کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 292

و عبارة الكرخي: قوله: و لا ينافي في ذلك الخ هو جواب سؤال كيف قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، و لو كان مريدا للعبادة منهم لكانوا كلهم عبادا و الحال أنها لم توجد من الكل، و إيضاحه: أن خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة أي صالحة مستعدة حيث ركب فيهم عقولا و جعل لهم حواس، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، و من لم يتأت منه ذلك إذ الغاية لا يلزم وجودها كما قرره الشيخ المصنف، أو لأن ذلك عام أريد به الخصوص بدليل قوله: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ [الأعراف: 179] و من خلق لجهنم لا يكون مخلوقا للعبادة قاله شيخ الإسلام زكريا نقلا عن الرازي، و يعضده قراءة من قرأ و ما خلقت الجن و الإنس من المؤمنين، و لعل تقديم خلق الجن في الذكر لتقدمه على خلق الإنس في الوجود اه.

و عبارة القرطبي: و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم اللّه أنه يعبد فجاء بلفظ العموم و معناه الخصوص، و المعنى و ما خلقت الجن و الإنس أهل السعادة إلا ليوحدون. قال القشيري: و الآية دخلها التخصيص على القطع لأن المجانين و الصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة، و قد قال تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ [الأعراف:

179] و من خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم و هو كقوله:

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا [الحجرات: 14] و إنما قال فريق منهم ذكره الضحاك و الكلبي و الفراء و العتبي.

و في قراءة عبد اللّه: و ما خلقت الجن و الإنس إلا لآمرهم بالعبادة، و اعتمد الزجاج هذا القول و يدل عليه قوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً [التوبة: 31] فإن قيل: كيف كفروا و قد خلقهم للاقرار بربوبيته و التذلل لأمره و مشيئته؟ قلت: تذللوا لقضائه عليهم لأن قضاءه جار عليهم لا يقدرون على الامتناع منه، و إنما خالفه من كفر في العمل بما أمر به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه، و قيل: إلا ليعبدون إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها رواه عثمان بن أبي طلحة عن ابن عباس، فالكره ما يرى فيهم من أثر الصنعة، و قال مجاهد: إلا ليعرفون، قال الثعلبي: و هذا قول حسن لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده و توحيده، و دليل هذا التأويل قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ [الزمر: 38، لقمان: 25] وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ [الزخرف: 9] و ما أشبه هذا من الآيات و عن مجاهد أيضا: إلا لآمرهم و أنهاهم، و قال زيد بن أسلم: هو ما جبلوا عليه من الشقاوة و السعادة، فخلق السعداء من الجن و الإنس للعبادة، و خلق الأشقياء منهم للمعصية، و عن الكلبي أيضا: إلّا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدة و الرخاء، و أما الكافر فيوحده في الشدة و البلاء دون النعمة و الرخاء، يدل عليه قوله تعالى: وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ [لقمان: 32] الآية. و قال عكرمة: إلا ليعبدون و يطيعون فأثيب العابد و أعاقب الجاحد، و قيل: المعنى إلا لأستعبدهم و المعنى متقارب اه.

قوله: (لأن الغاية لا يلزم وجودها) فيه إشارة إلى أن هذه اللام لام العاقبة و الصيرورة و ليست لام العلة الباعثة، لأن الرب لا يحمله شي‏ء على شي‏ء، قوله: (كما في قولك الخ) غير سديد، لأن اللام في‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 293

لأكتب به، فإنك قد لا تكتب به‏

ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ‏ لي و لا لأنفسهم و غيرهم‏ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‏ (57) و لا أنفسهم و لا غيرهم‏

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏ (58) الشديد

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر من أهل مكة و غيرهم‏ ذَنُوباً نصيبا من العذاب‏ مِثْلَ ذَنُوبِ‏ نصيب‏ أَصْحابِهِمْ‏ المثال المذكور لام العلة الباعثة لأنها في فعل المخلوق، و إذا كانت اللام هنا لام الصيرورة كان المعنى و ما خلقت الجن و الإنس إلّا و قد ترتب على خلقهم أن عبدوني، فيعود الاشكال و هو أن العبادة لم توجد من جميعهم و إنما وجدت من بعضهم، فما قصده الشارح من الجواب غير دافع للاعتراض و هذا ما أشار له القاري تأمل.

