون، و أشار بتقديره إلى أن ما موصولة و إن عائدها محذوف و غيره جعلها مصدرية و هو أحسن اه شيخنا.

و في الكرخي: قوله: تفسقون به أي: بسبب الاستكبار الباطل فما مصدرية، و الحاصل أنه تعالى علل ذلك العذاب بأمرين، أحدهما: الاستكبار و الترفع و هو ذنب القلب. و الثاني: الفسق و هو ذنب الجوارح، و قدم الأول على الثاني لأن أحوال القلب أعظم وقعا من أعمال الجوارح، و يمكن أن يكون المراد من الاستكبار أنهم يتكبرون عن قبول الدين الحق و يستكبرون عن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و المراد بالفسق المعاصي اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 168

* وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ هو هود عليه السّلام‏ إِذْ الخ بدل اشتمال‏ أَنْذَرَ قَوْمَهُ‏ خوّفهم‏ بِالْأَحْقافِ‏ قوله: (و يعذبون بها) معطوف على يعرض الذين كفروا على النار عطف تفسير كما ذكره القاري فهو تفسير آخر غير الذي قدمه، و لو ذكره هناك لكان أحسن، و سيقتصر على هذا التفسير في قوله الآتي: وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ الخ اه شيخنا.

قوله: وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ هو هود بن عبد اللّه بن رباح عليه السّلام كان أخاهم في النسب لا في الدين إذ أنذر قومه بالأحقاف أي: اذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها، و قيل: أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به و يهون عليه تكذيب قومه له، و الأحقاف: ديار عاد و هي الرمال العظام في قول الخليل و غيره، و كانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم، و الأحقاف: جمع حقف و هو ما استطال من الرمل العظيم و أعوج و لم يبلغ أن يكون جبلا، و الجمع حقاف و أحقاف و أحقوقف الرمل و الهلال أي: أعوج، و قيل: الحقف جمع حقاف و الأحقاف جمع الجمع، و يقال: حقف و أحقف، و في المراد بالأحقاف هنا خلاف، فقال ابن زيد: هي رمال مشرفة على البحر مستطيلة كهيئة الجبال و لم تبلغ أن تكون جبالا و شاهد ما ذكرناه، و قال قتادة: هي جبال مشرفة بالشحر و الشحر قريب من عدن، و عنه أيضا ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر، و قال مجاهد: هي أرض حسمى تسمى بالأحقاف، و قال ابن عباس، و الضحاك: الأحقاف جبل بالشام، و عن ابن عباس أيضا: هو واد بين عمان و مهرة، و قال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع ياقل له مهرة، و إليه تنسب الإبل المهرية، فيقال: إبل مهرية و مهاري اه قرطبي.

و في القاموس: الشجر كمنع فتح الفم و ساحل البحر بين عمان و عدن و بكسر اه.

قوله: وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ الخ آخره هو قوله: حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ [هود: 8] و قوله: بدل اشتمال أي: لأن أخا عاد و هو هود يلابس وقت إنذاره و ما وقع له معهم، فإذا ظرف للماضي بمعنى الوقت مضافة لما بعدها اه شيخنا.

قوله: بِالْأَحْقافِ‏ ليس صلة لانذر كما قد يتوهم، بل هو حال من عاد أي: حال كونهم كائنين بالأحقاف أي: نازلين به أو صفة أي: أخا عاد الكائنين بالأحقاف: أي: الوادي المعلوم اه شيخنا.

و أما صلة أنذر فهي قوله الآتي: أن لا تعبدوا إلا اللّه كما سيأتي. قوله: (مضت الرسل) المضي بالنسبة لزمن محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، فهذا كلام مستقبل على سبيل الاعتراض كما قال الشارح، و حينئذ خوطب به محمد و أخبر به لبيان أن إنذار هود لعاد وقع مثله للرسل السابقين عليه و المتأخرين عنه، فأنذروا أممهم كما أنذر هود أمته فصح قوله: من بين يديه و من خلفه، و قوله: أي: من قبل هود الخ لف و نشر مرتب، فالذي قبله أربعة آدم و شيث و إدريس و نوح، و الذي بعده كصالح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و كذا سائر أنبياء بني إسرائيل، فلا يحتاج إلى تكلف في قوله الشارح و من بعده بأن يراد به من هم في زمانه كما قال بعضهم، لأنه لا يحتاج إليه إلا على إعراب جملة و قد خلت حالا، و الشارح جعلها اعتراضية فاستغنى عن التكلف اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 169

