کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 177

البعث‏ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ‏ لم يعجز عنه‏ بِقادِرٍ خبر أن، و زيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أ ليس اللّه بقادر عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏ بَلى‏ هو قادر على إحياء الموتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (33)

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ بأن يعذبوا بها يقال لهم‏ أَ لَيْسَ هذا التعذيب‏ بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ (34)

فَاصْبِرْ على أذى قومك‏ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ‏ ذوو الثبات و الصبر على الشدائد مِنَ الرُّسُلِ‏ قبلك فتكون ذا عزم، و من للبيان، فكلهم ذوو عزم، و قيل للتبعيض فليس منهم آدم لقوله تعالى: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً و لا قوله: وَ لَمْ يَعْيَ‏ مجزوم بحذف الألف، و قوله: لم يعجز الأظهر لم يتعب و لم ينصب كما ذكره غيره اه شيخنا.

و في البيضاوي: و المعنى أن قدرته واجبة لا تنقص و لا تنقطع بالإيجاد أبد الآباد اه.

فعدم العي و التعب مجاز عن عدم الانقطاع و النقص اه شهاب.

قوله: (و زيدت الباء فيه الخ) جواب عما يقال إنها لا تزاد إلا في النفي و أن للاثبات و خبرها مثبت و محصل الجواب أنها في خبر ليس تأويلا اه شيخنا.

قوله: بَلى‏ جواب للنفي بابطاله فهي تبطل النفي، و تقرر نقيضة بخلاف نعم فإنها تقرر النفي نفسه اه شيخنا.

قوله: إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ تعليل لما أفادته بلى من تعليل الخاص بالعام اه شيخنا.

قوله: وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا الخ لما أثبت البعث ذكر بعض ما يحصل في يومه من الأهوال، فقال: و يوم يعرض الخ اه خطيب.

قوله: (يقال لهم الخ) هذا المقدر هو الناصب اليوم على الظرفية و هو مستأنف اه شيخنا.

قوله: وَ رَبِّنا الواو للقسم، و اكدوا جوابهم به كأنهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقية ما هم فيه اه أبو السعود.

قوله: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ الباء سببية و ما مصدرية أي بسبب كفركم اه.

قوله: فَاصْبِرْ الخ لما قرر تعالى المطالب الثلاثة و هي التوحيد و النبوة و المعاد، و أجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ و النصحية لنبيه، و ذلك لأن الكفار كانوا يؤذونه فقال فاصبر الخ. قال القشيري: الصبر الوثوق بحكم اللّه و الثبات من غير بث و لا استكراه اه خطيب.

و قوله: فاصبر جواب شرط مقدر أي إذا كان عاقبة أمر الكفار ما ذكر فاصبر على أذاهم و هذا تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم اه شيخنا.

قوله: (فكلهم ذوو عزم) أي: صبر على الشدائد، و عبارة الخازن: قال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم لم يبعث اللّه عز و جل نبيا إلا كان ذا عزم و حزم و رأي و كمال و عقل اه.

و قوله: و قيل للتبعيض أي: إن أولي العزم بعض مطلق الرسل، بالبعض ما عدا آدم و يونس بدليل قوله فليس منهم آدم الخ اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 178

و الذي في كلامه أشار إلى قولين في تفسير أولي العزم و بقي أقوال أخر تعلم من القرطبي و نصه:

فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل. قال ابن عباس: ذوو العزم و الصبر، قال مجاهد: و هم خمسة:

نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد عليهم الصلاة و السّلام و هم أصحاب الشرائع، و قد ذكرهم اللّه على التخصيص و التعيين في قوله: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏ [الأحزاب: 7] و في قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ‏ [الشورى: 13] الآية. و قال أبو العالية: إن أولي العزم نوحا و هود و إبراهيم فأمر اللّه عز و جل نبيه عليه الصلاة و السّلام أن يكون رابعهم، و قال السدي: هم ستة إبراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى و محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين، و قيل: نوح و هود و صالح و شعيب و لوط و موسى و هم المذكورون على النسق في سورة الأعراف و الشعراء، و قال مقاتل: هم ستة نوح صبر على أذى قومه مدة، و إبراهيم صبر على النار، و إسحاق صبر على الذبح، و يعقوب صبر على فقد الولد و ذهاب البصر، و يوسف صبر على البئر و السجن، و أيوب صبر على الضر، و قال ابن جريج: إن منهم إسماعيل و يعقوب و أيوب و ليس منهم يونس و لا سليمان و لا آدم، و قال الشعبي، و الكلبي، و مجاهد ايضا الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاثرة و جاهدوا الكفرة، و قيل: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ثمانية عشر إبراهيم و إسحاق و يعقوب و نوح و داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون و يحيى و عيسى و إلياس و إسماعيل و اليسع و يونس و لوط و اختاره الحسين بن الفضل لقوله في الآية عقبه‏ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ‏ [الأنعام: 90] ثم قال ابن عباس ايضا: كل الرسل أولو العزم، و اختاره علي بن مهدي الطبري قال: و إنما دخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما تقول:

اشتريت أردية من البز و أكسية من الخز أي: اصبر كما صبر الرسل، و قيل: كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى، ألا ترى أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن أن يكون مثله لخفة و عجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه فابتلاه اللّه بثلاث، سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله و ماله، و سلط الذئب على ولده فأكله، و سلط عليه الحوت فابتلعه قاله أبو القاسم الحكيم. و قال بعض العلماء: أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم، فأوحى اللّه تعالى إلى الأنبياء إني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل فشق ذلك على المرسلين، فأوحى اللّه إليهم اختاروا لأنفسكم إن شئتم أنزلت بكم العذاب و أنجيت بني إسرائيل، و إن شئتم نجيتم و أنزلت العذاب ببني إسرائيل، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب و ينجي اللّه بني إسرائيل، فأنجى اللّه بني إسرائيل و أنزل العذاب بأولئك الرسل، و ذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض، فمنهم من نشر بالمناشر، و منهم من سلخ جلدة رأسه و وجهه، و منهم من صلب على الخشب حتى مات و منهم من أحرق بالنار و اللّه أعلم. و قال الحسن:

أولو العزم أربعة إبراهيم و موسى و داود و عيسى فأما إبراهيم فقيل له: أسلم قال: أسلمت لرب العالمين ثم ابتلي في ماله و ولده و وطنه و نفسه فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به و أما موسى فعزمه حين قال له قومه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ‏ و أما داود فأخطأ خطيئة فنبه عليها فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة فقعد تحت ظلها، و أما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنه على لبنة

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 179

يونس لقوله تعالى: وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ‏ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ‏ لقومك نزول العذاب بهم، قيل: كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم، فأمر بالصبر و ترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل بهم لا محالة كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ‏ من العذاب في الآخرة لطوله‏ لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا في ظنهم‏ إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ هذا القرآن‏ بَلاغٌ‏ تبليغ من اللّه إليكم‏ فَهَلْ‏ أي لا يُهْلَكُ‏ عند رؤية العذاب‏ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ‏ (35) أي الكافرون.

و قال إنها معبرة فاعبروها و لا تعمروها، فكأن اللّه تعالى يقول لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: اصبر إن كنت صادقا فيما ابتليت به مثل صبر إبراهيم، واثقا بنفس مولاك مثل موسى، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود، زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى. ثم قيل: في منسوخة بآية السيف محكمة و الأظهر أنها منسوخة لأن السورة مكية، و ذكر مقاتل ان هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم أحد فأمره اللّه أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل تسهيلا عليه و تثبيتا و اللّه أعلم اه بحروفه.

قوله: (و لم نجد له عزما) أي صبرا. قوله: (كصاحب الحوت) أي: في القلق و الاستعجال.

قوله: وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ‏ أي: لأجلهم فاللام للتعليل و المفعول محذوف كما قدره اه شيخنا.

قوله: (قيل كأنه ضجر الخ) كذا في كثير من النسخ بلفظ كأنه و صوابه حذفها كما عبر غيره، فقال: قيل أنه ضجر الخ.

