کتابخانه تفاسیر
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 252
أي لم يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ إلى الآن لكنه يتوقع منكم وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بالإيمان و غيره لا يَلِتْكُمْ بالهمز و تركه و بإبداله ألفا لا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ أي من ثوابها شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للمؤمنين رَحِيمٌ (14) بهم
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي الصادقون في إيمانهم كما صرح به بعد الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا لم يشكوا في الإيمان وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قوله: (إلى الآن) أخذه من لما لأن نفيها يختص بالحال، و قوله: لكنه يتوقع منكم أخذه منها أيضا، لأن منفيها متوقع الحصول و قد آمنوا كلهم أو بعضهم اه شيخنا.
و يؤخذ منه جواب ما قيل في قله: وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ بعد قوله: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا شبه التكرار من غير استقلال بفائدة متجددة، و إيضاح الجواب ليس كذلك، فإن فائدة قوله: لم تؤمنوا نكذيب لدعواهم، و قوله: لما يدخل الإيمان في قلوبكم توقيت لما أمروا به أن يقولوه كأنه قيل لهم:
و لكن قولوا أسلمنا حتى تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قولوا، و ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، و حاصل الجواب: أنه تكرار لكنه مستقل بفائدة زائدة، لأنه علم من الأول نفي الإيمان عنهم، و في الثاني نفيه مع توقع حصوله اه كرخي.
قوله: (بالهمز) هي قراءة أبي عمرو من ألته يألته بالفتح في الماضي، و بالكسر و الضم في المضارع، و قوله: و تركه من لاته يليته كباعه يبيعه و هي قراءة ما عدا أبا عمرو و السوسي، فحذفت منه عين الكلمة و هي الياء فصار بوزن يفلكم، و قيل: هو من ولته يلته كوعده يعده فحذفت منه الفاء التي هي الواو فصار وزنه يعلكم، و قوله: و بابداله أي الهمز ألفا و هي قراءة السوسي اه من السمين بتصرف.
و في الخطيب: قرأ الدوري عن أبي عمرو بعد الياء التحتية بهمزة ساكنة و أبدلها السوسي ألفا، و قرأ الباقون بغير همز و لا ألف اه.
له: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ مبتدأ، و قوله: الَّذِينَ آمَنُوا الخ خبره.
قوله: (كما صرح به) أي: بهذا الوصف في قوله بعد: أولئك هم الصادقون اه شيخنا.
قوله: ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أتي بثم التي للتراخي للإشارة إلى أن نفي الريب عنهم ليس وقت حصول الإيمان فيهم و انشائه فقط، بل هو مستمر به بعد ذلك فيما يتطاول من الأزمنة اه شيخنا.
فكأنه قال: ثم داموا على ذلك. قوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: في طاعته و المجاهدة بالأموال و الأنفس، فشمل العبادات المالية و البدنية بأسرها اه بيضاوي.
يعني أنه ليس المراد بسبيل اللّه الغزو بخصوصه بل ما يعم الطاعات كلها لأنها في سبيله و جهته، و لذا قال أي في طاعته و المجاهدة الخ. فالمجاهدة بالأموال عبارة عن العبادات المالية كالزكاة، و قدم الأموال لحرص الإنسان عليها، فإن ماله شقيق روحه، و جاهدوا: بمعنى بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي: العدو أو النفس و الهوى اه شهاب.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 253
فجهادهم يظهر صدق إيمانهم أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) في إيمانهم لا من قالوا آمنا و لم يوجد منهم غير الإسلام
قُلْ لهم أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ مضعف علم بمعنى شعر أي أتشعرونه بما أنتم عليه في قولكم آمنا وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا من غير قتال بخلاف غيرهم ممن أسلم بعد قتاله منهم قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ منصوب بنزع الخافض الباء و يقدر قبل أن في الموضعين بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ قوله: (فجهادهم يظهر صدق إيمانهم) يؤخذ منه جواب سؤال، و هو أن العمل ليس من الإيمان، فكيف ذكر أنه منه في هذه الآية؟ و إيضاحه؛ أن المراد منها الإيمان الكامل أي: إنما المؤمنون إيمانا كاملا كما في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: 28] و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «المسلم من سلم الناس من يده و لسانه» اه كرخي.