واد باليمن به منازلهم‏ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مضت الرسل‏ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ‏ أي من قبل هود و من بعده إلى أقوامهم (أن) أي بأن قال‏ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏ و جملة و قد خلت معترضة إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ‏ إن عبدتم غير اللّه‏ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ (21)

قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا لتصرفنا عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على عبادتها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏ (22) في أنه يأتينا

قالَ‏ هود إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ‏ هو الذي يعلم متى يأتيكم العذاب‏ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ‏ إليكم‏ وَ لكِنِّي‏ و عبارة الكرخي: قوله: أي من قبل هود و من بعده أفاد به أن المراد من بين يديه من تقدمه و من خلفه من في زمانه، و معنى من خلفه أي: من بعد إنذاره و هو على تنزيل الآتي منزلة الماضي كما في قوله تعالى: وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ‏ [الأعراف: 48] لكن فيه شائبة الجمع بين الحقيقة و المجاز في خلت، و يجوز أن يقال ذلك باعتبار الثبوت في علم اللّه تعالى أي: و قد خلت النذر في علم اللّه تعالى أي: و تحقق في علمه خلو الماضين منهم و الآتين اه.

قوله: (إلى أقوامهم) متعلق بمضت على سبيل التضمين أي: حال كونهم مرسلين إلى أقوامهم، و قوله: أي بأن قال أشار به إلى أن مصدرية أو مخففة من الثقيلة، و أن الباء مقدرة معها، و أن الباء للتصوير و التفسير أي: صورة إنذار أن قال لا تعبدوا الخ و لا ناهية، و قوله: معترضة أي: بين المفسر بفتح السين و هو إنذار و المفسر بكسرها و هو قوله: أن لا تعبدوا، و القصد بالاعتراض بها الإشارة إلى أن الإنذار لم يكن خاصا بهود عليه السّلام اه شيخنا.

و إنما كان هذا إنذارا لأن النهي عن الشي‏ء إنذار و تخويف من مضرته اه بيضاوي.

فصح أن قوله أن لا تعبدوا مفسر للإنذار و متعلق به اه شهاب.

قوله: إِنِّي أَخافُ‏ تعليل لقوله أن لا تعبدوا. قوله: عَظِيمٍ‏ أي: هائل بسبب شرككم قاله القاضي، و فيه إشارة إلى أن عظيم مجاز عن هائل لأنه يلزم العظم، و يجوز أن يكون من قبيل الإسناد إلى الزمان مجازا و أن يكون الجر على الجوار اه كرخي.

قوله: قالُوا أَ جِئْتَنا الخ أي: قالوه جوابا لإنذاره اه شيخنا.

قوله: إِنَّمَا الْعِلْمُ‏ أي: علم وقت إتيان العذاب كما أشار له لقوله متى يأتيكم اه شيخنا.

و في الكرخي: قوله: قال إنما العلم عند اللّه أي: لا علم لي بوقت عذابكم و لا مدخل لي فيه فاستعجل به، و فيما ذكر إشارة إلى أن نفي العلم عن نفسه و إثباته للّه تعالى على ما يدل عليه القصر كناية عن نفي مدخليته فيه و استقلال اللّه تعالى به بهذا يظهر مطابقة قوله: إنما العلم عند اللّه جوابا لقوله: فأتنا بما تعدنا فلا حاجة إلى ما ذكره الزمخشري، فإنه يجر إلى سد باب الدعاء اه.

قوله: وَ أُبَلِّغُكُمْ‏ أي: و أما أنا فإنما وظيفتي التبليغ لا الإتيان بالعذاب إذ ليس من مقدرتي بل هو من مقدرات اللّه تعالى اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 170

أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ‏ (23) باستعجالكم العذاب‏

فَلَمَّا رَأَوْهُ‏ أي ما هو العذاب‏ عارِضاً سحابا عرض في أفق السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا أي ممطر إيانا، قال تعالى‏ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ‏ من العذاب‏ رِيحٌ‏ بدل من ما فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (24) مؤلم‏

تُدَمِّرُ تهلك‏ كُلَ‏

فائدة:

قرأ أبو عمرو: و أبلغكم بسكون الباء الموحدة و تخفيف اللام، و الباقون بفتح الباء و تشديد اللام، و قرأ نافع، و البزي، و أبو عمرو بفتح الباء من لكني، و الباقون بسكونها، و أمال الألف بعد الراء ورش بين بين و أمالها أبو عمرو، و حمزة، و الكسائي محضة، و الباقون بالفتح اه خطيب.