قوله: ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‏ أي: ما أريد أن أصرفهم في تحصيل رزقي فليشتغلوا بما هم مخلوقون له و مأمورون به، و المراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم اه بيضاوي.

و قوله: في تحصيل معايشهم، منهم من يحتاج إلى كسب عبده في نيل الرزق، و منهم من يكون له مال وافر يستغني به عن حمل عبده عن الاكتساب لكنه يستعين به في قضاء حوائجه بأن يستخدمه في طبخ الطعام و إحضاره بين يديه و نحو ذلك، و هو تعالى مستغن عن جميع ذلك، فظهر فائدة تكرير قوله:

و ما أريد أن يطعمون، فإن الإرادة الأولى متعلقة باكتساب الرزق، و الثانية: متعلقة باصلاحه، و خص الاطعام بالذكر لكونه معظم المنافع المطلوبة من المماليك بعد اشتغالهم بالأرزاق، و نفي الأهم يستلزم نفي ما دونه بطريق الأولى قيل: ما أريد منهم من عين و لا عمل، قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ‏ تعليل لعدم ارادته الرزق منهم، و قوله: ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏ تعليل لعدم احتياجه إلى استخدامهم في تمامه في إصلاح طعامه و شرابه و نحو ذلك اه زاده.

قوله: الْمَتِينُ‏ العامة على رفعه و فيه أوجه، إما النعت للرزاق، و إما النعت لذو، و إما النعت لاسم إن على الموضع و هو مذهب الجرمي و الفراء و غيرهما، و إما خبر بعد خبر، و إما خبر مبتدأ مضمر، و على كل تقدير فهو تأكيد لأن ذو القوة يفيد فائدته، و قرأ ابن محيصن: الرزاق كما قرأ و في السماء رازقكم كما تقدم، و قرأ يحيى بن وثاب، و الأعمش: المتين بالجر على أنه صفة للقوة و إنما ذكر وصفها لكونها تأنيثها غير حقيقي اه سمين.

قوله: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا الخ أي: إذا عرفت حال الكفرة المتقدمين من عاد و ثمود و قوم نوح، فإن لهؤلاء المكذبين نصيبا مثل نصيبهم عبر عن النصيب بالذنوب ليشبه به في أنه يصب عليهم العذاب كما يصب الذنوب، قال تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ‏ [الحج: 19] اه زاده.

قوله: ذَنُوباً قال الزمخشري: الذنوب الدلو العظيمة، و هذا تمثيل أصله في السقائين يقتسمون الماء، فيكون لهذا ذنوب و لهذا ذنوب، و قال الراغب: الذنوب الدلو الذي له ذنب اه.

فراعى الاشتقاق، و الذنوب أيضا الفرس الطويل الذنب و هو صفة على فعول، و يقال: يوم ذنوب أي: طويل الشر استعارة من ذلك اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 294

الهالكين قبلهم‏ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ‏ (59) بالعذاب إن أخرتهم إلى يوم القيامة

فَوَيْلٌ‏ شدّة عذاب‏ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ‏ في‏ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏ (60) أي يوم القيامة.

قوله: مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ‏ أي: نظرائهم من الأمم السابقة اه.

قوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالكفر و اشعارا بعلة الحكم، و الفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذابا عظيما، كما أن الفاء الأولى لترتيب النهي عن الاستعجال على ذلك اه أبو السعود.

و الويل: الشدة من العذاب، و قيل: واد في جهنم اه زاده.

قوله: الَّذِي يُوعَدُونَ‏ أي: يوعدون العذاب فيه اه شيخنا و اللّه تعالى أعلم.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 295

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية

وَ الطُّورِ (1) أي الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى‏

وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ (2)

فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و في نسخة: و الطور.

قوله: وَ الطُّورِ. وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ الخ هذه أقسام خمسة جوابها: إن عذاب ربك لواقع، و الواو الأولى للقسم، و الواوات بعدها للعطف كما قاله الخليل اه خطيب.