قوله: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فيه إشارة إلى أنه تعريض بكذب الأعراب في ادعائهم الإيمان، و أنه يفيد الحصر أي: هم الصادقون لا هؤلاء، و إيمانهم إيمان صدق انتهى شهاب.
و في الخازن: فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون و عرف اللّه منهم غير ذلك، فأنزل اللّه: قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ الآية اه.
قوله: (و لم يوجد منهم غير الإسلام) أي: الاستسلام. قوله: (بمعنى شعر) و هو بهذا المعنى يتعدى لواحد فقط و بواسطة التضعيف كما هنا يتعدى لاثنين، أولهما بنفسه، و الثاني بحرف الجر اه شيخنا.
و هذا يرجع في المعنى إلى قولهم علم بمعنى عرف ينصب مفعولا واحدا، فمعنى شعر عرف و تشعرون تعرفون. قوله: (أي أتشعرونه) أي: أتعلمونه أي: أتخبرونه بقولكم أمنا اه بيضاوي.
قوله: وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ الخ الواو للحال.
قوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ الخ المن تعداد النعم على المنعم عليه و هو مذموم من الخلق ممدوح من اللّه تعالى كما قال: بل اللّه يمن عليكم الخ اه شيخنا.
و عبارة البيضاوي: يمنون عليك أن أسلموا يعدون إسلامهم عليك منّة و هي النعمة التي لا يستثيب موليها فمن بذلها إليه من المن بمعنى القطع، لأن المقصود بها قطع حاجة، انتهى.
قوله: (من غير قتال) أي: من غير قتالهم للنبي و المسلمين حيث قالوا: قد جئناك يا رسول اللّه بالأطفال و العيال و الذراري و لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا اه.
قوله: (و يقدر) أي: الخافض الذي هو الباء فهو مقدر هنا في ثلاثة مواضع، و قوله: في الموضعين هما أن أسلموا و أن هداكم، فإن حذفه يكثر و يطرد مع أن و أن، و قال أبو حيان: أن أسلموا في موضع المفعول و لهذا عدى إليه في قوله: قل لا تمنوا علي إسلامكم اه كرخي.
قوله: أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ أي: على حسب زعمكم، فكأنه يقول: إذا سلم لكم أنكم آمنتم
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 254
لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) في قولكم آمنا
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي ما غاب فيهما وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) بالياء و التاء لا يخفى عليه شيء منه.
فإيمانكم و وصولكم له منّة من اللّه عليكم اه شيخنا.
قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي: فهو المان عليكم اه كرخي.
قوله: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي: لا يخفى عليه شيء في السموات و الأرض، فكيف يخفى عليه حالكم، بل يعلم سركم و علانيتكم اه خازن.
