کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 273

و التكذيب‏ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ صل حامدا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ‏ أي صلاة الصبح‏ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ‏ (39) أي صلاة الظهر و العصر

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ‏ أي صلّ العشاءين‏ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ (40) بفتح الهمزة جمع دبر و بكسرها مصدر أدبر أي صلّ النوافل المسنونة عقب الفرائض، و قيل المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات ملابسا للحمد

وَ اسْتَمِعْ‏ يا مخاطب مقولي‏ يَوْمَ يُنادِ و هذا قول اليهود و غيرهم كالمشركين قالوا بإنكار و الإعادة اه بيضاوي.

قوله: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ الخ فقد كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مشتغلا بأمرين أحدهما: عبادة اللّه، و الثاني:

هداية الخلق فلما لم يهتدوا قيل له أقبل على شغلك الآخر و هو العبادة اه خطيب.

قوله: (صل حامدا) أشار بهذا إلى أن سبح معناه صل قال بعضهم: على سبيل المجاز من اطلاق اسم الجزء على الكل، لكن في القاموس أن من جملة معاني التسبيح الصلاة، فعليه لا تجوز و إلى أن بحمد ربك في موضع الحال من فاعل سبح، و قوله: أي صلاة الصبح تفسير للمفعول المحذوف و كذا يقال فيما بعده اه شيخنا.

قوله: وَ أَدْبارَ السُّجُودِ قرأ نافع و ابن كثير و حمزة إدبار بكسر الهمزة على أنه مصدر قام مقام ظرف الزمان، كقولهم: آتيك خفوق النجم و خلافة الحجاج، و المعنى وقت إدبار الصلاة أي: انقضائها و تمامها، و الباقون بالفتح جمع دبر و هو آخر الصلاة و عقبها اه سمين.

و في البيضاوي: فتح الهمزة أي: أعقاب الصلاة جمع دبر من أدبرت الصلاة إذا انقضت، و أدبار السجود النوافل بعد المكتوبات، و قيل: الوتر بعد العشاء اه.

قوله: (جمع دبر) بضمتين كطنب و أطناب و بضم فسكون كقفل و أقفال اه قرطبي.

و في المصباح الطنب بضمتين و سكون الثاني لغة الحبل تشد به الخيمة و نحوها، و الجمع أطناب مثل عنق و أعناق اه.

قوله: (و قيل المراد حقيقة التسبيح) قاله مجاهد لخبر أبي هريرة في الصحيح مرفوعا: «من سبح دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد اللّه و كبّر ثلاثا و ثلاثين فذلك تسعة و تسعون و تمام المائة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شي‏ء قدير غفرت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر» اه كرخي.

قوله: (مقولي) أشار به إلى أن مفعول أي استمع ما أقول لك في شأن أحوال القيامة فالوقف على استمع و يوم أول كلام مستأنف سيأتي التنبيه على عامله اه شيخنا.

و في السمين: قوله: وَ اسْتَمِعْ‏ هو استماع على بابه، و قيل: هي بمعنى الانتظار و هو بعيد، فعلى الأول يجوز أن يكون المفعول محذوفا أي استمع نداء المنادي أو نداء الكافر بالويل و الثبور، فعلى هذا يكون يوم ينادي ظرفا لاستمع أي استمع ذلك في يوم، و قيل: استمع ما أقول لك، فعلى هذا يكون يوم ينادي منصوبا بيخرجون مقدرا مدلولا عليه بقوله ذلك يوم الخروج و على الثاني يكون يوم ينادي مفعولا به ؤي انتظر ذلك اليوم، و وقف ابن كثير على ينادي بالياء و الباقون بدونها، و وجه إثباتها

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 274

الْمُنادِ هو إسرافيل‏ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ‏ (41) من السماء و هو صخرة بيت المقدس أقرب موضع الأرض إلى السماء يقول: أيتها العظام البالية و الأوصال المتقطعة، و اللحوم المتمزقة، و الشعور المتفرقة، إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء

يَوْمَ‏ بدل من يوم قبله‏ يَسْمَعُونَ‏ أي الخلق كلهم‏ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ‏ بالبعث و هي النفخة الثانية من إسرافيل، و يحتمل أن تكون قبل ندائه أو بعده‏ ذلِكَ‏ أي يوم النداء و السماع‏ يَوْمُ الْخُرُوجِ‏ (42) من القبور، و ناصب يوم ينادي أنه لا مقتضى لحذفها و وجه حذفها وقفا اتباعا للرسم و الوقف محل تخفيف، و أما المنادي فأثبت ابن كثير أيضا ياءه وصلا و وقفا، و نافع و أبو عمرو بإثباتها وصلا و حذفها وقفا، و باقي السبعة بحذفها وصلا و وقفا، فمن أثبت فلأنه الأصل، و من حذف فلاتباع الرسم، و من خص الوقف بالحذف فلأنه محل راحة و محل تغيير اه.

قوله: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ أي: بالحشر اه خطيب.

قوله: (إسرافيل) يقف على صخرة بيت المقدس فينادي بالحشر، و قيل: المنادي جبريل و النافخ إسرافيل. قال الشهاب: و هو الأصح كما دلت عليه الآثار اه.

قوله: (أقرب موضع من الأرض إلى السماء) أي باثني عشر ميلا و هي وسط الأرض اه خطيب.

و عبارة الخازن: أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا، و قيل: هي وسط الأرض اه.

قوله: (و الأوصال) أي العروق.

قوله: بِالْحَقِ‏ حال من الواو أي يسمعون ملتبسين بالحق، أو من الصيحة أي ملتبسة بالحق اه خطيب.

و صنيع الشارح يقتضي أن الباء للتعدية حيث فسر الحق بالبعث أي يسمعون الصيحة و الصرخة بالبعث كما تقول صاح بكذا اه شيخنا.

قوله: (و هي النفخة الثانية من إسرائيل و يحتمل أن تكون قبل ندائه و بعده) تأمل هذا الصنيع حيث فسر الصيحة بالنفخة الثانية التي هي نفخة البعث، ثم قال: و يحتمل الخ فهذا يقتضي أنها غير النداء المذكور، مع أن النداء المذكور هو ما يسمع من النفخة الثانية، فهذا الصنيع من الشارح غير مستقيم، و عبارة القرطبي: في سورة يس: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [يس: 29 و 35] يعني أن بعثهم إحياءهم كان بصيحة واحدة و هي قول إسرافيل: أيتها العظام النخرة و الأوصال المتقطعة و اللحوم المتفرقة و الشعور المتمزقة إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، و هذا معنى قوله: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ‏ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ‏ على ما يأتي اه. فتأمل.

قوله: (و هذا معنى قوله الخ) حيث جعل النداء المذكور تفسيرا في قوله: يوم يسمعون الصيحة بالحق تأمل. قوله: (أي يعلمون عاقبة تكذيبهم) بيان للناصب المقدر، و لو قدره الشارح بجنب منصوبه لكان أسهل في الفهم لأن قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ‏ من جملة الاعتراض الآتي التنبيه عليه، فالعامل في يوم ينادي يقدر قبله اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 275

مقدرا أي يعلمون عاقبة تكذيبهم‏

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)

يَوْمَ‏ بدل من يوم قبله و ما بينهما اعتراض‏ تَشَقَّقُ‏ بتخفيف الشين و تشديدها، بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً جمع سريع، حال من مقدر، أي فيخرجون مسرعين‏ ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) فيه فصل بين الموصوف و الصفة بمتعلقها للاختصاص، و هو لا يضر، و ذلك إشارة إلى معنى الحشر المخبر به عنه، و هو الإحياء بعد الفناء، و الجمع للعرض و الحساب‏

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ‏ أي كفار قريش‏ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ تجبرهم على الإيمان، و هذا قبل الأمر بالجهاد فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) و هم المؤمنون.

قوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي‏ الخ أي في الدنيا، و قوله: و إلينا المصير أي في الآخرة. قوله: (بدل من يوم قبله) عبارة السمين: قوله: يوم تشقق الأرض. يوم يجوز أن يكون بدلا من يوم قبله، و قال أبو البقاء: إنه بدل من يوم الأول و فيه نظر من حيث تعدد البدل و المبدل منه واحد، و قد تقدم أن الزمخشري منعه، و يجوز أن يكون اليوم ظرفا للمصير، و قيل: ظرفا للخروج، و قيل: منصوب بيخرجون مقدرا اه.

قوله: (و ما بينهما) و هو قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ‏ الخ اه شيخنا.

قوله: (حال من مقدر) مبني على أن يوم معمول لمحذوف تقديره يخرجون يوم تشقق الأرض عنهم حال كونهم سراعا، و قيل: إنه حال من الضمير في عنهم و لا تقدير اه.

قوله: (للاختصاص) أي لا يتيسر ذلك إلا على اللّه وحده اه خطيب.

و المراد بالاختصاص الحصر لأن تقديم المعمول اه شيخنا.

قوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ‏ فيه تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم اه خطيب.

قوله: بِجَبَّارٍ صيغة مبالغة من جبر الثلاثي، فإن فعالا إنما يبنى من الثلاثي. و في المصباح:

و أجبرته على كذا بالألف حملته عليه قهرا و غلبته فهو مجبر. هذه لغة عامة العرب، و في لغة لبني تميم و كثير من أهل الحجاز جبرته جبرا من باب قتل حكاه الأزهري، ثم قال: جبرته و أجبرته لغتان جيدتان، و قال الخطابي: الجبار الذي جبر خلقه على ما أراده من أمره و نهيه، يقال: جبره السلطان و أجبره بمعنى، و رأيت في بعض التفاسير عند قوله تعالى: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أن الثلاثي لغة حكاها الفراء و غيره، و استشهد لصحتها بما معناه أنه لا يبنى فعال إلّا من فعل ثلاثي نحو الفتاح و العلام، و لم يجى‏ء من أفعل بالألف إلا دراك، فإن حمل جبار على هذا المعنى فهو وجيه. قال الفراء: و قد سمعت العرب تقول جبرته على الأمر و أجبرته، و إذا ثبت ذلك فلا يعول على قول من ضعفها اه.

قوله: (و هذا قبل الأمر بالجهاد) أي: فهو منسوخ اه كازروني. قوله: مَنْ يَخافُ وَعِيدِ يرسم بدون ياء، و أما في اللفظ فقرأ ورش بإثباتها بعد الدال وصلا لا وقفا، و حذفها الباقون وصلا و وقفا اه خطيب.

قوله: (و هم المؤمنون) أي: فإنهم المنتفعون به، و أما من عداهم فنحن نفعل بهم ما توجبه أقوالهم و تستدعيه أعمالهم من أنواع العقاب و فنون العذاب اه كرخي، و اللّه أعلم.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 276

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الذاريات مكية و هي ستون آية

وَ الذَّارِياتِ‏ الرياح تذرو التراب و غيره‏ ذَرْواً (1) مصدر، و يقال تذريه ذريا: تهب به‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ في بعض النسخ سورة و الذاريات بالواو.

قوله: (مكية) أي بإجماع اه قرطبي.

قوله: وَ الذَّارِياتِ‏ مفعوله محذوف أشار له بقوله التراب و غيره، و قوله: مصدر أي مؤكد و ناصبه فرعه و هو اسم الفاعل، أي: الذاريات، و قوله: (تهب به) راجع لكل من الواوي و اليائي اه شيخنا.

و في البيضاوي: وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً يعني الرياح تذرو التراب و غيره، أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد فَالْحامِلاتِ، و قرأ فالسحب الحاملات للأمطار، أو الرياح الحاملات للسحاب، أو النساء الحوامل. فَالْجارِياتِ يُسْراً: فالسفن الجارية في البحر سهلا أو الرياح الجارية في مهابها، أو الكواكب التي تجري في منازلها، و يسرا: صفة مصدر محذوف أي: جريا ذا يسر فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً: الملائكة تقسم الأمور من الأمطار و الأرزاق و غيرهما، أو ما يعمهم و غيرهم من أسباب القسمة، أو الرياح يقسمن الأمطار بتصرف السحاب اه.