أوكل واحدة منها للقسم كما قاله السمين، و في القرطبي: الطور اسم من أسماء الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى عليه السّلام أقسم اللّه به تشريفا و تكريما و تذكيرا بما فيه من الآيات، و هو أحد جبال الجنة، و المراد به طور سيناء قاله السدي: و قال مقاتل بن حبان: هما طوران يقال لأحدهما طور سيناء، و الآخر طور زيتا، لأنهما ينبتان التين و الزيت، و قيل: هو جبل بمدين و اسمه زبير، قال الجوهري: و الزبير الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى عليه السّلام. قلت: و مدين بالأرض المقدسة و هي قرية شعيب عليه السّلام، و قيل: إن الطور كل جبل ينبت الشجر المثمر و ما لا ينبت فليس بطور قاله ابن عباس اه.

قوله: وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ أي: متفق الكتابة بسطور مصفوفة في حروف مرتبة جامعة لكلمات متفقة اه خطيب.

و في المختار: السطر الصف من الشي‏ء يقال: بني سطرا، و السطر أيضا الخط و الكتابة و هو في الأصل مصدر و بابه نصر و سطر أيضا بفتحتين، و الجمع أسطار كسبب و أسباب، و جمع الجمع أساطير، و جمع السطر أسطور و سطور كأفلس و فلوس اه.

قوله أيضا: وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ تنكيرهما للتفخيم و الاشعار بأنهما ليس مما يتعارفه الناس اه أبو السعود.

و في متعلق بمسطور أي: مكتوب في رق، و الرق الجلد الرقيق الذي يكتب فيه، و قال الراغب:

الرق كل ما يكتب فيه جلدا كان أو غيره و هو بفتح الراء على الأشهر، و يجوز كسرها كما قرئ به شاذا،

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 296

أي التوراة أو القرآن‏

وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) هو في السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة بحيال الكعبة، يزوره كل يوم سبعون ألف ملك بالطواف و الصلاة لا يعودون إليه أبدا

وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ‏ (5) أي السماء

وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) أي المملوء

إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ‏ (7) لنازل بمستحقه و أما الرق الذي هو ملك الارقاء فهو بكسر الراء لا غير، و قوله: منشور أي: مبسوط غير مطوي و غير مختوم عليه، و هو بالنسبة للتوراة الألواح التي أنزلت على موسى، و بالنسبة للقرآن المصحف اه شيخنا.

و في القرطبي: و كتاب مسطور أي مكتوب يعني القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف، و يقرؤه الملائكة من اللوح المحفوظ، كما قال اللّه تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ‏ [الواقعة: 77] و قيل: يعني سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، و كان كل كتاب في رق ينشره أهله لقراءته، و قال الكلبي: هو ما كتب اللّه لموسى بيده من التوراة و موسى يسمع صرير القلم، و قال الفراء: هو صحائف الأعمال، فمن أخذ كتاب بيمينه و من أخذ كتابه بشماله نظيره: وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء: 13] و قوله: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ‏ [التكوير: 10] و قيل: إنه الكتاب الذي كتبه اللّه تعالى لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان و ما يكون، و قيل: المراد ما كتبه اللّه في قلوب الأولياء من المؤمنين بيانه‏ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ‏ [المجادلة: 22] اه.

قوله: (هو في السماء الثالثة الخ) و قيل: هو في الأول و قيل: هو في الرابعة و قيل: تحت العرش فوق السابعة فهذه أقوال ستة في محل البيت المعمور و قيل: البيت المعمور هو الكعبة نفسها و عمارتها بالحجاج و الزائرين لها، و عن ابن عباس أيضا قال: اللّه في السموات و الأرض خمسة عشر بيتا، سبعة في السموات، و سبعة في الأرضين و الكعبة، و كلها مقابلة للكعبة، و قال الحسن: البيت المعمور هو الكعبة و هي البيت الحرام الذي هو معمور بالناس يعمره اللّه كل سنة بستمائة ألف، فإن عجز الناس عن ذلك أتمه اللّه بالملائكة، و هو أول بيت وضعه اللّه للعبادة في الأرض اه من القرطبي.