قوله: (بالياء) أي لابن كثير نظرا لقوله: يمنون و ما بعده، و قوله: و التاء بالخطاب للباقين نظرا إلى قوله: لا تمنوا علي الخ اه سمين.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 255
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة ق مكية إلا وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ الآية فمدنية و هي خمس و أربعون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: (مكية) أي: كلها على أحد الأقوال. قوله: (إلا و لقد خلقنا السموات و الأرض) أي: على القول الآخر، فلو قال: أو إلا و لقد خلقنا السموات و الأرض لكان موفيا بذكر الخلاف، و عبارة القرطبي: مكية كلها في قول الحسن و عكرمة و عطاء و جابر، و قال ابن عباس، و قتادة: إلا آية و هي قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] و في صحيح مسلم، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس، و عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سأل أبا وافد الليثي ما كان يقرأ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الأضحى و الفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بقاف و القرآن المجيد و اقتربت الساعة و انشق القمر، و عن جابر بن سمرة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في النحر بقاف و القرآن المجيد، و كانت صلاته بعد تخفيفا، و قرأ العامة ق بالجزم. و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق و نصر بن عاصم قاف بكسر الفاء، لأن الكسر أخو الجزم، فلما سكن آخره حركوه بحركة الخفض، و قرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء لأنها أخف الحركات، و قرأ هارون و محمد بن السميقع قاف بضم الفاء، لأنه في غالب الأمر حركة البناء نحو منذ و قط و قبل و بعد. و اختلف في معنى ق ما هو؟ فقال يزيد، و عكرمة، و الضحاك؟ هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء اخضرت السماء منه و عليه طرفا السماء و السماء عليه مقبية، و ما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل، و رواه أبو الجوزاء، عن عبد اللّه بن عباس و قال وهب:
أشرف ذو القرنين على جبل ق فرأى تحته جبالا صغارا فقال له: ما أنت؟ قال: أنا ق. قال: فما هذه الجبال حولك؟ قال: هي عروقي و ما من مدينة إلا و فيها عرق من عروقي، فإذا أراد اللّه أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزل تلك الأرض، فقال له: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة اللّه. قال: إن شأن ربنا لعظيم و إن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج بعضها يحطم بعضا لو لا هي لاحترقت من حرجهم، فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض، و اللّه أعلم بموضعها و أين هي من الأرض، ثم قال: إن جبريل عليه السّلام واقف بين يدي اللّه ترعد فرائصه يخلق اللّه من كل رعدة مائة ألف ملك، فهؤلاء الملائكة واقفون بين يدي اللّه منكسون رؤوسهم، فإذا أذن اللّه لهم في
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 256
ق اللّه أعلم بمراده به وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) الكريم ما آمن كفار مكة بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ رسول من أنفسهم يخوّفهم بالنار بعد البعث فَقالَ الْكافِرُونَ هذا الإنذار شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
أَ إِذا بتحقيق الهمزتين، و تسهيل الثانية، و إدخال ألف بينهما على الوجهين الكلام قالوا لا إله إلا اللّه و هو قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً [النبأ: 38] يعني قول لا إله إلا اللّه، و قال الزجاج: معنى قوله ق أي قضي الأمر كما قيل في حم أي حم الأمر، و قال ابن عباس: اسم من أسماء اللّه تعالى أقسم به، و عنه أيضا: أنه اسم من أسماء القرآن و هو قول قتادة، و قال القرطبي: افتتاح أسماء اللّه عز و جل قادر و قاهر و قريب و قاض و قابض، و قال الشعبي: فاتحة السورة، و قال أبو بكر الوراق: معناه قف عند أمرنا و نهينا و لا تعدهما، و قال الانطاكي: هو قرب اللّه من عباده بيانه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد، و قال ابن عطاء: أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم حيث حمل الخطاب و لم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله اه.
قوله: (الكريم) أي على اللّه الكثير الخير، فكل من طلب منه مقصودا وجده فيه، و يغني كل من لاذبه و إغناء المحتاج غاية الكرم أو وصف القرآن بالمجيد، لأنه ذو المجد على أن يكون للنسب كلابن و تامر، ثم إن وصف القرآن بالمجيد و هو حال المتكلم به مجاز في الإسناد أو لأنه من علم معانيه و امتثل أحكامه مجد، فعلى هذا يكون مثل بنى الأمير المدينة في الإسناد إلى السبب اه كرخي.
قوله: (ما آمن من كفار مكة الخ) أشار بذلك إلى أن جواب القسم محذوف و قدره بما ذكر أخذا مما بعده أو لقد أرسلنا محمدا بدليل قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ و قيل: هو قد علمنا و حذفت اللام لطول الكلام، أو هو قوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق: 18] لأن ما قبلها عوض منها كما قال: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها [الشمس: 1] إلى قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس: 9] و قد فيه للتحقيق بمعنى أن الفعل بعدها محقق الوقوع اه كرخي.