قوله: (فإنه نازل بهم) أي: و لو في الآخرة اه.

قوله: يَوْمَ يَرَوْنَ‏ ظرف معمول للنفي المفاد بلم. قوله: (لطوله) تعليل لقوله: لم يلبثوا مقدم عليه، و قوله: و لم يلبثوا خبر كأن. قوله: بَلاغٌ‏ العامة على رفعه و فيه جهان، أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف فقدره بعضهم تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله: إلا ساعة من نهار، و قيل: تقديره هذا أي القرآن و الشرع بلاغ. و الثاني: أنه مبتدأ و الخبر قوله لهم الواقع بعد قوله: و لا تستعجل أي: لهم بلاغ فيوقف على و لا تستعجل و هو ضعيف جدا للفصل بالجملة التشبيهية، و لأن الظاهر تعليق لهم بالاستعجال. و قرأ زيد بن علي، و الحسن و عيسى بلاغا نصبا على المصدر أي بلغ بلاغا، و يؤيده قراءة أبي مجلز بلغ أمرا، و قرئ أيضا بلغ فعلا ماضيا، و يؤخذ من كلام مكي أنه يجوز نصبه نعتا لساعة، فإنه قال: و لو قرئ بلاغا بالنصب على المصدر أو على النعت لساعة جاز، قلت: قد قرئ به و كأنه لم يطلع على ذلك، و قرأ الحسن أيضا بلاغ بالجر، و خرج على أنه وصف لنهار على حذف مضاف أي من نهار و ذوي بلاغ أو وصف الزمان بالبلاغ مبالغة اه سمين.

قوله: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ‏ هذا تطميع في صفة فضل اللّه. قال الزجاج: لا يهلك مع فضل اللّه و رحمته إلا القوم الفاسقون، و لهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة اللّه أقوى من هذه الآية اه خطيب.

و العامة على بناء يهلك للمفعول، و ابن محيصن يهلك بفتح الياء و كسر اللام مبنيا للفاعل، و عنه‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 180

أيضا فتح اللام و هي لغة و الماضي هلك بالكسر. قال ابن جني: و هي مرغوب عنها، و زيد بن ثابت بضم الياء و كسر اللام و الفاعل اللّه تعالى: القوم الفاسقين نصبا على المفعول به و نهلك بالنون و نصب القوم اه سمين.

خاتمة:

قال ابن عباس: إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين و الكلمتين في صحفة ثم تغسل و تسقى منها و هي: بسم اللّه الرحمن الرحيم لا إله إلا اللّه العظيم الحليم الكريم سبحان اللّه رب السموات و رب الأرض و رب العرش العظيم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ الآية صدق اللّه العظيم و اللّه أعلم اه قرطبي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 181

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة محمد مدنية إلا وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية

الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة وَ صَدُّوا غيرهم‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ أي الإيمان‏ أَضَلَ‏ أحبط بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و تسمى: سورة محمد، و سورة الذين كفروا اه خطيب.

قوله: (مدنية) قال ابن عباس: هذه السورة مدنية إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج من مكة، و جعل ينظر إلى البيت و هو يبكي حزنا على فراقه و هي: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [محمد: 13 و الطلاق: 8] الآية اه أبو حيان.

و هو مبني على أن المكي ما نزل بمكة و لو بعد الهجرة، و المشهور أن المكي ما نزل قبل الهجرة، و المدني ما نزل بعدها و لو في مكة، فعليه تكون هذه الآية مدنية اه شيخنا.

و هذا كله مبني على هذا النقل الذي نقله أبو حيان هنا، و نقله القرطبي أيضا هنا، و هو أنها نزلت لما خرج من مكة بعد حجة الوداع، و الذي نقله الخازن و الخطيب و غيرهما بل و القرطبي أيضا فيما سيأتي عند تفسير هذه الآية أنها نزلت بما خرج من مكة إلى الغار مهاجرا، و النقل الثاني هو الصحيح لأنه هو الذي يناسبه التوعد بقوله: و كأين قرية الخ، و أما على النقل الأول فلا يظهر هذا الوعيد لأنه في حجة الوداع فارقها مختارا بعد ما صارت دار إسلام، و أسلم جميع أهلها و بدئ فتحها في السنة الثامنة فليتأمل.