و الترتيب في هذه الأقسام ترتيب ذكري و رتبي باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على قدرته تعالى، و توضيح المقام أن الأيمان الواقعة في القرآن و إن وردت في صورة تأكيد المحلوف عليه، إلا أن المقصود الأصلي منها تعظيم المقسم به لما فيه من الدلالة على كمال القدرة، فيكون المقصود بالحلف الاستدلال به على المحلوف عليه و هو هنا صدق الوعد بالبعث و الجزاء، فكأنه قيل: من قدر على هذه الأمور العجيبة يقدر على إعادة ما أنشأه أولا، فإذا كان كذلك فالمناسب في ترتيب الأقسام بالأمور المتباينة أن يقدم ما هو أدل على كمال القدرة، فالرياح أدل عليها بالنسبة إلى السحب لكون الرياح أسبابا لها، و السحب لغرابة ماهيتها و كثرة منافعها ورقة حاملها الذي هو الرياح أدل عليه بالنسبة إلى السفن، و هذه الثلاثة أدل عليه بالنسبة إلى الملائكة الغائبين عن الحس، إذ الخصم ربما ينكر وجود من هو غائب عن الحس فلا يتم الاستدلال، و هذا على كون الترتيب على طريق التدلي و التنزل، و يصح أن‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 277

فَالْحامِلاتِ‏ السحب تحمل الماء وِقْراً (2) ثقلا مفعول الحاملات‏

فَالْجارِياتِ‏ السفن تجري على وجه الماء يُسْراً (3) بسهولة، مصدر في موضع الحال، أي ميسرة

فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) الملائكة تقسم الأرزاق و الأمطار و غيرها بين العباد و البلاد

إِنَّما تُوعَدُونَ‏ ما مصدرية، أي إن وعدهم بالبعث و غيره‏ لَصادِقٌ‏ (5) لوعد صادق‏

وَ إِنَّ الدِّينَ‏ الجزاء بعد الحساب‏ لَواقِعٌ‏ (6) لا يكون على طريق الترقي لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه و أدنى من وجه آخر، فالملائكة المدبرات أعظم، و أنفع من السفن و هي باعتبار أنها بيد الإنسان يتصرف فيها كما يريد و يسلم بها من المهالك أنفع من السحب، و السحب لما فيها من الأمطار أنفع من الرياح ملخصا من زاده و الشهاب.

و في الخازن: فالمقسمات أمرا يعني الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا، و قيل:

هم أربعة، فجبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء الأمين عليه و صاحب الغلظة، و ميكائيل صاحب الرزق و الرحمة، و إسرافيل صاحب الصور و اللوح، و عزرائيل صاحب قبض الأرواح. و قيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح لأنها تنشى‏ء السحاب و تثيره ثم تحمله و تنقله ثم تجري به جريا سهلا ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب أقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها و لما فيها من الدلالة على عجيب صنعته و قدرته، و المعنى أقسم بالذاريات و بهذه الأشياء، و قيل: فيه مضمر تقديره و رب الذاريات ثم ذكر جواب القسم، فقال: إِنَّما تُوعَدُونَ‏ الخ اه.

قوله: (فذرو التراب) من باب عدا، و قوله: و يقال تذريه من باب رمى كما في المختار. قوله:

(تهب به) بضم الهاء، ففي المصباح: هبت الريح هبوبا من باب قعد هاجت اه.

قوله: وِقْراً الوقر و الثقل و الحمل كلها ألفاظ وزنها واحد و معناها واحد و هو واحد الأحمال اه شيخنا.

قوله: (مفعول) أي: مفعول به للحاملات.

قوله: أَمْراً يجوز أن يكون مفعولا به و هو الظاهر، و أن يكون حالا أي: مأمورة، و على هذا فيحتاج إلى حذف مفعول المقسمات، و قد يقال لا غرض في تقديره كما في الذاريات، و ما في قوله إنما توعدون يجوز أن تكون اسمية و عائدها محذوف أي: توعدونه و مصدرية فلا عائد لها، و حينئذ يحتمل أن يكون توعدون مبنيا من الوعد، و أن يكون مبنيا من الوعيد، لأنه صالح أن يقال أوعدته فهو يوعد و وعدته فهو يوعد لا يختلف، فالتقدير إن وعدكم أو إن وعيدكم اه سمين.