قوله: (بحيال الكعبة) أي: على كل قول، و قوله: يزوره بيان لكونه معمورا اه شيخنا.

قوله: (أي السماء) لأنها للأرض كالسقف للبيت بيانه: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [الأنبياء: 32] و قال ابن عباس: هو العرش و هو سقف الجنة اه قرطبي.

قوله: وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي: المملوء بالماء و هو البحر المحيط كما ذكره العمادي، و قيل:

المسجور الممتلى‏ء بالنار، و قيل: المسجور الفارغ الخالي. و في الخازن: و البحر المسجور يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور، و هو قول ابن عباس، و ذلك ما روي أن اللّه تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزاد بها في نار جهنم. و جاء في الحديث، عن عبد اللّه بن عمر قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يركبن رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا فإن تحت البحر نارا و تحت النار بحرا».

و قيل المسجور المملوء و قيل: هو اليابس الذي ذهب ماؤه و نضب و هو المختلط العذب بالملح.

و روي عن علي أنه قال في البحر المسجور: و هو بحر تحت العرش عمقه كما بين سبع سموات إلى سبع أرضين فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 297

ما لَهُ مِنْ دافِعٍ‏ (8) عنه‏

يَوْمَ‏ معمول لواقع‏ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) تتحرك و تدور

وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) تصير هباء منثورا و ذلك في يوم القيامة

فَوَيْلٌ‏ شدة عذاب‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (11) فينبتون من قبورهم أقسم اللّه بهذه الأشياء لما فيها من عظيم قدرته اه.

قوله: مِنْ دافِعٍ‏ يجوز أن يكون فاعلا و أن يكون مبتدأ أو من مزيدة على الوجهين اه سمين.

قوله: (معمول لواقع) و على هذا فالجملة المنفية معترضة بين العامل و معموله، و قيل: معمول لدافع اه سمين.

قوله: (تتحرك و تدور) أي: كدوران الرحى، و تجي‏ء و تذهب، و يدخل بعضها في بعض، و تختلف أجزاؤها، و تتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قال البغوي: و المور يجمع هذه المعاني إذ هو في اللغة الذهاب و المجي‏ء و التردد و الدوران و الاضطراب اه خطيب.

و في المختار: مار من باب قال تحرك و جاء و ذهب، و منه قوله تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً قال الضحاك: تموج موجا، و قال أبو عبيدة، و الأخفش: تتكفأ اه.

قوله: (تصير هباء منثورا) هذا ليس تفسيرا لتسير، بل معناه أنها تنتقل عن مكانها و تطير في الهواء ثم تقع على الأرض مفتتة كالرمل، ثم تصير كالعهن أي الصوف المندوف، ثم تطيرها الرياح فتصير هباء منثورا كما دل عليه كلامه في سورة النمل اه شيخنا.

و نصه هناك: و ترى الجبال تبصرها وقت النفخة تحسبها تظنها جامدة واقفة مكانها لعظمها، و هي تمر مر السحاب المطر إذا ضربته الريح أي تسير سيره حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير كالعهن ثم تصير هباء منثورا اه.

و في الخازن: و الحكمة في مور السماء و سير الجبال الإنذار و الإعلام بأنه لا رجوع و لا عود إلى الدنيا، و ذلك لأن الأرض و السماء و ما بينهما من الجبال و البحار و غير ذلك إنما خلقت لعمارة الدنيا و انتفاع بني آدم بذلك، فلما لم يبق لهم عود إليها أزالها اللّه تعالى و ذلك لخراب الدنيا و عمارة الآخرة اه.