قوله: بَلْ عَجِبُوا اضراب عن جواب القسم المحذوف لبيان حالهم الزائدة في الشناعة على عدم الإيمان اه أبو السعود.
و قوله: أَنْ جاءَهُمْ أي: من أن جاءهم، و قوله: مُنْذِرٌ مِنْهُمْ أي: لا من الملائكة اه.
قوله: فَقالَ الْكافِرُونَ الخ حكاية لتعجبهم و الفاء للتفصيل كما في قوله: وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ [هود: 45] و إضمار ذكرهم ثم اظهاره للإشعار بتعنتهم في هذا المقال ثم التسجيل على كفرهم بهذا المقال اه كرخي.
قوله: هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ العجيب الأمر الذي يتعجب منه، و كذلك العجاب بالضم و العجاب بالتشديد أكثر منه و كذلك الأعجوبة، و قال قتادة: عجبهم أن دعوا إلى إله واحد، و قيل: من انذارهم بالبعث و النشور و الذي نص عليه القرآن أولى اه قرطبي.
قوله: أَ إِذا مِتْنا الخ تقرير للتعجب و تأكيد للإنكار، و العامل في أئذا مضمر غني عن البيان مع دلالة ما بعده عليه أي: أحين نموت و نصير ترابا نرجع اه أبو السعود.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 257
مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً نرجع ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) في غاية البعد
قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ تأكل مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) هو اللوح المحفوظ، فيه جميع الأشياء المقدرة
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ بالقرآن لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ في شأن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) مضطرب قالوا مرّة ساحر و سحر، و مرّة شاعر و شعر، و مرّة كاهن و كهانة
أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا بعيونهم، معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث إِلَى السَّماءِ كائنة فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها بلا عمد وَ زَيَّنَّاها بالكواكب وَ ما لَها مِنْ و هذا كما قدره الشارح بقوله: نرجع اه شيخنا.
قوله: (و إدخال ألف بينهما) أي: و ترك الإدخال أيضا على الوجهين، فالقراءات أربعة لا اثنتان كما توهمه عبارته و كلها سبعية اه شيخنا.
قوله: بَعِيدٌ أي: عن الوهم أو العادة أو الإمكان اه كرخي.
قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ رد لاستبعادهم و إزاحة له، فإن من عمّ علمه و لطفه حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى و تأكل من لحومهم و عظامهم كيف يستبعد أن يرجعهم أحياء كما كانوا اه أبو السعود.
قوله: وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ الجملة حال، و المراد إما تمثيل لعلمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ اه بيضاوي.
قوله: (هو اللوح المحفوظ) و هو من درة بيضاء مستقرة على الهواء فوق السماء السابعة طوله ما بين السماء و الأرض و عرضه ما بين المشرق و المغرب اه من الشارح في سورة البروج.
و قوله: (فيه جميع الأشياء) يحتمل أن فيه صلة المحفوظ، و جميع نائب فاعل به، و يحتمل أن فيه خبر مقدم، و جميع مبتدأ مؤخر اه شيخنا.
قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ الخ إضراب و انتقال من بيان شناعتهم السابقة إلى بيان ما هو أشنع و أقبح، و هو تكذيبهم للنبوة الثابتة بالمعجزات الظاهرة اه أبو السعود.
و قوله: لَمَّا جاءَهُمْ أي: حين جاءهم. قوله: مَرِيجٍ أي: مختلط و أصله من الحركة و الاضطراب و منه مرج الخاتم في إصبعه اه سمين.
و في المختار: مرج الأمر و الدين اختلط و بابه طرب و أمر مريج مختلط اه.
قوله: أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا الخ شروع في بيان الدليل الذي يدفع قولهم ذلك رجع بعيد، أي: أغفلوا أو أعموا، فلم ينظروا إلى السماء فوقهم بحيث يشاهدونها كل وقت كيف بنيناها أي: أوجدناها كالخيمة إلّا أنها من غير عمد اه من الخطيب و أبي السعود.