قوله: (أو مكية) كان هذا القول ينظر لأغلبها و أعظمها، و إلّا فقوله تعالى يما يأتي: وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ [محمد: 20] إلى آخر السورة إنما يظهر كونه مدنيا، لأن القتال لم يشرع إلا بها، و كذلك النفاق لم يظهر إلا فيها فتأمل. قوله: (و هي ثمان أو تسع الخ) و قيل: هي أربعون آية، و الخلاف في قوله: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [محمد: 4] و قوله: لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ‏ [الصافات:

46 و محمد: 15] اه شهاب.

قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا مبتدأ، و قوله: أضل أعمالهم خبره: قال بعضهم. أول هذه السورة متعلق بآخر سورة الأحقاف المتقدمة كأن قائلا قال: كيف يهلك القوم الفاسقون و لهم أعمال بر صالحة كإطعام الطعام و نحوه من الأعمال، و اللّه لا يضيع لعامل عمله و لو كان مثقال حبة من خير، فاخبر بأن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 182

أَعْمالَهُمْ‏ (1) كإطعام الطعام و صلة الأرحام، فلا يرون لها في الآخرة ثوابا، و يجزون بها في الدنيا من فضله تعالى:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أي الأنصار و غيرهم‏ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ أي القرآن‏ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ‏ غفر لهم‏ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ‏ (2) أي حالهم فلا يعصونه:

ذلِكَ‏ أي إضلال الأعمال و تكفير السيئات‏ بِأَنَ‏ بسبب أن‏ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ‏ الشيطان‏ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَ‏ القرآن‏ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ‏ أي مثل ذلك البيان‏ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ‏ (3) الفاسقين الذين كفروا و صدوا عن سبيل اللّه. أضل أعمالهم يعني أبطلها لأنها لم تكن للّه و لا بأمره، إنما فعلوه من عند أنفسهم ليقال عنهم ذلك، و لهذا السبب أبطلها اللّه تعالى اه خازن.

قوله: (و يجزون بها) أي: عليها في الدنيا كأن يعوضوا عنها زيادة مال أو ولد أو غير ذلك اه شيخنا.

قوله: بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ العامة على بناء نزل للمفعول مشددا و زيد بن علي، و ابن مقسم نزل مبنيا للفاعل و هو اللّه و الأعمش أنزل بهمزة التعدية مبنيا للمفعول، و قرئ نزل ثلاثيا مبنيا للفاعل اه سمين.

قوله: (أي القرآن) أشار به إلى أن العطف من عطف الخاص على العام، و في البيضاوي: و آمنوا بما نزل على محمد تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيما له و إشعارا بأن الإيمان لا يتم دونه، و أنه الأصل فيه، و لذلك أكده بقوله: و هو الحق من ربهم الخ اه.

و قوله تخصيص للمنزل عليه يعني: أنه من عطف الخاص على العام المقدر بناء على أن قوله:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا معناه آمنوا بجميع ما يجب الإيمان به بناء على حذف المفعول للتعميم مع الاختصار، و لا شك أن الإيمان بالقرآن المنزل على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم من جملة أفراد ما يجب الإيمان به اه زاده.

قوله: وَ هُوَ الْحَقُ‏ جملة اعتراضية و حقيقته بكونه ناسخا لا ينسخ اه بيضاوي.

قوله: وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ‏ قال مجاهد و غيره: أي شأنهم و قال قتادة حالهم، و قال ابن عباس.

أمورهم و الثلاثة متقاربة، و حكى النقاش: أن المعنى أصلح نياتهم و البال كالمصدر و لا يعرف منه فعل، و لا تجمعه العرب إلا في ضرورة الشعر، و قد يكون البال بمعنى القلب يقال: ما يخطر فلان على بالي أي: على قلبي، و قال الجوهري: و البال أيضا رخاء العيش يقال: فلان رخي البال أي: رخي العيش، و البال: الحوت العظيم من حيتان البحر و ليس بعربي اه قرطبي.