قوله: (أي ما هو العذاب) أشار به إلى ضمير رأوه عائد على ما في قوله: ما تعدنا، و أجاز الزمخشري أن يكون مبهما و قد رفع أمره بقوله عارضا تمييزا كان أو حالا قال: و هذا الوجه أعرب و أفصح أي: لما فيه البيان بعد الإبهام، و الإيضاح بعد التعمية، و عدل الشيخ المصنف عنه بأن رد الضمير الذي يفسره ما بعده محصور في أبواب ليس هذا منها و هي رب و نعم و بئس، و لا أحد يقول أن الحال أو التمييز يفسران الضمير، و في كلام الشيخ المصنف دفع لما قيل كيف يجوز عوده إلى ما في ما تعد، و لا يصح أن يقال فلما رأوا تعدنا عارضا، و إيضاح ما ذكره أن المراد معنى ما تعدنا و هو العذاب اه كرخي.

قوله: (سحابا عرض الخ) قال في المختار: العارض السحاب يعرض في الأفق و منه قوله تعالى:

هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا اه.

قوله: مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ‏ أي: متوجها و سائرا إليها اه بيضاوي.

قوله: (أي ممطر إيانا) أي: يأتينا بالمطر و أشار بهذا إلى أن إضافة كل من مستقبل و ممطر لفظية فلم تفده التعريف، و لذلك وقع المضاف نعتا للنكرة و هي عارضا و عارض اه كرخي.

و في السمين: قوله: مستقبل أوديتهم صفة لعارضا و إضافته غير محضة، فمن ثم ساغ أن يكون نعتا للنكرة، و كذلك ممطرنا وقع نعتا لعارض اه.

قوله: (قال تعالى) بَلْ هُوَ الخ جعل القائل هو اللّه تعالى، و يحتمل أنه هود عليه السّلام بدليل القراءة الأخرى قال هود بل هو الخ كما في الكشاف و غيره، و يدل لهذا الوجه أن الخطاب فيما سبق بين هود و بينهم و لو قدر قال تعالى: بل هو ما استعجلتم به كما قدره الشيخ المصنف تبعا لما قاله محيي السنة لانفك النظم، لكن يؤيد هذا القول فاء التعقيب في قوله: فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم لأنه ليس ثمة قول، بل هو عبارة عن سرعة استئصالهم و حصول دمارهم من غير ريب، و على تقدير الزمخشري و غيره الفاء فصيحة أي: قال هود ذلك ثم أدركتهم الريح فأبادتهم، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، و لا ارتياب في أن ذلك القول أبلغ و أجرى على قوانين البلاغة و أنسب للفصاحة التنزيلية قاله القرطبي اه كرخي.

قوله: (بدل ما) أي: أو خبر مبتدأ محذوف أي: هي ريح، و قوله: فيها عذاب أليم الجملة صفة ريح و كذا قوله تدمر، أن يكون استئنافا بل هو أحسن اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 171

شَيْ‏ءٍ مرت عليه‏ بِأَمْرِ رَبِّها بإرادته أي كل شي‏ء أراد إهلاكه بها، فأهلكت رجالهم و نساءهم و صغارهم و أموالهم، بأن طارت بذلك بين السماء و الأرض و مزقته، و بقي هود و من آمن معه‏ فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ‏ كما جزيناهم‏ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ‏ (25) غيرهم‏

وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما في الذي‏ إِنْ‏ نافية أو زائدة مَكَّنَّاكُمْ‏ يا أهل مكة فِيهِ‏ من القوة و المال‏ وَ جَعَلْنا قوله: (فأهلكت رجالهم الخ) قدر ليعطف عليه، و قوله فأصبحوا الخ فهو معطوف على هذا المقدر اه شيخنا.

روي أن هودا لما أحس بالريح أعتزل بالمؤمنين في الحظيرة، و جاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة فكانوا تحتها سبع ليال و ثمانية أيام، ثم كشفت عنهم الرمل و احتملتهم فقذفتهم في البحر اه بيضاوي.