قوله: (كائنة) فَوْقَهُمْ أشار به إلى أن فوقهم منصوب على الحال من السماء و هي مؤكدة، و كيف منصوبة بما بعدها و هي معلقة بالنظر قبلها اه كرخي.
قوله: كَيْفَ بَنَيْناها كيف مفعول مقدم، و جملة بنيناها بدل من السماء، و قوله: (بلا عمد) جمع عماد كأهب و إهاب اه شيخنا.
الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج7، ص: 258
فُرُوجٍ (6) شقوق تعيبها
وَ الْأَرْضَ معطوف على موضع إلى السماء كيف مَدَدْناها دحوناها على وجه الماء وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا تثبتها وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف بَهِيجٍ (7) يبهج به لحسنه
تَبْصِرَةً مفعول له، أي فعلنا ذلك تبصيرا منا وَ ذِكْرى تذكيرا لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) رجاع إلى طاعتنا
وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير البركة فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ بساتين وَ حَبَ قوله: وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ الواو للحال. قوله: (معطوف على موضع إلى السماء) أي:
المنصوب بينظروا فهو منصوب بذلك أي: أ فلم ينظروا إلى الأرض و يجوز أن ينتصب على تقدير و مددنا الأرض اه كرخي.
قوله: (على موضع إلى السماء) و موضعه نصب على المفعولية، إذ التقدير أ فلم ينظروا السماء، و قوله: كيف لا موقع له، فالصواب حذفه لأنه من الجملة التي قبلها في النظم اه شيخنا.
قوله: (يبهج به) أي: يسر، و أشار بهذا إلى أنه بمعنى فاعل، أي: يحصل به السرور اه شيخنا.
و في المختار: البهجة الحسن، و بابه ظرف فهو بهيج به فرح و سر، و بابه طرب فهو بهج بكسر الهاء و بهجه الأمر من باب قطع و أبهجه أي: سره و الابتهاج السرور اه.
قوله: تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى العامة على نصبهما على المفعول من أجله أي: لتبصير أمثالهم و تذكير أمثالهم، و قيل: منصوبان بفعل من لفظهما مقدر أي: بصرناهم تبصرة و ذكراهم تذكرة، و قيل: حالان أي: مبصرين و مذكرين، و قيل: حال من المفعول أي: ذات تبصرة و تذكير لمن يراها، و قرأ زيد بن علي: تبصرة و ذكر بالرفع أي: هي تبصرة و ذكر اه سمين.
قوله: (مفعول له) أي: و العامل فيه كيف بنيناها، و قوله: (أي: فعلنا ذلك الخ) تفسير للعامل أي: فعلنا البناء و التزيين و ما بعدهما، و قوله: (تبصيرا منا) أي: تعليما و تفهيما و استدلالا اه شيخنا.
و قوله: لِكُلِّ عَبْدٍ متعلق بكل من المصدرين. و في الخطيب تنبيه: قال الرازي: يحتمل أن يكون المصدران عائدين إلى السماء و الأرض، خلقنا السماء تبصرة و خلقنا الأرض ذكرى، و يدل على ذلك أن السماء و زينتها غير متحدة في كل عام فهي كالشيء المرئي على مر الزمان، و أما الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها و زخرفها فتذكر، فالسماء تبصرة و الأرض تذكرة، و يحتمل أن يكون كل واحد من المصدرين موجودا في كل واحد من الأمرين، فالسماء تبصرة و تذكرة و الأرض كذلك، و الفرق بين التذكرة و التبصرة هو أن فيهما آيات مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر و آيات متجددة مذكرة عند التناسي اه.
قوله: (رجاع) صفة نسب كتمار و لبان لا صيغة مبالغة، إذ المدار على أصل الرجوع و إن لم يكن فيه كثرة اه شيخنا.