و التبالة بالتاء القارورة و الجراب و وعاء الطيب و موضع بالحجاز اه قاموس.

و في البيضاوي: و أصلح بالهم أي: حالهم في الدين و الدنيا بالتوفيق و التأييد اه.

قوله: ذلِكَ‏ مبتدأ و قوله: بأن الذين الخ خبر. قوله: (الشيطان) و قيل: الباطل الكفر و الحق الإيمان التوحيد اه قرطبي.

قوله: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ‏ الضمير راجع للفريقين كما أشار له بقوله كالكافر الخ اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 183

يبين أحوالهم، أي فالكافر يحبط عمله، و المؤمن يغفر زلله:

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ‏ مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم، و عبر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ‏ أكثرتم فيهم القتل‏ فَشُدُّوا أي فأمسكوا عنهم و أسروهم و شدّوا الْوَثاقَ‏ ما يوثق به الأسرى‏ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ مصدر بدل من اللفظ بفعله، و في السمين: قوله: كذلك يضرب اللّه الخ خرجه الزمخشري على مثل ذلك الضرب يضرب اللّه للناس أمثالهم، و الضمير راجع إلى الفريقين أو إلى الناس على معنى أنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا اه.

قوله: (أي مثل ذلك البيان) أشار به إلى جواب كيف قال تعالى: كذلك يضرب اللّه للناس أمثالهم و لم يسبق ضرب مثل، و معنى ضرب المثل استعمال القول السائر المشبه مضربه بمورده و أين ذلك ههنا، و إيضاحه: أن معناه كذلك يبين اللّه للناس أحوال الكافرين بإحباط أعمالهم لكفرهم و غفر ذنوب المؤمنين لإيمانهم الناشئ عنه التوبة و قبول الأعمال اه كرخي.

و عبارة زاده: قوله: يبين أحوالهم إشارة إلى أن المراد بالمثل ههنا الحالة العجيبة تشبيها لها بالقول السائر الذي شبه مضربه بمورده في الغرابة المؤدية إلى التعجب، و المشار إليه بقوله: كذلك هو معنى ما ذكر من أول السورة إلى قوله: و أصلح بالهم اه.

قوله: فَإِذا لَقِيتُمُ‏ الخ العامل في هذا الظرف فعل مقدر هو العامل في ضرب الرقاب تقديره:

فاضربوا الرقاب وقت ملاقاتكم العدو، و منع أبو البقاء أن يكون المصدر نفسه عاملا قال: لأنه مؤكد، و هذا أحد القولين في المصدر النائب عن الفعل نحو: ضربا زيدا هل العلم منسوب إليه أو إلى عامله اه سمين.

و الفاء لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها، فإن ضلال أعمال الكفرة و خيبتهم و صلاح أحوال المؤمنين و فلاحهم مما يوجب أن يترتب على كل من الجانبين ما يليق من الأحكام أي: فإذا كان الأمر كما ذكر فإذا لقيتم في المحاربة الخ اه أبو السعود.

و عبارة الخطيب: و لما بين أن الذين كفروا أضل أعمالهم و إن اعتبار الإنسان بالعمل و من لا عمل له فهو همج إعدامه خير من وجوه تسبب عنه قوله: فإذا لقيتم الخ، انتهت.

قوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ‏ الخ أشار به إلى أن ضرب مصدر نائب عن فعل الأمر، إذ أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل و أقيم المصدر مقامه مضافا إلى المفعول، و فيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد، و ضرب الرقاب عبارة عن القتل مطلقا لا أن الواجب ضرب الرقبة خاصة، لأن هذا لا يكاد يتأتى حالة الحرب، و إنما يتأتى القتل في أي موضع كان من الأعضاء و هو الأكثر و الغالب اه كرخي.

قوله: (بدل من اللفظ) أي: التلفظ بفعله. قوله: (أي اقتلوهم) أي: بأي طريق أمكنكم اه.

صفحه بعد