و قوله: و جاءت الريح فرأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال و المواشي تطيرهم الريح بين السماء و الأرض، فدخلوا بيوتهم و أغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت الأبواب و صرعتهم، و أمالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال و ثمانية أيام لهم أنين، ثم أمر اللّه الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم و رمتهم في البحر اه زاده.

قوله: (و بقي هود و من آمن معه) و كانوا أربعة آلاف. و في الخازن: و قيل أن هودا عليه السّلام لما أحس بالريح خط عن نفسه و على من معه من المؤمنين خطا، فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة، و الريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة، و هذه معجزة عظيمة لهود عليه الصلاة و السّلام اه.

قوله: فَأَصْبَحُوا أي: صاروا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم اه بيضاوي.

يعني أن الخطاب له صلّى اللّه عليه و سلّم على الفرض و التقدير، و يجوز أن يكون عاما لكل من يصلح للخطاب اه شهاب.

و في الخازن: و المعنى لا ترى إلا آثار مساكنهم، لأن الريح لم تبق منها إلا الآثار و المساكن معطلة اه.

قوله: لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ‏ قرأ حمزة، و عاصم لا يرى بضم الياء من تحت مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل، و الباقون من السبعة بفتح تاء الخطاب مساكنهم بالنصب مفعولا به، و الجحدري و الأعمش، و ابن أبي إسحاق، و السلمي، و أبو رجاء بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل اه سمين.

قوله: (كما جزيناهم) أي: عادا.

قوله: وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ‏ أي: مكنا عادا و قوله: في الذي أشار به إلى أن ما موصولة فالمد فيها منفصل لأن إن كلمة أخرى اه شيخنا.

قوله: (نافية) أي: بمعنى ما النافية و لم يؤت بلفظ ما لئلا يجمع بين كلمتين بلفظ واحد، و قوله:

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 172

لَهُمْ سَمْعاً بمعنى أسماعا وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً قلوبا فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ أي شيئا من الإغناء، و من زائدة إِذْ معمولة لأغنى و أشربت معنى التعليل‏ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏ حججه البينة وَ حاقَ‏ نزل‏ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ (26) أي العذاب‏

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى‏ أي من أهلها، كثمود و عاد و قوم لوط وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ‏ كررنا الحجج البينات‏ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ (27)

فَلَوْ لا هلا نَصَرَهُمُ‏ بدفع العذاب عنهم‏ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ‏ و زائدة فيه شي‏ء لأنها إذا كانت زائدة يكون المعنى مكناهم في مثل ما مكناكم فيه، فيلزم تفضيل تمكين قريش على تمكين عاد، لأن المشبه به أقوى في وجه الشبه غالبا، فالأحسن الوجه الأول، و المعنى عليه و لقد مكناهم في أمور عظيمة لم نمكنكم فيها، و هذا أبلغ في الإنذار و الموعظة اه كرخي.

و في السمين: قوله: فيما ان مكناكم فيه ما موصولة أو موصوفة، و في أن ثلاثة أوجه، شرطية و جوابها محذوف و الجملة الشرطية صلة ما، و التقدير في الذي إن مكناكم فيه طغيتم، و الثاني: أنها مزيدة تشبيها للموصولة بما النافية و التوقيتية، و الثالث: و هو الصحيح أنها نافية بمعنى مكناكم في الذي ما مكناكم فيه من القوة و البسطة، وسعة الأرزاق، و يدل له قوله في مواضع كانوا أشد منهم قوة و أمثاله، و إنما عدل عن لفظ ما النافية إلى كراهية لاجتماع متماثلي لفظ اه.

قوله: وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً الخ وحد السمع لأنه لا يدرك به إلا الصوت و ما يتبعه بخلاف البصر حيث يدرك به أشياء كثيرة بعضها بالواسطة، و الفؤاد يعم إدراكه كل شي‏ء اه كرخي.

قوله: وَ أَفْئِدَةً أي: ليعرفوا تلك النعم و يستدلوا بها على مانحها و يواظبوا على شكرها اه كرخي.

قوله: مِنْ شَيْ‏ءٍ مفعول مطلق بزيادة من، فهو منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد، و أشار لهذا بقوله أي شيئا من الاغناء اه شيخنا.

قوله: (معمولة لأغنى) الاولى لنفي أغنى، فإن المعلل هو النفي أي: انتفى نفع هذه الحواس عنهم لأنهم يجحدون الخ اه شيخنا.