قوله: يَوْمَئِذٍ منصوب بويل، و الخبر للمكذبين، و الفاء في فويل قال مكي: جواب الجملة المتقدمة و حسن ذلك لأن في الكلام معنى الشرط، لأن المعنى إذا كان ما ذكر فويل، و يوم يدعون يجوز أن يكون بدلا من قوله: يوم تمور أو يومئذ قبله، و العامة على فتح الدال و تشديد العين من دعه يدعه أي: دفعه في صدره بعنف و شدة، و قال الراغب: و أصله أن يقال للعاثر دع دع كما يقال له لعا و هذا بعيد من معنى هذه اللفظة، و قرأ علي رضي اللّه عنه، و السلمي، و أبو رجاء، و زيد بن علي بسكون الدال و تخفيف العين مفتوحة من الدعاء أي: يدعون إليها فيقال لهم هلموا فادخلوها، و هذه النار جملة منصوبة بقول مضمر أي: تقول لهم الخزنة هذه النار اه سمين.

و في المختار: دعه دفعه و بابه رد، و منه قوله تعالى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ‏ [الماعون: 2] اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 298

الرسل‏

الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ‏ باطل‏ يَلْعَبُونَ‏ (12) أي يتشاغلون بكفرهم‏

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى‏ نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) يدفعون بعنف، بدل من يوم تمور، و يقال لهم تبكيتا

هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14)

أَ فَسِحْرٌ هذا العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في الوحي: هذا سحر أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ‏ (15)

اصْلَوْها فَاصْبِرُوا عليها أَوْ لا تَصْبِرُوا صبركم و جزعكم‏ سَواءٌ عَلَيْكُمْ‏ لأن صبركم لا ينفعكم‏ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ (16) أي جزاءه‏

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَعِيمٍ‏ (17) قوله: (باطل) في حواشي الكشاف الخوض من المعاني الغالبة فإنه يصلح للخوض في كل شي‏ء إلا أنه غلب في الخوض في الباطل كالاحضار فإنه عام في كل شي‏ء ثم غلب استعماله في الاحضار للعذاب قال تعالى: لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ‏ [الصافات: 57] و نظيره في الأسماء الغالبة دابة فإنها غلبت في ذوات الأربع و القوم غلبت في الرجال اه كرخي.

قوله: (يدفعون بعنف) و ذلك بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم و تجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار اه بيضاوي.

قوله: (كما كنتم تقولون في الوحي) أي: القرآن الجائي به أي: بالعذاب، فقولهم في القرآن الجائي بالعذاب سحر كأنه قول في العذاب إنه سحر ففي الكلام نوع تجوز اه شيخنا.

قوله: أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ‏ هذا بإزاء قولهم في الدنيا إنما سكرت أبصارنا الخ، و ظاهر كلام الكشاف أن أم منقطعة حيث قال: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر أي: بل أنتم عمي عن المخبر عنه، و هذا تقريع و تهكم. و في التفسير الكبير: هل في أمرنا سحر أم هل في بصركم خلل أي: لا واحد منهما ثابت فجعلها معادلة، و قال صاحب الكشف: أفسحر هذا كلام تام من مبتدأ و خبر، قال: أم أنتم لا تبصرون اه كرخي.

و عبارة زاده: أفسحر هذا أي: هل في المرئي تلبيس و تمويه حتى قيل لكم إنه نار مع كونه لي بنار في نفس الأمر أم هل في بصركم خلل، فكلمة أم متصلة و الاستفهام للإنكار أي: ليس شي‏ء منهما ثابتا، فثبت أنكم قد بعثتم، و جوزيتم بأعمالكم و أن الذي ترونه حق فهو تقريع شديد و تهكم فظيع، و بعد هذا التقريع يقال لهم اصلوها الخ اه.

قوله: اصْلَوْها في المصباح: صلى بالنار و صليها صلى من باب تعب وجد حرها، و الصلاء وزان كتاب حر النار، و صليت اللحم أصليه من باب رمى شويته اه.

قوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ‏ فيه و جهان، أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: صبركم و تركه قاله أبو البقاء. و الثاني: أنه مبتدأ و الخبر محذوف أي: سواء الصبر و الجزع قاله الشيخ، و الأول أحسن لأن جعل النكرة خبرا أولى من جعلها مبتدأ، و جعل المعرفة خبرا. و نحا الزمخشري إلى الوجه الثاني فقال: سواء خبره محذوف أي: سواء عليكم الأمران الصبر و عدمه اه سمين.

صفحه بعد