قوله: (أي إن وعدهم الخ) صوابه أي: إن وعدكم كما في عبارة غيره اه.

قوله: لَواقِعٌ‏ أي: حاصل. قوله: (في الخلقة) أشار به إلى أن المراد بها الطرق المحسوسة كما ذكره بقوله كالطرق في الرمل لا المعنوية كما قاله بعضهم، و في البيضاوي: و السماء ذات الحبك ذات الطرائق، و المراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي تسلكها النظار و تتوصل بها إلى المعارف أو النجوم، فإن لها طرائق، أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 278

محالة

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ‏ (7) جمع حبيكة كطريقة و طرق، أي صاحبة الطرق في الخلقة كالطرق في الرمل‏

إِنَّكُمْ‏ يا أهل مكة في شأن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن‏ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ‏ (8) قيل: شاعر ساحر كاهن، شعر سحر كهانة

يُؤْفَكُ‏ يصرف‏ عَنْهُ‏ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن، أي عن الإيمان به‏ مَنْ أُفِكَ‏ (9) صرف عن الهداية في علم اللّه تعالى‏

قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ‏ (10) لعن الكذابون أصحاب القول المختلف‏

الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ جهل يغمرهم‏ ساهُونَ‏ (11) غافلون عن أمر الآخرة

يَسْئَلُونَ‏ النبي استفهام استهزاء أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ‏ (12) أي متى مجيئه، و جوابهم يجي‏ء

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ جمع حبيكة كطريقة و طرق أو حباك كمثال و مثل، و قرئ الحبك بالسكون، و الحبك كالإبل، و الحبك كالسلك، و الحبك كالحبل، و الحبك كالنعم، و الحبك كالبرق اه.

و قوله: (كالبرق) بضم ففتح جمع برقة و هي أرض ذات حجارة اه.

قوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ‏ جواب القسم. قوله: (قيل شاعر الخ) الأولى أن يقول قلتم أو فتقولون كما عبّر اه شيخنا.

قوله: (عن النبي و القرآن) و قيل: الضمير للقول المذكور أي يرتد أن يصرف عن هذا القول من صرف عنه في علم اللّه و هم المؤمنون. و في الخطيب: و قيل إن هذا القول مدح للمؤمنين و معناه يصرف عن القول المختلف من صرف عن ذلك القول و رشد إلى المستوي اه.

قوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ‏ الخ أصل هذا التركيب الوعد بالقتل أجري مجرى اللعن اه بيضاوي.

أي: استعمل بمعنى لعن الكذابون تشبيها للملعون الذي يفوته كل خير و سعادة بالمقتول الذي تفوته الحياة و كل نعمة اه زاده.

و في القاموس: ما يقتضي أن قتل يأتي بمعنى لعن، و نصه: و قتل الإنسان ما أكفره أي: لعن، و قاتلهم اللّه أي: لعنهم اه.

و في الخازن: قتل الخراصون يعني الكذابون و هم المقتسمون الذين اقتسموا أعتاب مكة، و اقتسموا القول في النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ليصرفوا الناس عن الإسلام، و قيل هم الكهنة اه.

قوله: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ‏ سؤالهم هذا نشأ من قوله: و إن الدين لواقع، و قوله: أيان خبر مقدم، و يوم الدين مبتدأ مؤخر، و لما أورد عليه ما حاصله أن الزمان لا يخبر به عن الزمان، و إنما يخبر به عن الحدث أشار إلى أن الكلام على حذف مضاف ليرجع الأمر للاخبار بالزمان عن الحدث، فقال:

أي متى مجيئه، فقوله: متى تفسير لأيان الذي هو الخبر، و قوله: مجيئه إشارة للمضاف المحذوف في المبتد و هو يوم الدين اه شيخنا.