قوله: (و أشربت معنى التعليل) أشار في الكشاف إلى تحقيقه بأنه طرف أريد به التعليل كناية أو مجازا لاستواء مؤدى التعليل و الظرف في قوله: ضربته لاساءته و ضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في هذا الوقت لوجود الاساءة فيه، إلا أن إذ و حيث غلبتا ان دون سائر الظروف في ذلك حتى كاد يلحق بمعانيها الوضعية اه.

قوله: (ما حولكم) الخطاب لأهل مكة اه بيضاوي.

قوله: (الذين اتخذوا) الذين واقعة على الأصنام، فقوله: و هم الأصنام، تفسير لها، و الواو في اتخذوا عائدة على عبدة الاصنام اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 173

دُونِ اللَّهِ‏ أي غيره‏ قُرْباناً متقربا بهم إلى اللّه‏ آلِهَةً معه و هم الأصنام، و مفعول اتخذ الأول ضمير محذوف يعود على الموصول أي هم و قربانا الثاني و آلهة بدل منه‏ بَلْ ضَلُّوا غابوا عَنْهُمْ‏ عند نزول العذاب‏ وَ ذلِكَ‏ أي اتخاذهم الأصنام آلهة قربانا إِفْكُهُمْ‏ كذبهم‏ وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ (28) يكذبون، و ما مصدرية أو موصولة، و العائد محذوف أي فيه‏

وَ اذكر إِذْ صَرَفْنا أملنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ‏ جن نصيبين باليمن أو جن نينوى، و كانوا سبعة أو تسعة، و كان قوله: (و مفعول اتخذوا الخ) عبارة السمين: قوله: قربانا آلهة فيه أوجه، أوجهها: أن المفعول الأول لاتخذوا محذوف هو عائد الموصول، و قربانا نصب على الحال، و آلهة هو المفعول الثاني للاتخاذ، و التقدير: فهلا نصرهم الذين اتخذوهم متقربا بهم آلهة. الثاني: أن المفعول الأول محذوف أيضا كما تقدم تقديره، و قربانا مفعول ثان، و آلهة بدل منه و إليه نحا ابن عطية و الحوفي و أبو البقاء.

الثالث: أن قربانا مفعول من أجله و عزاه الشيخ للحوفي. قلت: و إليه ذهب أبو البقاء أيضا، و على هذا فآلهة مفعول ثان، و الأول محذوف كما تقدم اه.

قوله: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ‏ اضراب انتقالي عن نفي النصرة لما هو أخص منه إذ نفيها يصدق بحضورها عندهم بدون النصرة، فأفاد بالاضراب أنهم لم يحضروا بالكلية فضلا عن أن ينصروهم اه شيخنا.

قوله: إِفْكُهُمْ‏ العامة على كسر الهمزة و سكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكا أي: كذبهم، و ابن عباس بالفتح و هو مصدر له أيضا، و عكرمة و الصباح بن العلاء أفكهم بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي:

صرفهم و أبو عياض و عكرمة أيضا كذلك إلا أنه بتشديد الفاء للتكثير، و ابن عباس أيضا آفكهم بالمد فعلا ماضيا أيضا، و هو محتمل لأن يكون بزنة فاعل فالهمزة أصلية، و أن يكون بزنة أفعل فالهمزة زائدة، و الثانية بدل من همزة، و ابن عباس أيضا آفكهم بالمد و كسر الفاء و رفع الكاف جعله اسم فاعل بمعنى صارفهم، و قرئ أفكهم بفتحتين و رفع الكاف على أنه مصدر لافك أيضا فيكون له ثلاثة مصادر: الإفك و الأفك بفتح الهمزة و كسرها مع سكون الفاء، و الأفك بفتح الهمزة و الفاء و زاد أبو البقاء أنه قرئ آفكهم بالمد و فتح الفاء و رفع الكاف قال: بمعنى أكذبهم فجعله أفعل تفضيل اه سمين.

قوله: (مصدرية) أي: و افتراؤهم، و هذا الاحتمال هو الأحسن ليعطف مصدر على مثله، و قوله:

أي فيه فحذف الجار أولا ثم اتصل الضمير ثم حذف فهو من حذف المنصوب، و لو قال أي يفترونه لكان أوضح اه شيخنا.

صفحه بعد