قوله: (و جوابهم) أي: جواب سؤال محذوف تقديره يجي‏ء و هو الناصب ليوم، فهو ظرف للمحذوف، و هم مبتدأ و يفتنون خبره و على بمعنى في، و الجملة في محل جر بإضافة يوم إليها. هذا ما جرى عليه الشارح، لكن هذا الجواب لا يفيد إذ ليس فيه تعيين المسؤول عنه، بل هو أشد إبهاما و خفاء منه، و إنما أجيبوا به لأن سؤالهم ليس حقيقيا قصدوا به العلم و الفهم بل هو استهزاء فلذلك أجيبوا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 279

يُفْتَنُونَ‏ (13) أي يعذبون فيها، و يقال لهم حين التعذيب‏

ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ‏ تعذيبكم‏ هذَا التعذيب‏ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ‏ (14) في الدنيا استهزاء

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ‏ بساتين‏ وَ عُيُونٍ‏ (15) تجري فيها

آخِذِينَ‏ حال من الضمير في خبر إن‏ ما آتاهُمْ‏ أعطاهم‏ رَبُّهُمْ‏ من الثواب‏ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ‏ أي دخولهم الجنة مُحْسِنِينَ‏ (16) في الدنيا

كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ‏ (17) ينامون، و ما زائدة، و يهجعون خبر كان، و قليلا ظرف، أي ينامون في زمن يسير من الليل و يصلون أكثره‏

وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏ (18) يقولون: اللهم اغفر لنا

وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ‏ (19) الذي لا بصورة جواب لا بجواب حقيقي مقيد للتعيين اه شيخنا.

قوله: (أي يعذبون فيها) قيل: إن أصل معنى الفتنة إذابة الجوهر ليظهر غشه ثم استعمل في التعذيب و الإحراق اه شهاب.

و عدي يفتنون بعلى لتضمنه معنى يعرضون اه زاده.

قوله: هذَا مبتدأ و قوله: الَّذِي كُنْتُمْ‏ الخ خبر. قوله: (تجري فيها) فيه إشارة إلى جواب ما يقال كيف قال: إن المتقين في عيون مع أنهم لم يكونوا فيها؟ و إيضاح الجواب إنها تجري فيها و تكون في جهاتهم و أمكنتهم منها اه شيخنا.

قوله: (حال من الضمير في خبر إن) أي: كائنون في جنات و عيون حال كونهم آخذين ما آتاهم ربهم أي: راضين به و مسرورين و متلقين له بالقبول اه شيخنا.

و قول الشارح: من الثواب بيان لما و عليه تكون الحال مقارنة و معنى آخذين قابضين ما آتاهم شيئا فشيئا و لا يستوفونه بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له، و قيل: قابلين قبول راض كقوله تعالى:

وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ‏ [التوبة: 104] أي: يقبلها، قاله الزمخشري اه خطيب.

قوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ‏ تفسير للإحسان. و في المختار: الهجوع النوم ليلا و بابه خضع و الهجعة النومة الخفيفة، و يقال: أتيت فلانا بعد هجعة أي: بعد نومة خفيفة من الليل اه.

قوله: وَ بِالْأَسْحارِ متعلق بيستغفرون المعطوف على ما يهجعون، و الباء بمعنى في قدم متعلق الخبر على المبتدأ لجواز تقديم العامل اه سمين.

و في الخطيب: قوله: وَ بِالْأَسْحارِ قال ابن زيد: السحر السدس الأخير من الليل. هم: أي:

دائما بظواهرهم و بواطنهم يستغفرون: أي يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين، و يسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم باللّه تعالى و أنهم لا يقدرون على أن يقدروه حتى قدره و إن اجتهدوا لقول سيد الخلق محمد صلّى اللّه عليه و سلّم لا أحصي ثناء عليك اه.

و قيل: يستغفرون من تقصيرهم فهي العبادة، و قيل: يستغفرون من ذلك القدر القليل الذي كانوا ينامونه من الليل، و قيل: معناه يصلون بالأسحار لطلب المغفرة اه خازن.

صفحه بعد